7 أغسطس 2023

المعايشة الإيمانية لاسم الله الحميد

 


الحمد لله العزيز الحميد .. المحمود على كل حال ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ،حمداً يليق بقوته ،ويحاكي جبروته ، أحمده حمد الشاكرين ، وأشكره  شكر الحامدين ، خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، فقال تعالى }ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ (1){ ] الأنعام[
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله والحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. استوجب الحمد في الأولى والآخرة فقال تعالى }وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (70){ ] القصص[  
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) سيد الحامدين وإمام الشاكرين هو القائل (ﷺ)فيما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه}أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟{ ] صحيح مسلم[
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون.
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ،وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.
فمن أسماء الله الحسني اسم الله الحميد، فإن تعرفتَ على اسم الله الحميد ستحبه وتدرك قيمة النعم التي أنعمها عليك وستعيش قانعاً راضياً ، فما أشد حاجتنا إلى معرفة الله تعالى الحميد حتى نتخلق بهذا الاسم العظيم ، ونكون من الحامدين الشاكرين ، لذلك كان موضوعنا (المعايشة الإيمانية لاسم الله الحميد) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ معنى الحميد.
2ـ اسم الله الحميد في القرآن الكريم والسنة النبوية.
3ـ دلالة اقتران اسم الله الحميد بأسماء أخرى .
4ـ المعايشة الإيمانية لاسم الله الحميد.
5ـ الحمد سلوك العابدين وحال الأنبياء والصالحين .
6ـ الحمد منهج حياة لأهل الإيمان.
7ـ من قصص الحامدين.
8ـ الخاتمة.
====================
العنصر الأول : معنى الحميد :
في اللغة: الحَمْدُ نقيض الذَّمِّ، تقول: حَمِدت الرجل أحمدهُ حمداً ومَحْمَدَةً، فهو حميد ومحمود.
معنى الحميد في حق الله تبارك وتعالى :
" الحميد " هو المستحق للحمد والثناء ، والله عز وجل حمد نفسه ، وقال في الفاتحة التي تقرأ في اليوم عشرات المرات : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الفاتحة] .
قال أبو عبيدة: "حميدٌ مجيد” أي: مَحمود مَاجِد.
قال ابن جرير في قوله تعالى:}وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{: ويعني بقوله "حميد": أنه مَحْمودٌ عند خَلْقه ؛ بما أوْلاهم من نِعَمِه، وبَسَطَ لهم مِنْ فَضله.
و"الحميد" : الذي اسْتوْجَبَ عليكم أيها الخلق الحمد، بصنَائعه الحميدة إليكم، وآلائه الجميلة لديكم، فاسْتَدِيموا ذلك أيُّها الناس باتقائه، والمُسارعة إلى طاعته فيما يأمُرُكم به؛ ويَنْهاكم عنه.
وقال الزجاج: "الحميد" هو المُحمودُ بكلِّ لسان، وعلى كلّ حال.
وقال الخطابي :"الحميد" هو المحمودُ الذي اسْتحقّ الحمد بفعاله، وهو الذي يُحمدُ في السراء والضَّراء، وفي الشّدة والرخاء، لأنه حكيمٌ لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضُهُ الخطأ، فهو محمودٌ على كل حال.
وقال ابن كثير: وهو" الحميد" أي: المَحمود في جميع أفعاله وأقواله ، وشرعه وقدره ، لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقال السَّعدي: "الحميد" في ذاته وأسْمائه وصفاته وأفعاله، فله مِنَ الأسْماء أحسنها، ومِنَ الصّفات أكْملها وأحْسَنها، فإنَّ أفعَاله تعالى؛ دائرةٌ بين الفَضْل والعَدْل
العنصر الثاني : اسم الله الحميد في القرآن الكريم والسنة النبوية :
ورد اسم الله الحميد في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها:
1ـ قوله تعالى: }وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267){ ]البقرة[
2ـ وقوله تعالى: }رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ(73){ ]هود[
3ـ وقوله تعالى: }وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ(8){ ]إبراهيم[
4ـ وقوله تعالى: }وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24){ ]الحج[
5ـ وقوله تعالى: }وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12){ ]لقمان[
6ـ وقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15){ ]فاطر[
7ـ وقوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42){ ]فصلت[
8ـ وقوله تعالى:}وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28){ ]الشورى[
9ـ وقوله تعالى: }وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8){ ]البروج[
10ـ و قوله تعالى:}وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً (131){ ]النساء[
وورد في السنة  عن كعبِ بنِ عُجْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا في التَّشهُّدِ: }... قولوا: "اللَّهمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ "{ ]أخرجه البخاري ومسلم[.
العنصر الثالث : دلالة اقتران اسم الله الحميد بأسماء أخرى :
لقد اقترن اسم الله الحميد بأسماء أخرى وهذا له دلالة عظيمة منها ..
1ـ اسم الله العزيز: ورد اسم الله الحميد مقترناً باسم الله العزيز في قوله تعالى : }كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ (1) {[إبراهيم]
هو عزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء ، ومع ذلك هو حميد ، له الحمدُ على عِزَّته وغلبته ، وعلى إعزازه لأوليائه، ونصره لحزبه وجنده.  
2 ـ الغني : قال تعالى : }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15){ [فاطر] ، له الحمدُ على غِناه؛ وجميل نعمه ، فإنّ الغِنَى صفة كمال؛ والحمد كذلك ،واجتماع الغِنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناءٌ من غناه، وثناءٌ من حمده، وثناءٌ من اجتماعهما.
3 ـ الولي : قال تعالى:}وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28){ [الشورى] . له الحمدُ على تولِّيه المؤمنين؛ بنصرته ورعايته لهم ، ونعمته عليهم، ومحبته لهم.
يتولى أمر المؤمنين ينقلهم من حال إلى حال ،من مستوى إلى مستوى ، من مقام إلى مقام ، فتحمده على أنه وليك .
4 ـ المجيد : قال الله عز وجل : } قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73){ [هود] . له الحمدُ على مَجْده؛ وعظمته وكبريائه.
5 ـ الحكيم : قال تعالى : }لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42){ [فصلت] .
أي أنك إذا تأملت في أفعاله تحمد حكمته ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، كل شيء وقع أراده الله ، لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد ، وهذه الإرادة بمعنى السماح متعلقة بالحكمة المطلقة ، أي أن الذي وقع لولم يقع لكان نقصاً في حكمة الله تعالى، هذه الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق
العنصر الرابع : المعايشة الإيمانية لاسم الله الحميد:
1ـ المستحق للحمد على الاطلاق هو الله تعالى :
قال سبحانه وتعالى عن نفسه }الحمدُ للهِ رَبِّ العالمِينْ(2){ ]الفاتحة[
والألف واللام في "الحمد" للاسْتِغراق، أي: هو الذي له جميعُ المحامِدِ بأسْرها، وليس ذلك لأحدٍ إلا لله تعالى، ولا نُحْصي ثناءً عليه، هو كما أثْنَى على نفْسِه، فهو الحميدُ في ذَاته وصفاته؛ وفي أسْمائه وفي أفعاله، فله الحمدُ على كلِّ حالٍ، في كل زمانٍ ومكان، في الشِّدّة والرّخاء، والعُسْر واليسر، وفيما نُحبُّ ونكره، كيف لا؟!
وهو العليمُ الحكيم، الفعَّال لما يُريد، المخْتار لما يشاء، فمهْما يقضي ويقدِّر، فهو الموافقُ للحِكْمة البالغة، والعلمِ التام.
وكلُّ ما يُحْمدُ به العباد؛ فهو من الله تبارك وتعالى، فيرجع إليه سبحانه، لأنه الواهب للصفات المحمودة.
وَلِهَذَا حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ الشَّامِلَةِ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَـ: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2){ [الفاتحة].
وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى إِنْزَالِ كُتُبِهِ فَـ: }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ (1){ [الكهف].
وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَـلَى خَـلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضِ: }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (1){[الأنعام].
وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى كَمَالِ مُلْكِهِ: }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1){ [سبأ].
فَحَمْدٌ مَلَأَ الزَّمَانَ وَالمَكَانَ وَالأعْيَانَ وَعَمَّ الأَقْوَالَ كُلَّهَا، }فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18){ [الروم].
وَحَمْدُهُ مَلأَ الأُولَى والآَخِرَةِ قال تعالى :}وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (70) { ]القصص[
وَكَيْفَ لَا يُحْمَدُ عَلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ وَهُوَ }الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (7){ [السجدة]، وَعَلَى صُنْعِهِ وَقَدْ أَتْقَنَهُ: } صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88){ [النمل]، وَعَلَى أَمْرِهِ وَكُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَدْلٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَعَلَى نَهْيِهِ وَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ شَرٌّ وَفَسَادٌ، وَعَلَى ثَوَابِهِ وَكُلُّهُ رَحْمَةٌ وَإِحْسَانٌ، وَعَلَى عِقَابِهِ وَكُلُّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ، فللهِ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَهُ المُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ.
2ـ القول الطيب سلوك الحامدين:
قال تعالى: }وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24){ ]الحج[
وكأن الطيب من القول طريق إلى الحميد  قال تعالى } وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (83){ [البقرة] .
إن الكلام الطيب تلين له النفوس ، فالمحبة قد تزرعها كلمة طيبة تلقى في القلب فتثمر حبا وعطفا وأنسا وراحة. فتورث خلق الحمد بين الناس ، ومالم يحمد الناس لا يحمد الله تعالى ،إن الكلمة الطيبة رحمة ، وكلمة السوء جفاء وقسوة. لذلك قال الله لنبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في حق أصحابه }وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159){ ] آل عمران[
لذلك حذر النبي (ﷺ) من الكلمة وأثرها فقال (ﷺ) }إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً { [الترمذي] .
وقال (ﷺ) }لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه{ [الإمام أحمد] .
3ـ استشعار قيمة النعم وحمدُه عليها :
المؤمن يرى النعم من الله تعالى وغير المؤمن يعزو النعم إلى غير الله ،
فالنعم كثيرة وكثيرة ، فالصحة نعمة كبيرة ، والمال نعمة ، والأولاد نعمة ، والزوجة نعمة ، والعقل نعمة ....وهكذا ، لكن الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن ، المؤمن يقول : الحمد لله ، أما غير المؤمن يقول لك بتعبي ، بكد يميني وعرق جبيني ، كما قال قارون : } إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي(78){ [القصص]
ومن نعم الله تعالى نعمة الهداية والإرشاد قال تعالى في الحديث القدسي الجليل "يا عبادي كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه  فاسْتَهدُوني أهْدِكم " [مسلم] .
وقال تعالى : } قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ (71){ [الأنعام:71]
فما لم تتوجه إلى الله لمعرفة الحقيقة فلن تصل إليها ، لأن هذه العين مهما تكن دقيقة لا قيمة لها من دون ضوء يتوسط بينك وبين المرئي ، وكذلك العقل كالعين تماماً لا قيمة له إطلاقاً من دون وحي يعينك على فهم الحقيقة ، من دون وحي  وهذا كان حال المشركين والملحدين  فكروا وقدروا وما اهتدوا بنور الله تعالى فقال تعالى : } إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20){ [المدثر] .
ولله در القائل
إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى    فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ.
وإن كان عونُ الله للعبدِ واصلا   تأَتَّى له من كُلِّ شيءٍ مِدادُهُ"
نحن نتمتع بنعمة الوحي الإلهي والتوفيق من الله تعالى ، فالإنسان يتمتع بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ذكر الله تعالى بعضها على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام فقال تعالى } ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ (78) وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ (80) وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ (81) وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ (82){ ] الشعراء[
وذكر المولى الكريم سبحانه وتعالى عظيم فضله ومننه في هذا الحديث القدسي الجليل :عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي (ﷺ) فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : }يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه { ]رواه مسلم[ .
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء ، وشكا إليه وضعه المادي السيء، فقال العالم : أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم : أيسرك أنك أخرس ولك عشره آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل : لا. فقال العالم : أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا؟ فقال الرجل : لا. فقال العالم ، أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفًا.
العنصر الخامس : الحمد سلوك العابدين وحال الأنبياء والصالحين :
فالحمد والشكرُ أمرٌ مستقرٌّ في سُلوك المُتعبِّدين، ونهجٌ راسِخٌ في نفوس الصالحين ، تمتلِئُ به قلوبُهم، وتلهَجُ به ألسِنتُهم، ويظهرُ على جوارِحهم.
1ـ الحمد عند سيدنا نوح عليه السلام
وأولُ أنبياء الله نوحٌ عليه السلام ،وصفَه ربُّه بقوله تعالى {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} [الإسراء] .
وأمر ربه تعالى بالحمد عند النجاة من القوم الظالمين ، فقال تعالى }فَإِذَا ٱسۡتَوَيۡتَ
 أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (28){ ] المؤمنون [
2ـ الحمد عند الخليل إبراهيم عليه السلام:
والخليلُ إبراهيم صاحب الملَّة الحنيفية قال فيه ربُّه{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )121)}[النحل].
وحمد سيدنا إبراهيم ربه على نعمة الولد حيث قال الله تعالى : }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ (39){ [إبراهيم]
3ـ الحمد عند سيدنا سليمان عليه السلام:
يقول سيدنا سليمان عليه السلام وهو ينظرُ فيما خصَّه به ربُّه من نعمه وسخَّر له
من مخلوقاتِه{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(19)} [النمل].
ويقول سبحانه وتعالي عنه أيضا {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)40)}[النمل].
وحال سيدنا داود وسليمان عليهما السلام قال تعالى }وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(15)} [النمل] .
4ـ الحمد عند سيدنا محمد(ﷺ) :
أما نبيُّنا محمدٌ (ﷺ) وهو الذي قد غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، فيقومُ لربِّه من الليل حتى تتفطَّر قدماه، ويقول: «أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟».
وقال له ربه عز وجل }وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111){ [الإسراء] .
وقال تعالى لنبيه أيضا {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59)} [النمل] .
وقال له أيضا {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)} [ النمل] .
5ـ الحمد عند أهل الجنة :
ـ حال أهل الجنة ، قال تعالى : } وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43){ [الأعراف] . أذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة من حقد وضغائن، ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجري في الجنة من تحتهم.
وقال أهل الجنة حينما دخلوها: الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الصالح الذي أكسبنا ما نحن فيه من النعيم، وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق المستقيم ، لولا أَنْ هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق، ووفَّقنا للثبات عليه، لقد جاءت رسل ربنا بالحق من الإخبار بوعد أهل طاعته ووعيد أهل معصيته، ونُودوا تهنئة لهم وإكرامًا: أن تلكم الجنة أورثكم الله إياها برحمته، وبما قدَّمتموه من الإيمان والعمل الصالح.
ـ وأيضا لهم حالة أخرى في الجنة ، قال الله تعالى }وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34){ [فاطر]
لما تم نعيمهم وكملت لذتهم قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد.
إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ حيث غفر لنا الزلات شَكُورٌ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها، وأعطانا من فضله ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا، فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب.
ـ وحمدوا الله تعالى أن صدق وعده وأورثهم الجنة ، قال الله تعالى }وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (87){ [الزمر] .
قال المؤمنون: الحمد لله الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله، وأورثَنا أرض الجنة نَنْزِل منها في أيِّ مكان شئنا، فنِعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.
ولأهمية مقام الحمد والشكر ،حرِصَ أنبياءُ الله عليهم السلام  على تذكير أقوامِهم بنعم الله تعالى حتى يصلوا إلى مقام عظيم من مقامات من مقامات العبودية؛ فها هو سيدنا هودٌ عليه السلام  يقول لقومه{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)} [الأعراف].
ويقول صالحٌ  عليه السلام  وهو يُعدِّدُ على قومِه ما منحَه ربُّهم من مظاهر النِّعَم والقوة: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}[الأعراف].
ودعاء أهل الجنة  كما قال الله تعالى{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(10)} [ يونس ]
6ـ الحمد عند الملائكة :
قال الله تعالى{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(75) } [الزمر] .
7ـ الحمد لله كلمة الحور العين لأزواجهن في الجنة :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ (ﷺ) قَالَ : " إِنَّ أَدْنَىٰ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى هٰذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا . . . . . ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولاَنِ : الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ ، قَالَ فَيَقُولُ : مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ وهو أدنى الناس منزلة في الجنة"[أخرجه مسلم] .
العنصر السادس: الحمد منهج حياة لأهل الإيمان:
من الناس من يُنعم الله عليه بنعمة يتميز بها على غيره ، ولكي يحافظ على وتستمر معه لابد أن يحمد الله عليها .
فالحمد لله أفضل الكلام ،عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما ، عن النبي (ﷺ)  قال :}إن الله اصطفى من الكلام أربعاً : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إلٰه إلا الله ، والله أكبر ، فمن قال : سبحان الله كتب له عشرون حسنة ، وحط عنه عشرون سيئة ، ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ، ومن قال : لا إلٰه إلا الله فمثل ذلك ، ومن قال : الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه ، كتب له بها ثلاثون حسنة أو حط عنه ثلاثون سيئة {[ أخرجه أحمد ] .
وعن جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رضي الله عنهما يَقُولُ : سَمِعْتُ رسُولَ الله (ﷺ) يقُولُ : }أَفْضَلُ الذِّكْرِ لا إلهَ إلاَّ الله ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحمْدُ لله {[ أخرجه الترمذي ] .
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي (ﷺ) قال :}الحمد لله تملأ الميزان ، ولا إله إلا الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض{[أخرجه النسائي وغيره ] .
فالعبد المسلم يحمد الله بالقلب واللسان والجوارح ، فالحمد بالقلب ، يعني أن يعتقد أن الله كامل ، أفعاله كاملة ، عدله مطلق ، رحيم ، حتى إذا كان هناك شيء لم يفهمه يقول هناك حكمة لا أعرفها ، ظنه بالله حسن ، يحسن الظن بالله دائما ، حاله مع الهموم والأحزان كما قال الشاعر..
كن عن هموك معرضا       وكل الأمور إلى القضـا
وابشر بخــير عاجــل       تنسى فيه ما قـد مضى
فلرب أمر مسخط لك         فــي عواقبــه رضــــا
* * *
ولربما ضـاق المضيق   ولــربما اتسع الفضـا
الله يفـــعل ما يشـاء      فــــلا تكن معترضــا
الله عودك الـــجميل      فــقس على قد مضى
فالحمد منهج حياة المسلم دائما وأبداً فمثلا..
1ـ الحمد عند الصباح والمساء:
عن أَبي ذرٍّ رضيَ الله عنه قال : كان النبيُّ (ﷺ) إذا أخذَ مَضجَعه من الليل قال : }اللهمَّ باسمِك أموتُ وأحيا { ، فإذا استَيقظ قال : }الحمدُ لله الذي أحيانا بعدما أماتَنا وإليه النُّشور{ [ أخرجه البخاري ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله (ﷺ) قال :}إذا استيقظ فليقل :الحمد لله الذي عافاني في جسدي ، وردّ عليَّ روحي ، وأذِنَ لي بذكره { [أخرجه النسائي ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ (ﷺ): " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي : سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ ، مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ " [ رواه مسلم ]
وَعَنْ أَبِي عَيَّاشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ : لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَانَ لَهُ عَدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ ، فَإنْ قَالَهَا إذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبِـحَ " [ رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حجر في الفتوحات الربانية ] .
2ـ الحمد لله آخر ما يختم به العبد ليلته :
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ (ﷺ) كَانَ إِذَا أَوَىٰ إِلَىٰ فِرَاشِهِ قَالَ : }الْحَمْدُ للّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِي {[ أخرجه مسلم ] .
3ـ الحمد لله عند القيام آخر الليل :
عن عُبادةُ بنُ الصامِتِ رضي الله عنه ، عنِ النبيِّ (ﷺ) قال :}مَن تَعارَّ منَ الليلِ فقال : لا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، له المُلكُ وله الحمدُ ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قدير ، الحمدُ للَّهِ ، وسبحان الله ، ولا إلهَ إلا اللَّهُ ، واللَّهُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ باللّهِ ، ثم قال : اللهمَّ اغفِرْ لي أو دَعا استُجيبَ لهُ ، فإِنْ توضَّأَ قبلَتْ صلاتُه {[ أخرجه البخاري ] .
وكان (ﷺ) يقول إذا قامَ إلى الصَّلاة مِنْ جَوف الليل: }اللهم لك الحمد ، أنتَ نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، أنت الحق ، ولقاؤك حق ، ووعيدك حق ، وعذاب القبر حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق ، والقبور حق ، ومحمد حق ، اللهم بك آمنت ، ولك أسلمت وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخَّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك { [مسلم] .
4ـ الحمد لله بعد الرفع من الركوع :
كان (ﷺ) يقول إذا رفع رأسه من الركوع:} اللهُمّ ربّنا لك الحمدُ؛ ملءَ السَّماوات وملءَ الأرض وما بيْنَهما، وملءَ ما شئتَ مِنْ شيءٍ بعد، أهلَ الثَّناء والمَجْد، لا مانعَ لما أعطيت، ولا مُعْطي لما مَنعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ مِنْك الجدُّ{.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ : الْحَمْدُ للّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ ، فَلَمَّا قَضَىٰ رَسُولُ اللّهِ (ﷺ) صَلاَتَهُ قَالَ : " أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ ؟ " فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ : }أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْساً " فَقَالَ رَجُلٌ : جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا ، فَقَالَ : " لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا ، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا { [ أخرجه مسلم ] .
5ـ الحمد لله على نعمة الطعام واللباس :
عن أنَسِ رضي الله عنه ،أنَّ رَسُولَ الله (ﷺ) قالَ : }مَنْ أكَلَ طَعَاماً ثُمَّ قال : الْحَمدُ لله الَّذِي أطْعَمَنِي هٰذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ{ ، قالَ : وَمَنْ لَبسَ ثَوْباً فقالَ :}الحَمدُ لله الَّذِي كَسَانِي هٰذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ[أخرجه أبو داود ]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):}إن الله ليرضى عن العبد ، أن يأكل الأكلة ، أو يشرب الشربة ، فيحمده عليها { [ أخرجه النسائي ] .
6ـ الحمد لله عند زوال الأذى الخارج من الإنسان:
من أعظم الأذى الذي يحمله الإنسان هو الخارج من السبيلين ، فبقاؤهما في جسده يمثل خطراً داهماً على حياته ، وربما سبب الموت المفاجئ ، ولذلك أكرم الله الإنسان وجعل له طريقاً يخرج أذاه ، فإذا ما خرج هذا الأذى نُدب للعبد أن يحمد مولاه على نعمه ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ (ﷺ) إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ : }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي { [أخرجه ابن ماجة ]
7ـ الحمد لله بعد العُطاس :
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه ، عنِ النبيِّ (ﷺ) قال :}إذا عطَسَ أحدُكم فليقل : الحمد لله ، وليقلْ له أخوه أو صاحبه : يَرحمكَ الله ، فإذا قال له يَرحمكَ الله ، فليقل : يَهديكُم الله ويُصلحُ بالكم { [ أخرجه البخاري ] .
8ـ الحمد لله عند دخول السوق :
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ : لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِـي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ " [ رواه الترمذي وغيره] .
9ـ الحمد لله على نعمة ما جبلك الله تعالى عليه :
عن أُمُّ أَبَانَ بِنْتُ الْوَازِعِ بنِ زَارِعٍ عن جَدِّهَا زَارِعٍ ـ وكَانَ في وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ قالَ : " لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ رَسُولِ الله (ﷺ) وَرِجْلَهُ ، وَانْتَظَرَ المُنْذِرُ الأشَجُّ حَتَّى أَتَى عَيْبَتَهُ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ ، ثُمَّ أَتَى النَّبيَّ (ﷺ) فقَالَ لَهُ : " إنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله :"الْحِلْمَ وَالأنَاةَ "، قالَ : يَا رَسُولَ الله ! أَنَا أَتَخلق بِهِمَا أَمِ
 الله جَبَلَنِي عَلَيْهِماَ ؟ قال : }بَلِ الله جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا" ، قال : الْحَمْدُ لله الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله وَرَسُولُهُ { [ أخرجه أبو داود ] .
10ـ الحمد لله عند رؤية المبتلين :
عَن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قالَ رَسُولُ الله (ﷺ): }مَنْ رَأى مُبْتَلًى فَقَالَ : الْحَمدُ لله الّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً ، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاَءُ { [ أخرجه الترمذي ] .
ينبغي أن تُقال هذه الكلمات سراًّ بحيث لا يسمعها المبتلى حتى لا يبعث الحزن والكآبة في قلبه .
11ـ الحمد لله عند المصيبة :
الحمد عند فقد الولد مطلوب ومُرغَّب فيه شرعاً لما ورد من حديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللّهُ عَنهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ (ﷺ) قالَ : }إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قالَ اللّهُ تَعَالَى لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيَقُوُل: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ :حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللّهُ تَعَالَى :ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً في الْجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ { [رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه ]
12ـ الحمد لله عند زوال نزغات الشيطات :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي (ﷺ)، فقال : يا رسول الله ، إني أُحدث نفسي بالشيء لأن أَخِرّ من السماء أحب إليّ من أن أتكلم به ، قال : فقال النبي (ﷺ): }الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة { [ أخرجه أحمد ] .
13ـ الحمد لله عند السراء والضراء :
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ  إِلاَّ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ{ [ أخرجه ابن ماجة ] .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) ، إِذَا رَأَىٰ مَا يُحِبُّ قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ " ، وَإِذَا رَأَىٰ مَا يَكْرَهُ قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " [ أخرجه ابن ماجة ] .
14ـ الحمد لله عند ثبوت الحجة على الغير :
كم من الناس من يقف منذهلاً أمام خصمه ومناظره ، فمن آتاه الله الحجة والبرهان على خصمه فعليه أن لا يغفل عن حمد ربه على ذلك ، إذ هو سبحانه هو الذي دله على مواطن الأدلة الدامغة ، والحجج القاطعة ، ليرهق عدوه ويحرجه ، قال تعالى في حق الكفار عندما تدحضهم البراهين قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(25)} [لقمان].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(63)} [ العنكبوت ] .
ولئن سألت أيها الرسول المشركين: مَنِ الذي نزَّل من السحاب ماء فأنبت به الأرض من بعد جفافها؟ ليقولُنَّ لك معترفين: الله وحده هو الذي نزَّل ذلك, قل: الحمد لله الذي أظهر حجتك عليهم, بل أكثرهم لا يعقلون ما ينفعهم ولا ما يضرهم, ولو عَقَلوا ما أشركوا مع الله غيره .
15ـ الحمد لله على الرفقة الصالحة:
إذا هيأ الله لك رفقة صالحة ، وأصحاب خير وبر ، فاحمد الله الذي وفقك لأصحاب الفضل ، وجعلهم من صحبتك وجلسائك ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَبْطَأْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) لَيْلَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ : أَيْنَ كُنْتِ ؟  قُلْتُ : كُنْتُ أَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ ، لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ وَصَوْتِهِ مِنْ أَحَدٍ ، قَالَتْ : فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ لَهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : " هٰذَا سَالِمٌ ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هٰذَا { [ أخرجه ابن ماجة ]
16ـ الحمد لله عند هلاك الظالمين :
إذا ما كذبت أمة من الأمم ، وطغت وبغت ، هنالك يحق الله عليها العذاب ، من الملك الجبار سبحانه ، فيقطع دابرها ، ويحمده على ذلك الصالحون والمؤمنون ، قال تعالى : { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45) } [ الأنعام  ] .
فاستؤصل هؤلاء القوم وأُهلكوا إذ كفروا بالله وكذَّبوا رسله , فلم يبق منهم أحد ، والشكر والثناء لله تعالى  خالق كل شيء ومالكه على نصرة أوليائه وهلاك أعدائه، وحمد النبي (ﷺ) ربه يوم موت أبو جهل ،فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله (ﷺ)، فقلت : يا رسول الله ، إن الله عزّ وجلّ قد قتل أبا جهل ، فقال :}الحمد لله الذي نصر عبده ، وأعزَّ دينه { [ أخرجه أحمد ] .
17ـ الحمد لله عند ختام المجلس والدعاء:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قالَ رَسُولُ الله (ﷺ): " مَنْ جَلَس في مَجْلِسٍ فَكثُرَ فيهِ لَغَطُهُ ؟ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ : سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلاّ أنْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، إِلاّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ " [ أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح ] .
و الحمد لله عند ختام الدعاء : قال الله تعالى :{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(182) }[الصافات]
العنصر السابع : من قصص الحامدين :
لقد ضرب السلف الصاح أروع الأمثلة في معايشتهم لاسم الله الحميد قولاً وفعلاً ، فعلى سبيل المثال ...
عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى :
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لابنه عبد الملك: كيف تجدك يا بني؟
قال: أجدني في الموت فاحتسبني، فإن ثواب الله خيرٌ لك منِّي.
قال: والله يا بُنَّي لئن تَكُن في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك.
قال:  وأنا والله لئن يَكُن ما تحِبُّ أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أُحِبُّ ، ثُمَّ تُوُفِّي في ذلك المرض فذهب به عمر بن عبد العزيز وغسله وصلى عليه ودفنه وسوَّى عليه التراب، وسوُّوا قبره بالأرض، ووضعوا عنده خشبتين من زيتون: إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة، فاستوى قائمًا وأحاط به الناس، فقال: رحمك الله يا بُنَيَّ فقد كنتَ بَرًّأ بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا بك، ولا والله ما كنت قطّ أشد بك ولا أزجي لحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيَّرك الله إليه، فرحمك الله وغفر لك ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين، ثُمَّ انصرف.
وعندما رجع إلى ديوانه كتب إلى عُمَّاله: إن عبد الملك كان عبدًا من عبيد الله، أحسن الله إليه وإليَّ فيه، أعاشه ما شاء، وقبضه حين شاء، وكان ما علمت من صالحي شباب أهل بيته قراءة للقرآن، وتحريًا للخير، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة أخالف فيها محبة الله ، فإن ذلك لا يَحْسُن في إحسانه إليَّ ، وتتابعِ نِعَمِه عليَّ ، ولأعلمن ما بكت عليه باكية ، ولا ناحت عليه نائحة، قد نهينا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه.
من قصص السلف
رجل ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا.
من القصص الواقعي :
يحكى أنه كان هناك رجلاً كبير السن له أولاد وبنات وفي يوم من الأيام أصيب هذا الرجل بمرض أثر على قدرته على التبول مما أدى إلى احتباس البول بجسمه لأنه لم يستطيع أن يقوم بهذا.
فعندما شاهد أولاده ما حدث لأبيهم أسرعوا به إلى الطبيب المعالج المتابع لحالتهن وقام الطبيب بالتعامل مع حالته وقام باتخاذ اللازم واستطاع الطبيب إخراج البول المحتبس بداخلة، وقام أبناء الرجل المسن بشكر الطبيب لأنه استطاع شفاء والدهم من المرض.
وعندما قام الأبناء بذلك التفت الأبناء إلى والدهم المريض وإذا به يبكى بكاءً شديداً فاستغربوا وسألوه لماذا تبكى ..؟
فقال لهم والدهم: أنتم قد قمتم بشكر الطبيب على مساعدته لي وأنه قد قام بمساعدتي بالفعل مرة واحدة، وعلى عكس طول الثمانين عاماً يمن الله علي من فضله ونعمه التي لا تُعد ولا تُحصى ولم نكن نشعر بها ، ولا نحسن استخدامها ، ولا نحسن الشكر والحمد لله، فقالوا في هذه اللحظة الحمد لله الذي أعطانا من غير حول منا ولا قوة، بالفعل أننا لا نشعر بكل ما نملك من النعم والفضل إلا إذا زالت من عندنا، ومن بعدها يقوم بحمد الله والثناء لله عز وجل على ما كان يملك من نعم.
وفي الختام:
لا تسمى حامداً إلا إذا اعتقدت بأن الله تعالى يستحق المدح بصفات الكمال كله وصفات الجلال كله ، وكمالاته مطلقة فهو صاحب الأسماء الحسنى ،والصفات الفضلى . }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180){[الأعراف] .
بهذا الاعتقاد يكون العبد حامداً لله عز وجل ، ولا يكون حامداً لله من جحد صفات المحمود ، يعني إذا إنسان اعترض على شيء من أفعال الله لا يُعد حامداً .
إذاً لابدّ من أن تعتقد بكمال الله المطلق وبجلاله ،وأن تحبه وأن ترضى عنه ، وأن تخضع له ، هكذا يكون الحامد .
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والحمد لله أولا وآخرا ، والحمد لله على كل حال ، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال وأهل النار .

اللهم آمين

======================

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=309187

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=309193


1 أغسطس 2023

وقفات تربوية مع حر الصيف

 




الحمد لله رب العالمين .. يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، فقال تعالى } يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ (44){ ] النور[
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ..أمر بالتفكر في خلق السماوات والأرض فقال تعالى{إِنَّ في خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَـاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَـابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)} [آل عمران].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أمر بالتفكر في آلاء الله تعالى فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله{.]رواه الطبراني في المعجم[
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن تعاقب الليالي والأيام ، وتتابع الشهور والفصول والأعوام ، آيةً من آيات الله الباهرات ، التي تحمل في طياتها الدروس والعـــبر والعظات .
إن المؤمن المستبصر يتخذ من كل حركة وسكنة في الكون آية تدله على عظمة خالقه وقدرته وحوله وقوته .
ومن آيات الله العظيمة اختلافُ الأحوال؛ ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، ربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل أخي المسلم .. نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف، والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة؟! يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض حديثه عن بعض حكم مخلوقات الله تعالى : ".... تأمل أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول ، وما فيها من المصالح والحكم ، إذ لو كان الزمان كلَّه فصلاً واحداً لفاتت مصالحُ الفصول الباقية فيه ، فلو كان صيفاً كلَّه لفاتت منافعُ ومصالح الشتاء ، ولو كان شتاءً لفاتت مصالح الصيف ، وكذلك لو كان ربيعاً كلَّه أو خريفاً كلَّه ..
فـوا عجباً كيف يُعصى الإله         أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكه             وتسكينة أبداً شاهد
وفي كـل شيء له آيــة               تدل على أنه الواحـد
فالمسلم الحق له وقفات تربوية مع آيات الله الكونية لذلك كان موضوعنا }وقفات تربوية مع حر الصيف{ وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ الصيف آية من آيات الله الكونية .
2ـ العلاقة بين حر الدنيا وحر الآخرة.
3ـ وقفات تربوية مع حر الصيف.
4ـ الخاتمة.
العنصر الأول : الصيف آية من آيات الله الكونية:
إن الزمان بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه آية من آيات الله التي نصبها للعباد ذكرى وموعظة، وإن انقسام الأيام إلى صيف وشتاء من جملة آيات الله الكونية التي منَّ الله بها على العباد، وقد أخبرنا ربنا أن من صفات أولي الألباب والعقول السليمة التفكر في خلق الله، والتأمل فيه، وها هو الصيف قد حل بلفحه ولهيبه، وناره وسمومه، وفي الصيف فوائدُ نستفيدها، ووقفاتُ تأمل واعتبار في عجيب صنع الله الذي أتقن كل شيء، والذي كل شيء عنده بمقدار، قال تعالى }صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ (88){ ] النمل[
فبأمر الله تعالى يأتي الصيف ويذهب الشتاء، فإذا دخل الصيف فلا بد أن يتحرك القلب ، ويزداد الإيمان وتقوى العقيدة، لأنه يذكرنا بالله عز وجل؛ يذكرنا بقدرته وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه، يذكرنا بآيات الله التي غفل عنها كثير من الناس ، حتى بات البعض لا يرى في فصل الصيف سوى أن درجة الحرارة  تعلو وتنخفض، وتكثر الحاجة للمكيفات، والماء البارد ، كل هذا دون أن ينبض القلب بلحظات تفكر وتأمل إيمانية، يتذكر فيها أن الصيف آية من آيات الله، قال تعالى : }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(81){ [النحل].
العنصر الثاني : العلاقة بين حر الدنيا وحر الآخرة :
شدة الحر من فيح جهنم ، جاء في الصحيحين أن النبي (ﷺ) قال: }إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ { ] مسلم[
فإذا كان هذا الحر الشديد والشمس المحرقة إنما هي نفس من أنفاس جهنم فيا ترى ما عذابها إذاً؟
فحر الصيف يذكرنا بنار الاخرة، رأى عمر بن عبد العزيز قوماً في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل وتوقوا الغبار، فبكى وأنشد:
من كان حين تصيب الشمس جبهته        أو الغبـار يخــاف الشيــن والشعثا
ويألف الظــل كي يبقــى بشاشتـــه         فسوف يسكن يومــا راغمــا جدثا
فــي ظل مقفــــرة غبــــراء مظلمـــة       يطيل تحت الثرى في غمها اللبثا
تجهــزي بجهــاز تبلغيـــن بـه يا نفس       قبــــل الردى لــــم تخلقي عبثـــا
فكم في حر الصيف من ذكرى، كم أشعل من أحشاء، وكم هيج من عروق، كم منا من لفَحَهُ حرّ الصيف، وعرَقَه يقطر من وجهه فما تذكر يوم القيامة، يوم يسيل العرق من العباد، فعن المِقْدَادِ بنِ الأسودِ قال: سمعت رسولَ الله (ﷺ) يقول: } تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ! فَيَكُونَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ، قال: وأشار رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فِيهِ{ ] رواه مسلم[
هل تدري أنَّ الشمس الحارقة التي تطلع علينا كلَّ يوم لولا وجودها، لَمَا وجدت الحياة أصلاً على وجه الأرض؟
هذه الشمس بضخامتها ولهبها المُحرِق تسجد بين يدي ربها مُطيعة مُذعنة كما ثبت في الحديث الصحيح، فقد أخرج البخاري أن النبي (ﷺ) قال لأبي ذر حين غربت الشمس: }أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيُؤذن لها، ويُوشِك أن تسجد فلا يُقبل منها وتستأذن فلا يُؤذن لها، يُقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"{ ]البخاري[
ويقول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(18)} [الحجّ].
فعلام يتكبر بعض بني آدم عن السجود  لله تعالى طاعة له وامتثالاً قبل أن يُحال بينهم وبين السجود قال تعالى}يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(42) ]القلم[
فعلى المؤمن الحق  أن يجعل من فصل الصيف فرصة تذكره بيوم القيامة ،بكربه ونعيمه وجحيمه وأهواله، فإذا عانى العبد من شدة الحر فلا يجوز له سب الجو الحار والتذمر منه كما يفعل البعض من الناس وإنما عليه التحلي بالصبر وأن يجعل هذا الجو اللاهب وسيلة ليتذكر به سموم جهنم ومن ثم الاستجارة من عذاب جهنم، ومن فعل ذلك شفعت له جهنم عند الله عز وجل قائلة اللهم أجره مني. فقد روى أنس بن مالك  أن رسول الله (ﷺ) قال: }مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ { [رواه الإمام أحمد والترمذي] .
فمن خاف من نار الدنيا وقاه الله تعالى نار الآخرة ، قال تعالى } قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِيٓ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِينَ (26) فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ (27){ ] الطور[.
والله تعالى يذكرنا بنار الدنيا في القرآن الكريم  لتذكرنا بالآخرة فقال تعالى {أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ (71) ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ (72) نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ (73) فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ (74) } ] الواقعة [.
مع العلم بأن نار الدنيا هي جزء من سبعين جزء من نار الآخرة. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (ﷺ) قال }ناركم هذه التَّي توقدون جزءٌ من سبعينَ جزءًا من نارِ جهنَّمُ، قالُوا والله إن كانت لكافيةٌ يا رسول الله، قالَ: فإنَّها فُضلت عليها بتسعةٍ وستينَ جزءًا كلُّها مثل حرِّها{ [متفق عليه] . ‌
العنصر الثالث : وقفات تربوية مع حر الصيف :
للمسلم مع فصل الصيف وشدة الحر وقفات تربوية منها ...
1ـ ابتلاء من الله عز وجل :
أن شدة الحر ابتلاء من الله عز وجل لعباده المؤمنين من جهة ،وعقوبة للعاصين من جهةٍ أخرى، وقد ابتلى الله المؤمنين بالحر في غزوة تبوك، فحين خرج النبي (ﷺ) إلى غزوة تبوك وكانت في حر شديد تواصى المنافقون فيما بينهم بعدم النفير في هذا الحر فجاء الوعيد من الله فقال تعالى فاضحا المنافقين: }فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ (81) فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (82){ ]التوبة[
أما كون هذا الحر عقوبة، فإن الله عز وجل يعاقب عباده بأشياء كثيرة مما يكرهون ، قال الله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ (30) { ]الشورى[
2ـ فرصة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى :
لا شك أن هذا يوجب علينا جميعاً سرعة الرجوع إلى الله والتوبة من كل المنكرات ، فإن هذا الحر نذير خطر، وإن الله يمهل ولا يهمل، قال تعالى:}ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ]الروم[
فلنوقف أنفسَنا في عتبات المحاسبة، ولنقل لها: يا نفس، أتراكِ تطيقين الحر في ذلك اليوم؟
أيها الضعيف: كيف تهرب من حر الشمس ونسيت فيح جهنم ولا تهرب منها؟
أيها العاقل، ليكن صيفك واعظًا لك، ومذكرًا لك نارًا وقودها الناس والحجارة.
أيها الإنسان الضعيف ألك قوة على النار ؟ ألك قوة على غضبة الواحد القهار ؟
فهل من عودة صادقة إلى الله تعالى ؟
ومن قصص السلف رجل يسمى دينار العيار، كان مسرفًا على نفسه، وكان له أم تعظه فلا يتعظ ، فمر في يوم من الأيام بمقبرة كثيرة العظام قد خرجت العظام من المقبرة ، فتذكر مصيره ، وتذكر نهايته ، وتذكر أنه على الله قادم ، أخذ عظْمًا نخراً في يده ففتته، ثم فكر في نفسه وقال: ويحك يا نفسي، كأني بك غدًا قد صار عظمك رفاتًا، وجسمك ترابًا، وما زلت مكبَّة على المعاصي واللذائذ والشهوات، ثم ندم وعزم على التوبة، ورفع رأسه للسماء قائلا: إلهي ألقيت إليك مقاليد أمري، فاقبلني واسترني يا أرحم الراحمين، ثم مضى إلى أمه متغير اللون، منكسر القلب، فكان إذا جنَّه الليل أخذ في القيام والبكاء، وأخذ في النحيب وهو يقول: يا دينار ألك قوة على النار؟
 يا دينار ألك قوة على النار؟  كيف تعرضت لغضب الجبار؟
وظل على ذلك أيامًا يقوم ليله، ويناجي ربه، ويناجي نفسه يؤدبها ويحاسبها، فرفقت به أمه يوم رأت جسمه قد هزل، ويوم رأت صحته بدأت تتدهور، فقالت: ارفق بنفسك قليلا، فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا، يا أماه إن لي موقفًا بين يديْ الجليل، ولا أدري إلى ظل ظليل، أم إلى شر مقيل؟ إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخًا لا عفو معه، قالت: بنياه أكثرت من إتعاب نفسك؟، قال: راحتها أريد، يا أماه ليتك كنت بي عقيمًا، إن لابنك في القبر حبسًا طويلا، وإن له من بعد ذلك وقوفًا بين يديْ الرحمن طويلا، وتمر ليالٍ وهو يقرأ قول الله، ويقوم ليله، بقول الله ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فيبكى ويضطرب، ثم يخر مغشيًا عليه. 
3ـ فرصة لا تفوت :
اتخاذ فصل الصيف فرصة لتزويد الحسنات ، وغنيمة لا تعوض ،ولا نعتبر الحر عائق عن طاعة الله عز وجل ،فكان الصالحون يرون أن في الحر غنيمة لا تفوت؟
وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنْ النّبيِّ (ﷺ) قال: }إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ {.] صحيح مسلم [
وروى أنس بن مالك قال: كان رسول الله (ﷺ) }إِذَا كَانَ الْحَرُّ، أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ {. ]رواه  النسائي[.
فالسنة تأخير صلاة الظهر في الصيف حتى يظهر ظل يمشي فيه الناس وتعجيلها في الشتاء.
خرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه أصحابه ، فوضعوا سُفرةً لهم، فمرّ بهم راعٍ ، فدعَوْه إلى أن يأكل معهم، فقال: إنّي صائم، فقال ابن عمر في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه، وأنت بين هذه الشّعاب، في آثار هذه الغنم، وأنت صائم ؟! فقال: أُبَادِر أيّامي هذه الخالية.
ومن أراد الظل الظليل، في ذلك اليوم الطويل، فليكثر من الصدقة، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }إنّ الصّدقة لَتطفئُ عن أهْلِها حرَّ القُبورِ، وإنّما يستظلُ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صَدَقَتِه{ [ رواه الطبراني في الكبير: والبيهقي في الشعب: وضعفه الألباني في الضعيفة, ثم تراجع وصححه في الصحيحة ] .
وقال (ﷺ) لأبي ذرٍّ :"لو أردتَ سفرًا أعددتَ له عُدَّةً ؟ قال : نعم , قال : فكيف سفرُ طريقِ القيامةِ ألا أُنبِّئُك يا أبا ذرٍّ بما ينفعُك ذلك اليومَ ؟ قال بلَى بأبي أنت وأمِّي قال : صُمْ يومًا شديدَ الحرِّ ليومِ النُّشورِ وصَلِّ ركعتَيْن في ظُلمةِ اللَّيلِ لوحشةِ القبورِ ، وحُجَّ حجَّةً لعظائمِ الأمورِ , وتصدَّقْ بصدقةٍ على مسكينٍ أو كلمةِ حقٍّ تقولُها أو كلمةِ شرٍّ تسكتُ عنها" .] ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ[
وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين حضرته الوفاة ، لم يتأسّف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدّنيا، ولكنّه حزن على مفارقة قيام اللّيل، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب ، وعلى ظمأ الهواجر بالصّيام في أيّام الحرّ الشّديد.
ويقول أبو الدرداء موصياً أحبابه: "صوموا يوماً شديداً حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور".
وقد روى البزّار بإسناد حسن  كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب"عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) بَعَثَ أَبَا مُوسَى رضي الله عنه عَلَى سَرِيَّةٍ فِي البَحْرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، إِذَا هَاتِفٌ فَوْقَهُمْ يَهْتِفُ : يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ ! قِفُوا أُخْبِرْكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: أَخْبِرْنَا إِنْ كُنْتَ مُخْبِراً، قَالَ: إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ"
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي (ﷺ) في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي (ﷺ) وابنِ رواحة{ [ رواه البخاري ،ومسلم] .
إن الموفق من عباد الله من يستحضر أن الصيام جنةٌ من العذاب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أن النبي (ﷺ) قال: }من صام يومًا في سبيل الله باعَدَ الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا{ [ رواه البخاري ومسلم..] .
وروي أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه كان يَصوم في الصَّيف ويُفطِر في الشتاء ، ووَصّى عمرُ رضي الله عنه ابنَه عبدَ الله فقال: "عليك بخصال الإيمان، وسمَّى منها الصومَ في شدّةِ الحرِّ في الصيفِ" [ رواه البيهقي في الشعب] .
وكان الصّالحون إذا شعروا بشدّة الحرّ قالوا: اللهمّ إنّي أعوذ بك من حرّ جهنّم.
 فإن المؤمن إذا رأى شدة الحر، تذكر قول الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6){ [التحريم]، فيسعى لفكاك نفسه وأهله، من الأسباب التي تدخل النار.
4ـ الرضا بأقدار الله تعالى :
على المسلم أن يعلم أن الأيام كلها لله تعالى وأن جميع أحوال المسلم خيراً ،لا يستعجل قدر الله عز وجل ،فابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله، وفي ذلك يقول الناظم:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء         فإذا جـاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضــــى بحــال واحـــــد         قُتِل الإنسان ما أكفره
وهذا من طبع البشر ولكن المسلم يرضى بما قدر الله من خير، أو شر، فعن صهيب قال: قال رسول الله (ﷺ): }عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له {.] أخرجه مسلم [
ولن يعدم المؤمن أحد هذين الخيرين بشرط الرضا والشكر والصبر، ومن حرم الصبر على ما قدر الله فهو المحروم.
5ـ الأيام لا تدوم على حال وهذه سنة كونية :
قال تعالى }وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ (140){ ] آل عمران[
إن هذا الحر له غاية مهما طالت أيامه، فبعد الحر يأتي الجو البارد، وهكذا الدنيا لا يدوم لها حال وهذا أعظم تنبيه للمسلم كي يدرك أن الشيء لا يدوم في هذه الدنيا، فالدنيا حر وبرد، غنى وفقر، قوة وضعف، عز وذل، صحة ومرض، حياة وموت ، ضيق وفرج، وفي هذا تنبيه للظالم أن ينتظر دوران الدائرة عليه، وتسلية للمكروب المبتلى الذي ينتظر فرج الله ، فكل أزمات الحياة لا تدوم على حال، بل إنها إذا ضاقت اتسعت، كما أنها إذا تعسّرت تيسّرت، وكلما اشتدت فُرِجَت، يقول ابن القيم :{الشدّة بتراء لا دوام لها وإن طالت}، فالقبض والبسط بيد الله تعالى وحده ، وكل الذين انتصروا في حياتهم هم من اتخذوا من العثرات سِلمًا ،ومن المعوقات تميزًا ،ومن الأوجاع نضجًا وقوة...
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها         فرجت وكنت أظنها لا تفرج
6ـ استشعار نعم الله تعالى :
علينا ونحن نواجه حر الصيف أن نستشعر جميل نعم الله علينا، وعظيم فضله بما يسَّر من وسائل نتقي بها حر الصيف، ولهيب الشمس، من ملابسَ وظلالٍ وارفة ، وأجهزةِ تبريدٍ وتكييفٍ قلبت الصيف شتاء، فبَرَدَ الهواءُ والماء في شدة الحر، واستطاع الإنسان أن يمارس حياته بشكل طبيعي ، فالحمد لله على نعمه. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}[النحل] ، 
ولكي ندرك نعم الله تعالى القائل } وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ (34){ ] إبراهيم[
علينا أن نتذكر أناساً يسكنون بيوت الصفيح والخيام، وآخرين من الناس يعملون تحت سياط الشمس المُحرقة في شدة الهجير، فهل حمدنا الله تعالى على نعمه ؟
وهل نظرنا بعين الرحمة والمعونة إلى أولئك ،ولو أن نًواسيهم بشربة ماء بارد، فمن غرس شجرًا يريد به ظلاً للمسلمين، أو بنى مظلة، أو خانًا مكيفًا، لأجل للمسافرين، ونحو ذلك من توزيع الماء البارد، فإن فيه أجرًا عظيمًا، لأنه استعداد ليوم الحر، والبعث والنشور.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }أَيّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَأ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ{ ]رواه أحمد وأبو داود والترمذي[.
فسقيا الماء في الجو الحار له أجر كبير حتى ولو مع الحيوان ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً، قال: في كل كبد رطبة أجر{ ]البخاري في الجامع الصحيح[. وإذا كان هذا في البهائم فما بالك بالإنسان المسلم.
فمن نعم الله عز وجل الماء البارد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له : ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد { ] رواه الترمذي بسند صحيح[
لذلك كان من دعاء النبي (ﷺ): "اللهم  اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"
ولعظم الماء البارد وأهميته كان من أعظم أماني أهل النار يوم القيامة شربة ماء يروُون بها ظمأهم فيحرمها الله عليهم، كما حكى القرآن الكريم حالهم فيقول تعالى: }وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ {، فيقول لهم أهل الجنة: }إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50){[الأعراف].
الخاتمة ..
على الإنسان العاقل أن يسأل نفسه وهو يتَّقي حرَّ الدنيا، ماذا أعدَّ لحرِّ الآخرة ونارها؟
فيا مَن لا يطيق حرارة الجو، يامن لا يتحمَّل الوقوف في الشمس ساعة، كيف أنتم وحرارة جهنم؟! والشمس تدنوا من الرؤوس يوم القيامة؟
اعمل لنفسك غداً لكي تكون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر النبي (ﷺ) فعن أبي هريرة رضي الله عنه: }سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه{ ] رواه البخاري ومسلم [
فهنيئًا لكلِّ مَن يقضي شهور الصيف في طاعة الله تعالى، وهنيئًا لمن يستغلُّ حرارة الصيف في التقرب إلى الله  عزَّ وجلَّ ، وهنيئًا لكل من لم تمنعه حرارة الصيف عن تقديم عمل صالح ينال به الأجر والثواب.
سبحانك يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، فرج همنا، ويسر أمرنا، وارحم ضعفنا ، وقلة حيلتنا،  اللهم خفف عنا حرارة الشمس الحارقة ، اللهم قنا شر هذا الحر واحمنا منه، ومما يحمل من أذى، اللهم لا تجعل فيه المرض ولا الهلاك لأحدٍ من عبادك ، اللهم خفف حرارة الشمس وأثرها علينا وأجرنا من حر الدنيا وحر الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين".

اللهم آمين

=========

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=296633

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=296634