18 فبراير 2019

بر الأوطان من شمائل الإيمان





الحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ المَنَّانِ، الذِي مَنَّ عَلَينَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَالأَمْنِ فِي الأَوطَانِ، وَالعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ .. فقال تعالي {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (3)}[قريش] وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فطر الناس علي حب الأوطان واستخلفه في الأرض لتعمير الكون فقال تعالي {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61)}[هود].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () سَأَلَ رَبَّهُ الأَمْنَ فِي الوَطَنِ، وَدَفْعَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، علمنا حب الوطن فقال عند هجرته من بلده {مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ،وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُـونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ} رواه الترمذي.
اللهم صلى علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أَمَّا بَعْـدُ:ـ فَيَا يا أيها المؤمنون..
إِنَّ حُبَّ المَرْءِ لِوَطَنِهِ وَشُعَورَهُ بِالانْتِمَاءِ إِلَيْهِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ وَعَاطِفَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ أَصِيلَةٌ، يَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ النَّاسِ عَلَى تَنَوُّعِ أَعْرَاقِهِمْ واختِلاَفِ مَشَارِبِهِمْ، وَالإِسلاَمُ الذِي هُوَ دِينُ الفِطْرَةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ لَمْ يَقِفْ فِي وَجْهِ هَذَا المَيْلِ الطَبِيعِيِّ، بَلْ أَقرَّ ذَلِكَ وَعَزَّزَهُ، وَجَعَلَ مِنْهُ سَبِيلاً لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالفِعْـلِ الخَيِّرِ، كَيْفَ لاَ؟
وَقَدْ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  حُبَّهُ لِوَطَنِهِ فِي مَوقِفٍ بَالِغِ التَّأْثِيرِ وَالرَّوعَةِ، عِنْدَمَا وَقَفَ لَيْـلَةَ الهِجْرَةِ عَلَى مَشَارِفِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، والتَفَتَ تِلْقَاءَهَا لِيَبُثَّهَا كَلِمَاتِ الوَدَاعِ الحَارَّةِ قَائلاً:(مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ  وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُـونِي مِنْكِ  مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)، لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الكَلِمَاتُ الرَّقِيقَةُ تَعْبِيرًا صَادِقًا عَنْ حُبِّهِ لِوَطَنِهِ الذِي نَشَأَ فِيهِ، وَتَرَعْرَعَ فِي أَكْنَافِهِ، وَتَنَعَّمَ مِنْ خَيْرَاتِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ سَنَواتِ شَبَابِهِ وَكُهُولَتِهِ.
وعن حب الوطن ومفهوم الوطنية اختلف الناس بين مؤيد وعارض .
لذلك كان حديثنا عن [بر الأوطان من شمائل الإيمان] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ مفهوم الوطنية وحقيقة الانتماء للوطن. 
2 ـ  حب الوطن في الإسلام .
3ـ بر الأوطان من شمائل الإيمان.
========================
العنصر الأول :ـ مفهوم الوطنية وحقيقة الانتماء للوطن :ـ 
الوطن :ـ
في اللغة : كما جاء في لسان العرب لابن منظورهو : " المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله .. ووَطَنَ بالمكان ، وأوطن : أقام ، متخذاً إياه محلاً وسكناً يقيم فيه .. " .
والوطن الأصلي هو مولد الرجل , والبلد الذي هو فيه .
الوطنية:ـ
هي المشاعر والروابط الفطرية والتي تنمو بالاكتساب لتشد الإنسان إلى الوطن الذي استوطنه وعاش  فيه ..
حدود الوطن :ـ
إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى ومرتبطة بالعقيدة .
حقيقة الانتماء للوطن :ـ  
ولأن الإسلام منهاج شامل لمملكة السماء وعالم الغيب وللعمران البشري ، فإن إقامته كدين لا تتأتى إلا في واقع ووطن ومكان وجغرافيا ..
وهذا الواقع والوطن والمكان والجغرافيا لن يكون إسلامياً إلا إذا أصبح الانتماء الوطني فيه بعداً
من أبعاد الانتماء الإسلامي العام ..
فعبقرية المكان ، في المحيط الإسلامي ، هي واحدة من تجليات الإسلام الذي لا تكتمل إقامته بغير الوطن والمكان والجغرافيا ! ..
فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام .
العنصر الثاني : حب الوطن في الإسلام :ـ
أولا: ماذا يعني حب الوطن :ـ 
ـ حب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، قال رسول الله ():{مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ}.
ـ حب الوطن في الإسلام: لا يعني: اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛ بل يعني: العدلَ والإنصاف. 
وعن عبَّاد بن كثير الشامي، عن امرأةٍ منهم يقال لها: فسيلة، قالت سمعت أبي يقول: سألت النبي () فقلت: يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم) رواه أحمد وابن ماجه.
وقال () [لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا ] رواه الترمذي . 
ـ  حب الوطن في الإسلام: لا يعني الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا، ما دام أنه ليس في حدود الوطن، والنبي () يقول: "مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهروالحمى" متفق عليه.
ثانيا : حب الوطن غزيرة فطرية :ـ
قال أهل الأدب : " إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه ، وتشوقه إلى إخوانه ، وبكاؤه على ما مضى من زمانه " .  
والمحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمرٌ غريزيٌ ، وطبيعةٌ طبعَ اللهُ النفوس عليها ، وحينَ يولدُ الإنسانُ في أرضٍ وينشأُ فيها فيشربُ ماءَها ، ويتنفسُ هواءَها ، ويحيا بين أهلها ؛ فإن فطرته تربطه بها ، فيحبُّها ويواليها ، ويكفي لجَرْح مشاعر الإنسان أن تشير بأنه لا وطن له . وحب الوطن فطرة رفع من شأنها الإسلام ، لذلك اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم .
ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمورللخروج منه وهذه بعض الأدلة علي ذلك ...
1- مثل خروج سيدنا إبراهيم ولوط عليها السلام قال سبحانه وتعالى {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ(70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71)}[الأنبياء]. 2- مثل خروج موسى عليه السلام قال تعالى: { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}[القصص] .
3- مثل خروج يعقوب عليه السلام وأولاده من فلسطين إلى مصر للانضمام إلى يوسف عليه السلام قال تعالى{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)}[يوسف] .
ولما كان الخروج من الوطن قاسيا على النفس صعبا عليها فقد كان فضائل المهاجرين من الصحابة إنهم ضحوا بأوطانهم قي سبيل الله فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن مما يدل على إن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس وقد مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)}[الحشر] .
 دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام لوطنه بالأمن والبركة :ـ
ـ لقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة بهذا
الدعاء، قال الله تعالى{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}[البقرة].
ودعاء إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة.
ولهذا نرى أن الله سبحانه وتعالى  شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال تعالى{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة].
فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.
 حنين النبي () وأصحابة إلي الوطن :ـ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله () لمكة ( ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك )
فهو () في مكة يحبها ويكره الخروج منها وعندما هاجر إلى المدينة واستوطنها ألفها ثم لما فتح مكة , وخاف الأنصار أن يقيم فيها قال لهم :( المحيا محياكم والممات مماتكم ) بل كان يدعو الله إن يرزقه حبها ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ) [رواه البخاري]. 
فما الذي تغير في الأمر انه () عند خروجه من مكة يصرح بحبها وعندما سكن المدينة صرح بحبها أيضا ودعا إن يحبها أكثر من مكة .
وقد صح عنه () في محبه المدينة مالم يرد مثله في مكة .....
وقد تكرر دعاؤه () بتحبيب المدينة إليه ) ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها (اللهم اجعل المدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة ) [رواه البخاري ومسلم] .
وقال () ( اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم أن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة , وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة ومثله معه ) [رواه مسلم]
وقال تعالي {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85)}[القصص]
قال ابن العباس رضي الله تعالى عنهما: إلى مكة رواه الإمام البخاري قال القرطبي رحمه الله تعالى :( قال مقاتل :خرج النبي () من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة في غير الطريف مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفة وعرف الطريق الى مكة فاشتاق اليها فقال جبريل عليه السلام إن الله يقول{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أي إلى مكة ظاهرا عليها ).
ـ وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :لما أقدم رسول الله () وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرئ مصبح في اهله والموت أدنى من شراك نعله.
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة                بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما ما مجنة                 وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقال ():اللهم العن شبيبة بن ربيعة , وعتبة بن ربيعة , و أمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .
فبلال رضي الله تعالى عنه ( يتمنى الرجوع إلى وطنه ).
ثالثا: حب الوطن مقترن بحب النفس والدين :ـ
اقترن حب الديار مع محبة النفس وأن كلا منهما أمر متأصل في النفوس عزيز عليها
قال تعالى {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ (66)}[النساء]
واقترن في موضع أخر بالدين فقال تعالي{لاَيَنْهَـكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)}[الممتحنة].
واقترن حب الوطن مع الدين , فالبر والعدل مأمور بهما لمن لم يقاتل المسلم على دينه ولم يخرجه من وطنه والجمع بيتهما دليل على تقارب مكانه كل منهما في الإسلام وفي النفوس .
هذا يدل على تأثير الأرض , وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن , والديار ولكن لهذا الحب حدودا يجب ألا يتجاوزها لأن فوق هذا الحب حب آخر أولى منه وأهم وهو حب العقيدة والدين فإذا ما تعارض حب الوطن مع الدين وجب حينئذ تقديم الأعلى وهو الدين وقد يهاجر المسلم من أرضه فرارا بدينه حين لا يستطيع إظهاره , والمحافظة عليه . قال تعالى{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}[التوبة].
العنصر الثالث: بر الأوطان من شمائل الإيمان:ـ
هذا الوطن محل عبادتنا لربنا , فيه مساجدنا , ومدارسنا وجامعتنا ،وأهلنا ،وعلماؤنا , وأموالنا ،حيث تعلمنا فيه أمور ديننا ودنيانا ، فكان لزاما علينا أن نؤدي واجبنا نحوه ونعرف أن أداؤنا للواجب ليس مِنَّةً ولا تفضلا وإنما واجب وديْن في رقبتنا نُسأل عنه أمام الله تعالي ، ونُؤجر إن وفينا ونُعاقب إن قصرنا ، فمن البر بالوطن أن نقوم بالآتي :ـ
1ـ المحافظة على تديُّن الوطن وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان:ـ
لا بد أن نعلم أن إشاعة الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء وطننا خيانةٌ عظمي لهذا الوطن .
و يعد من أكبر الخيانة للوطنية حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها.
ولن يتم ذلك إلا بالإصلاح الشامل في وطننا ، وفرقٌ كبير بين الصلاح والإصلاح؛ فالصلاح يكون مقدِّمة للإصلاح، فالصالح هو مَن أصلح نفسه، وأقامها على شرع الله عز وجل واكتفى بذلك، أما المُصلِح، فهو الذي تتحقَّق فيه صفة الصلاح، ويؤمن بأن عليه واجبًا لا يقل أهمية عن إصلاح نفسه، ألا وهو إصلاح غيره.
ويعتبر الإصلاح واجب على كل فرد في الوطن ولا اعفاء لأحد، لأن كل فرد مطالب بالإصلاح على الأقل داخل محيط أسرته؛ فقد جعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كلَّ فرد مسؤولاً، والمقصود من المسؤولية هي الإصلاح؛ فيقول النبي (){كلُّكم راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده، ومسؤول عن رعيته} [رواه البخاري ومسلم] .
بل أخذ النبي ()العهدَ على أصحابه عند دخولهم في الإسلام بأن يكونوا مُصلِحين، وذلك بالنصح لكل المسلمين، فشرط على كل واحد منهم أن يكون مصلحًا، وذلك بأن يكون ناصحًا، ومن ذلك حديث جَرِير بن عبدالله رضي الله عنه في الصحيحين يقول: "أتيت النبي () قلتُ أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ، (والنصح لكل مسلم)، فبايعتُه على هذا".
• وإذا أردنا النجاة لأوطاننا، فعلينا بالإصلاح؛ فإن الله سبحانه جعل النجاة فيه؛ قال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}[هود].
 فقال سبحانه مصلحون، ولم يقل: صالحون؛ لأن مجرد الصلاح لا ينجِّي الأمم؛ لأن النبي () سئل؛ كما في في الصحيحين: "أَنَهْلِك وفينا الصالحون، قال:(نعم، إذا كثر الخبث).
وها هم أصحاب السبت، حرَّم الله عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا يتحايلون على شرع الله. ونجد الصالحين في هذا المكان انقسموا إلى فريقين:ـ 
ـ فريق نقل نفسه إلى درجة الإصلاح، وأنكروا عليهم ما يفعلونه من مخالفتهم لشرع ربهم.
 ـ وفريق صالح سكت، بل عاتب مَن أراد الإصلاح، فقالوا لهم{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}[الأعراف].
