19 يوليو 2018

الإيثار خلق الكبار




الحمد لله رب العالمين .. جعل الإيثارشعار الصالحين وأعلي مراتب المؤمنين فأثنى على المتصفين به، 

وبيّن أنهم  المفلحون في الدنيا والآخرة؛ فقال سبحانه: } وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ 

إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ 

فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9){ [الحشر].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله الحمد وهو علي كل شيئ قدير أرشدنا إلي الطريق الموصل 

إلي الجنة فقال تعالي } لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(92) { [آل عمران].

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ربي أصحابة علي أخلاق الكبار، وبين أن العطاء الكريمة ، 

وأن البخل سلوك النفس الشحيحة فعن عبدالله ابن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم 

(إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح ، أمرهم بالبخل فبخلوا ،وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور 

ففجروا )أخرجه أبو داود في سننه.

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.

أما بعــــد .. فيا أيها المؤمنون

ما أجمل أن يتصف المرء والمجتمع بالإيثار والعطاء وحب الخير للآخرين، وما أقبح أن يتصف بالأثرة والأنانية 

وحب النفس.

والإيثار والعطاء والإحساس بالآخرين من أسمى المراتب العالية والأخلاق الكريمة التي حث عليها الإسلام الحنيف 

، حرصا على العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية بين الأفراد ولضمان تماسك المجتمعات وسعادة البشرية.

ولأهمية خلق الإيثار وضرورته كان موضوعنا الإيثار خلق الكبار وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...

1ـ تعريف الإيثار .

2ـ دوافع الإيثار .

3ـ فضل الإيثار ومكانته في الإسلام .

4ـ  أنواع الإيثار .

5ـ نماذج من أهل الإيثار .

6ـ الوسائل المعينة على اكتساب خلق الإيثار.

العنصر الأول : تعريف الإيثار :ـ

الإيثار معناه :  التقديم والتفضيل

والإيثار في أيسر معانيه: هو أن تُقدِّم منافع غيرك على منافعك، وأن تحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك، بل وأكثر مما 

تحبُّ لنفسك، أن تعطي لأخيك مثلَ أو أكثر مما تعطي لنفسك، أن تَخدم غيرك عند الحاجة والاقتضاء أكثر مما تَخدم 

نفسك، وذلك رغبة في رضا الله تعالى، فقد يجوع المؤثِر ليُشبع غيره، ويَعطش ليَروي سواه، بل قد يموت في سبيل 

حياة الآخرين، وبهذا الشعور النبيل يُجدِّد حقيقة إيمانه، فيُطهِّر نفسه من الأَثرة والأنانية التي هي حبُّ النفس 

وتفضيلها على غيرها .

العنصر الثاني : دوافع الإيثار :ـ

إن الدافع والباعث إلي الإيثار أمران :

الأمرالأول : فطري  وغريزي :ـ كالذي يكون عند الآباء والأمَّهات ، وهذا ينتج عنه حبٌّ شديدٌ عارم، والحبُّ مِن 

أقوى البواعث الذَّاتية الدَّافعة إلى التَّضْحية بالنَّفس وكلُّ ما يتَّصل بها مِن مصالح وحاجات مِن أجل سلامة المحبوب 

أو تحقيق رضاه، أو جلب السَّعادة أو المسرَّة إليه .

تجد الأب يعمل ويتعب من أجل تحقيق راحة أبنائه وتوفير الحياة الكريمة لهم وكذلك الأم تشعر بالسعادة الحقيقة 

عندما تجد أبنائها سعداء فهذا إيثار فطري لذلك تقول أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:(جاءتني مسكينة تحمل 

ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها 

ابنتاها، فشقَّت التَّمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله 

عليه وسلم، فقال: إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنَّة، أو أعتقها بها مِن النَّار) فهذا الإيثَار دافعه حبُّ الأم لابنتيها ورحمتها 

بهما.

الأمرالثَّاني: يكون الدَّافع هو الإيمان:ـ  الإيمان هو المحرك للمسلم أن يكون نافعا لغيرة طمعا في الأجر والثواب كما 

حدث مع الصحابة الكرام في المدينة ، فامر يعتمد على عاطفة إيمانيَّة عاقلة {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم 

خصاصة (9)} [الحشر]

فالإيثار ليس ادِّعاءً ولا شعارًا فارغًا، يُعلنه الإنسان في السرَّاء وأوقات الفراغ، وربما يُؤثِر على نفسه في المواقف 

اليسيرة ، والأشياء الصغيرة، أمَّا إذا جدَّت ساعة الجد وحان وقت الفصل، يُؤثِر نفسه، وهذا غالب حال البشر، 

فالإنسان لا يُقدِّم غيرَه على نفسه إلاَّ لحبٍّ شديد له، أو لإيمان بأجر هو أعظم من هذه المَنفعة التي يقدمها لأخيه.

العنصر الثالث : فضل الإيثار ومكانته في الإسلام

للإيثار فضل عظيم ومكانة كبيرة في الإسلام ...

1ـ تحقيق الكمال الإيماني في النفس البشرية :ـ

فالإيثار منزلة رفيعة القدر لا يتخلَّق به إلاَّ أصحاب القلوب التي وعَت إنسانيَّتها، وفَهِمت دينها، وتحقَّق لها القرب من 

الله، قال تعالى: }عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا(6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا(7) 

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا(9){ 

[الإنسان].

يطعمون الطعام للفقراء والمساكين ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه من عون ومساعدة، ولا ينتظرون منهم أي مردود، 

وهذا هو المعنى الصحيح للتطوع. 

بل نفي النبي صلي الله عليه وسلم الإيمان عن صاحب الأثرة وحب الذات الذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فما بالنا 

بمن يؤثر أخاه علي نفسه فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [رواه البخاري].

وجعل الله تعالي الإيثارمن أخص خصائص المجتمع الإيماني،حيث قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ 

خَصَاصَةٌ(9)}الحشر.                                                

فهذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة يؤثر مصلحة الأمة علي مصلحته الخاصة حينما أشتد بالمسلمين الفقر 

والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة  وقالوا له تبيعنا و 

نزيدك الدرهم درهمين  ؟

 فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا .

فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة : فقالوا له فمن الذي 

زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟

 فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله  فهي لفقراء المسلمين ..

 الله أكبر!! ...  ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن  الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال 

طائلة  ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب 

الحاجات. 

إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة 

وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر.   

2ـ الإيثار من موجبات رحمة الله تعالي :ـ

هو رحمةٌ أسكنها الله قلوبَ المؤمنين، فبذلت وضحّت لوجه الله رب العالمين، اقتحم أصحابُها العقبة، ففكوا الرقبة، 

وأطعموا في كل يومٍ ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة، قلوبُ أهلها رقيقة لينة حليمة رحيمة، لا تحتمل 

فواجع المسلمين، بل تهتز لدعاء المصابين والمنكوبين.

الإيثار! وما أدراك ما الإيثار! أن تسعى في بذل الخير والمعروف والإحسان، طمعا في رحمة الله الرحيم الرحمن، 

بإجابة دعوةٍ مِن أرملة، أو دعوةٍ مِن بائسة، أو دعوةٍ مِن مكروب، أو دعوةٍ مِن مهموم أو مغموم، أو كربة تفرِّجها 

على مَدين مُعسِر.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:(من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه.

فأبو بكر الصديق رضي اللهُ عنه أسلم وله أربعون ألفًا، فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلهم يعذَّب في سبيل الله، 

أعتق بلالًا، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، والنهدية وابنتها، وجارية بن مؤمل، وأم عبيس.

وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه كان يتعاهد الأرامل يسقي لهن الماء ليلًا، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، 

فدخل عليها طلحة نهارًا، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا منذ كذا وكذا 

يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. 

3ـ الإيثار هو الطريق الموصل إلي الجنان ومحبة الرحمن :ـ

إنه الإيثار؛ الذي يحمل صاحبه على البذل والعطاء، والكرم والسخاء، مما تحبه النفس من الكنوز والأموال، قال الله 

تعالى: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].                   

 يقول السعدي: يعني: (لن تنالوا وتدركوا البر، الذي هو اسم جامع للخيرات، وهو الطريق الموصل إلى الجنات، 

حتى تنفقوا مما تحبون، من أطيب أموالكم وأزكاها. فإن النفقة من الطيّب المحبوب للنفوس، من أكبر الأدلة على 

سماحة النفس، واتصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقتها، ومن أدَلّ الدلائل على محبة الله، وتقديم محبته على 

محبة الأموال، التي جُبِلت النفوس على قوّة التعلق بها).

فهذا أبو طلحة الأنصاري؛ جاء إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه ﴿ 

لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] وإنّ أحب أموالي إليّ بَيْرُحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي 

صلى الله عليه وسلم ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أرجو 

برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة، ذاك مال 

رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه[البخاري 

ومسلم].

4ـ الإيثار سبب في نقاء النفس من الصفات السلبية المشينة للنفس البشرية :ـ

الإيثار ذلِكُم الخلقُ الذي يدل على صفاء النفس ونقائها من البخل والشح والأنانية. فلصاحب الإيثار نفس تواقة إلى 

الخير، مسرعة إلى الإحسان. 

ورد في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ 

اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا 

بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ».

روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ 

فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا 

مَحَارِمَهُمْ ».

وهذا عبدالله ابن عباس يؤثر مصلحة أخيه المسلم علي اعتكافه في المسجد النبوي ، عندما كان معتكفا في مسجد 

رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس , فقال له ابن عباس : يا فلان أراك مكتئبا حزينا ؟! 

قال : نعم يا ابن عم رسول الله لفلان علي حق ولاء , وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه , قال ابن عباس : أفلا 

أكلمه فيك , فقال : إن أحببت قال : فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟؟!! 

قال : لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول : ( من مشى 

في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين , ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه 

وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين ) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصرا وقال 

صحيح الإسناد .

لم يترك ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في أي مسجد , بل ترك الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه 

وسلم , مع ما له من أجر مضاعف وعظيم , ولم يتركه لينقذ مسلما من الموت جوعا أو بردا أو خوفا وذعرا , بل 

خرج ليكلم له دائنه بالتأجيل والنظرة إلى الميسرة فحسب , وهي حاجة ربما يستصغرها بعض المسلمين اليوم , إلا 

أنها كانت كافية لإخراج ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم من معتكفه وعبادته .

أفلا تستحق آلام المسلمين المنكوبين اليوم , بأن نخرج من شح النفوس وهواها إلى كرمها وتقواها , و من قسوة 

القلوب وغفلتها إلى لينها و ذكرها لخالقها ومولاها , ومن إغلال الأيدي إلى الأعناق إلى بسطها بعض البسط في 

الإنفاق .

إنه الإيثار؛ الذي يزرع في النفوس المودة والمحبة، والرأفة والرحمة، وينزع من القلوب الكراهية والبغضاء، فإن 

القلوب مجبولة على تعظيم صاحب الإيثار ومحبته، كما أنها مجبولة على بغض البخيل المستأثر ومقته.

5ـ الإيثار يحقق التضامن والتكافل في المجتمع :ـ

إنه الإيثار؛ الذي به تحصل الكفاية الاقتصادية والمادية في المجتمع، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي 

الثلاثة، والبيت الكبير الذي تستأثر به أسرة واحدة مع سعته يكفي أكثر من أسرة ليست لها بيوت تؤويها. وهكذا..

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ 

كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ».

وفي صحيح مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي 

الاِثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ».

قال الله سبحانه وتعالي :}وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 

(2){ [المائدة].   

 قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فِعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات 

وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم؛ (تفسير ابن كثير).   

 وروى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللهُ عنه قَالَ: "فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ 

عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه 

وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، 

قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ"[ مسلم].

فالإيثار جالبٌ للبركة في الطَّعام والمال والممتلكات

6ـ الإيثار هو أعلي مراتب الأخوة الإيمانية:

الإيثار أعلي مراتب الأخوة الإسلامية ، فهو الخُلق الذي وصَف به الحقُّ  سبحانه وتعالى أنصار رسوله عليه الصلاة 

والسلام الذين جسَّدوا تجربة الأخوَّة الإيمانيَّة في صورة لا عهدَ لتاريخ البشرية بها، صورة من الإيثار يعجز عن 

وصفها اللسان، ويضعف عن التعبير عنها البيان، كيف لا، وقد قال الله تعالى في حقهم:} وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ 

وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ 

بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9) { [الحشر].

أي: يقدمون خدمة الآخرين ومصلحتهم العامة على المصلحة الشخصية الخاصة.  

روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ 

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ 

وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ...

إنها الأخوة في الله. إن التمسك بحبل الله تعالى ينقي القلوب، ويجعلها تتطلع إلى السماء، يجعلها تنظر للآخرة، يجعلها 

تسير في درب الإيثار وطريق التضحية وسبيل الوفاء والبذل والعطاء دونما كلل أو تعب ،نفوس عفيفة نقية طاهرة لا 

تحمل في قلبها حقدا ولا حسدا.

7ـ الإيثار يكسب العبد رفعة في الدنيا والآخرة: ـ

يكتسب صاحب الإيثار جميل الذكر في الدنيا حيث إن القلوب جبلت على تعظيم من يؤثرهاوجزيل الأجر في الآخرة 

مع ما يجلبه له الإيثار من البركة وفيضان الخير عليه، فيعود عليه إيثاره أفضل مما بذله.

فهو يعلم عن يقين أن ما يقدمه اليوم يجده غدا هو خيرا وأعظم أجرا فهو دوما يتدبر كتاب الله تعالى فتقع عينه ويتأثر 

قلبه.

بمثل آيات المزمل وفاطر قال تعالى: }وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا 

اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20){ (المزمل) وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ 

سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) { (فاطر

فيحتقر الدنيا ويزدريها، ويصطفي الآخرة ويختارها، ويقبل على الله عز وجل فيؤثر رضاه سبحانه وتعالى على 

رضا غيره، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى.

فهذا عبد الله بن المبارك كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن 

المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه باسمه[سير أعلام النبلاء]

عبدالله ابن المبارك يقدم حاجة اليتامي علي حجة النافلة ، كان عبد الله بن المبارك – رضي الله عنه – يحج عاماً 

ويغزو في سبيل الله عاماً آخر، وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره.. وفي الطريق 

وجد منظراً ارتعدت له أوصاله. واهتزت له أعصابه!!.                          

وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة.. تضعها تحت ذراعها.. وتنطلق في الخفاء.. 

فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟ 

فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني 

بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك، فأجابته دموعها قبل كلماتها : إن الله قد أحل لنا 

الميتة..أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس 

فلم أجد للناس قلوبا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. 

أفمجادلني أنت فيها؟          

 وهنا تفيض عينا ابن المبارك من الدمع وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج.. 

 وأخذتها أم اليتامى، ورجعت شاكرة إلى بناتها. وعاد ابن المبارك إلى بيته، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة 

الحج، ثم عادوا، وكلهم شكر لعبد الله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج.  

 يقولون: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم ولا رأينا خيرا منك في 

تعبدك لربك في الحج هذا العام . 

فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره ،وفي 

المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله أنا 

حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا... 

يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – 

خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج.. وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب 

لك أنت ثواب سبعين حجة.

العنصر الرابع :أنواع  الإيثار:

1- الإيثار مع الخالق سبحانه:

أفضل أنواع الإيثار وأعلاها منزلة، وأرفعها قدراً؛ الإيثار مع الله، إيثار رضاه على رضا غيره، وإيثار حُبّه على 

حبّ غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه.

الإيثار مع الله: أن يفعل المرء كلّ ما يحبه الله تعالى ويأمر به، وإن كان ما يحبه الله مكروهاً إلى نفسه، ثقيلاً عليه.

الإيثار مع الله: أن يترك المرء ما يكرهه الله تعالى وينهى عنه، وإن كان محبوباً إلى النفس، تشتهيه، وترغب فيه.

فتُؤثر رضا الله وتقدمه على رضا نفسك وهواك، وعلى رضا الناس أجمعين، إذ لا رضا يقدم على رضاه، ولا طاعة 

فوق طاعته، ولا محبة تفوق محبته... فالكلّ عليه أن يسعى إلى مرضات خالقه ومولاه.

فليتك تحلو والحياة مريرة**********وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الّذي بيني وبينك عامر********وبيني وبين العالمين خراب

إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن********وكلّ الّذي فوق التّراب تراب

الإيثار مع الله يقتضي من العبد أن يداوم على طاعة الله، ألا ينشغل بدنياه عن أخراه، إذ كيف لعاقل أن يقدم الدنيا 

وهي دار الفناء، على الآخرة وهي دار البقاء.

قال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ 

وَأَبْقَى(17)} ﴾[الأعلى].

وهذه بعض النماذج المشرقة في الإيثار مع الخالق جلا وعلا ...

*سَحَرة فرعون والإيثار الفريد:

تُمثِّلُ قصة سَحَرة فرعون نموذجًا رائعًا في الإيثار بمعناه الإيماني الرفيع، فما إن تأكَّد لهم صدقُ موسى عليه 

السلام .

- حتى تنصَّلوا من زَيفهم، وأقبلوا على الإيمان إقبالاً فوريًّا رائعًا، فغاظَ ذلك فرعون، فهدَّدهم بالموت، وتوعَّدهم 

بالتنكيل؛ ليُبعدهم عن سبيل الهدى الذي أدركوه لتَوِّهم، فما لانَتْ لهم قناة، ولا أَلْقَوا بالاً للتهديد والوعيد، وبَقَوْا 

متمسكين بإيمانهم واثقين بربِّهم - عزَّ وجلَّ - مُؤثِرين الانخراط في موكب الشهداء على البقاء أحياءً في ظلِّ العبودية 

لغير الله؛ ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ 

وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي 

فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ 

السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) ﴾ [طه].

لقد آثَروا الله  عزَّ وجلَّ على فرعون المتجبِّر الذي ادَّعى الألوهيَّة، واستعبَد عقول الناس وأرواحهم وأفكارهم، آثَروا 

الله على تاريخ فرعوني طويل أَلِفوه واعتادوه، ولَمَّا هدَّدهم فرعون وأمرَهم بالتراجع، آثَروا الله على النجاة من 

العذاب، وعلى أيديهم وأرجلهم التي هدَّدهم بقطعها من خلاف، ثم آثَروا الله أخيرًا على أرواحهم وحياتهم، واسْتَسْهلوا 

صَلْبهم في سبيل الله، فكأنَّهم قالوا له: نحن أحرارٌ من عبوديَّتك يا فرعون، فماذا تصنع بنا؟

إن كلَّ ما تَملكه أن تقضي في حدود هذه الدنيا، لكنَّك لا تَملك أمرَ خلودنا وحياتنا الآخرة، لا تَملك لنا نعيمًا أبديًّا ولا 

تعاسة أبديَّة، }فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ(72) { [طه].

 هذه عبارة تُشعر بمدى إيثار السَّحرة لله  عزَّ وجلَّ  على كلِّ ما سيَصنعه فرعون، ولَم يَزيدوا عن التضرُّع إلى الله 

يستمدُّون منه الثباتَ على البلاء العظيم، ويطلبون ليس النجاة في الدنيا، ولكن حُسن الخاتمة؛ } رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا 

صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126){ [الأعراف].

**أعلي نموذج في الإيثار مع الله تعالي:ـ

هذا النوع من الإيثار لا يتصف به إلا الكبار من أولي العزم من الرسل عليهم جميعا الصلاة والسلام إيثار رضا الله عز

 وجل على غيره ولو أغضب الخلق  جميعا ، فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام سأل ربه الولد الصالح فوهب له

إسماعيل عليه السلام فامتحنه الله بذبحه، فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن استسلم لأمر ربه فأقدم على ذبح ولده-

 الذي رزق به على كبر وهو وحيده حينذاك إيثارا لمحبة الله على محبة الولد، فكافأه الله بأن فداه بذبح عظيم قال 

تعالى: }وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا 

بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ 

اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ 

نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) {( الصافات)

يقول ابن القيم رحمه الله تعالي : لم يكن المقصود ذبح الولد، ولكن المقصود ذبحه من قلبه ليخلص القلب للرب، فلما 

بادر الخليل إلى الامتثال، وقدم محبة الله على محبة ولده، حصل المقصود فرفع الذبح وفدي الولد بذبح عظيم.

 وقد حاز نبينا صلى الله عليه وسلم على أعلى هذه الدرجة؛ فإنه قاوم العالم كله وتجرد للدعوة واحتمل عداء القريب 

والبعيد في الله تعالى، و آثَرَ الله على عمِّه وعشيرته، ووطنه وأرحامه، وعلى المُلك العظيم الذي وعَده به قومه.

بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصور على إيثار مرضاة الله حتى ظهر دين الله على كل دين وقامت حجته على 

العالمين، وتمت نعمته على المؤمنين وبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله 

حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما ناله صلوات الله وسلامه عليه.

وسيدنا نوح عليه السلام  آثَر الله على امرأته وابنه .

وسيدنا موسى عليه السلام  آثَرَ الله على فرعون الذي تبنَّاه وربَّاه، وأدخَله في نعيمه.

فهنيئا لمن ملأ دنياه بطاعة مولاه، ويا خسارة من باع أخراه بدنياه؛ قال ربنا سبحانه:} فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآثَرَ 

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39){ [النازعات].

2- الإيثار مع الخلق:

بحب الخير للآخَرين، وتطهير النفس من كل أنانية وكراهية وشحناء، حين يستشعر العبد معنى الأخوة التي تربطه 

بكل مسلم مِن حَوله. فإن شرّ ما يصيب المجتمع هو التفكك وضعف الروابط بين أبنائه، وذلك بغلبة الأنانية على 

أنفسهم، عندما يذكر المرء نفسه، وينسى أخاه، عندما يقول كل واحد: نفسي نفسي. عندما يقول كل فرد فيه: لي، ولا 

يقول: علي. عندما تعظُم الأنانية في نفسه على حساب غيره، فليعلم كل منا أنه مسئول عن غيره كما قال صلي الله 

عليه وسلم عن أصحاب الأنانية والأثرة (كم من جارٍ متعلّق بجاره يقول: يا ربّ، سل هذا: لِمَ أغْلق عنّي بابَه، 

ومنعني فضله؟) الألباني في السلْسلة الصحيحة.

العنصر الخامس : نماذج من أهل الإيثار:

تعالوا بنا نري الإيثار حقيقة مجسدة وليس مجرد شعارات رنانة .ز فهذه بعض النماذج المشرقة لأهل الإيثار ،حتي 

نقتدي بها عمليا في تحقيق خلق الإيثار بين الناس فيسعد الجميع وتنعم الأمة كلها . فهذه بعض النماذج المشرقة في 

الإيثار:ـ

1ـ إيثار الحبيب المصطفى:

أعظم نموذج في الإيثار هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سيدُ المؤثرين وقائدُهم وقدوتهم. فلم يكن صلى الله 

عليه وسلم يستأثر بشيء دون أصحابه، بل كان يشاركهم في طعامه وشرابه، وربما منع نفسه وأهله ليعطي السائل 

والمحروم.

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، 

إِنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلاَهُ، وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالاً فَإِلَى 

الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ».

وأخرج الترمذي في سننه عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ مِنْهَا»؟ قَالَتْ: مَا 

بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا. قَالَ: «بَقِيَ كُلُّهَا، غَيْرَ كَتِفِهَا».

وفي صحيح البخاري عن مُجَاهِدٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ يَقُولُ: " أَللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى 

الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، 

فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ 

كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ 

مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، 

فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ، قَالَ: «أَبَا 

هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ 

إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ 

وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ 

شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ 

وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، 

قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قَالَ: فَأَخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ 

حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ 

عَلَيَّ القَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ 

فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اقْعُدْ 

فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا 

أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: «فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الفَضْلَةَ ". أي ما تبقى عن أهل الصّفّة، فأي 
إيثار أعظم من هذا؟..

2ـ إيثار الصحابة رضوان الله عليهم:

وهاهم الصحابة الكرام يضربون أروع الأمثلة في الإيثار وأجملها، ومن يتأمل في قصص إيثارهم ظن ذلك ضربا 

من خيال، لولا أنه منقول لنا عن طريق الأثبات، وبالأسانيد الصحيحة.

وكيف لا يكونون أهل إيثار وهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلمهم الإيثار ويحثهم عليه، ويبين لهم 

فضله ومكانته.

وهذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات. يوم أن عظم الخطب 

واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذي سماه الله تعالي يوم العسرة  كما قال الله 

تعالي{لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117].. 

 لقد فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم) باب التبرع علانية؛ حتى يحفز المسلمون بعضُهم بعضًا..

وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه.. !! لقد قام فقال: "علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل ا

لله"!!، فَسُرَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك سروراً عظيماً؛ فهذا عطاء كثير! ثم فتح باب التبرع من جديد، فقام 

عثمان بن عفان ثانيةً (يزايد علي نفسه!)، قال: "علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"!!، فسعد به 

رسول الله صلي الله عليه وسلم سعادة عظيمة.. حتى إنه قال: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم!"..

ولكن.. هل سكن عثمان أو اطمأن؟! انظر إليه.. لقد أخذ يدفع من جديد حتى وصل ما تبرع به إلي ثلاثمائة بعير!! 

(وفي رواية: تسعمائة بعير، ومائة فرس!!)، ثم ذهب إلي بيته، وأتى بألف دينار نثرها في حجر رسول الله صلي الله 

عليه وسلم.. ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقلِّبها متعجبًا!..

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. أتى بأربعة آلاف درهم، وقد يقول قائل: إنها أقل بكثير مما جاء به عثمان.. 

لكنها تُعتبر أكثر نسبيًّا من عطاء عثمان - سبحان الله - لأنها كل مال أبي بكر الصديق.. حتى إن رسول الله صلي الله 

عليه وسلم سأله: "وماذا أبقيت لأهلك؟!" قال له في يقين: "أبقيت لهم الله ورسوله". 

وأتى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بنصف ماله، وهو كثير.. بل كثير جداً.. 

3ـ إيثار أبوعبيد الله ومعاذ:

 أخذ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرَّة، ثمَّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن 

الجرَّاح، ثمَّ تلكَّأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: 

اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه.

 ثمَّ قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السَّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان. حتى أنفدها، فرجع الغلام إلى عمر، 

فأخبره فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل. وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكَّأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا 

يصنع. فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله. وقال: يا 

جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا. فاطَّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق 

في الخرقة إلَّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسُرَّ بذلك عمر، وقال: إنَّهم إخوة بعضهم مِن بعض)

4ـ إيثار فاق الخيال:

عن أبي الجهم بن حذيفة العدويّ، قال: (انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن 

كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن 

عمّي إليّ أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: 

انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات). 

ذكره البيهقي في شعب الإيمان، والغزالي في إحياء علوم الدين، 3 (258)، وابن كثير في تفسيره (4/ 338).

فانظروا إلى إيثار هؤلاء الأفاضل الكرام، لقد بلغ الإيثار والسخاء بأحدهم أن يقول: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في 

فم أخ من إخواني لاستقللتها له.

العنصر السادس :الوسائل المعينة على اكتساب الإيثار:ـ

للإيثار أسباب ووسائل تعين عليه:

الإيمان بالله تعالي والسعي إلى مرضاته عز وجل، واستشعار أن الله هو المعطي جل وعلا,وعطاءه فيض لا 

ينقطع فإن الله يمد بعطائه في الدنيا جميع خلقه قال تعالي }كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء 

رَبِّكَ مَحْظُوراً(20) { ]الإسراء[

وفي الحديث القدسي الذي يرويه أبي ذررضي الله عنه- عن رسول الله صلي الله عليه وسلم}.... يا عبادي لو أن 

أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا 

كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها.فمن وجد خيراً فليحمد الله 

، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه {رواه مسلم .

وحينما يسعى العبد إلى الله حثيثاً، مُجِدّاً ومسرعا لا بطيئا ومتريثاً، حين يتعلق قلبه بالدار الآخرة، فلا يفتُر عن حسنة 

يبذلها، أو قُرْبَة بإذن الله يكسب بها أجرا وثوابا.. فيكون إيمان العبد قويا، ويقينه في الله عظيما، وحسن ظنه بربه 

حاضرا حينئذ يهون على النفس الإيثار، ويُحبَّبُ إليها البذل والعطاء.

2ـ استشعار عظيم الأجر والثواب والجزاء المترتب على الإيثار:

رغبة العبد فيما عند الله عز وجل من خير وعطاء، الطمع في الفوز والفلاح، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله 

بقلب سليم.

قال تعالى في وصف الأبرار أصحاب النعيم: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ 

لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ 

نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * 

وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾ [الإنسان: 8 - 14]..

فمن رغب في النجاة فليكن من أهل الإيثار، ومن رغب في الفلاح فليكن من أهل الإيثار؛ قال سبحانه: { فَاتَّقُوا اللَّهَ 

مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ 

الْمُفْلِحُونَ * إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ 

وقد وردت نصوص كثيرة تدل على عظيم الأجر والجزاء المترتب على البذل والعطاء سواءً ذلك في الحياة الدنيا أو 

في الآخرة,ومن ذلك قوله تعالى ( ومَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(272){ ]البقرة[

وقوله تعالي } الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ 

يَحْزَنُونَ(274) { البقرة .

وقوله تعالى}مَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(39) {سبأ.

وقال صلي الله عليه وسلم }صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ  غضب الرب, وصلة الرحم 

تزيد في العمر{ رواه الطبراني عن أبي أمامة وحسنه الألباني.

  فإذا استشعر الإنسان هذا الأجر وهذا الجزاء فإن ذلك يدفعه إلى الازدياد في الإيثار رجاء ما عند الله سبحانه

3- الاقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم في عظيم عطائه وجزيل سخائه.

4- التأسي بسلف هذه الأمة وخير القرون في بذلهم وعطائهم:فلقد ضرب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم 

أروع أمثلة العطاء والبذل بسخاء نفس واحتساب للأجر من لدن الكريم المعطي سبحانه, فهذا أبو بكر الصديق رضي 

الله عنه يتبرع بماله كله, فيسأله النبي صلي الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله, وهذا 

عثمان يجهز جيشاً كاملاً في سبيل الله, فيقول له النبي } صلي الله عليه وسلم ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم{رواه ا

لترمذي وصححه الألباني.

وهؤلاء الأنصار يبذلون أموالهم لإخوانهم المهاجرين ويرغبون في مشاطرتهم كل ما يملكونه .

5- تدريب النفس على البذل والعطاء مرة بعد مرة قال تعالى } ولاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ 

الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً(29){ الإسراء.

6ـ مصاحبة أهل الكرم والجود ، فالصحبة متى كانت سيئة فهي من أهم العوائق التي تعيق الإنسان عن القربات 

والأعمال الصالحات، لما لها من تأثير كبير على الإنسان. والصحبة الصالحة من أهم المعينات علي التحلي بالأخلاق 

الفاضلة ، فكما قال علماء الإجتماع ( الطباع يسرق بعضها بعضا )

7ـ تذكرُ الموت والبِلَى، وقربِ المصير إلى الله جلَّ وعلا. أن يذكر العبد أنه إلى الله صائر، وأنه مغموم بين الْجَنادل 

والْحَفائر، فما ذُكِر الموت في كثيرٍ إلا قلله، ولا في جليلٍ إلا حقَّره.

فيا من تشكو من مرض الأنانية وحب الذات، تَذكّر الموتَ وسكرتَه! تذكر القبرَ وضجعته! تذكر القبر وضمّته! يومَ 

يصير الإنسان وحيداً فريداً، قد سار إلى الله ذليلاً حقيراً، يومئذٍ تهون عليه تجارته، وتهون عليه أمواله، ويهون عليه 

أولاده، وربما صاح بأعلى صوته: "يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه". فما الذي يأخذه 

الإنسان من تجارته؟! وما الذي يجنيه من سوقه وعمارته؟! وما الذي يأخذه من الدنيا غيرُ زادِه وكفنِه؟! إنا إلى الله 

صائرون، وإنا إليه راجعون، وبين يديه مختصمون} إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ

تَخْتَصِمُونَ(31){ [الزمر].

يا جامعَ المالِ في الدنيا لوارثه*****هل أنتَ بالمالِ بعد الموتِ منتفعُ؟

قدِّمْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ في مَهَل*****فإِن حظكَ بعد الموتِ منقطعُ

فما أعظمَ نجاتك وفرحتك إذا خرجتَ من قبرك وقد سترتَ عورات المسلمين، وفرجتَ كربات عباد الله المنكوبين! 

يوم أن تخرج إلى الله بتلك الصحائف المشرقة، يوم أن تخرج إلى الله بحسناتك للأيتام والأرامل، يوم أن تخرج إلى 

الله بتلك الحسنات العظيمة والأجور الكريمة!..

فالله أكبر! ما أعظم فوز أهل الإيثار! يوم خلفوا الدنيا وراء ظهورهم، واستقبلوا الآخرة أمام عيونِهم!..

نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من كل سوء وداء، وأن ينور قلوبنا بكل خلق كريم ووصف حميد...وأن يؤلف بين 

قلوبنا وأن يصلح فساد قلوبنا إنه ولي ذلك ومولاه .

تمت بحمد الله

============ 

تحميل word


تحميل pdf

ليست هناك تعليقات: