29 سبتمبر 2019

منزلة الشهادة في سبيل الله



الحمد لله رب العالمين .. أعد الجنة لعبادة المؤمنين الصدقين ووعدهم بها وكان وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن  فقال تعالي {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)} [التوبة]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ...بشر الشهداء بالحياة الأبدية في الآخرة . فقال تعالي{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[آل عمران].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ..رغب في الشهادة في سبيل الله...
فعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ (ﷺ) يقولُ:{منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ}.[رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون ...
إنَّ الله تعالي انتدب عباده إلى البذل في سبيله؛ فقال تعالي { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245)}[البقرة]، فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك فهذا يبذل الأموال وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ إن شاء الله .
لكن هناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا دِماءهم في سبيل الله، سمعوا قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)}[التوبة].
فعقدوا البيعَ مع الله، السِّلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح! لله درهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانه، لله درُّهم ما أقوى قلوبهم، لله درُّهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله!
عن أبي هريرة عن النبي () قال:{انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل} البخاري. فحديثنا عن [منزلة الشهادة في سبيل الله] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية :ـ
1ـ تعريف الشهادة .
2ـ فضل الشهادة في سبيل الله .
3ـ من هو الشهيد ؟ وسبب تسميته بهذا الإسم ؟
4ـ مراتب الشهادة.
5ـ نماذج لعشاق الشهادة.
 فريق ينتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة وينال الشهادة.
7ـ  رسالة عبدالله ابن المبارك .
==========================
العنصر الأول : تعريف الشهادة :
بذل النفس في سبيل الله، لأجل إعلاء كلمة الحق كي تكون كلمة الله هي العليا، ويشمل مفهوم الشهادة عدّة معانٍ ومراتب، أعلاها أجرًا ما ينتج عن ملاقاة أعداء الله والدّين الإسلامي بنيّة خالصة لله تعالى، لأجل إعلاء كلمة الله ورسوله ونشر الإسلام، ويشمل مفهوم الشهادة أيضًا الموت في سبيل الله عند الجهاد لدفع العدو الذي يُهاجم بلاد الإسلام.
العنصر الثاني : فضل الشهادة في سبيل الله:ـ
1ـ مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد قال تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء] وهذه الأربعة هي مراتب العباد ، أفضلهم : الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى .
وقد جعل الله تعالى الجنة درجات ، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم .
2ـ الأجر العظيم :ــ
 قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(74)}[النساء]
3ـ الفوز العظيم :ـ
فهم أصحاب النبي () حقيقة الفوز العظيم فتسابقوا علي هذا الفوز العظيم وهو حرام ابن ملحان .
فقد روى البخاري بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول: لما طُعِن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: "فزت ورب الكعبة".
4ـ نيل الفردوس الأعلي :ـ
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي () فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة رضي الله عنه شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب -يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم ، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي ()، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال:"يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى"[أخرجه البخاري].
5ـ الكرامة عند الله تعالي :ــ
روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ () قَال:َ "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ "[رواه البخاري].          
وفي رواية: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ "[رواه مسلم]. وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ () فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالا وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا" [رواه الترمذي].
وقال تعالي {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ(154)}[البقرة] قيل: أكرم الله والد جابر واسمه عبدالله بن حرام، بهذه الكرامة، لأنه كان عنده بنات، لم يتبرم بهن، رباهن، وأكرمهن، ويوم استشهد، أخبر ابنه جابراً بأنه مقتول، وأوصاه بهن خيراً، كما أوصاه أن يقضي دينه، يضاف إلى ذلك تمثيل المشركين به.
وعن جَابِرَ قَالَ(): {جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ () وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ () فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو قَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا} [رواه البخاري].
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي اللَّهِ () قال: {إذا وقف العباد للحساب. جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين} [رواه الطبراني بإسناد حسن].
6ـ الشفاعة في أهل بيته :ــ 
ما جاء في حديث الوليد بن رباح الذماري عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا، فإني سمعت أبا الدرداء يقولقال رسول الله ():{يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته}[سنن أبو داود]
7ـ أرواح الشهداء في حواصل طير خضر :ــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (): {لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلايَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ}.[رواه أبو داود].
وقد يتساءل المرء: كيف تكون روح المؤمن في حوصلة الطير؛ فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟
والجواب:
بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر.
قال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها.
ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير.
8ـ الأمن من فتنة القبر وعدم انقطاع عمله :ــ
عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ ():{أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً} [رواه النسائي].
أفاد الحديث: أن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره. لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد. فكان ذلك امتحاناً كافياً في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص.
وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله ()أنه قال{كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر}.
9- الشهداء لا يُصعقون من النفخ في الصور:ــ
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ (): أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية ؟{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ۖ (68)} [الزمر]: "من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟
قال: هم شهداء الله" (الحاكم النيسابوري).
أفاد الحديث: أن الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية. قال بذلك جماعة من العلماء.
عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ اللَّهُ ():َ {رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاء} [رواه البخاري].
10ـ مغفرة ذنوبه عند أول قطرة من دمه :ــ
قال (): {لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ}[رواه الترمذي].
وقَالَ رسول اللَّهُ () : {الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [رواه أحمد].
11ــ الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين:ـ   
المؤمن له في الجنة زوجتان، أما الشهيد فله ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، غير زوجته التي في الدنيا إنما له من الحور العين ثنتين وسبعين.
12ـ الشهيد رائحة دمه مسكٌ يوم القيامة :ـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال : قال رسول الله () {لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون دم والريح ريح مسك}. [رواه البخاري].
13 ـ الشهيد لا يجد ألم القتل :ـ
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله () {ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة} [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب].
14 ـ غباره يكون مانعا من دخان جهنم :ـ
إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة؛ قال رسول الله () قال:{لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا}.[أخرجه النسائي].
العنصر الثالث : من هو الشهيد وسبب تسميته :ـ
الشهيد في اللغة: الحاضر، والشاهد: العالم الذي يبين ما علمه، ومنه قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .....(143)} [البقرة] الشهيد في الاصطلاح الشرعي: من مات من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا. وبشكل أساسي يطلق لقب الشهيد في الإسلام على من يقتل أثناء حرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد دفع أي لدفع العدو الذي هاجم بلاد المسلمين.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال أعرابي للنبي (): الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل، لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» [صحيح البخاري] . 
وسبب تسمية الشهيد شهيداً :ـ
1ـ لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.
2ـ لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة. 
3ـ لأنه يشْهَد (يرى ) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.
4ـ لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.
5ـ لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته ،و تشهد له بحسن الخاتمة.
6ـ لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.
7ـ لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.
8ـ لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل .
العنصر الرابع : مراتب الشهادة:ــ 
اتفق العلماء على أن الشهداء ثلاثة مراتب:ــ
أـ شهيد الدنيا والآخرة .
ب ـ  شهيد الدنيا .
ج ـ شهيد الآخرة .
أ ــ أما شهيد الدنيا والآخرة :ــ
فهو الشهيد الكامل الشهادة، وهو أرفع الشهداء منزلة عند الله، وأفضلهم مقاماً في الجنة، وهو المسلم المكلف الطاهر، الذي قُتل في المعركة مخلصاً لله النية، مقبلاً غير مدبر، سواء قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر القتل .
ب ـ شهيد الدنيا :ــ
هو من غل من الغنيمة أو مات مدبراً، أو من قاتل لتُعلم شجاعته، أو طلباً للغنيمة فقط.
ولعل كل قتيل في المعركة، لم يكن مخلصاً لله، فهو من شهداء الدنيا، فإذا كان الباعث له، ليس الجهاد في سبيل الله، وإنما شيء من أشياء الدنيا، فإنه لا يحرم نفسه من الأجر والثواب فحسب، بل إنه، بذلك، يعَّرض نفسه للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة قال:{سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ () يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ}[رواه مسلم].
ج ــ شهيد الآخرة :ــ   
هو من أثبت له الشارع الشهادة، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا، أي أنه كباقي الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وقد جعلهم الشارع في حكم الشهداء، لخصلة خير اتصفوا بها، أو لمصيبة أصابتهم فقدوا فيها حياتهم. وقد ذكر العلماء، بناء على ما ورد من أحاديث، أن شهداء الآخرة كثيرون،عدها الإمام السيوطي ثلاثين، وأوصلها بعضهم إلى الخمسين فمن ذلك:
 1 ـ طالب الشهادة :ــ
قال رسول الله (): {مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِه}[رواه مسلم].
ويفيد الحديث، أن من طلب الشهادة صادقاً بأن يكون قصده الجهاد في سبيل الله لنصرة دينه، ثم مات على فراشه، فإن الله يكتب له أجر شهيد،ويبعثه في زمرة الشهداء،لأن الله علم صدق نيته وكان بعض الصحابة يموت في الطريق، قبل وصوله إلى المدينة.
فأنزل الله تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ(100)}[النساء].
أي فقد حصل له أجر المهاجر، وكتب في زمرة المهاجرين.
لذلك كان الصحابة يحرصون على الموت في سبيل الله ويسألون الله ذلك في دعائهم وصلاتهم فهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو على فراش الموت يقول ( والله لقد شهدت مائة زحف أو زهائها وما في جسدي إلا ضربة سيف أو طعنة رمح وها أنا ذا أموت على فراشي كما تموت العير فلا نامت أعين الجبناء).
2 ـ المقتول دون ماله :ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ () ، فَقَالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ}[رواه مسلم]
3ـ المقتول دون مظلمته :ـ
عن سويد بن مقرن رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ():{مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ}[رواه النسائي].
مَظْلَمة: بفتح الميم واللام: ما أُخذ من الشخص ظلماً، كأرض أو بهيمة، أو ثياب، وما أشبه ذلك. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:{مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ إِلاّ قُتِلَ شَهِيدًا}[رواه أحمد]
 4 ـ المقتول دون دينه أو أهله أو دمه :ـ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ () يَقُولُ:{مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ
دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ،وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد}[رواه الترمذيٍ].
 5ــ موت الغربة :ــ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ():{مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ}[رواه ابن ماجه].
6ـ الميت مريضاً :ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ():{مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيداً، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ}[رواه ابن ماجه].
وليس المراد بالحديث مطلق المرض، بل هو محمول على مرض الطاعون. وذلك ما يوضحه الحديثان التاليان:
عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ () قَالَ: { يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ إِخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا فَيَقُولُ رَبُّنَا انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَ جِرَاحُهُمْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ} [رواه النسائي].
وعن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ () قَالَ: {يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَالُ انْظُرُوافَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا رِيحَ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِك}[رواه أحمد].
وقد أخبر النبي () جملة من الشهداء قال رسول الله (): {مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ}[رواه مسلم]. 
وقال رسول الله ():{الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ}[رواه أبو داود].
7ــ طالب العلم :ـ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ():{مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ} [رواه الترمذي].
8ـ قائل كلمة الحق للإمام الظالم:ـ 
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ () فَقَالَ له أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ ();{كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ} [رواه أحمد].
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي () قال:{سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله}[قال الحاكم :صحيح الإسناد وكذاصححه السيوطي والالباني].
الشخص الذي يقوم إلى إمام جائر؛ فيأمره بالعدل وإتباع الحق، وينهاه عن الظلم والانحراف وهو يعلم جوره وبطشه، فيغضب عليه الإمام ويقتله يكون من سادات الشهداء،لأنه ضحى بنفسه وحياته، في سبيل كلمة حق يقولها، ونصيحة يبذلها.
العنصر الخامس: نماذج لعشاق الشهادة :ــ
لقد حرص سلفنا الصالح علي الشهادة في سبيل الله ولم يعيقهم عنها أي عائق ، فغالبوا كل الأعذار والعراقيل فأخذوا بالعزائم ولم يرخصوا لأنفسهم ، ورأينا ذلك في هذا الجيل الفريد الذي رباه النبي () مثل ....
1ـ سعد بن الربيع:ـ
لما قدم النبي () المدينة مع أصحابه وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنهما، فعرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن أن يناصفه ماله، وقال له: "انظر أيّ زوجتيَّ شئتَ، أنزل لك عنها".
فقال عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك". ويحضر معركة أُحد ويقاتل قتالاً عظيمًا، ويقدِّم حياته لله .
بعد انتهاء معركة أُحد قال رسول الله (): "مَنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ
وَسَعْدُ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ  أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟"
فقال رجل من الأنصار: "أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل".
فنظر فوجده جريحًا في القتلى به رمقٌ، فقلتُ له: "إن رسول الله أمرني أن أنظر له: أفي الأحياء أنتَ أم في الأموات؟"
قال: "فأنا في الأموات، أبلغ رسول الله () عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جُزِي نبيًّا عن أمته، وأبلغ عني قومك السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِصَ إلى نبيكم  وفيكم عين تطرف"، ثم لم أبرح حتى مات.
فسعد بن الربيع  إلى اللحظة الأخيرة وهو إيجابي يحفِّز المسلمين على الجهاد، ويقول لهم: "لا عذر لكم إن خُلص إلى رسول الله، وفيكم عين تطرف".
2ـ  اقتراع على الاستشهاد في سبيل الله:
هذ هو الشهيد خيثمة أبو سعيد يقول للنبي () وهو في طريقه إلى غزوة أُحد: يا رسول الله، إمَّا أنْ يُظهرنا الله عليهم، أو تكون الأخرى، وهي الشهادة التي أخطأَتْني في غزوة بدر، فلقد بلَغ من حِرْصي عليها يا رسول الله أنِّي استهمتُ أنا وابني في الخروج إلى معركة بدر؛ ليبقى أحدُنا يعولُ الأهل، وخرَج السهم له وذهَب إلى القتال في بدر، ورزَقه الله الشهادة، وقد رأيتُ ابني البارحة في النوم وهو يقول لي: الْحِقْ بنا يا أبتِ، ورافقني في الجنة؛ فقد وجدتُ ما وعَدني ربِّي حقًّا، وهكذا يستمرُّ في حديثه وهو يبكي بين يدي رسول الله () يَطلب منه الإذن والدعاء له بالاستشهاد ثم يَختم قوله:
لقد أصبحتُ مشتاقًا إلى مرافقة ابني وإخوانه من الشهداء، كما أحببتُ لقاءَ الله؛ فادعُ الله لي بالشهادة يا رسول الله أن أرافقه في الجنة، وقد كبرت سني ورقَّ عظمي. فدعا رسول الله  له، فنال الشهادة في سبيل الله ، لقد صدق الله في طلب الشهادة، فكتبها الله له.
3ـ عبد الله بن جحش:ـ
جهاد طويل لهذا الصحابي الجليل، جهاد في مكة، وجهاد في الحبشة، وجهاد في المدينة المنورة. وقد دار حوار رائع بينه وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال عبد الله بن جحش لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما يوم أُحد: "ألا تأتي ندعو الله؟"
فخلا في ناحيةٍ، فدعا سعد فقال: "يا رب، إذا لقينا القوم غدًا، فلَقِّني رجلاً شديدًا بأسُهُ، شديدًا حَرْدُهُ فأقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذُ سلبَهُ".
فقام عبد الله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا حردُه، شديدًا بأسُه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت: يا عبد الله، فيمَ جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك. فتقول: صدقت".
قال سعد بن أبي وقاص: "يا بُنيَّ، كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقان في خيط".
موقف رائع لعبد الله بن جحش ، الذي آثر الشهادة في سبيل الله على كل شيء، فيتمنى لقاء الله وقد شُوِّهت معالمه، وذلك في ذات الله، وطمعًا في دخول الجنة، وحدث ما تمناه .
4ـ صغر سنه لم يمنعه من الشهادة في سبيل الله :ـ
إنه الصحابي الفتي عمير بن أبى وقاص القرشي الزهري، من الأوائل الذين دخلوا في دين الله تعالى، فأسلم على يد الصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد إسلام أخيه سعد رضى الله عنهما.
كان إيمان الصبي عمير إيمانا شديدا برسالة الإسلام، وبرسول الله ().
استمع لرسول الله () فكان صغيرا فى السن، كبيرا في الوعي والإدراك، فكان من أوائل المهاجرين رغم سنه الصغير مع أخيه سعد إلى المدينة، وقد  آخى رسول الله () بينه وبين عمرو بن معاذ أخي سعد بن معاذ رضي الله عنهما.
في غزوة بدر الكبرى وحين تفقد رسول الله () المسلمين, فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص ري الله عنه عن أبيه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله () للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟
فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله () فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج، لعل الله
يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله () فاستصغره فقال: ارجع، فبكى عمير، فأجازه رسول الله () ، قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فاستشهد في بدر وهو ابن ست عشرة سنة، وقتله عمرو بن عبد ود العامري، الذي قتله علي بن أبي طالب يوم غزوة الخندق ".
العنصر السادس : فريق ينتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة وينال الشهادة:ــ
فالمسلم حتى يصل إلى درجة الشهادة في سبيل الله، فإنه يقدم الكثير والكثير من التضحية بالمال والوقت والجهد، ولا بد أن يتوافر لديه الإخلاص، وأن يسأل الله الشهادة بصدق، ولكننا قد نجد بعض الناس قد يُنعِم الله عليهم بنعمة الشهادة في سبيل الله فور دخولهم في دائرة الإيمان.
1ـ سحرة فرعون :ـ
فسحرة فرعون مثلاً عندما رأوا الحق واضحًا، أعلنوا دخولهم في دائرة الإيمان، وتلقوا التعذيب من فرعون بل والقتل بصدور رحبة، وقالوا لفرعون: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلاَ (75)} [طه].  فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة.
2ـ  الأصيرم:ـ
في موقعة أُحد نجد رجلاً قد انتقل من الكفر إلى الإيمان في لحظة واحدة وهو الأصيرم ؛ فقد كان يأبى الإسلام على قومه، فلما كان يوم أُحد وخرج رسول الله () إلى أُحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فبينما رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: "والله إن هذا للأصيرم، وما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر هذا الحديث". فسألوه ما جاء به، قالوا: "ما جاء بك يا عمرو، أحربًا على قومك أو رغبة في الإسلام؟" قال: "بل رغبة في الإسلام، آمنتُ بالله ورسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله () ، فقاتلت حتى أصابني ما أصابني".
ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله ()  فقال: "إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". يقول أبو هريرة: "ولم يُصَلِّ لله صلاةً قَطُّ"[رواه أحمد].  ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء! إنها لحظة إيمان وصدق.
العنصر السابع:  رسالة عبد الله بن المبارك :ــ
هذه رسالة لكل من يجلس متفرغا للعبادة ويترك الجهادفي سبيل الله ويدع الأولويات
فاسمع إلي ما كتبه عبدالله ابن المبارك إلي الفضيل ابن عياض يدعوه فيها إلي الجهاد وكان الفضيل يلقب بعابد الحرمين ..
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا                       لعملت أنك في العبادة تلعبُ 
من كان يخضب جيدَه بدموعه                  فنحورنا بدمائنا تتخضب 
أو كان يُتْعِبُ خيله في باطل                  فخيولنا يوم الكريهة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا                 رهجع السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا عن مقال نبينا                           قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في                      أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بَيننا                       ليس الشهيد بميت لا يكذب.
 الخاتمة : هيا بنا أيها المؤمنون علي طريق السلف الصالح نسير وعلي دربهم نمضي نحسن صناعة الموت حتي يهب الله لنا الحياة العزيزة في الدنيا والآخرة وندع الوهن خلف ظهورنا ، ونعلم أنها موتة واحدة فلنجعلها في سبيل الله تعالي ، وكل الناس تموت فاختر كيف تموت .. واعلموا أن الموت لابدَّ منه،فمن يحرص علي الموت في سبيل الله يهب الله له الحياة الكريمة ، ، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة.
وما يصيبنا إلا ماكتب الله لكم ، فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسيادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم
كرامة الإستشهاد في سبيله ....                                                                  
انتهت بفضل الله تعالي.
==========
رابط word

رابط pdf

23 سبتمبر 2019

الشائعات وخطرها علي الفرد والمجتمع



الحمد لله رب العالمين .. ضرب المثل بالكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فقال تعالي (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)) إبراهيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير…جعل صلاح الحال والبال في صلاح اللسان فقال تعالي }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) { الأحزاب .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ……حذر من خطر الكلمة وبين أننا مسئولون عنها يوم القيامة ، فقال صلي الله عليه وسلم }إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم{(رواه البخاري ومسلم).
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعــــد .. فيا أيها المؤمنون ..
منذ أن خلق الله الخليقة وُجد الصراع بين الحق والباطل ، والخير والشر ، صراعٌ يستهدف أعماق الإنسانية، ويؤثر في كيان البشرية، وإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان من حيث جسده وبناؤه، فإن هناك حرباً سافرة مستترة تتوالد وتتكاثر زمن التقلبات والمتغيّرات، وهي أشدّ ضراوة وأقوى فتكا؛ لأنها تستهدف الإنسان من حيث دينه وقيمه ونمائه، أتدرون ما هي هذه الحرب القذرة؟!”إنها حرب الشائعات”.
لذلك كان حديثنا عن} الشائعات وخطرها علي الفرد والمجتمع وموقف المسلم منها{وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1 ـ أمانة الكلمة . 
2ـ حقيقة 
الشائعات والهدف منها . 
3ـ أسباب انتشار الشائعات وداوفعها.
4ـ خطر الشائعات علي الفرد والمجتمع. 
5ـ موقف المسلم من الشائعات .
6ـ حكم الإسلام في الشائعة ومروّجها.
7ـ الخاتمة.
العنصر الأول :ـ أمانة الكلمة:ـ
إن الله تعالي عرض علينا الأمانة بعدما عرضها علي السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها فقال تعالي{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً(72)}الأحزاب. 
لذلك لابد أن نعلم أن مفهوم الأمانة في الإسلام مفهوم عام شامل لأقوال العبد وأعماله، فكما أنه محاسب على أعماله، مُؤتَمَنٌ عليها؛ فهو محاسب على الأقوال، ومُؤتَمَن عليها.
والمتأمل في آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، يلحظ تركيزاً واضحاً واهتماماً بالغاً بمسؤولية الكلمة وأمانة النطق، فالرقابة دقيقة:} وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18){ ق .
وقال جل وعلا: }وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنشُورَاً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً(14){ الإسراء.
فالمسؤولية شاملة حيث قال تعالي }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً(36){[الإسراء].
فالكلمة في حس المسلم ليست عبثاً فارغاً، ولا لغواً آثماً حيث جعل الله تعالي مراعاة الكلمة والحفاظ عليها من أخص خصائص المجتمع الإيماني الذين يرثون الفردوس في الجنة حيث قال تعالي }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)………………………. أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11){[المؤمنون]
ولعظم الكلمة أوصي النبي صلي الله عليه بالحفاظ عليها فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول الله عليه وسلم يا معاذ: (ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله! فأخذ رسولُ الله بلسانه، ثم قال: كُفَّ عليك هذا. فقال معاذ : أوَإنا مؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!).رواه الترمذي .
وقال صلي الله عليه وسلم (إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ] 
فالكلمة إذن ليست شيئاً يمكن أن يُلفظ فيُهمل، أو يُودع في عالم النسيان، كلا، بل هي ذات شأن جليل، سلب، أو إيجاب، ولها تبعة دنيوية وأخروية، فإنها مسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا. فالكلمة أمانة ضخمة في دين الله تعالي وأننا مسئولون بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة، فليتق الله كل منا ولنعلم أن كل كلمة نتلفظ بها قد سُطِّرت علينا }عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52){ [طه]. 
وقال تعالي }إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10) كِرَامًا كَاتِبِينَ(11){ [الانفطار].
العنصر الثاني : حقيقة الشائعات والهدف منها :ـ 
الإشاعات : جمع إشاعة, والإشاعة في اللغة: أصلها من الشيوع والانتشار, ثم استعملت فى الأخبار التى تنتشر من غير تثبت (المعجم الوسيط). 
وفي الاصطلاح: النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولاً. 
والشائعة هي: الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها. 
والشائعة : هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو هي المبالغة في سرد خبر يحتوي على جزء ضئيل من الحقيقة. 
وهي سريعة الانتشار ذات طابع استفزازي أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ”.
والمقصود من الإشاعات فى الغالب الأعم: التأثير السلبى فى النفوس, والعمل على نشر الاضطراب, وعدم الثقة فى قلوب الأفراد والمجتمعات ، وخلق حالةٍ من الفوضي والبلبلة والحيرة والتشتت والقلق .
العنصر الثالث :أسباب انتشار الشائعات وداوفعها:ـ
إن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص.
ولنذكر أهم أسباب انتشار الشائعة وهذا على سبيل المثال لا الحصر من تلك الأسباب….
السبب الأول: اتباع الهوى الهوى.
والمقصود بالهوى هوى النفس الأَمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فصاحب الهوى يعمل على نشر ما يوافق هَوَى نفسِه، ولو كان على حساب إلحاق الضرر بغيره، فهو لا يهمه إلا مصلحة نفسه فقط، وإشباع غريزته السيئة، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك من خطر على البشر، ولهذا أنكر الله جل وعلا على من هذا صنيعه، فقال تبارك وتعالى: } أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ (23){الجاثية].
وقال جل وعلا: } وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)26) { [ص].
فمَن يعمل على نشر الشائعة دون النظر في العواقب إنما يعمل ذلك لموافقة هوى نفسه، ولا يخفى علينا خبر هوى النفس الأَمَّارة بالسوء.
السبب الثاني: الجهل.
ونعني الجهل بعواقب الأمور، فمن أراد أن يقدم على عمل لا بد أن يكون عنده بُعْدُ نظرٍ ليعلم ما يمكن أن يُؤدِّيَ إليه هذا العمل من المفاسد؛ إذ لا يليق به أن يقتصر على فهمه القاصر، فقد يظن الإنسان أن ما ينشره من الأكاذيب والأقاويل حقائق مُسَلَّمة لا تقبل الجدل، لكن في الحقيقة هي أكاذيب مُلَفَّقة، فالجهل بعواقب الأمور من أهم دوافع انتشار الشائعات في المجتمع، وأحيانا قد يؤدي به جهله إلى أن يطلق الشائعة من باب الْمُزاح والدعابة، إن أولئك الذين يطلقون الشائعات على سبيل المزاح والدعابة لا تلبس شائعاتهم أن تتلقفها الآذان الصاغية المحبة للفساد والإفساد بين الناس، ثم سرعان ما تنتشر انتشار النار في الهشيم، تسابق الريح من هنا وهناك حتى تعم الآفاق، ومَن كانت هذه حاله وهذه مهنته ولا يتمعر وجهه من الخوض في الباطل يكون من الذين خلعوا ربقة الحياء من أعناقهم؛ لأن كل همه إثارة المشاكل وخلق القلاقل بين الناس.
السبب الثالث: النفاق:
إن النفاق سبب من أسباب الإرجاف، قال جل وعلا في الآية} لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا (60){ [الأحزاب].
والنفاق مرض القلب، وهو سبب الويلات والنكبات، فما من فتنة إلا وكان للمنافقين يد فيها، وما حادثة الإفك من ذلك ببعيد، وهي خير شاهد على ذلك، وقد وصف الله المنافقين بالعداوة للمؤمنين، ومن يرد إلحاق الأذى ونشر الفوضى فهو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، كما قال جل وعلا عن حالهم:} هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(4){ ﴾ [المنافقون] فهم أهل إرجاف وكذب وبهتان، يُخْفُون ما لا يُبْدُون، والحقيقة أن هذه الشائعات المغرضة إنما تصدر ممن لا خلاق له.
السبب الرابع: الفراغ.
إنَّ الفراغ القاتل يؤدي بلا شك إلى ترويج الشائعات بطرق ووسائل مختلفة، ومن هذه الطرق وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والجوال ويكون ذلك بغرض التسلية والتهكم، ولذلك شواهد كثيرة من الشائعات تنقل عن طريق البلوتوث، وتنقل عن طريق مواقع الدردشة في الإنترنت وهذه المواقع ما هي إلا ويلات على البشر، وخاصة الشباب منهم الذين جعلوها مسرحًا لآرائهم وأفكارهم الهدامة، فهم يتناقلون فيها القيل والقال، والزور والبهتان، وخدش الحياء، لا شك أن هذا سوء استخدام للفراغ الذي هو نعمة من الله جل وعلا ومِنَّة مَنَّ اللَّهُ بها على الإنسان، وكما جاء في الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:}نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ {
ولا يخفى علينا أن تجريح الآخرين ونشر معايبهم في تلك الوسائل يُعَدُّ أيضًا من الغيبة المحرمة؛ لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، فمن ينقل هذه الأقاويل الملفقة عن طريق تلك الوسائل ويذكر معايب أخيه فهذا من الغيبة المحرمة، والله جل وعلا يقول: } وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا(12){ ﴾ [الحجرات] ويزداد خطرها وإثمها إذا تحولت هذه الغيبة إلى شائعة وانتشرت بين الناس على وجه التشهير والفضيحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الخامس: الرغبة في حب الظهور.
إن حب الظهور مرض نفسي، وهو من الحيل العقلية التي يلجأ إليها ضعاف النفوس من أجل إبراز أنفسهم على حساب الآخرين، يعني يعمل الواحد منهم على إبراز نفسه بنشر هذه الشائعات وإن كان فيها ضرر على غيره نتيجة لِمَا يعانيه من الفشل في حياته العامة، مُعْتَقِدًا أن ذلك يُعوِّض ما يشعر به من نقص، ولا شك أن هذا اعتقاد غير صحيح، ومسلك باطل، فرحم الله امْرَءًا عرَف قَدْر نفسه.
السبب السادس: الشعور بالكراهية للآخرين.
إن الشعور بالكراهية للآخرين وخاصة مَن لهم نفوذ ومكانة في المجتمع سبب في زرع الشائعات ، فيعمل مُرَوِّج الشائعة على نشرها من باب الكراهية والبغضاء لذلك الإنسان ذي النفوذ حتى يسيء إلى سمعته بين الناس، وذلك لِمَا يَرَى عليه من نِعَم الله من المكانة والمنزلة، وهذا يعد من باب الحسد على هذه النعمة، فيأخذ في ترويجع الشائعات الكاذبات عنه حتى يسيء إلى سمعته، ويكون هذا أحيانا من باب الانتقام لنفسه بإلحاق الضرر بأخيه.
وخلاصة القول أن هذه الأسباب يجمعها سبب واحد، وهو ضعف الوازع الديني، فإن الإيمان متى وَقَر في قلب العبد فإنه لا يرضى بأذية لأخيه المسلم، فالإيمان يُرَبِّي صاحبه على الأخلاق الفاضلة، أما إذا خف ميزان الإيمان في قلب العبد ،فعندئذ يصبح العبد عرضة لكل ما مِن شأنه الإساءة والإفساد، ومن ذلك الإفساد والإساءة تلقف الشائعات ونشرها، فلا شك أنَّ ضعف الوازع الديني هو رأس الأمر كله في نشر هذه الشائعات الكاذبة.
العنصر الثالث : خطر الشائعات علي الفرد والمجتمع:ـ
الشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرةً اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنه يجب الوقوف ضدها ، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة، التي هي عِماد نجاح الأفراد، وأساس أمن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء الشعوب والحضارات.
الإشائعات خطرها عظيم ولها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع والأمة فكم أشعلت من حروب، وكم أهلكت من قرى، وكم أبادت من جيوش وكم أوغرت من غل وحقد في الصدور، وكم خربت من بيوت ، وكم دمرت من مجتمعات ، و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة. 
وكم أهدرت من أموال، و ضيعت من أوقات. 
وكم أحزنت من قلوب، و أولعت من أفئدة، و أورثت من حسرة.
و كم أقلقت من أبرياء، وكم حطمت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء. 
و كم نالت من علماء وعظماء؟! وكم هدّمت الشائعة من وشائج؟! وتسبّبت في جرائم؟! 
وكم أثارت فتناً وبلايا، وحروباً ورزايا، وأذكت نار حروب عالمية، ، وإن الحرب أوّلها كلام، ورب مقالة شرّ أشعلت فتنا، لأن حاقداً ضخّمها ونفخ فيها.
الشائعات ألغام معنوية، وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة، تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في عرضها ما لا يفعله العدوّ بمخابراته وطابوره الخامس.
فالشائعات والأراجيف تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص بل قد تكون مِعْوَل هدم للدين من الداخل أو الخارج، والضرر بالإسلام والمسلمين
فما بالكم الآن وقد تطورت وسائل الإتصال المباشر ستصبح الإشاعة أكثر رواجًا وأبلغ تأثيرا. 
وإن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها, والباطل لا يفتر أبدا فى استخدام كل وسيلة تعوق الحق عن مواصلة طريقه, وتحقيق أهدافه لتعبيد الأرض لله رب العالمين, ومن ثم فإنه يستخدم الإشاعات ويحسن صناعتها ليصد الناس عن الحق وأهله, أو ليفرق جمعه, أو ليغير صدورهم تجاه بعضهم, أو ليشيع الفاحشة فى مجتمعة.
ومن خطر الإشاعات ما يلى:
1- تعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم.
قال تعالي }فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50){ (القصص).
2- أن ضررها أشد من ضرر القتل.
فالإشاعات من أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة بين الناس ويقول الله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ)، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وإنما كانت الفتنة أشد من القتل لأن القتل يقع على نفس واحدة لها حرمة مصانة أما بالفتنة فيهدم بنيان الحرمة ليس لفرد وإنما لمجتمع بأسره.
فالشائعة يطلقها الجبناء ،ويصدقها الأغبياء الذين لا يستخدمون عقولهم ، ويستفيد منها الأذكياء .
3-أنها تعمل على شق الصف المسلم. 
إن نشر الإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم قال تعالي }لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(47){ (التوبة).
يقول ابن كثير في تفسيره : بين الله تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا) أي: لأنهم جبناء مخذولون، (وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة، (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي: مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي هذا إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير. 
وقال مجاهد، وزيد بن أسلم، وابن جرير: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي: عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم. وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عام في جميع الأحوال، والمعنى الأول أظهر في المناسبة.
4- سبيل الفاسدين والمفسدين. 
قال تعالي }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19){ (النور) 
وقال تعالي }وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ(205){ (البقرة) فالمفسدون يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين وذلك عن طريق إفشاء الإشاعات الهدامة للقيم والأخلاق الحميدة داخل المجتمع..
5- إهدار الدماء وتضيع الحدود ، واشعال الحروب، وانتشار البدع والخرافات. 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ فَقِيلَ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ الْهَرْجُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ) (فالإشاعات الكاذبة التي صنعت ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، ما كانت آثارها السيئة على المجتمع في ذلك الوقت فحسب، بل على الأمة حتى وقتنا هذا، تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم، وأصبحت لهم شوكة وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته, وقطع الماء عنه، بل كانت آثار هذه الفتنة أن قامت حروب بين الصحابة الكرام، كمعركة الجمل, وصفين، من كان يتصور أن الإشاعة تفعل كل هذا، بل خرجت على إثرها الخوارج، وتزندقت الشيعة، وترتب عليها ظهور المرجئة, والقدرية الأولى، ثم انتشرت البدع بكثرة، وظهرت فتن وبدع وقلاقل كثيرة، ما تزال الأمة الإسلامية تعاني من آثارها إلى اليوم..
6ـ الشائعات سلاح خطير يستهدف أهل الإيمان :ـ
سلاح الشائعات لم يوجه إلا لأهل الإيمان وعلي رأسهم الأنبياء والصالحون ، 
لم يسلم من الشائعات الأنبياء والصالحون منذ فجر التأريخ والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله، فهذا المسيح عليه السلام تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمة الصديقة: قال تعالي} يٰأُ أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً(28){ [مريم].
وهذا سيدنا نوح عليه السلام يقال له مجنون ” قال تعالى: }كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ(9){ [القمر]
وأما عن سيدنا هود عليه السلام اتَّهَمه قومُه بالسفاهة والكذب قال الله تعالى حكاية عنهم: }إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ(66){ [الأعراف] حتى وصل بهم الأمر إلى أن اتهموه في عقله عياذا بالله يقول الله جل وعلا حكاية عنهم أيضًا:}إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ(54){ [هود].
وسيدنا يوسف عليه السلام نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، قال تعالى:}كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَٱلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24){ [يوسف].
ولقد كان أعظم وأخطر سلاح يستخدمه فرعون في حربه ضد سيدنا موسي عليه السلام كان الشائعة حيث قال عن موسى عليه السلام” }﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35){ [الشعراء.
ولازال أعداء الإسلام إلى اليوم يستخدمون هذا السلاح لحرب الإسلام والمسلمين .
أما النبي صلى الله عليه وسلم ،فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها، فرُمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة ضد دعوته ، ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهرة، وتتعرّض لعرض أكرم الخلق على الله ، وعرض الصديق والصديقة رضي الله عنهم أجمعين .
وتشغل هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهراً كاملاً حتى انزل الله براءة الصديقة بنت الصديق ،قال تعالى: } إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23){ [النور]. 
ولهذا حكم العلماء على سابّ الصحابة بالفسوق وسابّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالكفر لأنه ينكر آية البراءة لها في القرآن .
وأيضا استغلال الكفار والمنافقين لحادث موت رسول الله ، حين أخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين عن طريق الشائعات المغرضة، زاعمين أن الإسلام قد انتهى، ولن تقوم له قائمة حتى أثّر ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وظل الناس في اضطراب حتى هيّأ الله الصديق أبا بكر رضي الله عنه فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى:}وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144){[آل عمران].
العنصر الرابع : موقف المسلم من الشائعات :ـ
إذا أردت أن تعرف مقدار الوعي فى أمة من الأمم, فتأمل أثر الإشاعات فيها, فإذا رأيتها تصدق كل ما يقال لها, فإنها أمة مازالت الغفلة متفشية فيها؛ ذلك لأن أسرع الأمم استجابة للإشاعات والأراجيف هى الأمم الساذجة التى لا قدرة لها على نقد الأخبار وتمحيص الأنباء, وأما إذا رأيت أمة من الأمم تتثبت من الأخبار التى تصل إليها, ولا تصدق منها إلا ما تأكدت صحته, فاعلم أنها أمة رشيدة يكثر فيها العقلاء ويقل فيها السفهاء, يكثر فيها الذين طهرت نفوسهم, واستقامت أفكارهم, واتسعت عقولهم؛ لأنهم يعملون بقول الله تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6){ (الحجرات) 
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، 
لذلك يجب علي المسلم أن يتعامل مع الشائعات والأخبار التي ترد إلي سمعه بأمانة ومسئولية وعليه ما يلي :ــ 
1 – وجوب التثبت من الأخبار والإشاعات عند انتشارها في المجتمع: 
قال تعالي}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6){ (الحجرات).
جاء في التفسير المنير للزحيلي أي يا أيها الذين صدقوا باللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، إن أتاكم فاجر لا يبالي بالكذب بخبر فيه إضرار بأحد، فتبينوا الحقيقة، وتثبتوا من الأمر، ولا تتعجلوا بالحكم حتى تتبصروا في الأمر والخبر لتتضح الحقيقة وتظهر، خشية أن تصيبوا قوما بالأذى، وتلحقوا بهم ضررا لا يستحقونه، وأنتم جاهلون حالهم، فتصيروا على ما حكمتم عليهم بالخطإ نادمين على ذلك، مغتمين له، متمنين عدم وقوعه. 
وفي تنكير كلمتي (فاسِقٌ) و(بِنَبَإٍ) دلالة على العموم في الفساق والأنباء، كأنه قال: أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ، فتوقفوا وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه. 
ويقول ابن كثير في تفسيره يأمر الله تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمركاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين.
وقدقالها سيدنا سليمان عليه السلام لحامل الأخبار إليه وهو الهدهد رغم أنه من الحاشية عندما جاء بنبإ ملكة سبأ قال تعالي } أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩(26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28){ النمل .
لم يسلم نبي الله سليمان بكلام الهدهد ولكن تثبت من الخبر بكل دقة وأمانة . فما أحوجنا بأن نربي أنفسنا وأولادنا علي هذا مبدأ التثبت .
2- عدم ترديد الإشاعة وعدم الخوض مع الخائضين: 
وذلك لأن ترديدها هو انتشار لها ومساهمة في ترويحها من حيث ندري أو لا ندري وفي ذلك مساعدة المغرضين بقصد أو يغير قصد وإن ترديد الإشاعة هو أشد إفكا وإثما من الكذب، والمعلوم أن الكلام السيئ كالنار فإنه يزداد بالانتقال والانتشار، فان الإشاعة تروج وتكبر إذا وُجِدَتْ ألسنة وشفاه ترددها، وآذان تصغي إليها، ونفوس مريضة حاقدة تتقبلها وتصدقها!!
هذا وقد نهى ديننا الإسلامي العظيم عن نقل الكلام من غير بينة ولا دليل، فإذا لم تتمكن من معرفة صحة الخبر أو كذبه فإنه يتوجب علينا طرحه جانبا، ولا نعيره أي اهتمام ولا نتحدث به قال تعالى: }وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(68){)(الأنعام)، 
وقال تعالي }إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15){ (النور) وعن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت{ متفق عليه .
وإن القاعدة الفقهية تقول (ما يحرم قوله يحرم سماعه).
3ـ رد الأمر إلى أهل الاختصاص:ـ
وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار التي لها أثرها الواقعي، كما قال تعالى: }وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً(83){ (النساء). 
جاء في التفسير المنير للزحيلي قد يبلغ الخبر عن أحوال الأمن (السلم) والخوف (الحرب) من مصادر غير موثوقة إلى الجهلة أو المنافقين أو ضعفة المسلمين الذين لا خبرة لهم بالقضايا العامة، فيبادرون إلى إذاعته ونشره وترويجه بين الناس، وهذا أمر منكر يضر بالمصلحة العامة. 
لذا يجب أن يترك الحديث في الشؤون العامة إلى قائد المسلمين وهو الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، أو إلى أولي الأمر وهم أهل الرأي والحل والعقد ورجال الشورى في الأمة، فهم أولى الناس وأدراهم بالكلام فيها، فهم الذين يتمكنون من استنباط الأخبار الصحيحة، واستخراج ما يلزم تدبيره وقوله بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها.
4ـ التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع:ـ
هذا التماسك الذي يقوم على الإيمان والتقوى وغرس الثقة المتبادلة وحسن الظن فيما بين الجماهير لقوله عز وجل }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(10){(الحجرات).
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :} المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك أصابعه {. متفق عليه.
فحينما يكون المجتمع متماسكا فلا مجال لتسريب الإشاعات بين الناس، لأنها لا تنتشر، كما هو ملاحظ إلا في المجتمعات المتفككة والمتنازعة والمتخلفة.
5ـ أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم:ـ
قال الله تعالى: }لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ (12){[النور]. والشائعات مبنية على سوء الظن بالمسلمين، والله عز وجل يقول:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ(12){ )[الحجرات].
وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”.
العنصر الخامس: حكم الإسلام في الشائعة ومروّجها:ـ
الإشاعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه، مثيرٌ للاضطراب والفوضى، وقد يكون شراً من مروّج المخدرات، فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى.
فالإسلام يحرم إشاعة أسرار المسلمين وأمورهم الداخلية مما يمس أمنهم واستقرارهم، حتى لا يعلم الأعداء مواضع الضعف فيهم فيستغلوها، أو قوتهم فيتحصنوا منهم.
والإسلام أيضا يحرم إشاعة ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة، قال الله تعالى:}إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ(19){ [النور]. 
هذا هو الحكم الأخروي، وبالنسبة للحكم المترتب على الشائعة الكاذبة فهو حد القذف إن توفرت شروطه، وإلا فالتعزير. قال تعالى:}وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4){ [النور]..
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً(58){[الأحزاب]
فمروج الشائعة يستحق من الله تعالي العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالي }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19){(النور).
جاء في التفسير المنير للزحيلي هذا أدب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيء، معناه: إن الذين يشيعون الفاحشة عن قصد وإرادة ومحبة لها، وإن الذين يرغبون في إشاعة الفواحش وانتشار أخبار الزنى في أوساط المؤمنين، لهم عذاب مؤلم في الدنيا وهو حد القذف، وفي الآخرة بعذاب النار، واللّه يعلم حقائق الأمور، ولا يخفى عليه شيء، ويعلم ما في القلوب من الأسرار، فردوا الأمر إليه ترشدوا، وأنتم بسبب نقص العلم والإحاطة بالأشياء والاعتماد على القرائن والأمارات لا تعملون تلك الحقائق. 
وأخرج الإمام أحمد عن ثوبان عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لا تؤذوا عباد اللّه ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب اللّه عورته حتى يفضحه في بيته». 
وقال صلي الله عليه وسلم «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا» رواه أبو داود .
فهو يسمع أيَّ خبر خيرًا كان أو شَرًّا، أو فيه مصلحة للمسلمين أو للأفراد أو فيه مضرة، وينقل هذا الخبر بدون التأكد، وبدون التريث، وبدون أن ينظر هل في نشر هذا الخبر مصلحة للمسلمين أم فيه مضرة؟
فإذا كان فيه مصلحة نسعى إلى نشره، وإذا كان فيه مضرة ويجر إلى فتنة وفساد فيتوقف الإنسان، ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتحدث ويكذب في حديثه بأن فيه خصلة من خصال النفاق قال صلى الله عليه وسلم: }آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَااؤْتُمِنَ خَانَ{ أخرجه البخاري، ومسلم.
ولقد ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن أبي وحسان ابن ثابت ومسطح ابن أثاثة، وقعد صفوان لحسان فضربه ضربة بالسيف وكف بصره. 
وهذا التأديب التربوي له مغزاه العميق، فإن شيوع الفاحشة في مجتمع يجرئ الناس على الإقدام عليها، ويجعلهم يستسهلون الوقوع فيها. والآية تدل على أن مجرد حب إشاعة الفاحشة كاف في إلحاق العذاب، فالذين يشيعونها فعلا أشد جرما وإثما وتعرضا للعقاب.
ولقد أطلق القرآن الكريم علي مروجوا الشائعات بالمرجفين …
والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضا على الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس. 
والإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وفاعله يستحق التعزير. قال تعالى:} لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61){) [الأحزاب]. 
قال القرطبي: ” لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ : لسلطناك عليهم فتستأصلهم بالقتل”.وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً من المنافقين يثبطون الناس عنه في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل طلحة ذلك.
فمروّج الشائعة عضو مسموم، يسري سريان النار في الهشيم، يتلوّن كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد والهمز، وسلوكه الشر واللمز، وعادته الخبث والغمز
ومروّج الشائعة لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يزبد ويُرغي، ويفسد ويؤذي، فتانٌ فتاكٌ، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد.
الخاتمة :ـ
أيها المسلم الحبيب …اعلم أن الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل ومحاسب عن كل صغير وجليل: } مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18){ [ق]، وقال تعالى: }إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15){ [النور].
فاحذر أن تكون مروجاً لأي شائعة، فإذا ما سمعت ـ بخبر ما سواءً سمعته في مجلس عام أو خاص، أو قرأته في مجلة أو جريدة،أو انترنت أو شاهده في قناة فضائية أو سمعته في إذاعة، وكان ما سمعته يتعلق بأي جهة أو شخص، وكان الذي سمعته لا يسُرّ، أو فيه تنقص أو تهمة، فلا تستعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام أو اعتراض .
واحذر ترديد الإشاعة لأن في ترديدها زيادة انتشار لها مع إضفاء بعض بل كثير من الكذب عليها وكما قيل في المثل الروسي :(الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها).
واحتفظ بالخبر لنفسك لا تنقله لغيرك، مع أن الذي ينبغي أن يبقى في نفسك هو عدم تصديق الخبر؛ لأن الأصل هو إحسان الظن بالمسلمين حتى يثبت بالبرهان والدليل والأدلة صدق هذا الاتهام؛ لأن القضية قضية دين والمسألة مسألة حسنات وسيئات.
فليحافظ كل منا على دينه ووطنه وأمته ، وليحافظ كل منا على حسناته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين…
رابط pdf