فانظروا إلى عاقبة ذلك، أن نجَّى الله المصلحين؛ فقال سبحانه {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (165)}[الأعراف].
أي المصلحين،{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165)}[الأعراف].
واختلف المفسرون في الصالحين الذين سكتوا، وفريق منهم على أنهم هلكوا مع من هلك.
• فتعالَوا معًا نرجع للأمة الإسلامية خيريتها ولمصر مكانتها، وذلك بأن نكون مُصلِحين، فما استحق المسلمون الخيرية إلا بالإصلاح؛ قال تعالى{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110)}[آل عمران].
فقدَّم الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أساس وركن الإصلاح على الإيمان به؛ لأهميته؛ فكل إنسان خاسر إلا المؤمنَ الصالح المصلح، اقرؤوا معي سورة العصر؛ ففيها بيان الفوز ولكن لمن؟: ﴿ وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}[العصر].
2ـ ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة:ـ
حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، يُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا.
ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينه كان من أول أعماله  () لقيام الكيان المؤمن الأمن و نشر الدعوه وصلاح أحوال المجتمع واستقراره والمؤاخاه بين المهاجرين والانصار وهي تعني أداء مسؤوليه التكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع والتآزر لصلاح الدين والوطن .
قال ابن قيم الجوزيه رحمه الله تعالى : ثم آخي رسول الله () بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وكانوا تسعين رجلا , نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار،وآخي بينهم بالمواساه ... ) .
ومع أن المؤاخاه كانت على المواساة فإن الأنصار رضوان الله تعالى عليهم لم يكتفو بها فقد قاموا بالمساواه فكان الأنصاري يقسم ماله نصفين يأخذ نصفها له ويعرض على المهاجري النصف الآخر كما في قصه سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما , وقد قابل عبدالرحمن رضي الله تعالى عنه هذا العرض السخي بالتعفف.
وهذه صفات المجتمع المسلم التازر والتعاون فيما بينهم ولم يجد العدو حينئذ ثغره ينفذ منها في ايقاع الشحناء , والفرقه والنزاع بينهم. ولن نجد أنكى في العدو من التلاحم , والتكاتف ووعي أبناء الوطن لتربص العدو وترقبه في إضعاف جانب التكاتف فيما بينهم .
3ـ الحفاظ علي أمن الوطن :ـ
الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان رب العالمين قال تعالي{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}[قريش].
بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات وتتطوَّر الصناعات. 
الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي، والسعادة المنشودة؛ قال (){مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها}.
إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)}[النحل].
فالأمن والاستقرار إذَا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها. ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛ قال تعالي {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ(37)}[سبأ]. وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام، ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام.
قال تعالي{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)}[العنكبوت].
 4ـ العمل الجاد:ـ
كل مواطن في البلد هو في الحقيقه جندي من جنودة والاسلام يخاطب المؤمنين في الدعوة والجهاد والسعي الى العمل الصالح دون تفريق بين الفرد واخر فليس هناك جنود مسؤولون عن الوطن وآخرون ينعمون بخيراته ولا يتحملون مسؤوليه اتجاهه .
والعمل الصالح من الإيمان كما هو في كثير من الآيات في الكتاب الكريم قال تعالى {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(62)} [البقرة ].
وقال تعالى{ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)} [المائدة] .
وقال تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً(97)}[النحل].
وغيرها من الايات الكثيرة التي ربطت بين الايمان والعمل الصالح فلابد من الانتماء الذي اشرنا اليه من الالتزام بالسلوك والعمل وهاذ العمل لا يحد بنوع معين وإنما هو متروك الامكانيات الشخص وقدراته ومؤهلاته وهو تنوع يتيح تكاملا في العطاء ويتطلب ابتداء اتسشعار الواجب اتجاه الوطن وأن القادر غير معذور إطلاقا عن الاسهام في الواجب وفق اللبنة التي يتمكن من وضعها في بناء وطنه.
وإن من خير الأعمال ماعم نفعه وأدني الأعمال ما اقتصر عمل صاحبه علي نفسه.
5 ـ تشجيع المشاريع الإقتصادية من أجل رفعة الوطن:ـ
شجَّع رسول الله () المشاريع الاقتصادية بين المسلمين، وحثَّهم على المزارعة، كما فعل الأنصار مع إخوانهم المهاجرين الفقراء، الذين قَدِموا على المدينة بلا أدني مال، فعن أبي هريرة أنه قال: قالت الأنصار للنبي (: اقسمْ بيننا وبَيْن إخواننا النَّخِيلَ. فقال: "لا". فقالوا: تَكْفُونَا الْمُؤْنَة, وَنَشْرَككُمْ في الثمرة. قالوا: سمِعْنا وأطَعْنا.(رواه البخاري) . 
من الشخصيات العصامية في المسلمين الأوائل ...
سيدنا عبدالرحمن ابن عوف ، لقداستطاع أن يكون ثروة واسعة، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله،وكان يقول: لو رفعت حجرًا لوجدت تحته ذهبًا، وقال عنه بعض المؤرخين: : كان تاجرا مجدودا في التجارة وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة.
كان له دور في تأسيس الاقتصاد الاسلامي ، وبناء الوطن وإطلاق أسواق تنهي احتكار اليهود للتجارة فأنشأ سوقا للمسلمين في المدينة.
إذ كان اليهودُ قبل الهجرة يحتكرون التجارةَ فيها، ويسيطرون على معظمِ الموارد. وقد أرادَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم إنهاءَ هذا الاحتكارِ والهيمنة، وتشجيعَ أثرياءِ المسلمين على مزاولة النشاط الاقتصادي.
من أبرز المسلمين الذين كانَ لهم فضلٌ في إنشاء سوقٍ في المدينة المنورة الصحابيُ الجليل عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوف.
ومَلَكَاته التجارية، لم تظهر في المدينة فحسب، بل كان له نشاطٌ تجاري كبير في مكةَ قبلَ الهجرة. كان عبدُ الرَّحمنِ بن عوف من أوائل الذين آمنوا بالنبي () وساهمت إمكاناتُه الماليةُ في مساندةِ الدعوةِ وفقراءِ المسلمين.
فأين أصحاب رؤس الأموال اليوم من عبدالرحمن ابن عوف ومعاناة الكثير من فقراء المسلمين .  وقد كان المهاجرون والأنصار، يعملون في الزراعة، أوفي التجارة أو في الحطب، أو في الاستيراد، أو في غير ذلك، وكلهم كانوا مثل عبد الرحمن بن عوف، حتى نتج عن ذلك نشاطٌ اقتصاديٌ واسعُ النطاق .
إن الأمة التي تعمل تقود ولا تقاد ، تسود ولا تساد ، تتكلم فيسمع لها ، تأمربأمر الله فتطاع ، وتنهى بنهي الله فلا تعصى، تذل لها الأمم وتدين لها الدول، وكانت مضرب المثل بين الأمم،
ويشار إليها بالبنيان، ويتحقق لها النجاج ، والهيبة والمنعة.
إن الأمة المنتجة قوية ولها منعة ويهابها أعدائها ، والأمة المستهلكة ضعيفة وتكون ألعوبة في أيد أعدائها .
لقد زار سيدنا عمرابن الخطاب رضي الله عنه، بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية بيد غير المسلمين، فعنفهم أشد التعنيف، فقالوا: لقد سخرهم الله لنا، فقال لهم قبل ألف وأربعمائة  وسبع وثلاثون عاما: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
لقد أدرك الخليفة العملاق قبل ألف وأربعمائة وسبع وثلاثون عاما أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف،أصبحنا الآن نستورد كل شيئ من الإبرة حتي الصاروخ ، لذلك يجب أن نعمل ونعمر ونبني ونجتهد قدر المستطاع.
إن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المنعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها . 
 الدفاع عن الوطن ضد أي عدوان:ـ
يقول الله تعالى في قصة طالوت وجالوت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}[البقرة ].
فدلالات هذه الآية تشير الى أهميه القتال من اجل الديار والأبناء فيما لا يتعارض مع الإسلام وان هذا جهاد في سبيل الله .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن الرسول الله () قال (من قتل دون ماله فهو شهيد ).
ومن أغلى الأموال الأرض التي نسكنها ونحيا عليها ولا يصح أن نفرط في أوطننا وأراضينا بل الحفاظ عليها أمر واجب شرعا .
وأخيرا ..
اللهم اعصم دماء المسلمين وأموالهم وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن واصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين ، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
اللهم آمين . والحمد لله رب العالمين .
 ================
رابط word
============
رابط pdf

ليست هناك تعليقات: