12 يوليو 2019

الإمام أحمد.. الصابر علي المحنة


الإمام أحمد بن حنبل، يرحمه الله تعالى، هو الإمام أحمد بن محمد  بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس..
هو الإمام الجليل أبوعبدالله الشيباني المرْوَزِيّ، ثم البغدادي، صاحب المذهب، الصابرُ على المحنة، الناصر للسُّنة، مقتدَى الطائفة، ومن قال فيه الشافعي فيما رواه حرملة: خرجت من بغداد، وما خلَّفت بها أفقهَ ولا أورعَ ولا أزهدَ ولا أعلَم من أحمد.
وُلد سنة أربع وستين ومائة ببغداد، جيء به من مَرْو حَمْلاً.
قال الخطيب: ولد أبوعبدالله ببغداد، ونشأ بها ومات، وطلب العلم، ثم رحل إلى الكوفة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام، والجزيرة.
قلت: وألّف مسنَده، وهو أصل من أصول هذه الأمة.
وقال المُزَنيّ: أبوبكر يوم الرِّدَّة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعليّ يوم صِفِّين، وأحمد يوم المحنة.
وقال عبدالله بن أحمد: سمعت أبا زُرْعة يقول: كان أبوك ألف ألف حديث، فقلت: وما يدريك؟ فقال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب..
وقال عبدالله: قال لي أبي: خذ أيّ كتاب شئت من كتب وكيع، فإن شئت أن تسألني عن الكلام، حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد، حتى أخبرك عن الكلام..
وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.
وقال عبدالرزاق: ما رأيت أفقهَ من أحمد بن حنبل ولا أروع.
وقال عبدالرحمن بن مهديّ: ما نظرت إلى أحمد بن حنبل إلا تذكّرت به سفيان الثوري.
وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب، يعني أحمد بن حنبل.
وقال أيضاً: إذا رأيتَ الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سُنَّة.
وقال أيضاً، وقد قيل له: تضم أحمد إلى التابعين؟ فقال: إلى كبار التابعين.
وقال أيضاً: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين.
وقال أيضاً: أحمد إمام الدنيا.
وقال أبو مُسْهِر، وقد قيل له: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة أمر  دينها؟ قال: لا أعلمه، إلا شابٌّ في ناحية المشرق؛ يعني أحمد بن حنبل.
وعن إسحاق: أحمد حجة بين الله وخلقه.
قال صاحب الطبقات: فهذا يسير من ثناء الأمة عليه، رضي الله عنه.
قلت: ومن شيوخه هُشَيم، وسفيان بن عُيَيْنة، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن عبدالحميد، ويحيى القطان، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عُلَيّة، وعلي بن هاشم البريد، ومُعتمر بن سليمان.
توفي رحمه الله سنة إحدى وأربعين ومائتين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين قال: ادعوا لي الصبيان؛ بلسان ثقيل، فجعلوا ينضمون إليه، فجعل يشمهم ويمسح على رؤوسهم، وعينه تدمع..
واشتدّت علته يوم الخميس، ووضّأته فقال: خلّل الأصابع، فلما كانت ليلة الجمعة ثقُل وقُبِض صدرَ النهار، فصاح الناس وعلت الأصوات حتى كأن الدنيا قد ارتجّت، وامتلأت السّكك والشوارع.
قال المَرْوزِيّ: أُخرجت الناس بعد مُنصرَف الناس من الجمعة.
قلت: وقيل: عدد المصلين عليه كثير، قيل: كانوا ألف ألف وثلاثمائة ألف، سوى من كان في السفن في الماء
(تاج الدين السبكي- طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي، الجزء الثاني.).
رحم الله الإمام أحمد العالم المبجّل والإمام الصبر المحتسب والمربي الكبير.
العبر والفوائد التربوية:
– الأمة بخير ما أفادت من علمائها.
– العلم يأتي بعد الصبر والمصابرة، فمن صبر فقد ظفر.
– الفضلاء الكرماء يشهد بعضهن لبعض بكل اعتدال وإنصاف وتجرد.
– اهتمام أحمد بالنشء إلى آخر رمق من حياته؛ فهم الجيل الذي سوف يقود أمة الإسلام.
– كثرة الشيوخ دليل غزارة العلم وتنوعه وامتلاء وقت العالم بالسعي والطلب والتحمل.
– من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، وهذا واضح في حسن خاتمة الإمام أحمد رحمه الله.
__________

ليست هناك تعليقات: