28 مايو 2018

رمضان وتربية الضمير





                                            تحميل word



تحميل pdf


الحمد لله رب العالمين ... فرض الصيام تدريبا للنفس البشرية علي مراقبته عز وجل في السر والعلانية ،فأصلحَ الضمائرَ ونقّى السرائرَ فهدى القلبَ الحائرَ إلى طريقِ التقوي ، فقال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)} [البقرة].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده  لا شريك له ... جعل الصيام سر بين العبد وبين ربه فقال تعالي في الحديث القدسي الجليل  :(كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي). 
 وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أنقى العالمينَ سريرةً وأزكاهم سيرةً فحذر من مخالفة السر للعلن  فقال ("لأعْلَمَنّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها اللّه عز وجل هباء منثوراً"  ، قال ثوبان: يا رسول اللّه، صفهم لنا، جلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللّه انتهكوها". رواه ابن ماجة .
فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..................

أما بعد :ــ فيا أيها المؤمنون..
إن في العبادات تدريب على مراقبة المولى تبارك وتعالى، في السر وفي العلانية، وهذا التدريب  للإنسان  يكون أكثر وضوحًا في الصيام منه في سائر العبادات، فهو يغرس في نفس الصائم الصبرَ على طاعة الله جل شأنه ، ويتعلم قوة الإرادة، وضبط وحكم النفس، التي تسرف في شهواتها طوال العام، ففي كثير من الأحيان يكون الطعام والشراب في متناول الصائم، وبين يديه بعيدًا عن أنظار الناس، ومع ذلك يكف عن تناولهما.
إن في رمضان يتربي المسلم علي الضمير الحي اليقظ الذي يتعامل مع الله تعالي في كل مناحي حياته
وهذا الضمير أودعه الله عز وجل النفس البشرية لكي يكون بمثابة القاضي الذي يحكم له أو عليه فيدفعه دائما نحوَ الطريقِ القويمِ والعملِ الراشدِ قال تعالي }وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10){ الشمس.  
في رمضان  تكون التربية الحقيقية للضمير ، 
لذلك كان موضوعنا (رمضان وتربية الضمير ) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ حقيقة الضمير .
 2ـ حاجة الأمة إلي الضمير.
كيف نربي الضمير. 
 نماذج وقدوات أصحاب ضمائرحية.
5ـ أثر الضمير في حياة الناس.
العنصر الأول : حقيقة الضمير :ــ 
 الضمير هو تلك القوة الروحية التي تحكم مواقف الإنسان وتفكيره وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر وكيف يكسب الرضا والراحة النفسية..                  ولذلكَ ضَربَ اللهُ مثلاً لذلكَ بيوسفَ -عليه السلامُ- حينما حجَزَهُ ضميرُه عن الانجرافِ وراءَ الهوى وقال تعالي: } مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23){ (يوسف).
والضميرَ هو مستودعُ السرِّ الذي يكتمُه القلبُ والخاطرُ الذي يسكنُ النفسَ؛ فيُضيءُ ظلمتَها ويُنيرُ جوانبَها.  
وهو القوةُ التي تدفعُ نحوَ فعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحبِّ الصالحاتِ، وهو سببُ تسميةِ النفسِ باللوامَّةِ، كما قالَ الحقُّ سبحانه:  }لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2){ القيامة
والضميرُ هو الرادعُ عنِ المعاصي والآثامِ الذي يُجَنّبُكَ مقاربتَها ويُثنيكَ عن تكرارِها؛ فقد وصَفَ اللهُ عبادَه المتقينَ فقالَ تعالي}وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135){ آل عمران.  
العنصر الثاني : حاجة الأمة إلي الضمير :ــ
إن أخطر مرض يصيب الأمة هو موت الضمير وانعدامه، فإذا غابَ عن المجتمعات أصبحَ أفرادُها أشباحًا بلا أرواح،
وربما ترقَّت ببعضِ بنِيها إلى أن يكون شياطين في جُثمان إنسٍ.
عندما يموتُ الضميرُ تبرز الأنانية وحب الذات ، ويُصبِحُ منطقُ كل فرد في المجتمع يقول نفسي .. نفسي ..
عندما يموتُ الضميرُ يُؤمَّنُ الخائنُ، ويُخوَّنُ الأمين، ويُصدَّقُ الكاذِبُ، ويُكذَّبُ الصادق.
عندما يموتُ الضمير يستأسِدُ الحَمَل، ويستنوِقُ الجمَل، وتنطِقُ الرُّويبِضَة، ويتَّخِذُ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالاً فيضِلُّوا ويُضِلُّوا.
عندما يموتُ الضميرُ يعلُو الظلمُ، ويخبُو العدل، ويكثُر الشُّحُّ، ويقِلُّ الناصِح، وتُستمطَرُ الآفاتُ والعُقوبات، ويُهدَمُ البُنيان لبِنَةً لبِنَةً، ولاتَ ساعة ترميمٍ.
ربما بعض الناس ماتت ضمائرهم، والبعض نامت ضمائرهم، وآخرون تعفَّنت ضمائرهم، وهناك مَن باع ضميره،
فإذا لم يكن الإنسان موصولاً بالله عز وجل ويخشي الله في السر والعلانية، فإنه سيأتي يومٌ ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة وعندما يباع الضمير ستجد ذلك الصاحب والصديق الذي أتمنته على مالك قد خان الأمانة وتنكر لك ..                       
عندما يباع الضمير ستجد من يعطيك شهادة علمية دون أن تدرس يوماً واحداً. وستجد شاهد باع‎ ‎ضميره و زور أحداث شهادته و حول الظالم إلى مظلوم‏‎ ‎ و المظلوم إلى ظالم ..  
و اختل واقع الحياة و ضاع مصير الإنسان ، وعندما يباع الضمير ستجد الطبيب الذي يهمل فحص مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهاب إليه في عيادته الخاصة ، وعندما يباع الضمير أو يغيب من النفوس تهمل الواجبات وتضيع الحقوق والأمانات ويوسد الأمر إلى غير أهله وتظهر الخيانات وتحاك المؤامرات وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة ..
 ** فلنحذر من الغفلة وبيع ضمائرنا ولنتذكر قوة الله وقدرته وعلمه  ...  
وما أتعس ذلك الإنسان عديم الضمير والوازع الديني عندما يخلو بمحارم الله فينتهكها فلا يردعه دين ولا خلق وإن أظهر من أعمال البر والخير ما أظهر فيحرم التوفيق في الدنيا والثواب في الآخرة  لأن ضميره لم يكن مع الله ..                                  
عن ثوبان  مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنّه قال: "لأعْلَمَنّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها اللّه عز وجل هباء منثوراً"  ،
 قال ثوبان: يا رسول اللّه، صفهم لنا، جلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللّه انتهكوها". رواه ابن ماجة . 
و قال تعالى:} وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108){ [النساء].                         
والمعنى:  "يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطلع عليهم حين يدبِّرون  ليلا ما لا يرضى من القول، وكان الله  تعالى محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء"(التفسير الميسر).
إنَّ الضميرَ يُنجي صاحِبَه منَ المهالكِ، ويُبعدُه عَنْ شرِّ المسالكِ، ومن صفاتِ الضميرِ المؤمنِ أَنّ صاحِبَه دائمُ التذكّرِ فإذا همَّ بأمرِ سوءٍ ارتدعَ وانزجرَ، وابتعدَ عن المعاصي وأدبَرَ، يقولُ اللهُ تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201){ الأعراف
ولذلك وُصِفَ الضميرُ الصالحُ بالحيِّ اليقظِ فهو حيٌّ ما دامَ نورُه وهَّاجَاً؛ فكانت نفسُه لوَّامةً ووُصِفَ الضميرُ الطالحُ بالميِّتِ متى ما انطفأَ نورُه فكانتْ نفسُه أمَّارةً.
إن تربية الضمير وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس فيه سعادة الأفراد والمجتمعات والدول وبدونه لن يكون إلا مزيدا من الشقاء مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناس فأنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين، وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي، والكاتب أن يزور، والجندي أن يخل في عمله ،والطبيب أن يهمل في علاج مريضه ،والمعلم أن يقصر في واجبه ،والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجبها ، والتاجر من  أن يغش ويحتكر في تجارته ...
العنصر الثالث: كيف نربي الضمير:ــ 
يتأثَّرُ الضميرُ الإنسانيُّ بما تتأثرُ به النفسُ؛ فيتضائلُ ويقلُّ قدرُه ويخبو نورُه إذا انجرفت النفسُ وراءَ وساوسِها قال تعالي}وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16){  ق
واتبعَت همزاتِ الشياطينِ وإغواءَهم قال تعالي }وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98){ المؤمنين
وانساقتْ وراءَ ضلالتِها قال تعالي }فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108){ يونس
وكانت رَهْنَ هواها قال تعالي }إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ (23){ النجم
فاختلَّ ضميرُها وضعُفَتْ قوّتُه وصارَ الإنسانُ عبداً لشهواتِه يَرَى الباطلَ حقَّا والشرَّ خيرا لا يردعُهُ رادعٌ ولا يحجُزُه حاجزٌ، ولذلكَ قيلَ: "مَنْ توهَّمَ أنَّ لهُ عدواً أعدى من نفسِهِ قلَّتْ مَعْرِفَتُه بنفسِه"، وقد يسمو الضميرُ ويعلو قدرُه ويزيدُ ضياؤُه إذا خالفتْ نفسُهُ هواها فيما لا ينفعُها يقولُ الحقُّ سبحانه: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41){ النازعات .
وصارَعَتْ وسوسَةَ شياطينِ الجنِ والأنسِ (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الأعراف
وانكبَّتْ على الباقياتِ الصالحاتِ }جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104){الأنعام
حينَها يقوى الضميرُ وتُضَاءُ جنباتُ النفسِ وتَخْصُبُ أرضُهَا؛ فيكونُ مِنْ ثمرِهَا صدقُ صاحِبِها وأمانَتُه، ومروَءتُه وإخلاصُه وعِفَّتُه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)  الشمس .
إن الدول والشعوب والحكومات لتسن القوانين وتوجد التشريعات وتحدد العقوبات التي تكفل لها ولأفرادها الحياة الطيبة والآمنة فتحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وتؤدى الواجبات وتكافح الجرائم والإختلالات  ويعيش الفرد ينظر عندما يقدم على عمل ما إلى موقف القانون والعقوبة المترتبة على ذلك فإذا وجدت وسائل الرقابة البشرية التزم بذلك وإلا فإنه سرعان ما يتفلت ويتهرب ويتحايل على هذا القانون .. 
  أما في شريعة الإسلام إلى جانب ما شرعته من أحكام وحدود وعقوبات فإنها سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضمير والخوف من الله ومراقبته وطلب رضاه حتى إذا غابت رقابة البشر وهمت  نفسه بالحرام والإفساد في الأرض تحرك ضميره الحي يصده عن كل ذلك ويذكره بأن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا ينسى يحكم بين عباده بالعدل ويقتص لمن أساء وقصر وتعدى في الدنيا والآخرة القائل سبحانه }وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12){ [الانفطار] .. 
وقال تعالى} وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً(13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(14){ [الإسراء]
وهو الدافع إلى كل خير فتقوى الله ومراقبته دليل على كمال الإيمان، وسبب لحصول الغفران، ودخول الجنان، وبه يضبط السلوك والتصرفات وتحفظ الحقوق وتؤدى الواجبات حتى وإن غابت رقابة البشر ووسائل الضبط وقوانين العقوبات والجزاءات فتقوى الله ومراقبته والخوف منه والاستعداد للقائه أقوى في نفس المسلم من كل شيء قال تعالى }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(7){ [المجادلة] .  
إن الضميرَ كالطفلِ فما دُمْتَ تُغَذِّيه بالغذاءِ الصالحِ ينمو ويقوَى، أما إذا أهملْتَه فإنه يَضْمرُ ويَضْعُفُ، وضمورُه دمارٌ لصاحبِه في الدنيا والآخرةِ؛ إذ بغيابِه يزولُ الرقيبُ الذي يوجِّهُك إلى الخيرِ ويدفعُك إلى البرِّ ويُقْصِرُ خطاكَ عن الشرِّ ويَحْمِيكَ من ضَلالِ النفسِ. ونموُّ الضميرِ يكونُ بالدوامِ على الأعمالِ الصالحةِ وتحرِّي صنائعِ المعروفِ والبحثِ عن جوانبِ الخيرِ في نفسِكَ قال تعالي }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46){ فصلت
**كما ينمو الضميرُ ويترَبَّى مِنْ خلالِ ترطيبِ اللسانِ بذكرِ اللهِ تعالى والمحافظةِ على العباداتِ؛ حتى تكونَ النفسُ مطمئنةً في كلِّ حينٍ والضميرُ يَقِظاً في كلِّ حالٍ قال تعالي}يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي (30){الفجر 
ولكن عندما تخبو جذوة الضمير وتضعف قواه فمن يُغذِّيه ويقويه؟ إنّه الإيمان، الإيمان أعظمُ مددٍ له، وأقوى مُولِّدٍ له، عقيدة المؤمن بالله جلَّ جلاله، وعقيدةُ المؤمن بالحِساب الحتْمِيّ تجعل الضمير أو القلب بنشاط وصَحْوةٍ دائمة، اعْتقادُ المؤمن أنّ الله معه حيثما كان، في السَّفر، وفي الحضَر، في السرّ والعلن قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} النساء.
وقال تعالي}فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)} الحجر.
وقال تعالي }أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)} القيامة.
وقال تعالي }وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(61)} يونس
ومن أرْوَعِ ما قيل في هذا المقام: "اجْعَل مراقبتَكَ لِمَن لا تغيب عن نظره إليك لحظة، واجعَل شُكرك لِمَن لا تنقطعُ نِعَمه عنك، واجْعَل طاعتَكَ لِمَن لا تستغني عنه، واجْعَل خُضوعكَ لِمَن لا تخرجُ عن مُلكِهِ وسُلطانه".
العنصر الرابع : نماذج وقدوات أصحاب ضمائرحية :ـ 
1 ـ يأتي رجلان من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في قطعة أرض ليس لأحدٍ منهما بينة وكل واحدٍ منهما يدعي أنها له وقد ارتفعت أصواتهما فقال : "إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما يقتطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة"(البخاري) 
عند ذلك تنازل كل واحدٍ منهما عن دعواه فقد حرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهما الإيمان وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية وبناء الضمير والتهذيب الخلقي للفرد؛ فكانت هذه التربية وبناء الضمير حاجزاً لهما عن الظلم والحرام .  
2ـ وهذه حالة أخري من حالات الضمير الحي ،لقد عين أبو بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه- قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر  إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه،  دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ 
  3ـ   قصة زوجة بشير ابن سعد ..ما ورد في الصحيح عن النعمان بن بشير، وهو يحدثنا عن هديَّة أراد أن يعطيها له أبوه، فيخصه بها دون بقية إخوانه من باقي زوجاته، فقال: أعطاني أبي عطية، فقالت أمي عمرةُ بنت رواحة: فلا أرضى حتى تُشهِدَ رسولَ الله ، فأتى رسولَ الله صلي الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أعطيتُ ابنَ عمرة عطية، فأمَرَتْني أن أُشهدك، فقال: «أعطيتَ كلَّ ولدك مثل هذا؟»، قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدِلوا بين أولادكم»، قال: فرجَع فردَّ عطيَّتَه.
لننظر إلى الضمير الحي الذي تحمله “عمرة”، وهي زوجة ثانية، وترى أن زوجَها يفضِّلُ ابنها على بقية أبنائه من باقي زوجاته، فلا تقبل، رغم ما يحصل بين الضرائر، إلا أن الضميرَ الحي لأمِّ النعمان دفَعها إلى عدم قَبول العطية لولدها دون سائر أبناء ضَرَّاتها، وانظر إلى ضمير البشير بن سعد يوم أن جاء إلى رسولِ الله  ليُشهدَه على تلك العطية.
4ـ هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة  وقالوا له تبيعنا و نزيدك الدرهم درهمين  ؟
 فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا .
فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة : فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟
 فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله  فهي لفقراء المسلمين .. 
 الله أكبر!! ...  ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن  الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة  ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات. إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر.    
 العنصر الخامس : أثر الضمير في الحياة العامة:ــ 
من المهم أن نعلم أن المجتمعات البشريّة لا ترقى ولا تسْعد بِسَنّ القوانين، وإصدار القرارات، وإن كان هذا لا يُسْتغنى عنه أبدًا في كلّ مجتمع، إنَّما تَسْعَدُ المجتمعات وترقى بِوُجود الضمائر الحيّة، والقلوب السليمة، قال بعضهم: "العدل ليس في نصّ التشريع، وإنّما هو في ضمير القاضي"، فحينما رأى عمر بن الخطاب راعيًا ومعه شِياه، وقال: بِعْني هذه الشاة وخّذ ثمنها؟ فقال: ليست لي، فقال: قلْ لصاحبها إنّها ماتت أو أكلها الذئب! فقال: والله إنَّني لفي أشدّ الحاجة إلى ثمنها، ولو قلتُ لِصاحبها أكلها الذئب لصدَّقني، فإنّي عندهُ صادقٌ أمين، ولكن أين الله؟
وصحوةُ الضمير والشعور بمراقبة الله دليل الإيمان، فيُصبح المؤمن ويُمسي مُراقبًا لِرَبِّه، ومُحاسبًا لِنَفسه، مُتَيقِّظًا لأمره، متدبِّرًا لِعَاقبَتِهِ، لا يظلم، ولا يخون، ولا يتطاوَلُ، ولا يستكبرُ، ولا يجْحَدُ، ولا يدَّعي ما ليس له، ولا يفعلُ في يومه ما يخافُ أن يُحاسبُ عليه غدًا، ولا يعملُ في السرّ عملاً يستحي عنه في العلانيَة.
إذا ما خلوْتَ الدَّهْر يومًا فلا تقل      خلَوْتُ ولكن قلْ عليَّ رقيب
ولا تحسبّن الله يغفل ســــاعةً      ولا أنّ ما تُخفيه عنه يغيب.
الضمير الحي هو ركنُ الرقابة في داخل كل إنسان، والضمير الحي هو القاضي والشُّرطي ورجل الأمن وموظَّف البلدية، الضمير الحي هو ميزان الحق والباطل، والصواب والخطأ.
إذا استطعنا أن نحي الضمير في نفوسنا بالإيمان بالله تعالي لما احتاج الناس إلي القانون وعم الخير والأمن والأمان المجتمع كله ،لأن الضمير الديني هو الركيزة الأولى للأخلاق وهو الأساس الأصيل لحياة اجتماعية فاضلة وهذه بعض آثار الضمير في مجالات الحياة العامة  منها :ـ  
1ـ في رعاية القوانين والأمانات
الأمم لا تتقدم وترتقي بكثرة القوانين واللوائح والقرارات، إنما ترتقي برقيِّ الضمائرفيؤتى بتاج كسرى إلي الخليفة ولم تلتفت الأعين إليه ولا إلي غيره
روى الطبري: لما هبط المسلمون (المدائن) وجمعوا الأقباض، أقبل رجل بحق معه. فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه!!
فقالوا له: أخذت شيئاً؟
فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به..
فعرفوا أن للرجل شأناً فقالوا: من أنت؟
فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه .. فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه .. فسأل عنه فإذا هو (عامر بن عبد قيس).
وقد نقل إلى عمر كثير من الغنائم التي يخف حملها ويغلو ثمنها، أداها بأنفسهم جنود مخلصون لوجه الله لا يريدون جزاءاً ولا شكوراً، فقال في إعجاب وتقدير: إن قوماً أدوا هذا لأمناء! 
 2ـ في الاعتراف بالجريمة وتحمل العقوبة :ــ
ويفرض القانون عقوبات مادية رادعة على من يرتكبون الجرائم، ولكن المخالفين للقانون يحاولون الفرار من قبضتيه، والتفلت من دائرة سلطانه، وفي غفلة من القانون والرقباء عليه، يقدمون على أعمالهم، مستخفين عن الأعين، أو ظاهرين وقد ألبسوا عملهم الآثم ثوب القانون أو مستندين إلى ذي سلطان يشفع لهم، أو يحمي ظهرهم، إلى آخر ما نعرف عن صور التفلت من يد القانون.
فإذا نظرنا إلى ما يفرضه قانون الإيمان على صاحبه وجدنا صورة أخرى، ومنطقاً آخر، وجدنا المؤمن إذا زلت قدمه فاقترف جرماً -وهو بطبيعته بشر يخطئ ويصيب- سرعان ما يستيقظ ضميره، ويدفعه دفعاً حتى يذهب إلى يد العدالة، فيعترف بالجريمة ويطلب العقوبة لنفسه تطهيراً من آثام الإثم، وأوزار العصيان، ورجاء في أن تكون كفارة له عن ذنبه، وشفيعاً له إلى ربه، لا يمنعه من الاعتراف أن فيه جلد ظهره أو قطع يده أو إزهاق روحه.
فهذا رجل عربي -هو ماعز بن مالك- يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فيقول له : لعلك لامست؟ لعلك قبلت! لعلك فاخذت! ويرد الرجل مرة ومرة ومرة، والرجل مصر على الاعتراف بخطيئته، مصر على التطهر منها بإقامة حد الله عليه، ولو كان الرجم بالحجر، ويأمر الرسول أخيراً إقامة الحد عليه، فيتقبله صابراً محتسباً، راغباً في عفو الله ومغفرته.
وهذه امرأة أعرابية تعرف بالغامدية، تزني ويضطرب في أحشائها جنين من الزنا، فيأتي عليها ضميرها المؤمن -وقد ارتكبت الفاحشة سراً- إلا أن تتطهر منها جهاراً.
وجاءت رسول الله تقول له: إني قد زنيت فطهرني؟ فيردها الرسول فتأتي في الغد فتقول: يا رسول الله .. لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً .. فو الله إني لحبلى!!
فيقول لها: أما لا .. فاذهبي حتى تلدي.
وتذهب المرأة تنتظر الوضع، وتمضي عليها الأيام والأشهر دون أن تخبو جذوة ضميرها. فما أن ولدت حتى أتت بالصبي في خرقة، وقالت للرسول: ها قد ولدته.
قال لها: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه.
وتعود المرأة إلى دارها ترضع ولدها، وتمضي مدة الرضاع -وهي في العادة حولان كاملان- أربعة وعشرون شهراً لم يستطع اختلاف الليل والنهار فيها أن ينسي المرأة ما ارتكبت من خطيئة.
وبغير إعلان من محكمة، ولا تنبيه من حاكم، ولا حراسة من شرطي ترجع المرأة إلى رسول القوانين طائعة مختارة، لتلقى مصيرها الذي رضيته لنفسها فتقدم إليه الصبي وفي يده كسرة من الخبز، وتقول: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام.
ولم يجد النبي بداً بعد هذا أن أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد، فسبها .. فسمع نبي الله سبه إياها .. فقال: "مهلا يا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى!" (القصة رواها مسلم)
   في السياسة والحكم :ــ
أما في مجال السياسة والحكم -وهو المجال الذي يغري بالحيف والغرور والطغيان- فقد قص علينا التاريخ أمثلة شامخة لخلفائنا المهديين، في العدالة الكاملة التي لا تتحيز لقريب أو تتحيف على عدو، وفي المساواة القانونية التي لا تعرف الفوارق، وفي الزهد الذي يعرض عن الدنيا وفي يده البيضاء والصفراء، والقوة والسلطان. 
 لقد كان "الضمير" المؤمن هو الذي يحكم ويسود، فسادت الفضيلة وسادت العدالة والمساواة، ذلك الضمير الذي جعل القاضي يحكم لصالح العامة ضد الخليفة ، ويتقبل الخليفة بنفس طيبة راضية ..
يُحكي أنه ابتاع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرساً من رجل من الأعراب ، ونقده ثمن الفرس، ثم امتطى صهوته، ومشى به، لكنه ما كاد يبتعد بالفرس قليلاً, حتى ظهر فيه عطب, عاقه عن مواصلة الجري، فانثنى به عائداً من حيث انطلق، وقال للرجل: (خذ فرسك فإنه معطوب، فقال الرجل: لا آخذه يا أمير المؤمنين، وقد بعته منك سليماً صحيحاً، فقال عمر: اجعل بيني وبينك حكماً، قال الرجل: يحكم بيننا شريح ابن الحارث الكندي، فقال عمر: رضيت به  احتكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وصاحب الفرس إلى شريح، فلما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر بن الخطاب، وقال: يا أمير المؤمنين, هل أخذت الفرس سليماً؟ فقال عمر: نعم، قال شريح: احتفظ بما اشتريت يا أمير المؤمنين، أو ردَّ كما أخذت . نظر عمرُ إلى شريح معجباً! 
وقال: وهل القضاء إلا هكذا؟ أيمكن أن يكون القاضي غير ذلك، هكذا القضاء؛ قول فصل، وحكم عدل سِرْ إلى الكوفة، فقد ولّيتك قضاءها ، لأنه حَكَمَ عليه، وأُعجِب بهذه النزاهة، وبهذه الجرأة) . 
**وهذا سيدنا علي رضي الله عنه وهو خليفة أمام القضاء ، فقد روي أن رجلاً اشتكى عليّاً يوماً إلى عمر بن الخطاب عندما كان خليفة المسلمين فنادى عمر الإمام عليّاً بعبارة: "يا أبا الحسن"، ونادى الخصم باسمه. فغضب علي، فقال له عمر: لماذا غضبت، هل لأنني ساويتك مع الخصم؟ فقال له: لا ولكن لأنك كنيتني ولم تكنه.
وموقف آخر مع سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه .... روي أن عليّاً بن أبي طالب وجد درعه عند رجل نصراني فأقبل به على شريح ـ قاضيه ـ يخاصمه مخاصمة رجل من عامة  رعاياه. وقال: إنها درعي ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح إلى علي يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بيِّنة؟
فضحك علي وقال: أصاب شريح. ما لي بيِّنة. فقضى بالدرع للنصراني.  
ومفتاح هذا الزهد وتلك العدالة ، هو الضمير الحي اليقظ .
4ـ في التجارة والمعاملة :ــ
يروي الغزالي أيضاً أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان، منها ضرب قيمة كل حلة منه أربعمائة درهم، وضرب كل حلة مائتان، فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين، فاستحسنها ورضيها، فاشتراها -أي بأربعمائة- فمشى بها وهي على يديه فاستقبله يونس. فعرف حلته. فقال للأعرابي بكم اشتريت؟ فقال: بأربعمائة. فقال: لا تساوى أكثر من مائتين فارجع حتى تردها. فقال: هذه تساوى في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها. فقال له يونس: انصرف معي فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها. ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم. وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله. وقال: أما استحييت؟ أما اتقيت الله أتربح مثل الثمن، وتترك النصح للمسلمين؟! فقال: والله ما أخذها إلا وهو راض بها. قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك!! (الإحياء).
إن التجار عادة يغلب عليهم حب الكسب إلى حد الجشع حيناً، والخيانة والظلم أحياناً. فإذا غلب الإيمان هان المال في سبيل المثل الأعلى ومكارم الأخلاق.
5ـ في المواساة والإيثار:ـــ
ويتجلى أثر هذا الضمير الذي صنعه الإيمان بالله واليوم الآخر في مجال المواساة والإيثار بالمال والنفس،فكان الرجل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويبذل له من ذات يده، ومن جهده ووقته ما يبذله لأعز بنيه عليه، وأحب أهليه إليه، وقد يرتقي الإيمان بأحدهم، فيؤثر أخاه على نفسه، فيجود له بالشيء، وهو أحوج ما يكون إليه، كل ذلك ولا قانون يلزمه، ولا حكومة تطالبه، ولا أجهزة تراقبه، ولا عقوبة تسلط عليه، وإنما هو دافع الإيمان بين جنبيه، يحفزه على عمل الخير، والتطوع بالبر، ابتغاء ما عند الله وما عنده خير وأبقى. 
***أخذ عمر بن الخطاب أربعمائة دينار، فجعلها في صرة، ثم قال لغلامه: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تله (تشاغل) في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها الغلام إليه .. 
فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفدها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وتله (تشاغل) في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة هي امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين، فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره: فسر بذلك فقال: انهم اخوة بعضهم من بعض (رواه الطبراني في الكبير)!!
ولا تحسبن أخي المسلم الكريم  أن هذه كانت حوادث فردية، لا تصور حقيقة المجتمع كله، فإن أمثال هذه المواقف كثيرة جداً، هي تصور بحق روح المجتمع واتجاهه وفلسفته ونظرته إلى المال والحياة.
روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد أتى علينا زمان  أو قال حين- وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم".
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّكم في هذا الشهر الكريم ارصوا فيه علي تربية جهاز المراقبة لله تعالي حتي يتربي الضمير الحي الذي يراقب الله تعالي في السر والعلانية فتسعدوا في الدنيا والآخرة .
نسأل الله تعالي أن يحي ضمائرنا ويتقبل منا الصيام والقيام ويجعلنا من الفائزين برمضان إنه ولي ذلك والقادر عليه .

آمين يا رب العالمين
انتهت بفضل الله ورحمته

25 مايو 2018

رمضان شهر الدعاء





تحميل word

تحميل pdf



الحمد لله رب العالمين .. الغني الحميد صاحب الفضل والإنعام والجود والإحسان علي عباده قريبٌ منهم يُجيب دعاءَهم، ويُحقِّقُ رجاءَهم، ويعطيهم سؤلهم، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير رفع من شأن الدعاء وأعلي من منزلته واعتبره أساسيات الدين فقال تعالي ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ) غافر65 . 
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم.... كان دائم التضرع إلي الله تعالي ، وأوصي بالدعاء وعلمنا أنه من العبادات العظيمة  فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]. 
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين . 
أما بعـــد ... فيا أيها المومنون
إن رمضان  شهرُ الدُّعاء وشهر الإجابة وشهر التوبة والقبول، ومما يبين مكانة الدعاء وعلو شأنه في شهر الصيام أن قوله تعالى في سورة البقرة : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} قد جاء متخللاً لآيات الصيام وفي أثنائها ؛ فقبل هذه الآية قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبعدها قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } ، فجاءت هذه الآية الكريمة وهي مختصة بالدعاء متوسطة لآيات الصيام ومحفوفة بها ولعل في ذلك ما يدل على عظم قدر الدعاء وأهميته في هذا الشهر ؛ لأن العبد في هذا الشهر المبارك يملؤه الرجاء أن يوفقه الله للقيام بحق الله في هذا الشهر على أتم الوجوه وأكملها ؛ ولا سبيل له إلى ذلك إلا بسؤال الله ودعائه ، وهو كذلك يكثِر في هذا الشهر من الطاعات والعبادات والقربات وهو يرغب ويطمع أن يتقبلها الله منه ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بدعائه والانكسار بين يديه والتضرع له ، وكذلك قد يكون العبد مرتكباً لبعض الآثام قبل رمضان أو صدر عنه نقص أو تقصير أو تفريط أثناء رمضان وهو يرغب في توبة الله عليه ومغفرة ذنوبه ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بالدعاء ، فكأن الله يلفت عباده إلى ما يلوذون به ويهربون إليه وبه تجاب رغباتهم وتقضى حاجاتهم وتقال عثراتهم وتغفر زلاتهم.
 ولشهر رمضان المبارك خصوصية في الدعاء ، فإن الصائم ممن لا ترد دعوته إذا أخلص في صيامه ونصح في عبادته وصدق مع الله ففي الحديث (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ : دَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ) ( رواه الطبراني في الدعاء (1215) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7513) .)، وقال صلى الله عليه وسلم :(ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ))( رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/345، 6185)). 
 من هنا كان حديثنا عن عبادة الدعاء في رمضان وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية :ـ  
  1ـ حقيقة الدعاء .  
 2ـ الدعاء سلاح المؤمن .  
  شروط الدعاء.   
 4ـ آداب الدعاء. 
 العنصر الأول : حقيقة الدعاء :ـ 
الدعاء من أجل العبادات وأعظمها وهو حق لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُصرف لغيره كائناً من كان ، وله مكانة عظيمة في الدين ومنزلة رفيعة فيه ، وذلك لما في الدعاء من التضرع وإظهار الضعف والحاجة لله ، ولأن العبادة كلما كان القلب فيها حاضراً وأخشع فهي أفضل وأكمل ، والدعاء أقرب العبادات إلى حصول هذا المقصود، والدعاء فيه ملازمة للتوكل والاستعانة بالله ، والتوكل هو اعتماد القلب على الله وثقته به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات     
 الدعاء من أعظم العبادات ولقد أمر الله تعالي به في أكثر من موضع فقد ثبت في السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]) . 
فالآية تدل على الوجوب للأمر في الآية ولأن ترك العبد دعاء ربه من الاستكبار وهو كفر 
وعن أنس رضي الله عنه  قال عليه الصلاة و السلام: (الدعاء مخ العبادة) [رواه الترمذي] وقال تعالى (واسألوا الله من فضله ) . النساء 32  
 وقال تعالى ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) الأعراف 55  
 ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) الإسراء  
 وسمى الله الدعاء الدين : قال تعالي ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ) لقمان. 
والدعاء عبادة سهلة ميسورة مطلقة غير مقيدة أصلاً بزمان و لا مكان ولا حال فهي الليل و النهار و في البر و البحر و الجو , والسفر و الحضر, وحال الغنى و الفقر , و المرض والصحة , والسر و العلانية , وكم من بلاء ردّ بسبب الدعاء وكم من مصيبة كشفها الله بالدعاء و كم من ذنب و معصية غفرها الله بالدعاء , وكم من رحمة و نعمة استجلبت بسبب الدعاء و كم من عز ونصر و تمكين ورفع درجات في الدنيا و الآخرة حصل بالدعاء. 
ولقد ذكر الله تعالي الدعاء بصيغ كثيرة متعددة منها :ـــ    
 1ـ صيغة الذكر:ـ     
 قال صلى الله عليه وسلم (أفضل الدعاء يوم عرفه وأفضل ماقلت أنا والنبيون من قبلي :لا إله إلا الله وحده لاشريك له) رواه مالك وعند الترمذي: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)وحسنه الألباني 
 وقال صلى الله عليه وسلم (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) ومن الذكر دعاء ذي النون قال (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ) فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله تعالى له ) . رواه الترمذي وصححه الألباني .
 2ـ صيغة الصلاة : 
 قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (103)التوبة 
 وقال تعالي ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)  (99)التوبة . 
 صلوات الرسول قال أي دعواته والصلاة الشرعية هي كلها دعاء وتشمل الصلاة نوعين دعاء العبادة ودعاء المسألة . 
 3ـ صيغة الاستعانة :ـ
 قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين ) والاستعانة هي طلب ما تمكن به لعبد من الفعل ويوجب اليسر عليه .وله فدعاء المسأله هو الاستعانة . 
 4ـ صيغة الاستعاذة :ـ  هي جزء من أجزاء دعاء المسألة .
5ـ صيغة الاستغاثة :ـ  طلب الغوث لرفع الشدة الواقعة . 
 6ـ صيغة الاستغفار :ـ
قال صلى الله عليه وسلم (من يدعوني فاستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) فذكر أولاً لفظ الدعاء ثم السؤال والاستغفار والمستغفر سائل كما أن السائل داعٍ. 
7ـ صيغة النداء :ـ    
 قال تعالى (ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) وقال تعالى (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضروأنت أرحم الراحمين) وقال تعالى (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (87)الأنبياء وقال تعالى (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ) وقال تعالى (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم.) فالنداء هو الدعاء . 
 العنصر الثاني : الدعاء سلاح المؤمن :ـ 
 يتقلب الناس في دنياهم بين أيام الفرح والسرور, وأيام الشدة والبلاء, وتمر بهم سنين ينعمون فيها بطيب العيش, ورغد المعيشة, وتعصف بهم أخرى عجاف, يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان.
وفي كلا الحالين لا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه, وثمة عبادة هي صلة العبد بربه, وهي أنس قلبه, وراحة نفسه. 
 في زمان الحضارة والتقدم, في كل يوم يسمع العالم باختراع جديد, أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة, على تراب الأرض, أو في فضاء السماء الرحب, أو وسط أمواج البحر, وإن السلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها, فمقياس القوة والضعف في عُرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد. 
ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق, إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته, والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس, لا يملكه إلا أنتم, نعم, أنتم أيها المؤمنون الموحدون, إنه سلاح رباني, سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان, ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون, نجى الله به صالحًا, وأهلك ثمود, وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام, وأعز محمدًا  في مواطن كثيرة.  
 سلاح حارب به رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت: قوة الفرس, وقوة الروم, فانقلبوا صاغرين مبهورين، كيف استطاع أولئك العرب العزَّل أن يتفوقوا عليهم وهم من هم, في القوة والمنعة, ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال.  
عباد الله: يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يُكنى أبا مِعْلَق، وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا. 
فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك .قال ما تريد إلى دمي شأنك بالمال.    قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك. قال: أما إذا أبيت فذرني أُصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلى أربع ركعات. 
 فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود ياذا العرش المجيد أسألك بعزك الذي لايرام، وملكك الذي لايضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني ثلاث مرات. 
فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة واضعها بين أُذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله. 
 ثم أقبل إليه فقال: قم. قال: من أنت بأبي وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟
قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول، فسمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعتُ لأهل السماء ضجةً. 
ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله تعالى أن يُوليني قتله هكذا عندما تنزل المحن و تشتد الخطوب وتتوالى الكروب وتعظم الرزايا وتتابع الشدائد، لن يكون أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى ويلوذ بجانبه، ويضرع إليه راجيا تحقيق وعده، الذي وعد به عباده المؤمنين إذ يقول الله تعالى:  وقال ربكم ادعوني استجب لكم [فاطر:60]. 
ويقول:  وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [البقرة:186].
 فإني قريب ..أجيب دعوة الداع إذا دعان ..أية رقة؟
 وأي انعطاف؟ وأية شفافية؟ وأي إيناس؟ وأين تقع تكاليف الحياة في ظل هذا الود، وظل هذا القرب، وظل هذا الإيناس؟ 
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان أضاف العباد إليه، والرد المباشر عليهم منه .. ولم يقل: فقل لهم: إني قريب ..إنما تولى بنفسه جل جلاله الجواب على عباده بمجرد السؤال فقط!، قريب .. ولم يقل أسمع الدعاء ..إنما عجل بإجابة الدعاء:  أجيب دعوة الداع إذا دعان .. إنها آية عجيبة .. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المـؤُنس، والرضى الـُمطمئن، والثقة واليقين .. ويعيش منها في جناب رضيّ وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين ،قال عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا  حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له) (رواه مسلم) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه). 
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من لم يسأل الله يغضب عليه) ( رواه الترمذي ) وهو سلاح استخدمه الأنبياء في أصعب المواقف، فها هو النبي في غزوة بدر عندما نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر استقبل القبلة ثم رفع يديه قائلاً: { اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض } فما زال يهتف بالدعاء ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال: ( يا نبي الله، كفاك منشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك ) [رواه مسلم]. 
 وها هو نبي الله أيوب عليه السلام يستخدم سلاح الدعاء بعدما نزل به أنواع البلاء، وانقطع عنه الناس، ولن يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله صابر محتسب، فلما طال به البلاء دعا ربه قائلاً: وَأيُوبَ إذ نَادى رَبَهُ أنّي مَسَنِىَ الضُرُ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمِينَ (83) فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ [الأنبياء:84،83].  
والدعاء سبب لتفريج الهموم وزوال الغموم، وإنشراح الصدور، وتيسير الأمور، وفيه يناجي العبدُ ربّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وحاجته إلى خالقه ومولاه، وهو سبب لدفع غضب الله تعالى لقول النبي : { من لم يسأل الله يغضب عليه } [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني].
 وما أحسن قول الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة *** وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ  
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ

وهو سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب،
ومن أروع ما قاله الإمام الشافعي:
 أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء 
فيمسكها اذا ماشاء ربي *** ويرسلها اذا نفذ القضاءُ
وهذا العلاء بن الحضرمي يقود المسلمين لفتح البحرين : اتفق له في غزوة الأحساء أو البحرين أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم وبقوا على أرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلا ولم يقدروا منها على بعير واحد فركب الناس من الهم والغم مالا يحد ولا يوصف وجعل بعضهم يومي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه فقال : أيها الناس ألستم المسلمين ألستم في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى قال : أبشروا فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم ونودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذ قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت إبلهم من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم شيئا فسقوا الإبل عللا بعد نهل . 
 وقد طارد العدو فركبوا السفن وذهبوا إلى دارين فعرف أن العدو فاته فركب بفرسه البحر وهو يقول يا أرحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا حي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا ففعل الجيش مثله فأجاز بهم الخليج كأنهم على رمل ولحق العدو وقاتلهم وهزمهم . 
العنصر الثالث : شروط الدعاء :ـ 
 1ـ الإخلاص في الدعاء : 
 أهم الشروط  وأوكدها لأن عدم إخلاص الدعاء لله تارة يكون شركا صريحا مخرجا عن الملة وقد يكون شركا أصغر فيكون الدعاء محبطا لا يمكن قبوله واستجابته . وقد أمر الله بالإخلاص في الدعاء فقال ( فادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ) . 
قال ابن مسعود ( إن الله لا يقبل من مسمع ولا مرائي ولا لاعب ولا داع إلا داعيا دعاء ثبتا من قلبه ) ولذا قيل ( إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد وعن كمال الطاعة لأنه عقب آية الدعاء بقوله(فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ) . 
 2ـ التوبة والرجوع إلى الله تعالى : 
فإن المعاصي من الأسباب الرئيسية في منع قبول الدعاء قال نوح( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ... )
3ـ التضرع والخشوع والتذلل والرغبة والرهبة : ـ  
قال تعالى( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) وقد وصف الله زكريا بالرغبة ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) وهذا التضرع حقيقة الدعاء. 
  4ـ الدعاء في الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر والسعة : ـ  
 العبد الصالح يلازم الدعاء في حالتي الرخاء والشدة وأما غير الصالح فإنه لا يلتجئ إلى الله تعالى إلا في وقت الشدة ثم ينساه . ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أوقاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) .  
قال تعالي( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله .... ) وفي حديث ابن عباس (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) وعن أبي هريرة مرفوعا ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثرلاالدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي  
5ـ تحري الحلال :ـ 
يجب أن يكون الداعي مجتنبا للتلبس بالحرام أكلا وشربا ولبساوتغذية فلهذا ينبغي له أن يتحرى ويجتهد إذا أراد أن يكون مجاب الدعوة فللحلال سر عجيب في قبول الأعمال عند الله تعالى والحرام له منع وسد وشؤم على متناوله فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) وقال في الحديث ( وأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ) 
6ـ اليقين في الله تعالي وحضور القلب:ـ
يقول عليه الصلاة والسلام:ـ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ)  
وقال ابن القيم: (قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنِّي لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه . قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك : تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه ويقول ادعني استجب لك ؟ يا عبد الله إنك إذا رفعت يدك استحي الجبار تبارك وتعالى و صاحب الملك و الملكوت و العزة و الجبروت يستحيي منك أن يرد يديك صفراً " فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا" رواه أبو داود 
 فهل سمعت بملك من ملوك الدنيا يستحيي من العامة وأما الله الخالق الباري المصور   يستحيي في عليائه من عبده وهذا غاية الكرم و الجود منه سبحانه. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله يستحي الله منك أيها العبد ثم يجيب سؤالك. 
 أيها العبد الضعيف لا تحمل همّ الإجابة ولكن احمل همّ الدعاء, ادع وتيقن الإجابة واعلم بالفرج. فإنك تدعو من بيده ملكوت السماوات والأرض أجود الأجودين وأكرم الأكرمين أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله يشكر القليل من العمل وينميه ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثر المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين بل يحب الملحين في الدعاء ويحب أن يسأل ويغضب إذا لم يسأل يستحي من عبده. 
7ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :ـ
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرط أساسي لإجابة الدعاء ولكن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،يكون عائقا في إجابة الدعاء كما في سنن ابن ماجة من حديث عائشة قالت (رضي الله عنها) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم)[ أخرجه الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، وابن ماجة في السنن، وهذا لفظ ابن ماجة. وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة،]. 
 وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء، فتوضأ ثم خرج، فلم يكلم أحداً، فدنوت من الحجرات، فسمعته يقول: يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم).
 العنصر الرابع : آداب الدعاء :ـ  
للدعاء آداب كثيرة يحسن توافرها لتكون عوناً بعد الله على إجابة الداعي، ومن هذه الآداب: 
 1 - افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي :ـ 
عن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله قاعداً إذ دخل رجلٌ فصلّى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله : { عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليّ ثم ادعه }. ثم صلّى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله، وصلى على النبي ، فقال له النبي : { أيها المصلي ادع تُجب } [رواه الترمذي وصححه الألباني].  
2 - الإعتراف بالذنب والإقرار به: ـ
وفي هذا كمال العبودية لله تعالى، مثلما دعا يونس عليه السلام: فَنَادى فِي الظُلُمَاتِ أن لآ إلَهَ إلآ أنتَ سُبحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَالٍمِينَ [الأنبياء:87].     
3 - الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة:ـ 
 لقول النبي صلي الله عليه وسلم : { إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له } [رواه البخاري ومسلم].    وعلي المؤمن أن لا يستعجل في مسألته  يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب الدعاء لأحدكم ما لم يستعجل. قيل له كيف يا رسول الله؟، يقول: دعوت ودعوت ودعوت فلم أر يستجاب لي فيترك الدعاء فلا يستجاب له).
 مثل رجل بذر وأخذ يرويها لمدة أسبوع فلم تنبت، فتركها فماتت .. هناك نبات لا ينمو إلا خلال سنين .. وقد تتأخر الاستجابة لمصلحتك .. وقد تتأخر لأن زمانها لم يأت بعد .. وقد تتأخر لأن الله يريد أن يسمع صوتك. 
 و يقول الله في ذلك : (يا ملائكتي أدعاني عبدي. نعم يا رب. يا ملائكتي ألح علي عبدي. نعم يا رب. يا ملائكتي أخروا مسألة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته). 
 4 - الوضوء واستقبال القبلة ورفع الأيدي حال الدعاء:ـ 
 فهذا أدعى إلى خشوعه وصدق توجهه، فعن عبدالله بن زيد قال: ( خرج النبي إلى هذا المصلي يستسقي فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه ). ولحديث أبي موسى الأشعري لما فرغ النبي من حنين، وفيه قال: فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: { اللهم اغفر لعبيد بن عامر } ورأيت بياض أبطيه. [رواه البخاري ومسلم].  
  5 - خفض الصوت والإسرار بالدعاء:ـ 
 يقول الله تعالى: ادعُوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةٌ إنَهُ لاَ يُحِبُ المُعتَدِينَ [الأعراف:55]. ولقول النبي صلي الله عليه وسلم: { أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم } [رواه البخاري]. 
  6ـ تحري الأوقات المستحبة واغتنام الأحوال الشريفة:ـ 
فشرف الأوقات والأماكن راجع إلى شرف الأحوال فوقت السحر وقت حصول الصفاء والإخلاص والفراغ من المشوشات ووقت رقة القلب والخشوع . وعرفة والجمعة وقت اجتماع الهم وتعاون القلوب على ذكر الله تعالى وعبادته من الأحوال حال الاضطرار (أمن يجيب المضطر إذا دعاه .... ) ومنها حال السجود ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء ..) وإدبار الصلوات الخمس، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفة،وشهر رمضان ، وحال نزول المطر، ، وحال زحف الجيوش في سبيل الله، وغير ذلك.  
 تجنب الدعاء على النفس والأهل والمال: 
 يقول النبي صلي الله عليه وسلم : { لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم } [رواه مسلم].
 8ـ تجنب الدعاء بإثم أوقطيعة رحم :ـ 
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يدعو دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله أحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يكف عنه من الشر مثلها قالوا إذا نكثر قال : الله أكثر ) 
 رفع اليدين :ـ  فقد بلغ حد التواتر حتى وصلت قرابة مائة حديث ومسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء ( بدعة لضعف الأدلة ).  
 فينبغي على المؤمن أن يعنى بهذه العبادة ، وأن يغنم أوقات هذا الشهر الشريف بالإقبال على الله بالدعاء والسؤال والإلحاح راغبا راهبا ، مع العناية بشروط الدعاء وآدابه ، راجيا أن يكون من الفائزين بثواب الله الناجين من النار ، فإن لله عتقاء من النار وذلك كلَّ ليلة من ليالي رمضان .
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا ، ومنَّ علينا بالعتق من النار يا حي يا قيوم .