الحمد لله رب العالمين .. أعد الجنة لعبادة المؤمنين الصدقين ووعدهم بها وكان وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن فقال تعالي {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)} [التوبة]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ...بشر الشهداء بالحياة الأبدية في الآخرة . فقال تعالي{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[آل عمران].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ..رغب في الشهادة في سبيل الله...
فعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ (ﷺ) يقولُ:{منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ}.[رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون ...
إنَّ الله تعالي انتدب عباده إلى البذل في سبيله؛ فقال تعالي { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245)}[البقرة]، فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك فهذا يبذل الأموال وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ إن شاء الله .
لكن هناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا دِماءهم في سبيل الله، سمعوا قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)}[التوبة].
فعقدوا البيعَ مع الله، السِّلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح! لله درهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانه، لله درُّهم ما أقوى قلوبهم، لله درُّهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله!
عن أبي هريرة عن النبي (ﷺ) قال:{انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل} البخاري. فحديثنا عن [منزلة الشهادة في سبيل الله] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية :ـ
1ـ تعريف الشهادة .
2ـ فضل الشهادة في سبيل الله .
3ـ من هو الشهيد ؟ وسبب تسميته بهذا الإسم ؟
4ـ مراتب الشهادة.
5ـ نماذج لعشاق الشهادة.
6ـ فريق ينتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة وينال الشهادة.
7ـ رسالة عبدالله ابن المبارك .
==========================
العنصر الأول : تعريف الشهادة :
بذل النفس في سبيل الله، لأجل إعلاء كلمة الحق كي تكون كلمة الله هي العليا، ويشمل مفهوم الشهادة عدّة معانٍ ومراتب، أعلاها أجرًا ما ينتج عن ملاقاة أعداء الله والدّين الإسلامي بنيّة خالصة لله تعالى، لأجل إعلاء كلمة الله ورسوله ونشر الإسلام، ويشمل مفهوم الشهادة أيضًا الموت في سبيل الله عند الجهاد لدفع العدو الذي يُهاجم بلاد الإسلام.
العنصر الثاني : فضل الشهادة في سبيل الله:ـ
1ـ مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد قال تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء] وهذه الأربعة هي مراتب العباد ، أفضلهم : الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى .
وقد جعل الله تعالى الجنة درجات ، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم .
2ـ الأجر العظيم :ــ
قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(74)}[النساء]
3ـ الفوز العظيم :ـ
فهم أصحاب النبي (ﷺ) حقيقة الفوز العظيم فتسابقوا علي هذا الفوز العظيم وهو حرام ابن ملحان .
فقد روى البخاري بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول: لما طُعِن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: "فزت ورب الكعبة".
4ـ نيل الفردوس الأعلي :ـ
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي (ﷺ) فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة رضي الله عنه شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب -يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم ، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي (ﷺ)، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال:"يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى"[أخرجه البخاري].
5ـ الكرامة عند الله تعالي :ــ
روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) قَال:َ "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ "[رواه البخاري].
وفي رواية: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ "[رواه مسلم]. وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالا وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا" [رواه الترمذي].
وقال تعالي {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ(154)}[البقرة] قيل: أكرم الله والد جابر واسمه عبدالله بن حرام، بهذه الكرامة، لأنه كان عنده بنات، لم يتبرم بهن، رباهن، وأكرمهن، ويوم استشهد، أخبر ابنه جابراً بأنه مقتول، وأوصاه بهن خيراً، كما أوصاه أن يقضي دينه، يضاف إلى ذلك تمثيل المشركين به.
وعن جَابِرَ قَالَ(ﷺ): {جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو قَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا} [رواه البخاري].
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي اللَّهِ (ﷺ) قال: {إذا وقف العباد للحساب. جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين} [رواه الطبراني بإسناد حسن].
6ـ الشفاعة في أهل بيته :ــ
ما جاء في حديث الوليد بن رباح الذماري عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله (ﷺ):{يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته}[سنن أبو داود]
7ـ أرواح الشهداء في حواصل طير خضر :ــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): {لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلايَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ}.[رواه أبو داود].
وقد يتساءل المرء: كيف تكون روح المؤمن في حوصلة الطير؛ فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟
والجواب:
بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر.
قال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها.
ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير.
8ـ الأمن من فتنة القبر وعدم انقطاع عمله :ــ
عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ (ﷺ):{أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً} [رواه النسائي].
أفاد الحديث: أن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره. لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد. فكان ذلك امتحاناً كافياً في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص.
وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله (ﷺ)أنه قال{كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر}.
9- الشهداء لا يُصعقون من النفخ في الصور:ــ
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ (ﷺ): أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية ؟{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ۖ (68)} [الزمر]: "من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟
قال: هم شهداء الله" (الحاكم النيسابوري).
أفاد الحديث: أن الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية. قال بذلك جماعة من العلماء.
عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ اللَّهُ (ﷺ):َ {رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاء} [رواه البخاري].
10ـ مغفرة ذنوبه عند أول قطرة من دمه :ــ
قال (ﷺ): {لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ}[رواه الترمذي].
وقَالَ رسول اللَّهُ (ﷺ) : {الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [رواه أحمد].
11ــ الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين:ـ
المؤمن له في الجنة زوجتان، أما الشهيد فله ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، غير زوجته التي في الدنيا إنما له من الحور العين ثنتين وسبعين.
12ـ الشهيد رائحة دمه مسكٌ يوم القيامة :ـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) {لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون دم والريح ريح مسك}. [رواه البخاري].
13 ـ الشهيد لا يجد ألم القتل :ـ
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ﷺ) {ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة} [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب].
14 ـ غباره يكون مانعا من دخان جهنم :ـ
إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة؛ قال رسول الله (ﷺ) قال:{لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا}.[أخرجه النسائي].
العنصر الثالث : من هو الشهيد وسبب تسميته :ـ
الشهيد في اللغة: الحاضر، والشاهد: العالم الذي يبين ما علمه، ومنه قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .....(143)} [البقرة] الشهيد في الاصطلاح الشرعي: من مات من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا. وبشكل أساسي يطلق لقب الشهيد في الإسلام على من يقتل أثناء حرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد دفع أي لدفع العدو الذي هاجم بلاد المسلمين.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال أعرابي للنبي (ﷺ): الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل، لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» [صحيح البخاري] .
وسبب تسمية الشهيد شهيداً :ـ
1ـ لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.
2ـ لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.
3ـ لأنه يشْهَد (يرى ) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.
4ـ لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.
5ـ لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته ،و تشهد له بحسن الخاتمة.
6ـ لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.
7ـ لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.
8ـ لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل .
العنصر الرابع : مراتب الشهادة:ــ
اتفق العلماء على أن الشهداء ثلاثة مراتب:ــ
أـ شهيد الدنيا والآخرة .
ب ـ شهيد الدنيا .
ج ـ شهيد الآخرة .
أ ــ أما شهيد الدنيا والآخرة :ــ
فهو الشهيد الكامل الشهادة، وهو أرفع الشهداء منزلة عند الله، وأفضلهم مقاماً في الجنة، وهو المسلم المكلف الطاهر، الذي قُتل في المعركة مخلصاً لله النية، مقبلاً غير مدبر، سواء قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر القتل .
ب ـ شهيد الدنيا :ــ
هو من غل من الغنيمة أو مات مدبراً، أو من قاتل لتُعلم شجاعته، أو طلباً للغنيمة فقط.
ولعل كل قتيل في المعركة، لم يكن مخلصاً لله، فهو من شهداء الدنيا، فإذا كان الباعث له، ليس الجهاد في سبيل الله، وإنما شيء من أشياء الدنيا، فإنه لا يحرم نفسه من الأجر والثواب فحسب، بل إنه، بذلك، يعَّرض نفسه للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة قال:{سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ}[رواه مسلم].
ج ــ شهيد الآخرة :ــ
هو من أثبت له الشارع الشهادة، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا، أي أنه كباقي الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وقد جعلهم الشارع في حكم الشهداء، لخصلة خير اتصفوا بها، أو لمصيبة أصابتهم فقدوا فيها حياتهم. وقد ذكر العلماء، بناء على ما ورد من أحاديث، أن شهداء الآخرة كثيرون،عدها الإمام السيوطي ثلاثين، وأوصلها بعضهم إلى الخمسين فمن ذلك:
1 ـ طالب الشهادة :ــ
قال رسول الله (ﷺ): {مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِه}[رواه مسلم].
ويفيد الحديث، أن من طلب الشهادة صادقاً بأن يكون قصده الجهاد في سبيل الله لنصرة دينه، ثم مات على فراشه، فإن الله يكتب له أجر شهيد،ويبعثه في زمرة الشهداء،لأن الله علم صدق نيته وكان بعض الصحابة يموت في الطريق، قبل وصوله إلى المدينة.
فأنزل الله تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ(100)}[النساء].
أي فقد حصل له أجر المهاجر، وكتب في زمرة المهاجرين.
لذلك كان الصحابة يحرصون على الموت في سبيل الله ويسألون الله ذلك في دعائهم وصلاتهم فهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو على فراش الموت يقول ( والله لقد شهدت مائة زحف أو زهائها وما في جسدي إلا ضربة سيف أو طعنة رمح وها أنا ذا أموت على فراشي كما تموت العير فلا نامت أعين الجبناء).
2 ـ المقتول دون ماله :ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) ، فَقَالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ}[رواه مسلم]
3ـ المقتول دون مظلمته :ـ
عن سويد بن مقرن رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ):{مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ}[رواه النسائي].
مَظْلَمة: بفتح الميم واللام: ما أُخذ من الشخص ظلماً، كأرض أو بهيمة، أو ثياب، وما أشبه ذلك. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:{مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ إِلاّ قُتِلَ شَهِيدًا}[رواه أحمد]
4 ـ المقتول دون دينه أو أهله أو دمه :ـ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ:{مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ
دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ،وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد}[رواه الترمذيٍ].
5ــ موت الغربة :ــ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ}[رواه ابن ماجه].
6ـ الميت مريضاً :ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيداً، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ}[رواه ابن ماجه].
وليس المراد بالحديث مطلق المرض، بل هو محمول على مرض الطاعون. وذلك ما يوضحه الحديثان التاليان:
عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: { يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ إِخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا فَيَقُولُ رَبُّنَا انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَ جِرَاحُهُمْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ} [رواه النسائي].
وعن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: {يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَالُ انْظُرُوافَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا رِيحَ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِك}[رواه أحمد].
وقد أخبر النبي (ﷺ) جملة من الشهداء قال رسول الله (ﷺ): {مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ}[رواه مسلم].
وقال رسول الله (ﷺ):{الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ}[رواه أبو داود].
7ــ طالب العلم :ـ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ} [رواه الترمذي].
8ـ قائل كلمة الحق للإمام الظالم:ـ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (ﷺ) فَقَالَ له أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ (ﷺ);{كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ} [رواه أحمد].
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال:{سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله}[قال الحاكم :صحيح الإسناد وكذاصححه السيوطي والالباني].
الشخص الذي يقوم إلى إمام جائر؛ فيأمره بالعدل وإتباع الحق، وينهاه عن الظلم والانحراف وهو يعلم جوره وبطشه، فيغضب عليه الإمام ويقتله يكون من سادات الشهداء،لأنه ضحى بنفسه وحياته، في سبيل كلمة حق يقولها، ونصيحة يبذلها.
العنصر الخامس: نماذج لعشاق الشهادة :ــ
لقد حرص سلفنا الصالح علي الشهادة في سبيل الله ولم يعيقهم عنها أي عائق ، فغالبوا كل الأعذار والعراقيل فأخذوا بالعزائم ولم يرخصوا لأنفسهم ، ورأينا ذلك في هذا الجيل الفريد الذي رباه النبي (ﷺ) مثل ....
1ـ سعد بن الربيع:ـ
لما قدم النبي (ﷺ) المدينة مع أصحابه وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنهما، فعرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن أن يناصفه ماله، وقال له: "انظر أيّ زوجتيَّ شئتَ، أنزل لك عنها".
فقال عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك". ويحضر معركة أُحد ويقاتل قتالاً عظيمًا، ويقدِّم حياته لله .
بعد انتهاء معركة أُحد قال رسول الله (ﷺ): "مَنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ
وَسَعْدُ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟"
فقال رجل من الأنصار: "أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل".
فنظر فوجده جريحًا في القتلى به رمقٌ، فقلتُ له: "إن رسول الله أمرني أن أنظر له: أفي الأحياء أنتَ أم في الأموات؟"
قال: "فأنا في الأموات، أبلغ رسول الله (ﷺ) عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جُزِي نبيًّا عن أمته، وأبلغ عني قومك السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِصَ إلى نبيكم وفيكم عين تطرف"، ثم لم أبرح حتى مات.
فسعد بن الربيع إلى اللحظة الأخيرة وهو إيجابي يحفِّز المسلمين على الجهاد، ويقول لهم: "لا عذر لكم إن خُلص إلى رسول الله، وفيكم عين تطرف".
2ـ اقتراع على الاستشهاد في سبيل الله:
هذ هو الشهيد خيثمة أبو سعيد يقول للنبي (ﷺ) وهو في طريقه إلى غزوة أُحد: يا رسول الله، إمَّا أنْ يُظهرنا الله عليهم، أو تكون الأخرى، وهي الشهادة التي أخطأَتْني في غزوة بدر، فلقد بلَغ من حِرْصي عليها يا رسول الله أنِّي استهمتُ أنا وابني في الخروج إلى معركة بدر؛ ليبقى أحدُنا يعولُ الأهل، وخرَج السهم له وذهَب إلى القتال في بدر، ورزَقه الله الشهادة، وقد رأيتُ ابني البارحة في النوم وهو يقول لي: الْحِقْ بنا يا أبتِ، ورافقني في الجنة؛ فقد وجدتُ ما وعَدني ربِّي حقًّا، وهكذا يستمرُّ في حديثه وهو يبكي بين يدي رسول الله (ﷺ) يَطلب منه الإذن والدعاء له بالاستشهاد ثم يَختم قوله:
لقد أصبحتُ مشتاقًا إلى مرافقة ابني وإخوانه من الشهداء، كما أحببتُ لقاءَ الله؛ فادعُ الله لي بالشهادة يا رسول الله أن أرافقه في الجنة، وقد كبرت سني ورقَّ عظمي. فدعا رسول الله له، فنال الشهادة في سبيل الله ، لقد صدق الله في طلب الشهادة، فكتبها الله له.
3ـ عبد الله بن جحش:ـ
جهاد طويل لهذا الصحابي الجليل، جهاد في مكة، وجهاد في الحبشة، وجهاد في المدينة المنورة. وقد دار حوار رائع بينه وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال عبد الله بن جحش لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما يوم أُحد: "ألا تأتي ندعو الله؟"
فخلا في ناحيةٍ، فدعا سعد فقال: "يا رب، إذا لقينا القوم غدًا، فلَقِّني رجلاً شديدًا بأسُهُ، شديدًا حَرْدُهُ فأقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذُ سلبَهُ".
فقام عبد الله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا حردُه، شديدًا بأسُه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت: يا عبد الله، فيمَ جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك. فتقول: صدقت".
قال سعد بن أبي وقاص: "يا بُنيَّ، كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقان في خيط".
موقف رائع لعبد الله بن جحش ، الذي آثر الشهادة في سبيل الله على كل شيء، فيتمنى لقاء الله وقد شُوِّهت معالمه، وذلك في ذات الله، وطمعًا في دخول الجنة، وحدث ما تمناه .
4ـ صغر سنه لم يمنعه من الشهادة في سبيل الله :ـ
إنه الصحابي الفتي عمير بن أبى وقاص القرشي الزهري، من الأوائل الذين دخلوا في دين الله تعالى، فأسلم على يد الصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد إسلام أخيه سعد رضى الله عنهما.
كان إيمان الصبي عمير إيمانا شديدا برسالة الإسلام، وبرسول الله (ﷺ).
استمع لرسول الله (ﷺ) فكان صغيرا فى السن، كبيرا في الوعي والإدراك، فكان من أوائل المهاجرين رغم سنه الصغير مع أخيه سعد إلى المدينة، وقد آخى رسول الله (ﷺ) بينه وبين عمرو بن معاذ أخي سعد بن معاذ رضي الله عنهما.
في غزوة بدر الكبرى وحين تفقد رسول الله (ﷺ) المسلمين, فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص ري الله عنه عن أبيه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله (ﷺ) للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟
فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله (ﷺ) فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج، لعل الله
يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله (ﷺ) فاستصغره فقال: ارجع، فبكى عمير، فأجازه رسول الله (ﷺ) ، قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فاستشهد في بدر وهو ابن ست عشرة سنة، وقتله عمرو بن عبد ود العامري، الذي قتله علي بن أبي طالب يوم غزوة الخندق ".
العنصر السادس : فريق ينتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة وينال الشهادة:ــ
فالمسلم حتى يصل إلى درجة الشهادة في سبيل الله، فإنه يقدم الكثير والكثير من التضحية بالمال والوقت والجهد، ولا بد أن يتوافر لديه الإخلاص، وأن يسأل الله الشهادة بصدق، ولكننا قد نجد بعض الناس قد يُنعِم الله عليهم بنعمة الشهادة في سبيل الله فور دخولهم في دائرة الإيمان.
1ـ سحرة فرعون :ـ
فسحرة فرعون مثلاً عندما رأوا الحق واضحًا، أعلنوا دخولهم في دائرة الإيمان، وتلقوا التعذيب من فرعون بل والقتل بصدور رحبة، وقالوا لفرعون: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلاَ (75)} [طه]. فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة.
2ـ الأصيرم:ـ
في موقعة أُحد نجد رجلاً قد انتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة واحدة وهو الأصيرم ؛ فقد كان يأبى الإسلام على قومه، فلما كان يوم أُحد وخرج رسول الله (ﷺ) إلى أُحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فبينما رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: "والله إن هذا للأصيرم، وما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر هذا الحديث". فسألوه ما جاء به، قالوا: "ما جاء بك يا عمرو، أحربًا على قومك أو رغبة في الإسلام؟" قال: "بل رغبة في الإسلام، آمنتُ بالله ورسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله (ﷺ) ، فقاتلت حتى أصابني ما أصابني".
ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله (ﷺ) فقال: "إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". يقول أبو هريرة: "ولم يُصَلِّ لله صلاةً قَطُّ"[رواه أحمد]. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء! إنها لحظة إيمان وصدق.
العنصر السابع: رسالة عبد الله بن المبارك :ــ
هذه رسالة لكل من يجلس متفرغا للعبادة ويترك الجهادفي سبيل الله ويدع الأولويات
فاسمع إلي ما كتبه عبدالله ابن المبارك إلي الفضيل ابن عياض يدعوه فيها إلي الجهاد وكان الفضيل يلقب بعابد الحرمين ..
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعملت أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب جيدَه بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يُتْعِبُ خيله في باطل فخيولنا يوم الكريهة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهجع السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا عن مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بَيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب.
الخاتمة : هيا بنا أيها المؤمنون علي طريق السلف الصالح نسير وعلي دربهم نمضي نحسن صناعة الموت حتي يهب الله لنا الحياة العزيزة في الدنيا والآخرة وندع الوهن خلف ظهورنا ، ونعلم أنها موتة واحدة فلنجعلها في سبيل الله تعالي ، وكل الناس تموت فاختر كيف تموت .. واعلموا أن الموت لابدَّ منه،فمن يحرص علي الموت في سبيل الله يهب الله له الحياة الكريمة ، ، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة.
وما يصيبنا إلا ماكتب الله لكم ، فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسيادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم
كرامة الإستشهاد في سبيله ....
انتهت بفضل الله تعالي.
==========
رابط word
رابط pdf