21 أكتوبر 2019

هذا هو الإسلام



الحمد لله رب العالمين.. منّ علينا بنعمة الإسلام العظيم فأكمله لنا وأتمه علينا ورضيه لنا فقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير...شرع لنا الدين سمواً بالإنسان إلي معارج الكمال وكريم الخصال وحميد الفعال.. فقال تعالى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم... أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله فهدي الله به الناس فأخرجهم من الظلمات إلي النور فجاء بالدين الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق فقال صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.....
أما بعد: فيا أيها المؤمنون:
لقد شرع الله عز وجل لنا الدين ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين فديننا هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية لأن الله تعالى هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
هل نستطيع أن نحدد أهم ما يريده الفرد لنفسه، وما ينشده في حياته؟ 
وما الذي تتطلع إليه نفسه، ويسعى جاهداً لتحقيقه من الأهداف الكبيرة والغايات البعيدة؟ 
وهل يستطيع أي بشر أن يحقق له ما يريد ؟ 
لا نعم نستطيع، أن نحدد ذلك إذا نظرنا إلى أنفسنا ونظرنا إلى البشر من حولنا، واستقرأنا أحوال البشر في تاريخهم القريب والبعيد نستطيع أن نحدد ذلك إذا عرفنا أن مقصودنا من الفرد هو الإنسان السوي لا الشاذ، الإنسان السليم لا المختل المشوه المشوش. لذاك كان حديثنا عن بعض مظاهرعظمة الإسلام الحنيف وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- تعريف الإسلام.
2- المناهج الموجودة على وجه الأرض.
3- مظاهر عظمة الإسلام.
4- الخاتمة.

العنصر الأول: 
تعريف الإسلام:
الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين وأخبر سبحانه أنه لا يقبل من أحدٍ سواه، فقال جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]. وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وفيه أركان الإسلام حيث سأله فقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) قَالَ: صَدَقْتَ[ متفق عليه: أخرجه البخاري؛ كتاب الإيمان]. ولا شكَّ أن دين الإسلام هو الدين الحق المنزل من عند الله تعالى، وهو منهج الحياة المتكامل القائم على ما جاء في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وما ثبت من سنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وذلك خلافاً لما سواه من المناهج والأديان الأخرى، ولعل عرضًا عامًّا لتلكم المناهج القائمة بين الناس على هذه البسيطة يجلي الصورة ويوضحها.

العنصر الثاني: 
النظم الموجودة علي وجه الأرض:
إن النظم القائمة كلها - عدا دين الله تعالى الإسلام - لا تخرج عن أحد هذه الأصناف الثلاثة:

الأول: منهج ديني محرَّف: فهو إلهيٌّ في الأصل، وله كتاب سماوي من عند الله عز وجل، ولكن دخله التحريف والتبديل، والحذف والزيادة، فاختلط فيه كلام الله تعالى بكلام البشر وأهوائهم، ومثاله: اليهودية والنصرانية..

الثاني: منهج ديني بشري: 
فهو ديني لأن فيه القيام بأداء طقوس تعبدٍ وتألهٍ يؤديها الإنسان لمألوه أو لعدد من الآلهة؛ من بشر وحجر ومال وهوى وشهوة وغير ذلك، وقد لا يكون فيها صلاح حال هذا الإنسان ولا تنظيم حياته؛ وإنما طقوس غامضة أو مرعبة.

وهو دين بشري لأنه من صنع البشر، فليس له أصل من عند الله تعالى، ومن أمثلة ذلك: الهندوسية، البوذية، عبادة الشيطان،عبادة الأصنام، وغيرها.

الثالث: منهج مدني بشري خالص: 
فهو مدني لأنه نظام حياة دنيوية؛ يُعنى بتنظيم حياة الإنسان الدنيوية وتحقيق مصالحه وفق ضوابط وقيود دنيوية، وبشري لأن مصدره البشر، أفرادًا أو جماعات، فهو نتاج تفكير الإنسان واجتهاده وتنظيره، ومن أمثلة ذلك: العلمانية، الشيوعية، الرأسمالية، الوجودية، وغيرها كثير.

هذه هي المناهج القائمة بين يدي البشر على وجه الأرض،ولم تحقق للإنسان ما يريده لأنها قاصرة، ويبقى الإسلام وحده بصفائه ونقائه وسموه وكماله من بين سائر المناهج والأديان هو القادر على البقاء في خضم الصراعات الثقافية والفكرية والحضارية؛ لأنه يمتلك خصائص تؤهله لذلك، ويكفي وعد الله العليم الخبير القوي القادر بأن العاقبة للمتقين، يقول جل وعلا: ﴿  يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة 32-33].

وهذه حقيقة ظاهرة تنبه لها بعض رجالات الغرب، ونطقت بها ألسنتهم - والحق ما شهدت به الأعداء.

يقول الكاتب الإنجليزي (هيلير بيلوك): (لا يساورني أدنى شك في أن الحضارة التي ترتبط أجزاؤها برباط متين، وتتماسك أطرافها تماسكًا قويًّا، وتحمل في طياتها عقيدة مثل الإسلام، لا ينتظرها مستقبل باهر فحسب؛ بل ستكون أيضًا خطرًا على أعدائها).

العنصر الثالث: 
مظاهر عظمة الإسلام:
وهذه المظاهر هي الميزات والصفات التي ينفرد بها دين الإسلام عن غيره من الديانات والمناهج الأخرى.

أولا: دين إلهي:-

الإسلام دين الله عزَّ وجلَّ الذي ارتضاه للعالمين، وهذه من أعظم خصائصه وأُسُّها؛ فما سواها من الخصائص نتيجة لها وثمرة من ثمارها.

دين أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل بحفظه ونصره وإظهاره على الدين كله.

دين من عند الله تعالى مصدره القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة، القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وقد حفظه الله تعالى: ﴿  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

والسنة المصدر الثاني وحي من عند الله تعالى كما قال جل وعلا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

وبيَّن الله تعالى مهمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي إبلاغ دين الله إلى الناس، فقال جل وعلا: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [العنكبوت: 18، النور: 54].

وقال جل وعلا: ﴿  إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [الشورى: 48] فهو صلى الله عليه وسلم واسطة في إبلاغ شريعة الله تعالى من الله سبحانه إلى خلقه وبيانها لهم والله جل وعلا يقول في آية محكمة: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُْمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].

وجانب آخر من إلهية هذا الدين؛ فكما أن مصدره من عند الله تعالى فكذلك غايته وهدفه تحقيق مرضاة الله عزَّ وجلَّ والقيام بعبادته، فهذه الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، كما قال سبحانه: ﴿  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 – 58].

ولهذا المظهر ثمرات منها:

1- أنه يبين الحقائق الكبرى التي لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا بالوحي المعصوم؛ كمعرفة الخالق عز وجل، وصفاته وأمره ونهيه، وبداية الخليقة والغاية منخلق الإنسان.

2- أنه دين من عند الله تعالى سالمٌ من النقص والتعارض والهوى والحيف والظلم، فهو شرع الله العليم الخبير سبحانه، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول الله تعالى مبيناً عظمة دينه واتفاق تشريعاته: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82 ].

3- موافقته للعلم الصحيح، والعقل السليم، فهو دين يعتني بالعلم ويمجِّد العلماء، ويحترم العقل ويخاطب عقول العقلاء. وقد بين جل وعلا مكانة العلم والعقل ومنزلة أهلهما فقال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الأَْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت: 43].

4- تحرير الإنسان من عبودية الإنسان والهوى؛ فيخلص في عبادته لله رب العالمين سبحانه وتعالى، ويعمل وفق شرعه وتوجيهه وأمره ونهيه.

عندما نزل قول الله تعالى عن اليهود والنصارى ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31].

سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أمَا إِنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلّوا لَهُمْ شَيْئاً اسْتَحَلّوهُ، وَإِذَا حَرّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئاً حَرّمُوهُ)[أخرجه الترمذي].

وكما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه بين يدي رستم قائد جيوش كسرى: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)[البداية والنهاية، (7-47)].

5- تلبية مطالب النفس البشرية، وذلك بتشريع ما يصلح لها وما يُصلحها، فهو دين الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يتناسب مع هذه النفس البشرية: ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

ثانيا: دين شامل:

شرع الله سبحانه وتعالى للأمة دينًا شاملاً في أحكامه وتشريعاته للثقلين من الجن والإنس، ولكل تصرفاتهم وعلاقاتهم، حيثما كانوا؛ فوق أي أرض وتحت كل سماء. يقول المولى جل وعلا: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]، فهو (دين ودولة، وهو عقيدة وعبادة، وهو حكم وقضاء، وشريعة وقانون، ومصحف وسيف، وجهاد ودعوة، وسياسة واقتصاد، وعلم وخلق وتوجيه).

وتتضح شمولية الإسلام في صور منها:
1- أنه دينٌ شامل للثقلين: الجن والإنس. فأما الإنس فظاهر في نصوص القرآن العظيم، يقول الله جل وعلا: ﴿ ﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. ويقول سبحانه: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].

وأما الجن فيقول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾، وهذا موقف من استماعهم لخبر نبينا ومسارعتهم للتنفيذ والدعوة، وتحملهم النذارة والبشارة، يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَْرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 29-32].

2- أنه دين شاملٌ للزمان كله؛ من بعثة نبينا محمد إلى قيام الساعة.

3- دينٌ شاملٌ للمكان؛ فليس خاصًّا بإقليم دون آخر، ولا بأمة دون أخرى؛ شمولية مكانية؛ يطالب بهذا الدين كل البشر في أي مكان ومن أي أمة، ويتأكد بها أن المسلم مطالب بتنفيذ أحكام دين الله تعالى في كل مكان.

4- دينٌ شاملٌ للإنسان في مراحل حياته المختلفة، وفي علاقاته المتعددة، يوجهها إلى ما فيه صلاحه ورفعته وحفظه وهدايته.

5- دين شامل لحركة الكون والحياة، يراعيها في أحكامه وتشريعاته، فلا تنفك الأحكام الشرعية عن حركة الكون بأفلاكه وأجرامه، وليله ونهاره، وحرِّه وقرِّه، فهناك عبادات مرتبطة بحركة الشمس؛ كالصلوات الخمس والسحور والإفطار، وعبادات مرتبطة بدورة القمر؛ كالصيام والحج وغير ذلك، فيراعي ذلك في بيان مهمة الإنسان تجاهها ودوره نحوها، وتوجيهه إلى ما فيه عمارتها وصلاحها، فالكون والخلق كله لله سبحانه وتعالى: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 6].

6- دين شامل في توجيه نظر الإنسان إلى الدنيا والآخرة فهما داران متكاملتان، للإنسان في كلٍّ منهما نصيب، فالدنيا مزرعة للآخرة، يزرع فيها ما يرغب جنيه في الآخرة. يقول الله جل وعلا: ﴿  وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

وبهذا يتأكد للمسلم أنه ما من شأن من شؤونه ولا تصرف من تصرفاته إلا ولله تعالى فيه حكم وقضاء، وأن دين الإسلام منهج حياة مُهَيمن على كل تصرفات الإنسان، فيُرَدُّ بذلك على كلِّ من يعترض على نظرة الإسلام الشمولية لشؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية وغيرها؛ ممن يرددون مقالات مستوردة؛ كقولهم: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وقولهم: (لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة)، ويقال لهم بأن لله كل أمر ونهي وتدبير وحكم وقضاء، ﴿ قُلْ إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154]، ويقول جل وعلا: ﴿ لِلَّهِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ [الروم: 4].

وقد أنكر الإسلام أشد الإنكار على من يأخذ من الدين ما يهوى، ويدع ما لا يوافق هواه، وينسى أن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، يقول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151].
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن ندخل في الإسلام كله فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) البقرة ( 208).

ثالثا: العالمية: 
والعالمية: هو أن رسالة الإسلام غير محدودة بعصر، ولا جيل، ولا بمكان، فهي تخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الشعوب وكل الطبقات، وهي هداية رب الناس لكل الناس، ورحمة الله لكل عباد الله

يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ [الأعراف: 158] وقوله: ﴿ بَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، 
وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].... وغيرها، ومن السنة النبوية قوله عليه السلام: [أنا رسول من أدركت حيا ومن يولد بعدي]، وقوله: [والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يومن بي إلى دخل النار[ رواه مسلم.

وعالمية الإسلام آمر من صميم هذا الدين مركوزة فيه بحكم طبيعته تجسد منذ البداية رموزا في (بلاد الحبشة، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وعمر القرشي)، وأيضا كتب الرسول إلى أمراء وملوك عصره تؤكد ذلك.

رابعا: دين الفطرة:
والمراد بالفطرة الابتداء والاختراع، والمعنى في قوله: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) أنه يولد على نوع من الجِبِلَّة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل؛ لآفةٍ من آفات البشر والتقليد.

فالإسلام هو الدين الذي جبل الله الناسَ عليه وهيأهم لقبوله والعمل به. فلا يتعارض مع طبيعة الإنسان ولا يتضاد مع رغباته؛ بل يتفق معها ويوجهها ويرشدها إلى الأصح والأسلم، فلو تجرد الإنسان من الهوى والعناد، لاعترف بدين الإسلام وأنه الدين الحق.. ﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ.هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟). ثُمّ يَقُولُ أَبُوهُرَيْرَةَ: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾[متفق عليه: أخرجه البخاري].

فالله جل وعلا خلق الناس حنفاء كلهم، ثم اجتالتهم شياطين الجن والإنس فصرفتهم عن الحق والهدى والفطرة السليمة، ففي حديث عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:   (أَلاَ إِنّ رَبّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمّا عَلّمَنِي يَوْمِي هَذَا..وفيه: وَإِنّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلّهُمْ، وَإِنّهُمْ أَتَتْهُمُ الشّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً، وَإِنّ الله نَظَرَ إِلَىَ أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ؛ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلاّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ))... الحديث[أخرجه مسلم].

خامسا: الوسطية:
وهي العدل والفضل والخيرية والتوازن، فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانبًا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع.

وكما يأمر بالعبادة والعمل للدار الآخرة يوجِّه إلى السعي في طلب الرزق والمعاش في الدنيا، ويعتبر ذلك عبادة  ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

إن أمة الإسلام أمة وسط، شهد لها بذلك خالقها سبحانه وتعالى ورتب على ذلك مكانتها ومنزلتها ودورها في هذا الكون، وبين الأمم: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
فقوله سبحانه (وسطًا) أي عدلاً، ووسط الشيء أو أوسطه بمعنى أفضله وأعدله وخياره.
يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: (إنما وصفهم الله - تعالى ذكره - بأنهم وسط لتوسطهم في الدين).

ونماذج وسطية الإسلام كثيرة، وليس المجال لذكرها ولكن نعرض لبعض الصور التي تدل على شيء من ذلك:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا، كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) [متفق عليه].

2- ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حبلاً ممدودًا بين ساريتين فسأل عنه، فأخبر أنه لزينب تتمسك به إذا كسلت عن الصلاة، فأمر صلى الله عليه وسلم بإزالته وقال: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)[متفق عليه].

3- وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يَا عَبْدَ الله، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) متفق عليه.

4- عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سليمان وأبي الدرداء,فزار سلمان أبا الدرداء, فرأى أم الدرداء وهي متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو ليس له بنا حاجة في الدنيا, فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما. فقال له: كُل. قال: فإني صائم , قال: ما أنا بآكل حتى تأكل, قال: فأكل, فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم, قال: نَـم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نَم ,فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُم الآن، فَصَلَّيَا , فقال له سلمان: إن لربك عليك حقّـا، ولنفسك عليك حقّـا، ولأهلك عليك حقّـا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان".

وحينما نذكر وسطية الإسلام من خلال هذه الأحاديث والمواقف وغيرها، يجب علينا ألاَّ ننسى ما يقابل ذلك وهو التفريط، فكما ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغلو، وطلب الزيادة في العمل تعبدًا لله عزَّ وجلَّ، فإن ذلك يعني التنبه للمقابل وهو الوقوع في التفريط والترك لشيء مما شرع الله تعالى؛ كترك الفرائض ومواقعة الذنوب والاستهانة بالمعاصي: فكلا طرفي الأمر خطأ ومخالف لدين الله تعالى؛ الزيادة غلو في دين الله تعالى، والترك تقصير في حق المولى جل وعلا.

وشريعة الله تعالى هي الوسط القائم على أداء ما شرع الله تعالى من غير تفريط ولا إفراط.

سادسا: دين الأخلاق:
الإسلام دين الأخلاق، فما من حُكم شرعي في دين الإسلام إلا ويلبِّي مقصدًا خُلُقيًّا حميدًا للإنسان، ولهذا كان قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ)[أخرجه البخاري]، وقوله: (إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ؛ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ؛ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ.قالوا:يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: المُتَكَبِّرُون)[أخرجه الترمذي].

فالثرثرة والتشدق والتفيهق صفات ذميمة لما تتضمنه من معنى العجب بالنفس والرد للحق والتعالى على الخلق.

وفي الحديث: (إِنّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقاً).متفق عليه. ولقد فرض على من يتمسك بالإسلام أن يكون حسن السلوك، سامي الخلق، شريف المعاملة، ولقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وسلف الأمة، أعظم مثال على ذلك المجتمع الأخلاقي المثالي.

والله جل وعلا حين أثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كان ثناؤه سبحانه بأبلغ وأرفع عبارة في قوله جل وعلا: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. وحين يقرأ المسلم القرآن العظيم أو يتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن الله تعالى يؤكد على صفات أهل الإيمان، بأنها الصفات الفاضلة، ويفصِّل في ذكرها تفصيلاً يُبين سموَّ أخلاق هذا الدين ومقاصده، في صبغ الناس بهذه الصبغة الأخلاقية الإلهية السامية، يقول الله جل جلاله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 1 – 6]. وقال جل وعلا عن عباد الرحمن: ﴿  وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان: 63 - 68].

وتتجلى هذه الخصيصة في أحكام هذا الدين وتفصيلات شريعة الله تعالى، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة فيها التربية على سخاء النفس وبذلها، وفي الصوم تلمس أحوال الفقراء والشعور بحاجتهم، وفي الحج نهيٌ عن الرفث والفسوق والجدال والصخب، وتدريب النفس على الصبر والإيثار، والمعاملات بين الناس تقوم على الوضوح والمصلحة المتبادلة، وتذم الأحكام الشرعية الأنانية والمكر والغش والخداع والاحتكار وكل ما فيه جهالة وغرر.

ثم إن من دلائل أخلاقية الإسلام، أن المسلم وهو في أقسى المواقف وأشد الأوقات في الحرب وحين يُطرب ضجيجُ السلاح أسماعَ الأبطال، وحين تُحمل الأرواح على الأَكف، وحين يتقابل المسلم مع الكافر في الحرب، تتجلى أخلاقية الإسلام، ﴿  وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].

ويقول جل وعلا: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

وهذه المبادئ السامية والشمائل الكريمة التي كانت عاملا من عوامل انتصار الإسلام.

فقد نهى الإسلام عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة وأهل الصوامع والبيع الذين لا اعتداء من ناحيتهم ولا خطر من بقائهم فكان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشا أو سرية يوصيهم بالإحسان والتسامح والرحمة بالنساء والضعفاء.

ففي الصحيح عن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أمّرَ أميراً على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاه في خاصّتِه بتقوى اللّه تعالى ومَنْ معه من المسلمين خيراً، ثم قال: " اغزوا باسْمِ اللّه في سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللّه، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً.. " أخرجه مسلم

وهكذا كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده صلى الله عليه وسلم فهذا أبو بكر رضي الله عنه وقد وبعث أوصى جيش أسامة فقال: (يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها) الخ ما ذكره رضي الله عنه.

 أمر الإسلام بالوفاء بالعهود التي أخذها المؤمنون على أنفسهم أو على غيرهم وعدم الإخلال بها قال تعالى ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91]  وقال سبحانه ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34].

فالوفاء بالعهود من سمات المؤمنين الصادقين قال تعالى ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

من هنا فيحرم قتل الذمي بغير حق، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»

ولقد دعا الإسلام إلى الجنوح للسلام إذا طلبه الكفار قال تعالى في سورة الأنفال ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61].

والمقصود بالسلم هنا السلام العادل المنصف الذي يحفظ للمسلمين عزتهم وكرامتهم ويضمن لهم حقوقهم، فهو سلام من منطق القوة سلام العزة والكرامة، وليس سلام الضعفاء الأذلاء المقهورين فالإسلام لايرضى لأتباعه إلا القوة والعزة والأمن والكرامة ؛ لذلك فلا عبرة بالسلام المزعوم المبني على ضعف واستسلام وأكاذيب وأوهام وقبول للمساومات وتقديم للتنازلات قال تعالى ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]. وقال جل وعلا ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].

العنصر الخامس: الخاتمة:
فيا أيها المسلمون:
إذا أردتم العزة والكرامة، والحرية والسلام، والعدالة والحياة الفاضلة الكريمة، فلن تجدوا ذلك إلا في رحاب هذا الدين العظيم!

إنه دين عظيم، دين قويم، يهدي به الله إلى طريق مستقيم، اختاره الله عز وجل لنا، فوحَّدنا على كلمة التوحيد، وجعل رسلاً مبشرين ومنذرين، فجاؤوا كلهم للدعوة إليه وإلى توحيده سبحانه وتعالى ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].


وقال تعالى﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].

ففي هذا الدين الفلاحُ في الدنيا والآخرة، والسعادة الأبدية السرمدية حيث لا شقاء أبدًا، هو رابط العبد الذليل بالربِّ العزيز، وواصل العبد الفقير بالرب الغني،فيه طمأنينةُ القلب، وحلاوة الروح، وراحة البدن، وسعادة الآخرة. والآخرة. قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123] 
أي: فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا, ويهتدي, ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله. ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة وإن ظهر أنه من أهل الجاه والأموال-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.

فيا له من دين لو كان له رجال:

كم تحمَّل الأنبياء والمرسلون في سبيل نشر هذا الدين وكم قُتل منهم وكم عُذِّب، وكم لاقوا لأجل هذا الدين!

ففي سبيل هذا الدين:
ظل نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، ولبث يوسف في السجن بضع سنين، وألقي في النار أبو الأنبياء والمرسلين، ونُشر بالمنشار زكريا، وقُتل ابنه يحيى الأمين، وناهيك عما حدث لقائد الغر الميامين، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ ففي أُحُدٍ كُسرت رباعيته، وشُجَّ وجهُه، واستقرَّ سهم في وجنته، على أيدي المشركين.

فيا له من دين!

وقتل لأجل هذ الدين، وفي سبيل نشر هذا الدين، من الصحابة: عمر، وعثمان وعلي، وطلحة والزبير، وحمزة،ومصعب، وغيرهم الكثير، وكلهم من الأخيار الأطهار.

وعُذِّب في سبيله الكثيرُ من العلماء؛ فجُلد الإمام مالك فقيل: لا يُفْتي إلا مالك، وجُلد أحمد فصار إمام أهل السنة، وسُجِن ابن تيمية فصار علم الأمة، وقُتل ابن جبير إمام التابعين، وكلهم جاهدوا في الله حتى أتاهم اليقين.
فإلي روح الإسلام من جديد نسعد في الدارين.. 

من الإسلامِ ينبثق السلامُ  *** ويُبنى من مبادئه النظامُ
وتشرَبُ نورَه الصافي قلوبٌ   *** وينهَلُ من مكارمِهِ الكِرامُ
هو الغيثُ الذي يروي عُقولاً  *** بأنقَى ما يجودُ به الغَمَامُ
هوَ النَّهرُ الذي يسقِي قلوبًا *** فينمو الحُبُّ فيها والوِئَامُ
هو الإسلامُ فيضٌ من يَقينِ *** تطيبُ بهِ النفُوسُ ولا تُضَامُ
له في الهند تاريخ عظيم *** وفي السند البطولات الجسامُ
وفي أفريقيا السوداء هَديٌ *** وإيمان به يُمحى الأثامُ
له في تركيا أسوارُ مجدٍ *** تَهاوى دُونَ عزّتِها الطَّغامُ
غضبتُ لديننا من كل ثغرٍ *** يشوّهُه، وليس له لجامُ
غضبتُ لأمتي فيهَا رجالٌ *** على أبوابِ حَيْرتِهم أقاموا
لهم في منهج الإسلامِ نورٌ *** ويشغلهم عن النور الظلامُ
هو الإسلامُ، يمنحنَا كُنوزَاً *** من التقوى إذا كثر الحُطام
جميل أن نمد له جسورًا *** وأن يأوي لدوحته الحَمامُ
فهذا ديننا فجرٌ مبينٌ *** وهذي عندنا الهِمَمُ العِظَامُ
وهذا عندنا “حرم عظيم” *** و”كعبتنا” و”زمزم” و”المقامُ”
هو الإسلامُ، أشجارٌ وظلُ *** يطيب لمن تُفيّئُه المُقَامُ
هو البستانُ تعشَقهُ الروابي *** وتألفه البلابلُ واليَمَامُ
هو الأفقُ الفسيحُ فلا انطواءٌ *** يحاصِرُ مشرِقَيْهِ ولا انهزامُ
هو الإسلامُ منهجهُ سلامٌ *** على الدنيا، ومنْطِقُهُ سلامُ
نسأل الله أن يحفظنا بالإسلام في كل وقت وحين، وأن يستعملنا لخدمة دينه إنه ولي ذلك ومولاه....

=================
رابط doc

رابط pdf

20 أكتوبر 2019

ذكاء امرأة




بعد أن طلق الشيخ راغب زوجته نجية وللمرة اﻻولى.............
قال لها : إذهبي إلى بيت أهلك
فقالت : لن أذهب إلى بيت أهلي ،، ولن أخرج من هذا البيت إلا بحتف أنفي !!
فقال لها : لقد طلقتك ،، ولا حاجة لي بك ،، أخرجي من بيتي.
فقالت : لن أخرج ،، ولا يجوز لك إخراجي من البيت حتى أخرج من العدة وعليك النفقة .
فقال : هذه جرأة ووقاحة وقلة حياء .
قالت : لست أكثر تأديبا من قول الله جل جلاله :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } (الطلاق : 1) .
فنفض عباءته بشدة، وأدبر غاضبا ،، وهو يقول في تذمر :والله بلشة ،،
أما هي ،، فابتسمت وكأن شيئا لم يحدث ،، وجمعت أمرها ،، فكانت تتعمد في كل يوم : تجمير البيت (تبخيره بالطيب) ،، وتأخذ زينتها عن آخرها ،، وتتعطر ،، وتجلس له في البيت ،، في طريق خروجه ودخوله ،، فلم يقاوم لأكثر من خمسة أيام ،، وعاد اليها راغبا....
وفي ذات يوم : تأخرت في إعداد الفطور ،،
فقال لها معنفا": هذا تقصير منك في حقي عليك ،، وهو ليس من سلوك المرأة المؤمنة ،،
فقالت له : احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل من الخير، وحسن الظن من أفضل السجايا ،، وأنه من راحة البال وسلامة الدين،، ومن حسُن ظنُه بالناس حاز منهم المحبة ؟!
فقال لها : هذا كلام لا ينفع في تبرير التقصير،، أيرضيك أن أخرج بدون فطور ؟!
فقالت له :من صفات المؤمن الحق القناعة بما قسم الله عز وجل ولو كان قليلا. قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ("قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنعه الله بما أتاه ")
فقال : لن آكل أي شيء ،،
فقالت : أنت #لم_تتعلم_االدرس.
لم يلتفت الشيخ راغب إلى كلام زوجته ،، وخرج غاضبا من بيته ،،ولم يكلمها حتى بعد عودته إلى البيت.وفي الليل هجر فراشها ،، فنام أسفل السرير ،، واستمر على هذا الحال ،، لعشر ليالي بأيامها .
وكانت في النهار ،، تهيئ له طعامه وشرابه ،، وتقوم على عادتها بجميع شؤونه ،، وفي الليل :تخلع لباس الحياء ،، فتتزين ، وتتعطر ، وتنام في فراشها،،
إلا أنها لا تكلمه عن قصد وتدبير .
وفي الليلة الحادية عشر ،، نام في أول الأمر كعادته أسفل السرير ،، ثم صعد إلى سريره ،،
فضحكت وقالت له :لماذا جئت ؟
فقال لها : لقد انقلبت !!
فقالت : ينقلبون من الأعلى إلى الأسفل ،، وليس من الأسفل إلى الأعلى ،،
فقال وهو يبتسم :المغناطيس فوق السرير ،، أقوى من جاذبية الأرض .
ثم قال في بهجة وسرور :لو أن كل النساء مثلك يا نجية ،، لما طلق رجل زوجته ،،ولحلت جميع المشاكل في البيوت
لقد كنت لي يا نجية ،، نعم المعين على طاعة الله عزّ وجلّ فجزاك الله عني خير الجزاء ،، ولا فرّق الله بيننا.
هكذا ينتصر الحلم على الغضب.
نجية عندها ذكاء عاطفي واجتماعي
هل تعلم ان داخل كل امرأة نجية
كلّ امرأة تناجي ربّها هي نجيّة ، تسعى لتنجو من هذه الدّنيّا لتنال جنّات عدن..

14 أكتوبر 2019

الذكر وأثره في حياة المسلم





الحمد لله رب العالمين .. .أمر عباده بذكره فقال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}[الأحزاب].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله والحمد وهو علي كل شيئ قدير..
أعد للذاكرين والذاكرات أجرا عظيما فقال تعالي { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(35)}[الأحزاب].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. أكملَ الخَلْق ذِكْرًا للّه جل جلاله، بل كان كلامُه كله في ذِكر اللَّه وما والاه، قالت عنه زوجه عائشة رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ () يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ» (رواه مسلم).
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..         
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون .
فإن الله تعالي هو غايتنا وهو خالقنا ورازقنا ، ومدبر أمرنا ، فهل يعقل أن نغفل عن ذكره ،إنها سعادة لا تسمو عليها سعادة ، إنها قرب من الله وأنس به واطمئنان إلى جنبه وانشراح الصدور بنوره وأمن وأمان وتفويض وإسلام الأمر له سبحانه ، لا خوف ولا قلق  لا شقاء لا اضطراب قال تعالي:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}[الرعد] .
كلما ذكرت الله كنت مع الله وكان الله معك ، كنت مع الغنى القوى القهار الرحمن الرحيم الرزاق من بيده الأمر وهو على كل شيء قدير ، فلا تشعر بحاجة الى أي شيء ، فماذا فقد من وجد الله ؟ لا شيء ............. وماذا وجد من فقد الله ؟ لا شيء .
كلما ذكرت الله باسم من أسمائه أو صفة من صفاته ترك ذلك أثراً وانطباعاً خاصاً في النفس و القلب وزاد للروح يسمو بصاحبه ويسمو كلما ازداد ذكره لله ، وتعلو منزلته عند الله ، أما الغافل عن ذكر الله فيتعرض لوسوسة الشيطان الذى يذكره بالمعاصي والشهوات والآثام وسيئ الأعمال ، ويظل يهبط به ويهبط الى أسفل سافلين ويصدق فيه قول الله تعالى :{ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}[الأعراف] .
لذلك كان حديثنا عن [عبادة الذكر وأثره في حياة المسلم ]، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ حقيقة الذكر .
2ـ فضل الذكر .
3ـ أثر الذكر في حياة المسلم .
4ـ فضل مجالس الذكر .
5ـ  علاج الغفلة عن الذكر .
================
العنصر الأول : حقيقة الذكر :ـ
هو عدم الغفلة والنسيان، فذكر الله إذًا هو استحضار جلاله وعظمته، وعدم الغفلة عن أوامره وطاعته.
قد يظن كثير من الناس أن ذكر الله - عزَّ اسمه - مقصور على تسبيحه وتحميده، وتكبيره وتهليله، ودعائه بأسمائه الحسنى، وهذا قصر للذكر على بعض معناه، والحقيقة أن ذكر الله تبارك وتعالى شامل لكل عبادة، متمثل في كل طاعة، ظاهر في اجتناب كل معصية خوفًا من الله تعالى، حتى قال بعض العلماء: إن مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع، وتصلي وتصوم، وتنكح وتطلق، وتحج وأشباه هذا...
وقد فُسِّر الذكر بالصلاة في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ (191)} [آل عمران].
لما رواه البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنت مريضا، فسألت النبيَّ
() عن الصلاة، فقال: {صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب}،
ورواه الترمذي وقال فيه: "سألته عن صلاة المريض"، ولا شك أن الصلاة مجمع الأذكار ودليل البر، وأيًّا ما كان الأمر فذكر الله: عدم الغفلة عنه؛ ولهذا أجمع العلماء أنه يكون بالقلب واللسان، وأفضله أن يكون بهما معًا...
قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفَ الرياء، بل يذكر بهما جميعًا ويقصد وجه الله تعالى؛
فقد قال الفضيل رحمه الله: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما"، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس لانْسَدَّ عليه أكثر أبواب الخير.
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "والذكر من أعطيه اتصل، ومن مُنعه عُزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به نار الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علاّم الغيوب، هو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ).
وقد امتدح الله عباده الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ويقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلاً؛ لأنهم جمعوا بين فكر القلب وذكر اللسان، وهذا أكمل أنواع الذكر، أما ذكر اللسان مجردًا من خشية القلب فهو أضعف أنواعه، ولكن لا ينبغي للعبد تركه؛ لأن اللسان مع التكرار يحرِّك القلب وينشِّطه كما هو معروف بالمشاهدة، وبقية الكلام على الذكر وفضله تقدَّمت في العدد السابع عشر، وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان رسول الله () يذكر الله عز وجل في أحيانه.
العنصر الثاني : فضل الذكر :ـ
1ـ الذكر طاعة لله تعالي ولرسوله ():ـ
ذِكر الله تعالي هو العِبادة التي أمرنا الله تعالى بالإكثار منها، والسعي إلى ملازمتها، وهو أيسر العبادات، ويستطيع المسلِم ذِكر الله تعالى في كلِّ وقت بلا مشقَّة، وينال من فيض هذا الأجر نِعمًا كثيرة .
لذا أمرنا بالإكثار من ذكره سبحانه وتعالي في أكثر من موضوع فقال تعالي : {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}[الأحزاب].
وقال تعالي في موطن الجهاد وأسباب النصر علي الأعداء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}[الأنفال].
وقال تعالي في أسباب الرزق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}[الجمعة].
وقال تعالي بعد الانتهاء من فريضة الحج الأعظم {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ..(200)}[البقرة].
وقال تعالي بعد الانتهاء من الصلاة {وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ (103)}[النساء].
وقال تعالي محذرا من الانشغال المال والولد عن ذكره تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (9)}[المنافقون].
وقال في وصف أشراف الرجال { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (37)}[النور].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}[آل عمران].
والذكر في حال الأمن فقال تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}[البقرة].
والذكر في كل الأحيان قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)}[الإنسان].
2ـ الذكر من أشرف الأعمال :ـ
أخرج مالك في الموطأ والترمذي والحاكم وصححه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
قال النبي ():(ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوِرق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((ذكر الله تعالى)).
3ـ الذكر أعظم العبادات وأجلها :ـ
قال تعالي {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}[العنكبوت]
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ ()، أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ ، فَقَالَ : أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا " ، قَالَ : فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، وَالْحَجَّ ، وَالصَّدَقَةَ ، كُلَّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجَلْ" .[المعجم الكبير للطبراني].
لدرجة بعض العلماء ذهبوا إلي أن الذكر أفضل من الدعاء روي الترمذي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: " يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته ‏أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". قال ‏الترمذي: هذا حديث حسن غريب.‏
4ـ دوام الذكر يعوض ما فات من بعض الطاعات :ـ
إدامته تنوب عن الطاعات وتقوم مقامها سواءٌ كانت بدنية أو مالية، أو مالية بدنية كحج التطوع وقد جاء ذلك صريحاً فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث شكوى الفقراء للنبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الدثور قد ذهبوا بالأجور فقال لهم النبي ():{أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً }[متفق عليه].
فجعل الذكر عوضاً لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد ، أخرج الترمذي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي عن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه :{أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله}.
ويكفي أن نعلَم أن رسول الله () كان لا يفتُر لسانُه عن ذِكر الله، وكان ذِكْره لله يجرى مع أنفاسه في جميع أحواله، قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، وفي مشيه وركوبه ومسيره، ونزولِه وإقامته ... إلخ، بل إن ذكره صلى الله عليه وسلم لم يكن مقصورًا على لسانه فحسب، فقد ورد عنه () أنه كان قلبه مشغولًا بالله حال نومه، قال (): «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» (رواه البخاري).
العنصر الثالث : أثر الذكر في حياة المسلم :ـ
تأتي أهمية الذكر في حياة المسلم من كونه الرافد الدائم، للمخزون الإيماني، والمحرك الموقظ لدواعي الطاعة، والحصن الذي يلوذ به المؤمن حينما تداهمه المصائب، وتعترضه عقبات الطريق، ويقعده طائف الشيطان ولماته، إن العبد حينما يكون ذاكرا لله في كل أحيانه قد شغل نفسه وألزمها بأذكار وأوراد من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاة على الرسول () ، ومداومة على المسنون من الأذكار فإن ذلك يبقي قلبه حيا، ويديم إيمانه نضرا يقظا، فإذا ما اعترته أهواء النفس البشرية التي بين جنبيه، أو اجتالته الشياطين التي لا تفتر عن محاربته وعداوته، انتفض ذلك القلب الذاكر شامخا بإيمانه، مستعليا على شهوات نفسه، مدافعا لنفثات الشيطان وهمزاته.
فللذكر أثر عظيم في حياة المسلم  من هذه الآثار ما يلي .....
1ـ الذكر يورث الذاكرَ القربَ من الله تعالي:ـ
 فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه سبحانه وتعالي. أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
والله تعالى يقول :{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}[البقرة].
فهل هناك أسمى منزلة ممن يذكره الله تعالى فيكون فى حفظه ورعايته ورحمته وفضله ، وهذا رسول الله () يقول :( يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم ) متفق عليه .
وأيضا يوجب صلاة الله تعالي وملائكته على الذاكر ، وهذا هو الفلاح والظفر بعينه قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43)} [الأحزاب].
2ـ الذكر يورث حياة القلب وهو قوته:ـ
حاجة المسلم إلى الذكر والتذكير كحاجة السمك إلى الماء، لأنها محل الحياة لها، وكذلك فإن حياة القلوب وتزكيتها وطهارتها تكون بملازمة الذكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء".
فإذا فقده العبد صار بمنـزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته. روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي (): (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر به مثل الحي والميت).
وأيضا شفاءٌ للقلب وأمانٌ من النفاق ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}  [المنافقون] .
وقال عن المنافقين :{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}[النساء].
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سُئل عن أهل الجمل : أمنافقون هم؟
فقال: ((المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً)) (رواه البيهقي في سنن الكبرى) ،
وقال مكحول بن عبد الله رحمه الله : ((إن ذكر الله شفاء، وإن ذكر الناس داء)) (رواه البيهقي في شعب الإيمان).
3ـ الذكر مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه :ـ
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي () قال:(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه).
4ـ   أنه نور لصاحبه يسعى به في الدنيا ، ويضيء له قبره ، ويضيء أمامه على الصراط يوم القيامة :ـ
قال تعالي { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (37)} [النور] .
وقال سبحانه: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (122)}  [الأنعام].
فالمؤمن يستنير بالإيمان بالله وبمحبته وذكره ، والغافل عن ذلك في ظلمات بعضها فوق بعض ، فالفلاح كل الفلاح في الحصول على هذا النور ، والشقاء كلّ الشقاء في فواته وحرمانه ، لهذا بين المولي تبارك وتعالي خطورة الغفلة والإعراض عن الذكر فقال تعالي : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}[طه].
5ـ الذاكر من أسباب قبول الأعمال:ـ
روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): (من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: "رب اغفر لي" أو قال: "ثم دعا استجيب له، فإن عزم فتوضأ، ثم صلى قبلت صلاته).
6ـ الله تعالي يباهي بالذاكرين ملائكته :ـ
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه أن رسول الله (خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة).
7ـ الذكر يورث المراقبة حتى يدخله باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه.
8ـ الذكر يورث الهيبة لربه عز وجل وإجلاله لشدة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله تعالى بخلاف الغافل، فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
والواقع يشهد من خلال تجرأ العباد على معصية الله، بل والمجاهرة بها على رؤوس الأشهاد. فكلما كان قليل الذكر سهلت عليه المعصية.
كان الربيع معروفًا بجماله، كان جميلاً كأشد ما يكون الجمال، حتى إن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفًا من الله، وكان عُمره لا يجاوز الثلاثين؛ وكان في بلده فُسَّاق وفُجَّار يتواصون على إفساد الناس، تواصوا على إفساد الربيع، فجاؤوا بأجمل امرأة عندهم، وقالوا: هذه ألف دينار، قالت: علام؟ قالوا: على قُبْلة واحدة من الربيع، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني، ثم ذهبت وتعرَّضت له في ساعة خلوة، وأبدت مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها صرخ فيها قائلاً: يا أمة الله، كيف بك إذا نزل ملك الموت، فقطع منك حبل الوتين؟!
أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟!
أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الربِّ العظيم؟!
أم كيف بك إن لم تتوبي يوم تُرمَيْن في الجحيم؟!
فصرخت وولَّت هاربة تائبة عابدة عائدة إلى الله عز وجل تقوم من ليلها ما تقوم، وتصوم من أيامها ما تصوم، فلقِّبت بعد ذلك بعابدة الكوفة، وكان هؤلاء المفسدون يقولون: أردنا أن تفسد الربيع فأفسدها الربيع علينا؛ {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ (116)} [الأنعام].
يا تُرى ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل هي قلة الشهوة؟ إن الشهوة لعظيمة؛ إذ هو في سن أوج الشهوة وعظمتها "سن الثلاثين" ومع ذلك ما الذي ثبَّته هنا، وما الذي عصمه؟
إنه الإيمان بالله، إنها الخشية من الله تعالى.
9ـ الذاكرين هم السابقون يوم القيامة:ـ
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله () ((سبق المفردون)) قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات)).
10ـ الذكر يحط الخطايا ويذهبها.
ذكر الله تعالي يحط الخطايا ويذهبها ، وينجي الذاكر من عذاب الله ، ففي المسند عن معاذ بن جبل رضي الله عنه  قال : قال رسول الله  (): {مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[مسند الإمام أحمد].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله () قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر)).
11ـ الذكر سدٌ بين العبد وبين جهنم :ـ
فإذا كان ذِكرًا دائمًا محكمًا، كان سدًا محكمًا لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه، روى الحاكم في المستدرك وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): ((خذوا جُنتكم)) أي ما تستترون به وتتقون به، قالوا: يا رسول الله، أمن عدو حاضر؟ قال: ((لا، ولكن جُنتكم من النار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة معقبات مجنِّبات ، وهنَّ الباقيات الصالحات)).
12ـ الذكر يزيل الهم والغم عن القلب ويجلب له الطمأنينة:ـ
قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} ﴾ [الفاتحة].
13ـ الذكر غراس الجنة:ـ
أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): ((لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
14ـ الذكر حصن للمسلم من المعاصي:ـ
الذكر سبب عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل , فإن العبد لابد له من أن يتكلم وما خلق اللسان إلا للكلام فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره بالخير والفائدة , تكلم ولابد بهذه المحرمات أو ببعضها , فمن عود لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو, ومن يَبُس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطل ولغو وفحش .
15 الذكر حصن للمسلم من الشيطان :ـ
الذكر يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره قال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36)}[الزخرف].
وقال تعالي  في صفات المتقين {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(135)}[آل عمران]. ويقول سبحانه:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طآئف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون(201)} [الأعراف]
وقال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) } [الأعراف].
وثبت في وصية يحيى بن زكريا عليه السلام لبني إسرائيل كما في الحديث الطويل الذي أمرهم فيه أولاً بالتوحيد ثم بالصلاة والصيام والصدقة ثم قال :(وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ؛ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ)[رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
مما لا شك فيه أن ذكر الله عز وجل من أعظم أسباب الوقاية من الشياطين،
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (): " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس " . رواه البخاري تعليقا .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال بعض السلف:إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون:ما لهذا؟
فيقال: قد مسَّه الإنسي!.
ولقد علمنا النبي ()  أن المسلم إذا خرج من بيته فذكر الله بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): " من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: كفيت ووقيت وهديت، فتنحى له الشيطان، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي" .(رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن).
وهكذا الذكر عند دخول البيت وعند الطعام فإن العبد إذا فعل ذلك قال الشيطان لأصحابه: "لا مبيت لكم ولا عشاء".
إننا بذكر الله نخلص أنفسنا من الأجواء العفنة و الفتن المتزاحمة ونطهر قلوبنا ونفر الى الله ونخلص إليه :{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)}[الذاريات].
وكلما ذكرنا الله خنس الشيطان بوسوسته وانصرف عنا وتطهرنا من رجسه .
عندما نعيش بقلوبنا كل صفة من أو اسم من أسمائه نذكره به يزداد إيماننا به وتعظيمنا له سبحانه وفى هذا خير زاد لنا على الطريق .
العنصر الرابع : فضل مجالس الذكر:ـ
إن خير المجالس وأزكاها وأطهرها وأشرفها واعلاها قدراً عند الله وأجلها مكانة عنده مجالس الذكر, فهي حياة القلوب ونماء الإيمان وزكاء النفس وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة , ولهذا ورد في فضلها والحث على لزومها.
مما يدل على شريف قدر تلك المجالس ورفيع شأنها وعلو مكانتها وأنها خير المجالس .
1ـ مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا:ـ
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله () قال : {إذا مررتم برياض الجنة
 فارتعوا: قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال حلق الذكر}.
فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا , فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة.
2ـ مجالس الذكرسبب تنزيل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة:ـ
مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة والإثم مجالس الشياطين، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي () أنه قال: ((لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
3ـ مجالس الذكر مغفرة للذنوب :ـ
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي (قال: “إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة، فضلا (أي أن هؤلاء الملائكة السيارة لا وظيفة لهم وهم زائدون على الحفظة)، يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك قال: وماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك جئتك، وهل: رأوا جنتي؟ قالوا: أي يا رب! قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم قال: فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم”. 
4ـ مجالس الذكر تبديل سيئات أهلها حسنات:
ومن فضائل هذه المجالس الطيبة المباركة أن يبدل الله سيئات أصحابها حسنات، تكرما منه عليهم، وثوابا منه لهم على حضورهم هذه المجالس الزاكيات، وقد ورد الحديث بذلك وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع وصحيح الترغيب والترهيب عن سهل بن الحنظلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما جلس قومٌ مجلسًا يذكرون اللهَ عزَّ وجلَّ فيه فيقومون؛ حتى يُقالَ لهم: قوموا قد غفر اللهُ لكم، وبُدِّلَتْ سيِّئاتِكم حسناتٌ].
وأخرج مثله البيهقي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما جلس قومٌ يذكرون اللهَ عزَّ وجلَّ إلا ناداهم منادٍ من السماءٍ: قومُوا مغفورًا لكم، قد بُدِّلَتْ سيئاتُكم حسناتٍ].
5ـ مجالس الذكر أمان للعبد يوم القيامة :ـ
إن مجالس الذكر تؤمن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها تكون على صاحبها حسرة وندامة
يوم القيامة , فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله () قال :{من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة } [أي نقص وتبعة وحسرة].
لذلك كان سلفنا الصالح حريصين علي اختيار المجالس التي يجلسون فيها ..
ومما يروي عن بعض السلف مثل أبي مسلم الخولاني رحمه الله تعالي   كان لم يُجَالِسْ أَحَدًا قَطُّ يتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، إِلا تَحَوَّلَ عَنْهُ ، فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ ، فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ قَدِ اجْتَمَعُوا ، فَرَجَا أَنْ يَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ : قَدِمَ غُلامٌ لِي فَأَصَابَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ الآخَرُ : جَهَّزْتُ غُلامِي ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ، كَرَجُلٍ أَصَابَهُ مَطَرٌ غَزِيرٌ وَابِلٌ ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِمِصْرَاعَيْنِ عَظِيمَيْنِ ، فَقَالَ لَوْ دَخَلْتُ هَذَا حَتَّى يَذْهَبَ عَنَى هَذَا الْمَطَرُ ، فَدَخَلَ ، فَإِذَا الْبَيْتُ لا سَقْفَ لَهُ ، جَلَسْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا عَلَى خَيْرٍ ، فَإِذَا أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا .
العنصر الخامس : علاج الغفلة عن ذكر الله تعالي :ـ
إِنَّ الغفلة عَنِ ذكراللهِ تَعَالَى سَبَبٌ لِلْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَبِهِ تَزِيغُ الْقَلُوبُ، وَتُطْمَسُ الْبَصائِرُ، فَتَعْمَى عَنِ الْحَقِّ، وَتَرْتَكِسُ فِي الْإِثْمِ، فَيَضِيقُ الصَّدْرُ، وَتَسْوَدُّ الدُّنْيَا عِنْدَ الْمُعْرِضِيْنَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تُعَالَى: "رَأَيْتُ سَبَبَ الهُمُومِ وَالْغُمُومِ الْإعْرَاضَ عَنْ اللهِ عِزِّ وَجَلٍ، وَالْإقْبالَ عَلَى الدُّنْيَا".
فلكي نعالج مرض الغفلة عن ذكر الله تعالي أمور لا بد منها ...
1- المعرفة بالله تعالى :
فمن عرف ربه حق المعرفة رق لبه ، ومن جهل ربه قسا قلبه ، وما وجدت قلباً قاسياً إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل وأبعدهم عن المعرفة به ، وكلما عظم الجهل بالله كلما كان العبد أكثر جرأة على حدوده ومحارمه ، وكلما وجدت الشخص يديم التفكير في ملكوت الله ، ويتذكر نعم الله عليه التي لا تعد ولا تحصى ، كلما وجدت في قلبه رقة .
2- تذكر الموت وما بعده :
من سؤال القبر وظلمته ووحشته وضيقه ، وأهوال الموت وسكراته ، ومشاهدة أحوال المحتضرين وحضور الجنائز ، فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها ، ويوقفها من رقدها ، وينبهها من غفلتها ، فتعود إلى ربها وترق ، ولهذا كان النبي ()يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول : (( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت ، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه )) (رواه البيهقي وحسنه الألباني ).
ويقول سعيد بن جبير رحمه الله : لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي .
3- زيارة القبور والتفكر في حال أهلها :
وكيف صارت أجسادهم تحت التراب وكيف كانوا يأكلون ويتمتعون ويلبسون مالذ وطاب
فأصبحوا تراباً في قبورهم ، وتركوا ما ملكوا من أموال وبنين ، ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم ، وأن مآله هو مآلهم ، ومصيره هو مصيرهم ، فزيارة القبور عظة وعبرة ، وتذكير وتنبيه لأهل الغفلة ، ولهذا قال النبي ({كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ، ولا تقولوا هُجراً }[رواه الحاكم وصححه الألباني].
ومن نظر إلى القبور وإلى أحوال أهلها انكسر قلبه ورق ، وذهب ما به من القسوة ، وأقبل على ربه إقبال صدق وإخبات .
4- النظر في آيات القرآن الكريم :
التفكر في وعده ووعيده وأمره ونهيه ، فما قرأ عبد القرآن وكان عند قراءته حاضرالقلب مفكراً متأملاً إلا وجدت عينه تدمع ، وقلب يخشع ، ونفسه تتوهج إيماناً من أعماقها تريد السير إلى ربها ، وما قرأ عبد القرآن أو استمع إلى آياته إلا وجدته رقيقاً قد خفق قلبه واقشعر جلده من خشية الله قال تعالي {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(23)}[الزمر].
5- زيارة الصالحين وصحبتهم ومخالطتهم والقرب منهم :
فهم يأخذون بيدك إن ضعفت ، ويذكرونك إذا نسيت ، ويرشدونك إذا جهلت ، إن افتقرت أغنوك ، وإن دعوا الله لم ينسوك ، ورؤيتهم تذكر بالله وتعين على الطاعة ،قال تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)}[الكهف].
ويقول جعفر بن سليمان : كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع.
لذلك أمر الله تعالي بالإعراض عن أهل الغفلة وأصدقاء السوء فقال تعالي {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيا(29)}[النَّجْمَ]
6- مجاهدة النفس ومحاسبتها ومعاتبتها :
فإن الإنسان إذا لم يجاهد نفسه ويحاسبها ويعاتبها وينظر في عيوبها ، ويتهمها بالتقصير لا يمكن أن يدرك حقيقة مرضها ، وإذا لم يعرف حقيقة المرض فكيف يتمكن من العلاج ؟! لهذا لا بد من تذكير النفس بضعفها وافتقارها إلى خالقها ، وإيقاظها من غفلتها ، وتعريفها بنعم الله عليها ، ومراقبتها ومحاسبتها على كل صغيرة وكبيرة حتى يسهل عليه قيادها والتحكم فيها .
قال تعالي { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}[العنكبوت]
نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوباً خاشعة ، وألسنة ذاكرة ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

==================
رابط pdf 
رابط doc