المقدمــــة
الحمد لله رب العالمين ... جعل الصدق هو منزل القوم الأعظم والطريق الأقوم
الذي من لم يَسِر عليه فهو من المنقطعين الهالكين وبه تَمَيَّز أهل النفاق من أهل
الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران ، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وُضِع علي
شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه ،وقد أمر الله سبحانه وتعالي أهل
الإيمان أن يكونوا مع الصادقين فقال تعالي }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119){ ]التوبة[ .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير .. جعل الصدق أساس بناء الدين ، وعمود فسطاط اليقين ،ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين ،فقال تعالي:}وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69){ ]النساء[.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أمرنا بالصدق في الأقوال والأفعال والأحوال والنيات.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: }عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا { [متفق عليه].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون.
ما زلنا مع التربية الأخلاقية للشباب ومع خلق الصدق وأثره في حياة الفرد والمجتمع . . ويتناول عدة عناصر :
1 ـ حقيقة الصدق ..
2 ـ حاجة المجتمع إلي الصدق .
3 ـ أهمية الصدق .
4 ـ مراتب الصدق .
5 ـ ثمرات الصدق .
6 ـ صور الصدق .
7ـ الوسائل التي تعين علي الصدق .
العنصر الأول : حقيقة الصدق :
الصدق هو قول الحق وهو القول المطابق للواقع والحقيقة ، وهو من متممات الإيمان ومكملات الإسلام ، ولهذا أثني الله تعالي علي المتصفين به فقال تعالي }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24){ ]الأحزاب[.
والصدق ضد الكذب ،وهو الإبانه عما يخبر علي ما كان ، وقيل قول الحق في مواطن الهلاك .
والصدق في القول تعبير عن شخصية واضحة لا تعرف الخبث ولا الالتواء ولا الغموض ،إنما المرؤة والشهامة والكرم والشجاعة ولا يلجأ إلي الكذب إلا اللئيم الخبيث ضعيف الشخصية ..
العنصر الثاني : حاجة المجتمع إلي الصدق:
قال عبدالله ابن المقفع " إن الكذاب لا يكون أخا صادقاً لأن الكذب الذي يجري علي لسانه إنما هو من فضول كذب قلبه وإنما سمي الصديق من الصدق .
وهذا حق فإن الكذاب لن تكون أخوته صادقة ولا معاملته صادقة ومن ثم فلن يكون الكذاب زعيما صادقا ولا حاكما صادقا ولا موظفا صادقا ولا عاملا صادقا ولا عالما صادقا .
ومن هنا يجمع علماء الأخلاق وعلماء النفس وعلماء الاجتماع علي الإشادة بفضيلة كفضيلة الصدق ، والتنويه برذيلة كرذيلة الكذب وخطره علي الأفراد والجماعات .
ولو استعرضت مشاكل العالم كله لوجدتها ترجع إلي شيء واحد ألا وهو الكذب .
ولو صدق الجميع لاستقامت الحياة واستفاضت الثقة واطمأن الناس بعضهم إلي بعض فوفروا علي أنفسهم خصومات وعدوات وخلافات لم تنشأ إلا من فقدان الثقة بالأحاديث والمواثيق والعقود والمعاملات .
لقد حدث في عهد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن عين سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه علي القضاء في المدينة فمكث سنة كاملة ولم يختصم إليه اثنان .
أَتري هذا لأن الناس في عهد عمر رضي الله عنه لم تكن طبائعم من طبائع البشر التي تختلف وتتنازع ؟
أم لأن الناس في عهد عمر لم يكن لهم شيء يختصمون ويتنازعون عليه ؟
كلا ! لا هذا ولا ذاك .
وإنما هو الصدق الذي يحجز كل واحد من المتنازعين على أن يصور الخلاف لنفسه كما يشتهي بل يصوره كما هو في الواقع والحق فإذا هو ينصف من نفسه إذا كان ظالما ويرد الحق إذا كان معتديا ويتسامح إذا كان مجنيا عليه وبهذا لم يحتاج الناس إلي عمر رضي الله عنه ليقضي بينهم فيما كانوا فيه مختلفون .
إن الصدق عدا عن كونه أساس الفضائل النفسية بل هو ضرورة من ضرورات الاجتماع بل هو أكبر أبواب السعادة للأفراد والجماهير .
العنصر الثالث : أهمية الصدق :
لأهمية الصدق أمر الله عز وجل رسوله : أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه علي الصدق قال تعالي :}وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80){ ]الإسراء[ .
وأخبر عن سينا إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين فقال تعالي :}وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84){ ]الشعراء[ .
وأخبر عن المؤمنين بقدم صدق عند ربهم قال تعالى : }وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ(2){ ]يونس[
وأخبر عن مقعد صدق للمتقين عند ربهم في الآخرة فقال تعالي :}إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55){ ]القمر[ .
فهذه خمسة أشياء :
1 ـ مدخل صدق .
2 ـ مخرج الصدق .
3ـ لسان صدق .
4 ـ قدم صدق .
5 ـ مقعد صدق .
ولأهميته عرف به عليه الصلاة والسلام في مكة فما كان يُعرف حينئذ إلا بالصادق الأمين وهو أيضاً ما يُعرف به الأنبياء والمرسلون عليهم السلام.
وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه ووصفهم بالصدق فقال تعالى: }وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا(41)]{ مريم[
وقال تعالى :}وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا(54){ ] مريم[ .
وقال تعالى : }وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا(56){ ] مريم[
والصدق كما عرّفه الإمام ابن القيم (رحمه الله) في مدارج السالكين : "هو منزلة القوم الأعظم، الذي فيه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم
يَسِر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تَميَّز أهل النفاق من أهل الايمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه، من صال به لم تُرد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجة تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين" .
وتظهر أهمية الصدق للمسلم في أنه يدخل في كل أمر من الأمور، فالعبادة لا تصح إلا بالصدق، وكذلك المعاملة ، والخلق والأدب وغير ذلك فاذا فقد الصدق في أمر ما فَقَدَ الركن الأعظم الذي لا يصح الشيء إلا به، ولهذا جاءت النصوص في الكتاب والسنة تأمر بالصدق وتحث عليه وتأمر بلزوم أهله قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119){ ]التوبة[ .
ووصف الله تعالى نفسه بالصدق فقال :}وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا(87){ ]النساء[
وقال تعالى:}وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا (122){ ] النساء[ .
ولأهميته اعتبره الله عز وجل مرتبط بالإيمان :
الإيمان أساسه الصدق ، والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر ، وجعل الكذب آية من آيات النفاق .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : }آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ { . ]مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ[ .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :} يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب {. ]رواه أحمد[ .
وعن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله علـيه وسـلم :} أيكون المؤمن جبانا فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا{. ]رواه الإمام مالك في الموطـّأ[.
والصدق سمة من سمات خيرية الأمة :
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ الْحَلَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ لِي ثَابِتٌ الأَعْرَجُ : أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا إِذَا قَالَتْ صَدَقَتْ ، وَإِذَا حَكَمَتْ عَدَلَتْ ، وَإِذَا اسْتُرْحِمَتْ رَحِمَتْ " .]حديث مرفوع[ .
العنصر الرابع :مراتب الصدق :
اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معانٍ:
1 ـ صدق في القول.
2 ـ صدق في النية والإرادة.
3 ـ صدق في العزم.
4 ـ صدق في الوفاء بالعزم .
5ـ وصدق في العمل.
6 ـ صدق في تحقيق مقامات الدين كلها.
فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق لأنه مبالغة في الصدق.
الصدق الأول: صدق اللسان:
وذلك لا يكون إلا في الإخبار أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو بالمستقبل وفيه يدخل الوفاء والخلف، وحق على كل عبدٍ أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق.
وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق.
الصدق في اللسان هي ملاك الأمور كلها بنص كلام النبي صلي الله عليه وسلم .
فعَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: }لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونْ{[السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ{ ]رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح[.
ومن ذلك تحري الدقة في الأخبار والمعلومات والتقارير فعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع " ولنا في نبي الله سليمان عليه السلام القدوة حينما جاء إليه الهدهد بخبر ملكة سبأ
،لم يُسَلِّم سيدنا سليمان بمجرد نقل الخبر إليه ولكن أرسل من يتثبت من صحة الخبر الوارد إليه فقال تعالي :}قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27){ ]النمل[ .
وقد روي في سبب نزول قول الله عز وجل:}يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ(6){ ]الحجرات[ ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه رسول الله ولم يأته، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقَّت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف، فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث رضي الله عنه، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث: فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ (6){ ] الحجرات[
الصدق الثاني: في النية والإرادة:
ويرجع ذلك إلى الإخلاص وهو ألا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا.
ولو صدق العبد في نيته بارك الله له في عمله وأُجِر عليه خيرا ووفقه إلي أحسن منه والمنافقون كانوا يشهدون أمام الرسول صلي الله عليه وسلم أنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن القرآن أظهر الحقيقة وهي }وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ (1){ ]المنافقون[ .
مع أنهم قالوا بألسنتهم لكن قلوبهم كانت كاذبة مخادعة .
الصدق الثالث: في صدق العزم :
إن الإنسان قد يُقدم العزم على العمل فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدقت بجميعه أو بشطره أو إن لقيت عدوًا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبالِ وإن قُتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعصِ الله تعالى بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادقها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة، فكان الصدق هاهنا عبارة عن التمام والقوة.
الصدق الرابع: في الوفاء بالعزم:
فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤونة فيه خفيفة، فإذا خفت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله تعالى: } مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا (23){ [الأحزاب].
عن أنس رضي الله عنه: أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما اصنع! قال: فشهد أحدًا في العام القابل فاستقبله "سعد بن معاذ" فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال: واهًا لريح الجنة! إني أجد ريحها دون أحد! فقاتل حتى قُتل فوُجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة؛ فقالت أخته بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنانه، فنزلت الآية.
الصدق الخامس: في الأعمال:
وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به؛ لا بأن يترك الأعمال ولكن بأن يستجرَّ الباطن إلى تصديق الظاهر، ورب واقف على هيئة خشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمًا بين يدي الله تعالى وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته.
الصدق السادس: وهو أعلى الدرجات وأعزها: الصدق في مقامات الدين: كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور، فإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمي صاحبه صادقًا فيه، كما يقال: فلان صدق القتال، ويقال: هذا هو الخوف الصادق.
ثم درجات الصدق لا نهاية لها، وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض فإن كان صادقًا في جميع الأمور فهو الصدِّيق حقًا.
قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ثلاثة أنا فيهن قوي وفيما سواهن ضعيف: ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي حتى أفرغ منها، ولا شيعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة، وما هو مقول لها حتى يُفرغ من دفنها، وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قولاً إلا علمت أنه حق، فقال ابن المسيب: ما ظننت أن هذه الخصال تجتمع إلا في النبي عليه الصلاة والسلام.
العنصر الخامس : ثمرات الصدق وفوائده :
مما لا شك فيه ان للصدق فوائد جليلة وثمرات عديدة يجنيها الصادق بصدقه ويسعد بهذا الخلق العظيم في الدنيا والآخرة ومن أهمها...
1- الصدق دليل على الايمان والتقوى:
فقد اخبر الله تعالى عن أهل البر واثنى عليهم بأحسن اعمالهم من الايمان والإسلام والصدقة والصبر ثم وصفهم بأنهم أهل الصدق كما جاء في سورة البقرة } لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ (177) {
وكذلك يورث التقوى قال تعالى }وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ (33){
2- الصدق يؤدي إلى الخير وحسن العاقبة:
قال تعالى : }فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ (21){ ] محمد[
3- الصدق دليل على البراءة من النفاق.
فقد قسم الله تعالى الناس إلى صادق ومنافق فقال تعالى :} لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا (24){
] الأحزاب[
قال الامام ابن القيم: الإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر.
4- الصدق يُؤدي إلى الجنة وينجي من النار:
كما مر في حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه.
5- نيل مرتبة الصديقية التي تلي مرتبة النبوة:
قال تعالى: }وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69){ ] النساء[
6- الصدق يُنجي العبد من أهوال القيامة :
فقد أخبر الله تعالى انه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من العذاب إلا صدقه فقال تعالى :}هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(119){ ]المائدة[ 7- الصدق يُورث الطمأنينة والراحة النفسية :
فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : }دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة{ ]رواه أحمد والترمذي وصححه الالباني[.
8- الصدق يُورث منازل الشهداء:
فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :}من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه{ ]رواه مسلم[.
9- الصدق يُورث محبة ومعية الله تعالى :
فمن أراد أن يكون الله تعالى معه ويحبه فليلزم الصدق فإن الله تعالى مع الصادقين وأن الله تعالى يحب الصادقين.
10- الصدق يُورث البركة في كل شيء:
فقد روى البخاري ومسلم انه عليه الصلاة والسلام قال :}البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا بورك لهما في بيعهما وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما{
حتى قيل ما افتقر تاجر صدوق.
العنصر السادس : صور الصدق :
1 ـ الصدق مع الله عز وجل وكتابه :
ويتمثل في طاعة الأوامر واجتناب النواهي ، والالتزام التام بهديه ، وعدم التظاهر بالتقوي مع خلو القلب منها .قال تعالي }فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44){ ]الزخرف[.
ومثال ذلك ما رواه شداد بن الهاد أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة، غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه. فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: "قسمته لك".
قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة ، فقال صلى الله عليه وسلم }إن تَصْدُقِ اللهَ يصدقك{.
فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل، قد أصابه السهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أهو هو؟).قالوا: نعم. قال: (صدق الله فصدقه). ]رواه النسائي وصححه الألباني[.
2ـ الصدق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم :
يكون ذلك بالالتزام بهديه ،وعدم الكذب عليه ورواية أحاديثه كما وردت عنه ، دون زيادة أو نقصان أو تحريف .
وقد حذر من الكذب عليه صلي الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:}لا تكذبوا عليّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار{ ]أخرجه البخاري ومسلم[
وفيهما أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:}من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار{ .]أخرجه البخاري ومسلم[
3ـ الصدق مع الناس :
وذلك يكون بالنصيحة لهم ففي الحديث فعن تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: }الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم{. ]متفق عليه[.
والصدق في النصيحة بدون نفاق ولا قلق ومصلحة خاصة أو هوي ..
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :}لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ أَوْ عَلِمَهُ أَوْ رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ { ]رواه أحمد[
4 ـ صدق الصناع والتجار :
قال صلي الله عليه وسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم}التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء { ]رواه الترمذي[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:} الحلف مُنَفِّقَةٌ للسلعة، مُمْحِقَةٌ للبركة{ ]متفق عليه[.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال :}ما هذا يا صاحب الطعام ؟ " قال : أصابته السماء يا رسول الله .
قال :"أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ، من غشنا فليس منا{ ] صحيح مسلم[
الغش مرض ملعون ، إذا تخلل جسم مجتمع تآكلت أطرافه ، وتصدع بنيانه . وكان عاقبة أمره خسرا .
فالغش لا يظهر إلا في مجتمع أصابه اعتلال في الضمير ، وضمور في الإيمان ؟ وحقيق بمن هذا حاله أن يُطرد من صفوف المؤمنين : " من غشنا فليس منا " .
إنه إعلان حرب على الضمائر الفاسدة ، والنفوس العفنة التي لا تراقب ربها سرا ولا علانية .
إنه تحذير لكل من تُسول له نفسه الخبيثة غش المسلمين وخداعهم وأكل أموالهم بالباطل .
فهل من عاقل ؟ ! . }أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ (4) لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ (5) يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (6){ ] المطففين[
إن المكر والخديعة ، والخيانة في النار !
وعن ابن عمر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء فقال بع هذا على حدة وهذا على حدة فمن غشنا فليس منا " .
ويُحرم علي البائع إذا عرف جهل المشتري بالثمن أن يغره ويبخسه ويفرط في بيعه بالغلاء بل يجب عليه نصحه ومعاملته كما يفعل غيره بالمعروف .
5ـ الصدق في الفكاهة والمزاح :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ،
ويل له ، ويل له " [ قال الترمذي : حديث حسن ] ، ثم قال تعالى مفسراً للمكذبين الفجار الكفرة : { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره ، قال الله تعالى : { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦ إِلآ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح ، والأثيم في أقواله إن حدث كذب ، وإن وعد أخلف ، وإن خاصم فجر " .
وكرر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة " ويل له " إيذاناً بشدة هلكته ، وذلك لأن الكذب وحده ،رأس كل مذموم ، وجماع كل فضيحة ،فإذا انضم إليه استجلاب الضحك ، الذي يميت القلب ،ويجلب النسيان ،ويُورث الرعونة ، كان أقبح القبائح ، ومن ثم قال الحكماء : إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة .
وهناك من الناس من يتلذذ بالفكاهة والضحك على أشخاص معينين ، أو يستخدم أمور الجاهلية الجهلاء ،كالطعن في الأنساب ،والتعرض للقبائل بشيء من الاستهزاء والسخرية ، وهذا أمر محرم لا شك فيه ،عن أبي مَالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه ،أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : }أَرْبَعٌ في أُمَّتِي مِنْ أمر الجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ :الفَخْرُ في الأَحْسَابِ ،والطَّعْنُ في الأَنْسَابِ ، والاسْتِسْقَاءُ بالنُّجُومِ ، والنِّياحَةُ ،والنائِحَةُ إذا لم تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِها ، يُقَامُ يَوْمَ القِيامَةِ عليها سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ ،ودِرعٌ من جَرَب {[أخرجه مسلم].
فمما سبق بيانه لا يجوز لأحد أن يكذب في الفكاهة أو النكتة كما يسمونها ، بل لا يقول إلا حقاً ، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم : " إِنِّي لأمْزَحُ ، ولا أَقُوْلُ إِلاَّ حَقًّا "[أخرجه الطبراني في الصغير وإسناده حسن ]
ومعنى ولا أقول إلا حقاً : لعصمتي عن الزلل في القول والعمل ، وذلك كقوله لامرأة : زوجك في عينه بياض ، وقوله في أخرى : لا يدخل الجنة عجوز ، وقوله لآخر : لأحملنك على ولد الناقة .
6ـ الصدق مع الأطفال :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِـرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟».قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : }أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ {.]رواه أحمد[.
أى من نادى طفلاً واعداً إياه بأنه يعطيه شيئاً لكى يأتى له ثم لم يعطيه هذا الشىء و لم يفى بوعده فقد حسبت عليه كذبة .
فالحديث فيه مقومات التربية الناجحة، وهي: منهج شرعي تستقى منه الأحكام والآداب، وقدوة صالحة تهدي وتربي ، وأمر بالمعروف وتواصٍ به.
والحديث فيه وصية النبي صلى الله عليه وسلم المحذَّرة من وقوع الأب أو الأم خاصة و الكبار عامة في صغار الكذب مع الأطفال ، فإنه مفتاح النفاق، وسوء الأخلاق .
والكذب من قبائح الذنوب، يضرب عليه الصّبي ليكفّ عنه ويعتاد تعظيم المحرمات وإن كان قلمه مرفوعًا إجماعًا.
7 ـ الصدق في الشهادة :
جاء في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ }أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا - ؟ قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ{ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ .
لا بد للمسلم أن يحول العلم إلي سلوك والمعرفة إلي واقع عملي يراه الناس فيرون الإسلام مجسدا في قيمة ومبادئه .
العنصر السابع : الوسائل التي تعين علي الصدق :
1ـ تحديد الصدق تحديدًا دقيقا .
2ـ صدق العزم والتنبيه علي التزام الصدق في الأمور كلها .
3 الدعاء أن يعيننا الله علي الالتزام بالصدق .
4ـ معاقبة النفس إذا حادت عن الصدق .
5ـ مصاحبة الصادقين لقول الله تعالي ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا نع الصادقين ).
6ـ الاطلاع علي سير الصادقين وحسن عاقبتهم .
7ـ المحاسبة الدائمة .
تمت بحمـــــد الله
========================================
رابط DOC
رابط PDF
https://top4top.io/downloadf-2610dd2qx1-pdf.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق