4 يوليو 2018

نعمة العقل وضرورة استعماله في فهم الإسلام








الحمد لله رب العالمين .. أحل الحلال ، وحرم الحرام ، وشرع الشرائع ، وحد الحدود ، 

وأتم علينا النعمة ، وأكمل لنا الدين ، ورضي لنا الإسلام دينا ، فقال تعالي }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ 

لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(3){ [المائدة] .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي 

كل شيئ قدير .. أقرت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع 

مصنوعاته، 

فشهد الجميع بوحدانيته وقدرته فقال تعالي }الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى 

جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا 

عذاب  النار(191){.[آل عمران].

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ...يؤكد ضرورة الإعتصام 

بالكتاب والسنة ففيهما النجاة من الفتن والعصمة للعبد من الضلالة ،روى مسلم في 

صحيحه 

والحاكم في مستدركه مِن حَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ 

عليه وسلم قَالَ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ 

نَبِيِّهِ"مستدرك الحاكم"، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...

أما بعد ...

فإن الله تعالي خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل وجعلنا بالإسلام خير أمة 

أخرجت للناس ، وجعل لنا مصدرين أساسيين هما سر عزنا وسعادنا لو أحسنا فهمهما 

هما القرآن الكريم والسنة النبوية لذلك كان الفهم ضرورة ملحة لفهم القرآن والسنة 

وجعل العقل هو محل الفهم ومصدر التكريم للإنسان فقال تعالي } ولقد كرمنا بني آدم 

وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا 

تفضيلا}  الإسراء .

وحذر من اهمال العقل لأن فيه الضلال والإنحراف ، لذلك كان موضوعنا  (نعمة العقل 

وضرورة استعماله في فهم الإسلام) . وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...

1ـ أهمية العقل في الإسلام.

2ـ تحرير الإسلام للعقل.

3ـ توظيف الإسلام للعقل.

4ـ الخاتمة .


العنصر الأول : أهمية العقل في الإسلام :ـ

فقد خلق الله الإنسان وخلق له عقلا، يدرك به الأمور، ويميز به بين النافع والضار، 

والصالح والفاسد، والخير والشر، وجعل مناط التكليف على وجود هذا العقل، فإذا اختل 

العقل ارتفع التكليف عنه.                                      

ولا يوجد دين غير الإسلام كرم العقل والفكر وأشاد بأولى الألباب والنهى، ودعا إلى 

النظر والتفكر، وحرض على التعقل والتدبر، وقرأ الناس في كتابه: (أفلا تعقلون)، 

و(أفلا  ينظرون)، و(لعلكم تعقلون)، و(لعلكم تتفكرون)، و(أو لم ينظروا)، و(أو لم 

يتفكروا)،  و(لآيات لقوم يعقلون)، و(لآيات لقوم يتفكرون).

ومن أروع ما جاء في القرآن قوله: (قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا لله مثنى وفرادى 

ثم تتفكروا).

ومعناه: أنه لا يطلب منهم إلا خصلة واحدة، وهي أن يتوجهوا بعقولهم وقلوبهم إلى الله 

الذي يؤمنون به، وبخالقيته للكون وتدبيره لأمره، مخلصين في طلب الهداية إلى الحقيقة، 

بعيدا عن تأثير "العقل الجمعي"، وعن الخوف من الناس أو المجاملة لهم، كل فرد مع 

صديقه ممن يثق به، ويطمئن إليه، أو يفكر وحده، وهو معنى قوله: (مثنى وفرادى)، ثم 

يتفكروا في أمر النبوة، وسيهديهم فكرهم الحر إلى الحق.

وقد اعتبر علماء الإسلام أن العقل مناط التكليف، ومحور الثواب والعقاب، كما قرروا 

أن  العقل أساس النقل، إذ لو لم يثبت وجود الله بالعقل، ما ثبت الوحي، فالعقل هو الذي 

يثبت  النبوة، ويثبت صدق النبي بالعقل، ما ثبت الوحي، فالعقل هو الذي يثبت النبوة، 

ويثبت  صدق النبي عن طريق المعجزة الدالة على صدقه دلالة عقلية، ثم بعد ذلك يعزل 

العقل نفسه، ليتلقى عن الوحي الذي هو سلطة أعلى منه.

كان الرسول صلي الله عليه وسلم ينظر إلى العقل نظرة كلها تعظيم وإجلال، فقد رأى 

فيه أنه أصل الدين وأساسه، وأنه لا دين لمن لا عقل له، فقد روى أنس بن مالك فقال:

(أُثنيَ على رجل عند رسول الله بخير، فقال: كيف عقله؟                                                     
قالوا: يا رسول الله إن من عبادته.. إن من خلقه.. إن من فضله.. إن من أدبه.. فقال: كيف 

عقله؟ قالوا: يا رسول الله  نثني عليه بالعبادة وتسألنا عن عقله؟ فقال رسول 

الله: إن الأحمق العابد يصيب بجهله أعظم من فجور الفاجر. وإنما الناس من ربهم على 

قدر  عقولهم).                                                                                                 
و حكى الأصمعي رحمه الله قال: "قلتُ لغلام حدَثٍ من أولاد العرب كان يُحادثني 

فأمتعني بفصاحةً وملاحة: أيسرُّك أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال: "لا 

والله"، قال: فقلتُ: ولم؟ قال: "أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى علي 

حمقي".

فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج بفرط ذكائه، واستنبط بجودة قريحته ما لعله يدق 

على من هو أكبر منه سناً، وأكثر تجربة.                                                                                                 
والعقل أصل في الدين ، إلا أن العقل يختلف من إنسان إلى آخر ، فهناك : ـ ـ ـ ـ                   
 1ـ  العقل الصريح .                                                                                                              
 2ـ  العقل التبريري.                                                                                                                                
 3ـ العقل المرتبط بالأهواء والمصالح .

هذا الجهاز الخطير الذي أودعه الله فينا ، يجب أن يتوافق مع الشرع مائة بالمائة ، ذلك 

أن الشرع من عند الله ، هو النقل ، والعقل مقياس أودعه الله فينا ، والنقل من عند الله ، 

والفرعان إذا اتحدا في أصل واحد فهما متساويان . هل يعقل أن يعطنا الله مقياساً لو 

أعملناه في وحيه ، لوجدناه غير صحيح ؟ مستحيل، لأن العقل من صنع الله ، والنقل 

وحي الله ، إذاً لابد من التوافق .                                                                                                            
 لذلك قال بعض أهل العلم:ـ اعلم أن لكل فضيلة أساً ، ولكل أدب ينبوعاً ، وأس الفضائل 

وينبوع الآداب هو العقل ، يعني إنسان مخلوق في دنيا محدودة ، أما هو يعد لحياة أبدية ، 
فالعقل يقتضي أن تتنعم في هذه الحياة الدنيا وتخسر الآخرة أم أن تتنعم إلى أبد الآبدين 

في جنة الله عز وجل ، العقل يقتضي أن تعمل للآخرة ، لذلك العلماء قالوا: ما من إنسان 

يعمل للدنيا وينسى الآخرة إلا وهو في الحقيقة مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، 

تفوقه العلمي يسمى ذكاءً ولا يسمى عقلاً ، ولكن حينما غفل عن الحقيقة الكبرى في 

الكون ، وغفل عن الآخرة ، وغفل عن سر وجوده إذاً هو مجنون والآية الكريمة تقول :﴿ 
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾ (القلم)

أنت أعقل العقلاء ، لذلك لما رأى النبي مجنوناً في الطريق سأل أصحابه سؤال العارف ، 
من هذا ؟ قالوا هذا مجنون ، قال: لا هذا مبتلى.  المجنون من عصى الله ، يجب أن تؤمن 

، وأن تعتقد بكل ذرة في كيانك ، أن هذا الذي لا يصلي ، ولا يتعرف إلى الله ، وهو 

غارق في المعاصي والآثام مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، وأن هذا الذي 

يغتصب أموال الناس هو يتوهم نفسه شاطراً ذكياً ، لا ، هو أحمق لأنه سوف يسأل عن 

كل ذرة. ﴿ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ 

خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾ (الزلزلة)

قال العقل الذي جعله الله للدين أصلاً وللدنيا عماداً ، إنسان عاقل يعيش حياة هادئة، حياة 

فيها سلامة ، فيها سعادة ، أنه أخذ ما له ، وترك ما ليس له ، تحرك بحجمه ، بنى 

علاقاته بوضوح ، فالناس أحبوه وكسب مال حلال ، وأسس أسرة ، وربا أولاده ، تجد 

إنسان استعمل عقله في الآخرة فكسبها ، استعمل عقله في الدنيا فربحها ، فقال جعله الله 

تعالى للدين أصلاً وللدنيا عماداً.

وقد قيل : العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه .

وروى لقمان بن أبي عامر عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يا 

عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا .

قلت : بأبي أنت وأمي ، ومن لي بالعقل ؟ قال : اجتنب محارم الله ، وأد فرائض الله تكن 

عاقلا ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا وتزدد من ربك قربا وبه عزا } .                                                                                                                واعتبر الإسلام العقل من أولي الأخلاق قبل الدين حتي ذكر سيدنا علي بن أبي طالب 

رضي الله عنه :


                إن المكارم أخلاق مطهرة           فالعقل أولها والدين ثانيها                                                  
             والعلم ثالثها والحلم رابعها       والجود خامسها  والعرف  ساديها            
          
             والبر سابعها والصبر ثامنها       والشكر تاسعها واللين عاشيها                                                                            
           والنفس تعلم أني لا أصدقها        ولست أرشد إلا حين أعصيها                                                                            
            والعين تعلم في عيني محدثها     من كان من حزبها أو من أعاديها                                                                          
عيناك قد دلتا عيني منك على     أشياء لولاهما ما كنت تبديها.


وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {الأحمق أبغض خلق الله إليه ، إذ حرمه 

أعز الأشياء عليه .. }...       

العاقل يسعد ويُسعد ، أما ضعيف العقل يشقى ويُشقي ، لذلك أنا أقول ولا أبالغ والله ما 

من عطاء إلهي يفوق في قيمته عطاء العقل أن يهبك الله عقلاً راجحاً ، يعينك أن تعيش 

بين الناس ، على أن يحبك الناس .

يعني أنت بالعقل والحكمة ، تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ومن دون عقل ولا حكمة 

تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالعقل والحكمة تعيش بدخل محدود ، ومن دون 

عقل وحكمة تدمر نفسك وأنت بدخل غير محدود ، يقول عليه الصلاة والسلام : ‏( ما 

اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد 

ولا استقام دينه حتى يكمل عقله )) (أخرجه ابن المجبر في العقل وعنه الحارث بن أبي 

أسامة‏)  
ويقول سيدنا عمر: أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خلقه. 

وقال بعض الأدباء 

صديق كل امرئ عقله ، وعدوه جهله ، أنا لا أرى عدواً أعدى من الجهل ، قد يكون لنا 

عدو ، اليهود لعنهم الله ، ولكن أشد عداوة لنا منهم جهلنا ، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما 

لا يستطيع عدوه أن يفعله به.                           

 نعيم ابن مسعود خير شاهد :ــ

يستجيب لنداء العقل فسعد في الدنيا والآخرة ، رجل من كبار الصحابة ، اسمه نعيم بن 

مسعود ، هذا زعيم غطفان وجاء على رأس جيش ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام 

في معركة الخندق ، له قصة رائعة ، كان مستلقياً في خيمته ، وهو يحاصر النبي عليه 

الصلاة والسلام ، جرى حوار ذاتي ، داخلي ، الآن إذا إنسان ركب وسافر وحده ، 

ساكت 

، هو ليس ساكتاً ، هناك حوار مع ذاته ، وكل واحد منكم إذا ماشي بالطريق وهو صامت 

، أو جالس ينتظر وهو صامت ، لا بد من حوار مع الذات ، هذا الحوار مع الذات مهم 

جداً ، فهذا الصحابي الجليل يخاطب نفسه ، يقول ويحك يا نعيم ، أنت عاقل ، لمَ جئت 

تحارب هذا الرجل ، هل سفك دماً ، هل انتهك عرضاً ، هل اغتصب مالاً ، أيليق بك يا 

نعيم ، أن تحارب رجلاً رحيماً ، حاور نفسه ، كم إنسان يرتكب أبشع الأغلاط وهو 

غافل ، قال أيليق بك يا نعيم ، وأنت العاقل أن تحارب هذا الرجل ، ماذا فعل هذا الرجل 

؟ 
ماذا فعل أصحابه ؟ ومازال يحاور نفسه ، ويؤنبها ، ويبحث عن الصواب ، إلى أن وقف 

واتجه نحو معسكر النبي ، ودخل على رسول الله ، فالنبي دهش ، زعيم قبيلة معادية، 

قال له نعيم ؟! قال له نعيم ، قال يا نعيم ما الذي جاء بك إلينا ، قال جئت لأعلن إسلامي 

، سبحان الله بساعة تفكير ، ساعة إعمال عقل ، ساعة تأمل ساعة حديث مع الذات ، 

انقلب من رجل مشرك يحارب الله ورسوله ، إلى رجل مؤمن ، قال له امرني يا رسول 

الله ، المعركة على وشك أن ينتهي الإسلام ، قال بعض من كان مع النبي أيعدنا صاحبكم 

أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، الله عز وجل قال:ـ 

﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) ﴾ (الأحزاب)

الإنسان المراقب يوقن أنه بقي للإسلام ساعات ، ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف 

مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام ، قال له امرني ، قال له أنت واحد ، فقال عليه الصلاة 

والسلام: خذل عنا ما استطعت ، هذا الرجل الواحد استطاع أن يدخل إلى قريش ، وأن 

يوقع بينها وبين اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي ، قال اليهود ندموا على نقض 

عهدهم مع محمد ، الآن سيطلبون منكم رهائن كي لا تتخلوا عنهم ، وهذه الرهائن سوف 

يقدمونها إلى النبي ليقتلهم ، وقال لقريش كلام معاكس ، وقع بين قريش واليهود ما فيه 

الشقاق ، والله عز وجل دعم الموقف لأنه أرسل رياحاً عاتية ، قلبت قدورهم ، وأطفأت 

نيرانهم ، واقتلعت خيامهم ، وكفى الله المؤمنين القتال.  

يعني أيام الإنسان موقف واحد يسعد به 

إلى أبد الآبدين ، كسيدنا نعيم لحظة عقل واحدة ، نقلته من مشرك مقاتل إلى جهنم ، إلى 

مؤمن صحابي جليل ، نترضي عنه إلي الآن .                                                    
                                         
  العنصر الثاني: تحرير الإسلام للعقل :ــ                                                                                                                 الإسلام يحرر العقل، وهذه بلا ريب نعمة عظيمة، كأنّ أول ما يميز الإنسان عن 

سائر الحيوانات: أنّ الله تعالى منحه العقل ليفكر به، ويتأمل فى نفسه وفى آيات الكون 

من حوله، ويتعلم ما يمكن تعلمه، بأدواته المختلفة من السمع والبصر والفؤاد، كما قال 

تعالى:( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ 

وَالأَفْئِدَةَ  لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [النحل:78].                                                                                             
 وقال سبحانه: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ 

عَنْهُ مَسْئُولا)  [الإسراء:36].                                                                                             
لذلك كان تحرير هذا العقل - الذى هو المنحة الكبرى 

للإنسان – من كل ألوان الأسْر والرقّ والحجْر عليه، والحجب له عن التفكير الحرّ، 

والتعلّم المستقل، والبحث الدؤوب، هو من أعظم ما دعَا إليه الإسلامُ فى كتابه وسنّة نبيّه، 

وفى أصوله الفكرية والدينية.

أ ـ تحرير العقل من أسْر الخرافات والأباطيل :ــ 

لقد عاب الله تعالي على المشركين اتباعهم للظن في تكوين العقائد التي لا يغني فيها إلا 

اليقين القائم على البصيرة والبرهان. وفي ذلك بخطابهم فيقول في شأن آلهتهم: (إِنْ هِيَ 

إِلا  أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا 

تَهْوَى الأَنْفُسُ) (النجم: 23)، ويقول في هذا السياق نفسه: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ 

إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) النجم 28  

ب ـ التحرير العقلى من أسر التقليد:ــ   

وأول التحرر من القيود التقليدية: قيد التحرر من اتباع الآباء والأجداد، فكثيرا ما وقف 

هذا الحاجز دون الاستماع والإنصات الحق إلى دعوات أنبياء الله تعالى ورسله، فيما 

جاؤوا به من البينات والهدى للناس.                                    

فتجد هودا عليه السلام يدعو قومه إلى التوحيد، وترك ما هم عليه من  بطر وتجبّر 

وتظالم، متكلمًا معهم بالحُسنى، فما كان منهم إلا أنْ قالوا:(أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا 

كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِن الصَّادِقِين[الأعراف:70]                                               

وكذلك وقف الكثيرون من الأقوام المختلفة مثلَ هذا الموقف الغبى من رسل الله إليهم، 

ومنهم مشركو العرب، حين جاءهم خاتم رسل الله محمدٌ، فدعاهم إلى توحيد الله، 

والشهادة له بالرسالة، وتبنّى مكارم الأخلاق التى جاء بها من ربه، فرفضوا هذه الدعوة 

الخيّرة  البصيرة، كما حكى عنهم القرآن:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى 

الرَّسُولِ قَالُوا 

حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) 

[المائدة:104].                                               

وفى مقام آخر قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا 

أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة:170].

وهذا هو موقفهم الثابت الذى لا يتحرك:(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى 

آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ*وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا 

آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ 

قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) [الزخرف:22-24].

بهذه المناقشات العقلية المضيئة والمنيرة يخاطبهم القرآن، ليعمل على زحزحة هذه 

العقول الجامدة، كأنها الحجارة أو أشد قسوة، فلم يسلموا  إلا بعد مشوار طويل، سقط فيه 

من سقط، ونجا فيه من نجا.

فالتقليد الأعمي يسبب تعطيل السمع والبصر والفؤاد وينزل بالإنسان من أفق الإنسانية 

العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنها لم 

تؤت ما أوتى من قوى التمييز والإدراك، فكان جديرًا أن يكون من حطب جهنم كما أخبر 

الله عز وجل .

وصدق فيهم قول الله عز وجل:( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا 

يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم 

أضل أولئك هم الغافلون.)[الأعراف:179]

وأرداهم التقليل الأعمي  موارد التهلكة فجعلهم يتحسرن ويندمون في وقت لا ينفع فيه 

الندم أو ما سمعتم قول الله تعالي علي لسان الفجار:

(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (10 ﴾ (الملك)

ج ــ تحرير العقل من قيد السادة والكبراء:ــ

دعا الإسلام إلى تحرير العقل من اتباع السادة والكبراء، فالسيادة والكبرياء ليست معيارا 

للحق، كما أن الأبوّة بمراحلها المختلفة ليست معيارا للحق.  

 ولكن العرب كغيرهم اتبعوا سادتهم وكبراءهم، واعتبروهم أولى بالحق من 

غيرهم، كما اعتبر الآخرون آباءهم أولى بالحق من سواهم.                                                                                                    

ومن المؤسف أن يظلَّ الناسُ وراءَ هذا الباطل الصُراح، الذى لا 

سَنَدَ له من منطق ولا علم، ولا هدًى ولا كتابٍ مُنير، إلى أن تنكشف الحقيقة، ويظهر 

وجهها علنًا للناس، فاضحا ما كانوا عليه من هذيان وتُرهات، اتّضح كذبُها، وبان زيفُها، 

وظهر انخداعُ الجميع بها.

يظهر القرآن هذه المناقشات والمحاجات والمخاصمات بين هذه الطوائف المتشاكسة، من 

الكبراء المرموقين والفقراء المستضعفين، وما بينهما من مقولات ومصارحات 

ومصادمات.

انظر ما قاله القرآن بسرعة فى سورة البقرة:(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا 

الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا 

مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة:166-

167].

وفى سورة الأعراف يقول سبحانه:(قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ 

وَالإِنْسِ فِى النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ 

لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ 

* وَقَالَتْ أُولاهُمْ  لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) 

[الأعراف:38، 39].

وفى سورة (ص) نرى مشهدا خاطفا من مشاهد أهل النار يظهره القرآن لنا فيقول:(هَذَا 

فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ 

لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِى النَّارِ) [ص:59-61].

وتعرض لنا سورة سبأ مشهدا أوسع، يختصم فيه المشركون والضالون بعضُهم مع 

بعض، ولو كان معهم أسلحة لقَتَلَ بعضُهم بعضًا، ولكنهم يتقاتلون بالألسنة وبالكلمات، 

يقول تعالى: ( .. وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ 

الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا

 لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ 

اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا 

وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا 

كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سبأ:31-33].

لقد خلع المستضعفون والفقراء عقولَهم، وتركوها لسادتهم وكبرائهم، فلم يغنوا عنهم شيئا، 
وتبرّؤوا منهم. كما تبرّأ الضعفاء منهم، كما حكى لنا القرآن فى هذه السورة (سبأ)،وفى 

سورة الأحزاب: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ 

ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب:67-68].

ومازال القرآنُ وراءَ هؤلاء الفقراءِ والمستضعفين، يقوّيهم، ويرفع من شأنهم، ويُعلى من 

كرامتهم، ويُشعرهم أنهم ليسوا أقلَّ وزنا من هؤلاء المنتفخين بالباطل، المستكبرين 

بأموالهم وسلطانهم وأتباعهم، ولكن الإنسان لا يعلو إلا بنفسه هو، بما فى رأسه من عقل 

يفكّر، وما فى صدره من قلب يخْفِق، وما فى جوانحه من مشاعر صادقة، لا تزييف فيها 

ولا مراءاة.

وقد ضلّ فِى هذا الطريق خلقٌ كثير، وبه هلاك عامة الناس، فإن اليهود والنصارى قلدوا 

آباءهم وعلماءهم فضلوا، وكذلك أهل الجاهلية.

واعلم أن العلّة التى بها مَدَحُوا التقليدَ، بِهَا يُذمُّ؛ لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه، والصواب 

يخفى، وجب هجر التقليد؛ لئلا يوقع فِى ضلال، وقد ذم اللَّه سبحانه وتعالى الواقفين مَعَ 

تقليد آبائهم وأسلافهم، فَقَالَ عز وجل:( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ 

* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ)[الزخرف:23-24]. المعنى: أتتبعونهم 

وَقَدْ قَالَ عز وجل: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ* فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ( [الصافات:69-

70].

فكان من أسباب هلاك الامم سابقا  فقال تعالي (فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوماً 

فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين ) 

الزخرف .                                                                                   

و يعد عند الله شر من الدواب قال تعالي (إن شرالدواب عن الله الصم البكم الذين لا 

يعقلون } .الأنفال.

د ـ تحرير العقل من اتباع العامة: ــ

يسعى الإسلام بقرآنه وسنة نبيه، وبكل تعاليمه وتوجيهاته، إلى تكملة تحرير العقل 

البشرى من كل ما هو مُسلط عليه، ومعطل له عن الإنتاج النافع، وهنا يحرره نهائيا من 

سلطان اتباع الجماهير الغافلة،  من عامة الناس، الذين كثيرا ما يسيرون وراء الآباء، أو 

وراء الكبراء،  أو وراء الأساتذة والشيوخ، الذين اعتبروا أنهم يفكرون لهم، وأنهم    

كأنما أعطَوْا عقولَهم إجازة طويلة، ليس عليهم فيها أن يفكروا، ولا أن يناقشوا، ولا أن 

يسألوا، ولا أن يُضيئوا هذه الشمعة وقتا ما ليستفيدوا من نورها.

 فمن العجب العجاب، أن ترى بعض الناس فى مجتمعاتنا تغلق عقولها، ولا تسمح لها بأن 
تنفتح يوما للعمل والتفكير؛ لأنه قد أراح نفسه من ذلك، حيث قد حدد موقفه مقدما تحديدا 

دقيقا صارما، وهو: أن يكون مع الناس، مع الأكثرية، إن قالوا فى أمر: نعم، قال: ( نعم 

). 
وإن قالوا فى أمر: لا. قال بكل بساطة: ( لا ). أما هو كإنسان له عقله وفكره  وثقافته 

ودينه ورسالته - فليس له فى الحقيقة موقف.

وهذا أمر مؤسف حقا: أن يتنازل الناس عن تفكيرهم، وعن شخصيتهم، وعن 

مسؤوليتهم، مع أن كل إنسان مسؤول عن نفسه، ليس أحد مسؤولا عنه:( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا 

كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر:38].

وهذا ما حذر منه نبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، فقال: [ لا تكونوا إمعة، 

تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس 

أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا] ([3]).

بهذا ارتفع الإسلام بموقف الإنسان، بحيث يكون له موقفه المحدد، ويكون له قراره 

الخاص، ويكون له رأيه المعلن، ليس تابعا لفرد  ولا مجموعة، بحيث تفقده عقله 

ورشده، وتفكر عوضا عنه، فتتخذ له قراره هو، ولا يتخذه لنفسه .

 وهذا ما يشيع وينتشر فى البلاد التى تفقد فيها الحريات العامة، وبعض الناس فيها 

مسوقون إلى ما يُراد لهم، لا إلى ما يريدون هم لأنفسهم، فكلهم غدَوْا ( إمّعاتٍ ) مع ما 

يريده الفرعون، وليس مع ما يراه عقله هو، يُكذّب الأنبياء إذا كذّبهم السلطانُ، ويصدّق 

الشيطانَ إذا صدّق الناسُ الشيطانَ.

وتقوم دعوة الإسلام، وتربية الإسلام، وتشريع الإسلام، على أن يعيش الناس كما خلقهم 

الله، بعقولهم، ومواهبهم وضمائرهم، فقد أنزل الله كتابه، وبعث رسله، وخلق كونه، 

ومنح قوانينه، لـ (قوم يعقلون )، ولـ (أولى الألباب ).

الطفيل ابن عمرو الدوسي يرفض التبعية للمجتمع ويستجيب لصوت العقل :ــ

يحكي عن نفسه فيقول "كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي، فقدمت مكة، فمشيت إلى

 رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر، سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل 

فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك، وعلى قومك ما 

أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه، فوالله 

ما زالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا 

ساد أذني، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفاً، ثم غدوت إلى المسجد، 

فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم -قائماً في المسجد، فقمت قريباً منه، وأبى الله إلا أن 

يسمعني بعض قوله، فقلت في نفسي والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت ما تخفى علي 

الأمور حسنها وقبيحها، والله لأسمعنَّ منه، فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإلا اجتنبته، 

فنزعت الكرْسفة، فلم أسمع قط كلاماً أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان الله! ما 

سمعت كاليوم لفظاً أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته، فدخلت معه بيته، فقلت: يا 

محمد إن قومك جاؤوني فقالوا لي : كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن 

أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك فعرض علي 

الإسلام، فأسلمت .


العنصر الثالث:  توظيف الإسلام للعقل:ــ

لقد دعانا الإسلام العظيم إلي إعمال العقل والتفكر فيمن حولنا ليزيد الإيمان في القلب 

ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكرا 

وتأملا في خلق الله وأكثر علما بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى كما قال 

سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماءُ  [فاطر:28] ولهذا كان السلف الصالح على 

جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته ويحثون على 

ذلك،                                                                     

يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، و لا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. 

ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه  .       

قال أبو سليمان الداراني: " إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شئ إلا رأيت لله 

فيه نعمة ولى فيه عبرة"..   

وقد كثر الحديث في كتاب الله تعالى على الاعتبار والتدبر والنظر والتفكر قال تعالي: ) 

يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة: 219) ،وقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى 

وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (الأنعام: 50) .                                  

 وقال: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ 

وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ  (الروم:8)   

   إن التفكر في ملكوت السموات والأرض من شانه أن يهدى الحيارى، ففي كل شئ له 

آية تدل على أنه الواحد.

تأمل عجيب قدرة الله في خلقه، وكيف يسير الكون بنظام دقيق ربما يكون سببا في زيادة 

إيماننا .  لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ 

يَسْبَحُونَ( "يس:40". )                                                                    فى الكون 

أشياء يمكن أن يُبصَرها الإنسان، وهناك أشياء لا يُبصرها، كما قال القرآن الكريم (فَلا 

أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ)[الحاقة:38: 39].

(صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ) النمل 88 .   

تأمل في الوجود بعين فكر ***         ترى الدنيا الدنيئة كالخيال

ومن فيها جميعًا سوف يفنى ***      ويبقى وجه ربك ذو الجلال

تأمَّل واطعن برمح الحق كل معاندٍ *** واركب جواد العزم في الجولان

واجعل كتاب الله درعًا سابغًا ***        والشرع سيفك وابْدُ في الميدان.

لو نظرنا فى بداية خلق الإنسان، وهى النُّطفة التى خُلِق منها الإنسان: ( أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ 

أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس:77].

 ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِى يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ 

وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِى الْمَوْتَى) [القيامة:37-40].

 ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ 

الْقَادِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) [المرسلات:20: 24].  

وقال ( فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* 

إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) [الطارق:5-8]. 

  وقال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ 

نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ 

إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى 

أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ 

اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )[الحج:5].

 وقال (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا( [الإنسان:2].

إنَّ الإنسانَ إذا نظر فى نطفته الأصليّة، فى هذا الماء المهين،  أو الماء الدافق، الذى 

يخرج من بين الصلب والترائب، وجد فى هذه القطرات التى تنزل من الرجل ملايين، أو 

مئات الملايين من الحيوانات المنويّة، التى يصلح كلٌ منها ليُخلق منه إنسانٌ كامل، 

فانظر فى هذه الوفرة الهائلة التى وفّرها الله لكل إنسان، وهو يحتاج إلى واحد منها.

ومن آياته خلق السموات والأرض : ــ 

فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وعظمتها، عرف بذلك تمام قدرته 

سبحانه: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها ،[النازعات:27-28] والسماء 

بنيناها بأيد وإنا لموسعون ، [الذاريات:47]  .  

 أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لهم من فروج [ق:6] .         

 أخرج أبو داود وغيره عن العباس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلي الله 

عليه وسلم -: (هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما 

خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة ،وكثف – أي سمك – كل 

سماء مسيرة خمسمائة سنة - وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما 

بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم) .                         
والأرض وما جعل الله تعالى فيها من الرواسي والأقوات والخلق الذي لا يحصيه إلا الله 

تبارك وتعالى. فانظر كيف مهدها الله وسلك لنا فيها سبلا وجعل فيها رواسي من فوقها 

وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ويسرها لعباده فجعلها لهم ذلولا يمشون في مناكبها 

ويأكلون من رزقه، وانظر كيف جعلها الله تعالى قرارا للخلق لا تضطرب ولا تزلزل 

بهم إلا بإذن الله تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين )[ الذاريات:20] .    

حكى الحافظ ابن كثير – رحمه الله – أنه سُئل أحد الأعراب فقيل له: ما الدليل على 

وجود الرب تعالى، فقال: يا سبحان الله إن البعرة ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل 

على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على 

وجود اللطيف الخبير؟!.   

 ومن آياته: ما بث في السماوات والأرض من دابة، ففي السماء ملائكة لا يحصيهم إلا 

الله تعالى أخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد بسند حسن عن أبي ذر –رضي الله عنه - 

قال: قال رسول الله –صلي الله عليه وسلم -: (أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها 

موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى)                                                              
جاء في الصحيحين عن النبي  - صلي الله عليه وسلم -: (إن البيت المعمور الذي فوق 

السماء السابعة يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة).
  
وروى أبو داود وغيره بسند صحيح عن جابر –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلي 

الله عليه-  قال: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ما بين 

شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة).                                                                             
وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا يحصى أجناسه فضلا عن أنواعه 

وأفراده فانظروا أولا كم على هذه الأرض من البشر من بني آدم، ليسوا بالآلاف ولا 

حتى بالملايين، بل بالمليارات آلاف الملايين، ومع ذلك فألسنتهم وألوانهم مختلفة فلا تجد 

شخصين متشابهين من جميع الوجوه كما قال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات 

والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).الروم.                                                                  

يقول ابن كثير رحمه الله : (فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ أن خلق الله آدم إلى 

قيام الساعة: كل له  عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان، وليس يشبه واحد منهم 

الآخر. بل لابد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرا كان أو خفيا يظهر 

بالتأمل، ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لابد من فارق بين كل منهم وبين 

الآخر). ا.هـ.     

ثم انظر ما على هذه الأرض من أصناف الحيوانات التي لا يحصيها إلا الله تعالى! كم 

على اليابسة فقط من أصناف هذه الحيوانات؟

وكم في هذه البحار والمحيطات من أصناف الحيوانات؟

 وهي مع ذلك مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال فمنها النافع للعباد الذي يعرفون به 

كمال نعمة الله عليهم ومنها الضار الذي يعرف به الإنسان قدر نفسه وضعفه أمام خلق 

الله، وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله وتقدس له وتشهد بتوحيده وربوبيته.   (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من 

شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) الإسراء 44. 

وكل دابة من هذه الدواب وكل صنف من هذه الحيوانات 

خلق لحكمة بالغة فلم يخلق شيء من هذا الكون عبثا قطعا: (وما خلقنا السماء والأرض 

وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )، وقد تكفل الله برزق 

هذه الدواب ويعلم مستقرها ومستودعها:( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها 

ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) هود 6.  

وقال تعالي ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ) غافر. فلولا هذه 

الجاذبية التي تربطنا بالأرض لطرنا عن ظهرها وانتثرنا انتثارا نحن وبيوتنا 
.                                                                                                
ومن آياته: هذه الرياح اللطيفة التي يرسلها الله تعالى فتحمل السحب الثقيلة المحملة 

بالمياه الكثيرة ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال 

فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض من سواده وتراكمه وتراه يتجمع وينضم 

بعضه إلى بعض سريع بإذن الله وإذا شاء أن يفرقه سريعا أصبحت السماء صحوا وفي 

ذلك أعظم الدلالة 

على عظمة خالقها ومصرفها ومدبرها ولذلك فقد أقسم سبحانه – وهو سبحانه إذا أقسم 

بشيء من مخلوقاته دل ذلك على عظمة المقسم به – كما قال سبحانه: (والذاريات ذرواً 

)، ومعنى الذاريات أي الرياح: (فالحاملات وقراً )، أي: السحاب التي تحمل وقرها من 

الماء. وهذه الرياح وهذا السحاب مسخر بأمر الله تعالى لا يتجاوز ما أمره به خالقه 

ومنشئه سبحانه وتعالى.

 أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس –رضي الله عنه - قال: 

أصابت الناس سَنة على عهد النبي صلي الله عليه وسلم- أي شدة وجهد من الجدب وعدم 

نزول المطر – قال: فبينما النبي صلي الله عليه وسلم –- يخطب في يوم الجمعة قام 

أعرابي فقال يا رسول الله: هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل فادع الله لنا. فرفع 

النبي – صلي الله عليه وسلم - يديه، يقول أنس: وما نرى في السماء قزعة – أي قطعة 

سحاب – يقول: فو الذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم 

ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلي الله عليه وسلم –-. 

سبحان الله العظيم! صعد النبي صلي الله عليه وسلم –- المنبر وما في السماء من قزعة 

سحاب وما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته!.  

 فسبحان الله! إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. 

 يقول انس –رضي الله عنه-: مطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى 

الجمعة الأخرى. فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله !تهدم البناء، 

وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع النبي –صلي الله عليه وسلم- يديه وقال:(اللهم حوالينا 

ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر).

يقول أنس –رضي الله عنه-: فما يشير–صلي الله عليه وسلم بيده إلى ناحية من السماء 

إلا انفرجت، فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا على المدينة وسال الوادي شهرا ولم يجئ 

أحد من ناحيته إلا حدَّث بالجود: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء 

كيف يشاء ويجعله كسفا  فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده 

إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار 

رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) 

الروم 48،49،50.

تأمل عالم البحار : 

  
تأمل كيف مد الله البحار ، وخلطها ، وجعل مع ذلك بينه حاجزاً ومكاناً محفوظاً ، فلا 

تبغي محتويات بحرٍ على بحر ، ولا خصائص بحرٍ على آخر عندما يلتقيان ، (إن في 

ذلك لآياتٍ لأولي النهى) في (إيران) أنهار عندما تلتقي بمياه البحر ترجع مياهها عائدة 

إلى مجاريها التي جاءت منها ، ونهر<الأمازون> يجعل مياه المحيط الأطلسي عذبة 

لمئات الكيلو مترات من مصبه فيه فلا يختلط بمياه المحيط الأطلسي ، وتلتقي مياه 

المحيط الأطلسي بمياه البحر الأبيض فتبقى مياه البحر الأبيض أسفل لثقلها ولكثرة ملحها 

وتعلو مياه المحيط لخفتها ، وكل بمقدرة ، وكذلك لا تختلط مياه البحر الأسود بمياه البحر 

الأبيض عندما تلتقي بل تشكل مجريين متلاصقين فوق بعضهما البعض ، فمياه الأسود 

تجري في الأعلى نحو مياه البحر الأبيض لأنها أخف ، ومياه البحر الأبيض تجري في 

الأسفل لأنها أثقل فتجري نحو البحر الأسود ، فتبارك الذي (مرج البحرين هذا عذب 

فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجورا لا إله إلا هو سبحانه وتعالى 

عما يشركون ) ، عجائب البحر أعظم من أن يحصيها أحد إلا الله ، كشف علماء البحار 

من النصف الثاني من القرن العشرين أن في البحار أمواجاً عاتية دهماء مظلمة حالكة ، 

إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها فعلى عمق ستين متراً عن سطح البحر يصبح كل شيء 

مظلماً في البحار ، بمعنى أننا لا نستطيع رؤية الأشياء في أعماق تبعد ستين متراً عن 

سطح البحر ، ولذلك زود الله الأحياء البحرية التي تعيش في أعماق البحار اللجية بنور 

تولده لنفسها ومن لم يجعل الله له نوراً في تلك الظلمات فما له من نور ، نسي هؤلاء 

المكتشفون أن الله ذكر تلك الظلمات في قوله قبل أن يخلقوا وآباؤهم وأجدادهم (أو 

كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق 

بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) ، تُرْجِمَ معنى 

هذه الآية لعالم من علماء البحار أفنى عمره في ذلك وظن أنه على شيء وأنه اكتشف 

شيئا وجاء بشيء فيه إبداع فقال في دهشة بعد ترجمة الآية : إن هذا ليس من عند محمد 

الذي عاش حياته في الصحراء ، ولم يعاين البحر ولججه وظلماته وأمواجه وشعبه ، إن 

هذا من عند عليم خبير ثم شهد شهادة الحق ودخل في دين الله ، نعم لا يملك إلا ذلك ،

من واصف الظلمات في قعر البحار سوى الله العليم الباري ، سبحانه ملكاً على العرش 

استوى وحوى جميع المُلْكِ والسلطان ، لا إله إلا الله كيف تعمى العيون وتعمى القلوب 

عن آيات الله ، أإله مع الله ، تعالى الله .  

سأل رجل أحد السلف عن الله ، قال له :ألم تركب البحر؟ ، قال : بلى ، قال فهل حدث 

لك مرة أن هاجت بكم الريح عاصفة قال نعم ، قال وانقطع أملك من الملاحين ووسائل 

النجاة ، قال نعم ، قال فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك بأن هناك من يستطيع أن ينجيك 

إن شاء ، قال نعم ، قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ، (هو الذي 

يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها 

جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنه أحيط بهم دعوا الله 

مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في 

الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا 

مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون22،23.                                                                                              

ومن عجائب البحر التي تدل على إدراكه وعبوديته لله جل وعلا أنه يعظم عليه أن يرى 

ابن آدم يعصي الله عز وجل مع حلم الله عليه فيتألم البحر لذلك ويتمنى هلاك عصاة بني 

آدم بل ويستأذن ربه في ذلك ، جاء في مسند الإمام أحمد فيما روي عن عمر بن 

الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من ليلة إلا والبحر 

يشرق فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينتضح عليهم ـ أي على العصاة ـ فيكفه الله بمنه 

وكرمه "، فلا إله إلا الله ، البحر يتمعر ، ويتمنى إغراق العصاة ، ويستطيع لكنه مأمور ، 
ومنا من لا تحرك فيه المعصية ساكنا ، تُنْتَهَك حرمات الله ، وتُتَجَاوز حدوده ، وتُضَيَّع 

فرائضه ، ويعادى أولياؤه ، ثم لا تتمعر الوجوه ، فأين الإيمان يا أهل الإيمان؟ إن في 

ذلك لآية وكم لله من آية ، فتأملوا يا أولي الألباب 
.                                                                                                             والكون من آياته، والآفاق من آياته، تشهد بوحدانيته. إن تأملت ذلك عرفت حقًا كونه 

موحدًا خالقًا؟ وكونك عبدًا مخلوقًا، الكون كتاب مسطور ينطق تسبيحًا وتوحيدًا، وذراته 

تهتف تمجيدًا: (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) سورة لقمان 11.

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْل وَالنَّهَار:ــ

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) إن تعاقب الليل 

والنهار نعمة عظيمة؛ إذ هي تنظم وجود الأحياء على الأرض، من نمو النبات، وتفتُّحُ 

الأزهار، ونضج الثِّمار، وهجرة الطيور والأسماك والحشرات، ومن شاء فليتصور ليلا 

بلا نهار، أو نهارًا بلا ليل، كيف تكون الحياة؟ (قُلْ أَرأيتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا 

إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرأيتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ 

النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ) أما 

إنها لو سكنت حركة الشمس لغرق نصف الأرض في ليل سرمدي، وغرق نصفها 

الآخر في نهار سرمدي، وتعطلت مع ذلك مصالح ومنافع، ومن عاش في المناطق 

القطبية بعض الوقت عرف نعمة تعاقب الليل والنهار؛ إذ يبقى النهار لمدة ستة أشهر، 

والليل كذلك. (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ 

تَشْكُرُونَ)  .                                   

وأخيرا يقول الله عز وجل:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ 

الْحَقُّ) [فصلت:53].

ليست هناك تعليقات: