الحمد لله رب العالمين .. القائم على كل نفس
بما كسبت الرقيب على كل جارحة بما اجترحت المطلع على ضمائر القلوب إذا هجست الحسيب
على خواطر عباده
إذا اختلجت الذى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض قال تعالي { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ(61)}[يونس].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
.. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. رقيب بالسر والعلانية ،
يسمع كلامنا ويري مكاننا ولا يخفي عليه شيئ من أمرنا فقال تعالي{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ
نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16)إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18)} [ق].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) ربي
الأمة علي مراقبة الرقيب سبحانه وتعالي لما شئل عن الإحسان قال (ﷺ) «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ
يَرَاكَ» [رواه مسلم].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه
وسلم تسليما كثيراَ إلي يوم الدين .
أما بعد ... فيا أيها المؤمنون ...
إن العلمَ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل
هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته
القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول.
قال ابن القيّم رحمه الله:أطيَبُ ما في الدنيا
معرفتُه سبحانه ومحبَّته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ﷺ) قال:
« إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ
وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » رواه البخاري ومسلم
قال أهل العلم: أحصاها يعني: علمها وآمن بها
وعمل بمدلولها.
وأسماء الله سبحانَه أحسَنُ الأسماء، وصفاته
أكمَلُ الصفاتِ، قال تعالي{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ(11) }[الشورى].
وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ معرفتُها وفهم معانيها،
والعمل وفقها، والدعاء بها.
لو تخيلت أنك في مكان محاط بكاميرات مراقبة
في كل مكان، تحصي عليك حركاتك وسكناتك، في بيتك، وفي حيك، وفي سوقك، وفي عملك، وفي
سفرك..
ولو نمي إلي علمك أن هاتفك أيضا مراقب ،وأن
الرسائل مراقبة !!
كيف ستكون أفعالك؟
وكيف ستكون أقوالك؟
وكيف ستكون تصرفاتك؟
هذا والمراقِب بشر من البشر، فكيف والمراقب
الله الذي خلقك، والذي سواك فعدلك؟
فيا هولها من مراقبة ما أصعبها، مراقبةِ من
لا تنطلي عليه حيل المتحايلين، ولا خُدَع المتلاعبين، ولا سحر الساحرين ،قال تعالي{ أَمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ(80)}
[الزخرف].
فمعرفة اسم الله الرقيب من الأسباب التي تعين
على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.
لذلك كان موضوعنا [المعايشة الإيمانية
لاسم الله الرقيب] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ اسم الله الرقيب في الكتاب
والسنة .
2ـ معني الرقيب .
3ـ معنى اسم الرقيب في حق الله تعالى.
4ـ المعايشة الإيمانية لاسم
الله الرقيب .
5ـ الآثار الإيمانية لاسم الله
الرقيب .
6ـ صور مضيئة لأهل المراقبة .
7ـ الخاتمــة .
العنصر الأول : اسم الله الرقيب
في القرآن الكريم:ـ
ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات:
في قوله تعالى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ
فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)}[المائدة].
وقوله تبارك وتعالى في مطلع سورة النساء:{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)} [النساء].
قال ابن كثيررحمه الله:
"أي: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم، كما قال:(وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)".
وقوله تعالي{..وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا(52)} [الأحزاب] .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :
قال النبي (ﷺ):{أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان } [أخرجه
ابن مردويه والبيهقي] .
العنصر الثاني : معني الرقيب :ـ
الرقيب في اللغة: فعيل
بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة، والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع
الحذر والترقب..
والترقب: الانتظار، ومنه قوله تعالى{وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ(93)}[هود].
عن ابن عمر: أن أبا بكر قال: "ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ" (رواه
البخاري)، أي: احفظوه فيهم..
وقال هارون: {إِنِّي
خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي(49)}
[طه]،
فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز
عن الغفلة فيه، ورقيب القوم حارسهم.
وقال الزجاج: "الرقيــب: هو الحافظ الذي
لا يغيب عمَّا يحفظه".
وقال السعدي: "الرقيب: المطلع على ما
أكنته الصدور، القائم على كل نفسٍ بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام
وأكمل تدبير" .
العنصر الثالث : معنى اسم الرقيب
في حق الله تعالى:
ـ مراقبة الله تعالى لخلقه مراقبة عن استعلاء
وفوقية، وقدرة وصمدية، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ملك له الملك
كله، وله الحمد كله، وإليه يُرجع الأمر كله...
تصريف الأمور كلها بيديه، ومصدرها منه ومردها
إليه، سبحانه مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية، عالمٌ بما في نفوس عباده مطلع على
السر والعلانية، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق،
ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر أمور مملكته، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظٍ دائمة، وهيمنةٍ
كاملة، وعلم وإحاطة..
ـ الرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه يعلم كل
صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ
إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ
أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(7)} [المجادلة].
ـ والرقيب الذي ينظر عن قصد، فيتتبع كل شيء،
ويحيط بكل شيء، وليس مجرد بصير، لأن البصير قد يرى الشيء ولا يقصد إلى النظر إليه،
بخلاف الرقيب، الذي يعلم الظواهر وخفي الأسرار، ويعلم البصيرة الصادقة وخائنة الأبصار.{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)}[الفجر].
ـ الله تعالي رقيب أي: راصد لأعمال العباد
وكسبهم، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم، ووكل ملائكته
بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم،
قال تعالى: {وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)}
[الانفطار].
العنصر الرابع : المعايشة
الإيمانية لاسم الله الرقيب :ـ
لو عشنا مع اسم الله الرقيب حقا ،و عرفنا حقيقته،
واستجلينا عظمته، انضبطت أفعالنا، وصدقت أقوالنا، وحسنت تصرفاتنا، واستقامت علاقاتنا،
ولَمَا ساءت أحوال بعضنا،ولا كَثُرت الخصومات بين كثير منا، ولا انتشرت العدوات، ولا
عُرِف أكلُ أموال الناس بالباطل من سرقة، ورشوة، وتزوير، وتحايل، ولا ظُلِم
إنسان،ولا انتهكت حرمة من حرمات الله ، ولاهُتِك عِرض لانسان ، لأننا دوماً نراقب
الله تعالي ونعلم أنه مطلع علينا ويرانا، وسيحاسبنا علي كل صغيرة وكبيرة .
ولكي نعيش مع اسم الله تعالي الرقيب علينا
بمراقبتة تعالى في السر والعلانيه..
فما معنى المراقبة؟
يقول
ابن القيم "المراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق على ظاهره وباطنه"[مدارج
السالكين)] ..
فكلما هَفَت نفسه إلى المعصية، عَلِمَ علم
اليقين أن الله البصير مُطلعٌ على خفايا نفسه وعلى سره وجهره..
فلا يكن الله تعالى أهون الناظرين إليه، فإذا
تيَّقن العبد من نظر الله تعالى إليه، تتولد لديه مراقبة لله في جميع أحواله مما يجعله
يرتقي درجة عظيمة من درجات الإيمان ألا وهي درجة الإحسان. فأول المراقبة: علم القلب
بقرب الربِّ.
قال الحارث المحاسبي: "أوائل المراقبة:
علم القلب بقرب الرب "
قالَ الجُنيد: من تحقق في المُراقبة خافَ على
فواتِ لحظةٍ من ربهِ
يعني.. إذا كُنتَ في حال المراقبة وشعرتَ أنَّ
الله معكَ دائماً وأنهُ مُطّلعٌ عليك وأنهُ يعلمُ سِرّكَ ونجواك خِفتَ أن تُضيعَ لحظةً
من حياتك.
وقال ذو النون: علامة المراقبة إيثارُ ما أنزلَ
الله وتعظيمُ ما عظّمَ الله وتصغيرُ ما صغّرَ الله
وقالَ إبراهيم الخواص:المراقبة خلوص السرِّ
والعلانية للهِ عزّ وجل من الداخل ومن الخارج، وقيلَ أفضلُ ما يُلزمُ الإنسان نفسهُ
في هذه الطريق المحاسبة والمراقبة وإيقاعَ عملهِ مع الحُكم الشرعي
درجات
المراقبة:
يقول الإمام الغزالي "اعلم أن حقيقة المراقبة
هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهمم إليه، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال:
أنه يراقب فلانًا ويراعى جانبه، ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوعٌ من المعرفة
وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب..
أما الحالة: فهي مراعاة
القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظته إياه وانصرافه إليه. وأما المعرفة:
التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر، رقيب على
أعمال العباد، قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة
للخلق مكشوف بل أشد من ذلك.
فهذه المعرفة إذا صارت يقينًا، أعنى أنها خلت
عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب فقهرته. فرُبَّ علمٍ لا شك فيه لا يغلب على القلب،
كالعلم بالموت..
فإذا استولت على القلب، استجرت القلب إلى مراعاة
جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين
وإلى أصحاب اليمين" [إحياء علوم الدين]
والمراقبة لمن وحد الله في اسمه
الرقيب على نوعين:
النوع الأول: مراقبة العبد لربِّه
بالمحافظة على حدوده وشرعه واتباعه لسُنَّة نبيه ..
فعلى العبد أن يسعى لتحقيق أركان القبول في
جميع أعماله، وهي:
1ـ الإخلاص: فإن كان
يقوم بأعمال بر ظاهرة، عليه أن يقوم بأعمال خفية عن الناس في المقابل؛ لكي يُحقق معنى
الإخلاص: قال رسول الله "من استطاع منكم أن يكون له خبء
من عمل صالح فليفعل" [صحيح الجامع].
2ـ المتابعة لهدي النبي (ﷺ).. بأن يتحرى
السُّنَّة في عمله ،فيوقن بأن الله معه من فوق عرشه يتابعه يراه ويسمعه، مراقبة العبد
لربه ، بالمحافظة على حدوده وشرعه ، واتباعه لسنة نبيه (ﷺ) كما ورد من حديث
عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله
تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إِذا سألتَ فاسأل الله ، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله
" [رواه الترمذي وصححه الألباني].
والنوع الثاني: إيمان العبد بمراقبة الله لعباده وحفظه لهم وإحصائه لكسبهم..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله (ﷺ): قال الله عز وجل : ( إذا تحدث
عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر
أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا
أكتبها له بمثلها ، وقال رسول الله (ﷺ) قالت
الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه ، فإن عملها
فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، فإنما تركها من جرَّاي ) رواه الشيخان
، وهذه رواية مسلم .
مِنْ جَرَّاي، أي: ابتغاء وجهي.. فيستشعر العبد
أن الله تعالى ناظرٌ إليه حال عمله، ويرى خطارات قلبه وظاهر عمله.
فينبغى أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفى
العمل.. هل حركه عليه هوى النفس أو المحرك له هو الله تعالى خاصة؟
فإن كان الله تعالى، أمضاه وإلا تركه، وهذا
هو الإخلاص.
وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله:
"كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه.
ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان
لله مضى وإن كان لغيره تأخر".
وجاء عن محمد بن علي رحمه الله: "إن المؤمن
وقاف ومتأنٍ يقف عند همه ليس كحاطب ليل. فلا يتسارع الإنسان في الأعمال في هذه الحياة
الدنيا ولو كان ظاهر ذلك من الأعمال الصالحة حتى ينظر قبل أن يقدم عليه هل له فيه نية
صحيحة أو لا".
فهذه مراقبة العبد في الطاعة وهو: أن يكون
مخلصاً فيها.
أما مراقبته في المعصية تكون: بالتوبة والندم
والإقلاع..
فكلما ورد الذنب على خاطره، يستعيذ بالله منه
ويبعث على وجل قلبه ..
فيكون دائمًا أبدًا مُنيب إلى ربِّ العالمين،
كثير الرجوع إليه.
ومراقبته في المباح تكون: بمراعاة الأدب، والشكر
على النعم.. فإنه لا يخلو من نعمة لابد له من الشكر عليها، ولا يخلو من بلية لابد من
الصبر عليها، وكل ذلك من المراقبة..
والتوسع في المباحات يبعث على الذنب لا محالة؛
لأن النفس تطغى بذلك وهي لا تأمر بخيرٍ أبدًا. ثم تأتي مرحلة المراقبة بعد العمل..
وهي أن يكون قلبه وجلاً ألا يُقبَل عمله، وهذا من تمام المراقبة ، قال تعالى{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ
إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60)} [المؤمنون].
ولكي نعيش مع اسم الله الرقيب ونحقق معني
المراقبة علينا بالآتي ....
1. مراقبة القلب:
القلب محل نظر الله تعالي ،نري البعض
يعتني ببيته،وبثيابه ومركبته وبالشكل الخارجي ، وهذا محل نظر الخلق ،لقد طهرنا محل
نظر الخلق سنين ،أفلا طهرنا محل نظر الله تعالي
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ،
وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ} [البخاري، مسلم، الترمذي،
النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك]
لذلك هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين
إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محترم، ولا يستحي من الله.
فهل راقبنا قلوبنا ؟ هل يحب غير الله؟ هل يعتمد
على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟
تعاهد قلبك، لو أن مثلا أخوك أصابه خير، فتألمت،
هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ(50)} [التوبة]
إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق،
وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق،هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه
في حسد، في غيرة، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال
فقط، اعتماد على صديق قوي فقط.
2. مراقبة اللسان:
قال رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ):{ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ
اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ
إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا
سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ }[الترمذي، ابن ماجه، أحمد، مالك]
فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ
النَّبِيِّ (ﷺ) … فَقَالَ:قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ
الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ:
بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ
أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ
قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ [أحمد، الترمذي،
النسائي، ابن ماجه]
مراقبة اللسان هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟
فمن مراقبة اللسان قل خيرا تغنم أو اسكت
عن شر تسلم ، لذلك قال بعض السلف :"عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن
أقدر منه على ما أريد"،
وكان بعضهم لا يدع أحداً يغتاب أحداً في مجلسه،
ويقول لجلسائه: "إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم".
3. مراقبة الجوارح:
قال تعالى:{يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)} [غافر]
وقال تعالى:{الَّذِي
يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ(220)} [الشعراء]
لذلك أفضل إيمان أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك
تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ
اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ" [متفق عليه]
مراقبة الجوارح، هل تنظر العين إلى الحرام؟
هل تستمع الأذن إلى ما لا يجب أن تسمعه؟
هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك
قدماك إلى مكان منكر؟
وقال أحد السلف: "تعاهد نفسك في ثلاث
مواضع، إذا عملت فاذكر نظر الله عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك، وإذا سكت فانظر
علم الله فيك".
ولما سئل بعضهم: "بما يستعين الرجل على
غض بصره عن المحظورات؟"
قال: "بعلمه أن رؤية الله تعالى سابقة
على نظره إلى ذلك المحظور".
4. مراقبة الله في الخواطر:
من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات
جوارحهِ
أحياناً الإنسان يسمح لخواطره أن يَردها أشياء
لا تُرضي الله يتصور معصية، يتخيل أنهُ يعصي الله، يسوحُ خيالهُ في متاهات البُعدِ
عن الله… إذا سَمَحَ لخواطرهِ أن تجولَ في المعاصي أغلبُ الظن أنَّ هذه الخواطر إذا
تُركت على عواهنها انقلبت إلى معاص.
نعم أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب إلا على
العمل ولكن إذا سمحت لخواطركَ بالشطط ربما زلّت قدمك فانقلبت الخواطر إلى عمل، وشيءٌ
آخر هو أنَّ مُعظمَ الذين عَصوا ربهم معاصٍ كبيرة هم في الأساس ما أرادوا أن يعصوا
هذه المعصية ولكن خاطِرٌ، فنظرةٌ، فكلامٌ، فابتسام، فموعدٌ، فلقاءٌ، ففاحشةٌ. أساسُها
خاطر.
فلذلك من باب الوقاية ومن باب الورع لا تسمحُ
لخواطِركَ أن تجولَ في المعاصي مع أنكَ لا
تُحاسب على الخواطر لكن نخافُ أن تدعها تجول
عندئذٍ تضعفُ عن مقاومتها فإذا أنتَ أمامَ معصيةٍ.
وقيل : من تركَ ما أُشتبهَ عليه من المعاصي
كانَ لِما استبانَ أترك.
ومن تجرّأَ وارتكبَ معصيةً يعدُّ شُبهةً عِندَ
الناس في المرحلة التالية سوف يتجرأ ويقع في المعصية البيّنة الواضحة.
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "الحق
عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه،
فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له.
فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم
المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر، لَكَفُّوا الأَكُف عن الخطايا. والمتيقظون
علموا قربه، فحضرتهم المراقبة، وكَفَّتهم عن الانبساط".
من آمن أن الله يراقبه وهو له بالمرصاد لا
يمكن أن يعصيه :
كان الإمام أحمد ينشد :
إِذَا
مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا *** فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا
تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً *** وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
ألم ترَ
أن اليوم أسرع ذاهبٍ *** وأن غدًا إذًا للناظرينَ قريبُ
قال العلماء مجمِعون على أنَّ مراقبة الله
تعالى في الخواطر سببٌ لِحفظها في حركات الظواهر
فمن راقبَ الله في سِرّهِ حَفِظهُ في حركاتهِ
في سِرّهِ وعلانيتهِ.
خطورة معصية الخلوة :
ياعبد الله إنك إذا خلوت بمعصية الله فما أنت
إلا أحد رجلين: إما رجل يعلم أن الله لا يراه ولا يعلم بحاله، فهذا كافر بالله العظيم
لإنكاره علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وإما أنك تعلم أنه يراك
ومع هذا تجترئ على معصيتك فأنت والله جرئ.
فهذا حديث عظيم الخطورة لمن انتهك حرمات الله
في الخلوات ، لا يراقب الله تعالى ، ولكن يراقب البشر الذين لا ينفعونه ولا يضرونه
شيئاً ، ونسي أن الله معه يسمع ويرى : فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ
(ﷺ) أَنَّهُ
قَالَ : " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً ، فَيَجْعَلُهَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً " ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ
نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ
مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ
اللَّهِ انْتَهَكُوهَا " [ رواه ابن ماجة وصحح إسناده البوصيري ، وصححه
الألباني في الصحيحة ] .
وعلى النقيض من أولئك الذين يعصون الله في
الخلوة هذه نتيجة من يخاف الله في الخلوة ودعته نفسه والشيطان للمعصية ، ولكن تنهاه
مراقبته لله أن يعصيه طرفة عين فكانت النتيجة الظل الظليل يوم القيامة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ،
وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ
، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَ
: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَمْ
تَعْلَمْ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ " [ متفق عليه ] .
5. مراقبة الله فيما أعطاك:
مراقبة الله فيما أعطاك من نعم ومواهب،فمثلا
أنت رجل قوي شاب، في مقتبل الحياة، فهل راقبت الله تعالي في قوتك وشبابك هذا ، فالقوة
ينبغي أن تكون في طاعة الله تعالي ، وفي خدمة الآخرين لا تستطيل بها علي عباد الله وتعترف دائما
بالفقر والحاجة إلي من أعطاك القوة ، انظروا إلي هذا الشاب القوي سيدنا موسي عليه
السلام حينما سقي لابنتي الشيخ الكبير صاحب مدين قال كما حكي القرآن الكريم عنه { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ
رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)}[ القصص]
6. مراقبة الله عز وجل في الوقت:
أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف غير ذات
قيمه، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك
الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً
رخيصاً، لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت،
لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.
قَالَ النَّبِيِّ (ﷺ):{لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ
رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ
فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ
فِيمَا عَلِمَ} [الترمذي]
ولعظم العمر أقسم الله تعالي بعمرالنبي (ﷺ) قال
تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)}
[الحجر]
والنظر في سيرة السابقين الناجين الذين راقبوا
الله تعالي واستفادوا بأوقاتهم ،مثل هذا الشاب الذي صنع لنفسه اسما في وقت قليل وأنجز
أعمالا كثيرة في وقت قليل، هو محمد ابن القاسم.
قال الشاعر :ـ
إن السماحة
والمروؤة والندي لمحمد ابن القاسم ابن
محمد
قاد الجيوش
لسبع عشرة حجة ياقرب ذلك سؤدد من مولد
محمد ابن القاسم الذي فتح بلاد الهند عن طريق
السند، انطلق من الجزيرة العربية إلي بلاد لا يعرفها ، يقود الجيوش المسلمة لتنشر الاسلام
وتبلغ الأمم دعوة اسلام، لولا طموح هذا الشاب
وإقباله ما كانت باكستان وبنجلاديش ومسلموا الهند ،
هذه البلاد مدينة لمحمد ابن القاسم ، ومن ذهب
إلي مراكش وركب القطار متجها إلي داخل باكستان ، وجد هناك محطة مكتوب عليها محمد بن
القاسم يا تري كم عمره المفاجأة عمرة 17 سنة .
7. مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:
اتق الله حيثما كنت في إقامتك، وفي سفرك، اتق
الله مع الناس، وفي خلوتك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ
تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ} [أحمد، الترمذي، الدارمي]
عليك أن تراقب سلوكك وأخلاقك في المعاملات
، عليك أن تراقب كسب المال،لذلك قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان لا يبالي
الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام
وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور
وإن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا
لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا
وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا،
وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{ إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ
فَيَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ} [أحمد]
وأخيرا ...
لم يراقب اللهَ من أؤتمن على وظيفة، فجعلها
مطية لقضاء مصالحه الخاصة.
ولم يراقب اللهَ من عَينت له الدولة أو الشركة
أجرة مقابل عمله، ثم هو يتقاضي الرشوة من العملاء ،أو المواطنين .
لم يراقب اللهَ من تعاقد مع الدولة أو الشركة
على عدد من الساعات، ثم هو يتكاسل في أدائها، ويدعي كذبا إنجازها.
لم يراقب الله من أؤتمن على أي أمانة من الأمانات
ثم ضيعها أوفرط فيها أو تصرف فيها بمصلحته الخاصة.
قال رسول الله (ﷺ): "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ الله رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا
بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" البخاري.
العنصر الخامس: الآثار
الإيمانية لاسم الله الرقيب :ـ
1ـ تحقيق الأمن والأمان للأمة:ـ
لوعلم اللص أن الله يراه، وأن المَلَك يحفظ
عليه فعله، وأن كتابه منشور بين يديه، لما أقدم على السرقة.
ولو علم الراشي والمرتشي، اللذَان يتسللان
ويستخفيان، ويعتقدان أنهما في مأمن عن أعين الناس، وفي سياج منيع عن الفضيحة.. لو علما
أن الله تعالى يراهما ويرقبهما، لما تَقَحَّما
جريمة الرشوة. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا(52)}[الأحزاب].
ما لي أراك على الذنوب مواظباً؟
أأخذت من سوء الحساب أمانا؟
لا تغفلن
كأن يومك قد أتى ولعل عمرك قد دنا أو حانا
فخف الإله
فانه من خافه سكن الجنان مجاوراً رضوانا
2ـ الوقاية من مخاطر الدنيا:ـ
معايشة اسم الله الرقيب يكسب العبد وقاية من
مخاطر الدنيا ، فَيَكلؤُه الله بحفظه، ويحوطه بعنايته. قال تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
(4)} [الطلاق].
فهؤلاء الثلاثة، الذين انطبق عليهم الغار في
الصحراء، لم ينجهم إلا أعمالهم التي راقبوا الله فيها، وأخلصوا في القيام بها: الذي
كان يبدأ بوالديه في السقيا، لا يقدم عليهما ولد ولا زوجة.
والذي استثمر مال الأجير الغائب حتى رجع فوجد
ماله قطعانا من ماشية.
والذي أغواه الشيطان بالزنا بابنة عمه، مستغلا
فقرها وحاجتها، ثم تاب ورجع إلى الله قبل الإقدام على المعصية. كانوا يعلمون أن لهم
ربا ينظر إليهم، ويحصي عليهم أعمالهم، ويراقب حركاتهم وسكناتهم، فتصرفوا بإزاء هذه
المراقبة، فأنجاهم الله من ورطتهم.
ذكروا ربهم في الرخاء، فذكرهم في الشدة، ولو
نسوه في الرخاء، لنسيهم في الشدة.
قال النبي (ﷺ) "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ.
تَعَرَّفْ إِلَى الله فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" [رواه
أحمد، وهو في صحيح الجامع].
3ـ الشعور بمراقبة الله عز وجل تولد الاستقامة
والانضباط على أمره :
من ثمرات هذا الاسم اسم " الرقيب
" أنك تشعر أنك مراقب من قبل الله عز وجل وحينما تشعر أنك مراقب لابدّ من أن تستقيم
على أمر الله قال تعالي {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ رَقِيباً}
هذا حال مثمر ، دائماً وأبداً تتساءل هل هذا
العمل يرضي الله ؟
هل هذا العمل لا يرضي الله ؟
هل هذه الكلمة تكلمت بها من رضاء الله أم من
سخط الله ؟ .قال النبي (ﷺ) " إن
الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " [الترمذي]
.
يا غلام إني أعلمك كلمات : " احفظ الله يَحْفَظْك " [الترمذي].
في كل حركة ، وسكنة ، وكلمة ، وصلة ، وقطيعة
، وعطاء ، ومنع ، وغضب ، ورضا ، اجعل نفسك تحت المراقبة .
حينما تشعر أن الله يراقبك،عندها تكون منضبطاً
،فحال المراقبة، يفضي بك إلى الانضباط .
فمعايشة المؤمن لاسم الله الرقيب تجعله موقن
دائما أن الله معه فوق عرشه يتابعه في كل حركاته.
4ـ دوام الملاحظة ودوام التوجه إلى الله ظاهراً
وباطناً :
أثر اسم الرقيب في المؤمن ، دوام الملاحظة
، ودوام التوجه إلى الله ظاهراً وباطناً ، لأن الله سبحانه وتعالى خصّ المخلصين بألا
يكلهم في جميع أحوالهم إلى أحد سواه ، ما أوكل أمرك إلى أحد ، أمرك بيد الله ، هذا
من كرامة الإنسان على الله ، أمرك بيد الله ، ما أسلم أمرك إلى أحد ، قال تعالى :{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ (123)} [هود] .
5ـ الفوز بالجنة والنجاة من النــار:ـ
فإن من راقب الله يُبلَّغ المنازل العلا، لذلك
سُئِل ذو النون: بِمَ ينال العبد الجنة؟
فقال: "بخمس: استقامةٍ ليس فيها روغان،
واجتهادٍ ليس معه سهو، ومراقبةِ الله تعالى
في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب".
6ـ الأمان من الفزع الأكبر
يوم القيامة..
7ـ تُثمر محبة الله تعالى ورضاه ..
8ـ يرزقه الله تعالى حُسن الخاتمة إذا راقب
قلبه واستقامت أحواله في حياته.
العنصر السادس : صور مضيئة
لأهل المراقبة :ـ
ـ الحارس المبارك:
في خراسان في القرن الثاني في مشرق العالم
الإسلامي كان هناك شاب يتقى الله اسمه المبارك وكان عبدا يملكه أحد أسياد خراسان وكان
يعمل بالزراعة ولأنه على درجة من الورع والإيمان أعتقه سيده لكنه ظل يعمل في الزراعة
عند سيده الذي يمتلك بستانا كبيرا من الفواكه .
جاء
موسم الرمان وجاء مجموعة من الضيوف عند هذا الرجل وقالوا نشتهى أن نأكل الرمان فقال
سأبعث خادمي المبارك يأتيني برمان طيب وقال يا مبارك اذهب واتيني برمانة طيبة فأتى
بها ففتحها فوجدها مرة .
فقال يا مبارك اذهب وأتي برمانة حلوه (في المرة
الثانية ) فأتى برمانة مرة ( في المرة الثالثة أتي برمانة مرة ) فقال يا مبارك تعمل عندنا منذ سنين ولا تعرف الرمان
الحلو من المر فقال يا سيدي لم تأذن لي يوما أن آكل منه .
فأراد
صاحب المزرعة أن يتحقق فسال العاملين في المزرعة وسأل الجيران فأكدوا له فارتفع
في نظره وكانت له بنت يأتيها الخطاب فجلس يوما
مع المبارك وقال يا مبارك يأتيني لابنتي
خطاب كثير فلمن أزوجها قال : في الجاهلية كانوا
يزوجون للحسب ، وعند اليهود كانوا يزوجون للمال ،وعند النصارى كانوا يزوجون للجمال، وفى الإسلام كانوا يزوجون للتقوى.
فانظر
من أي دين أنت فافعل . فقال يا مبارك والله لن أزوج ابنتي أحدا غيرك فتزوجها وأنجبت
عبد الله المبارك . هو رجل جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب
مع قيام الليل والتقوى والورع لقبه العلماء بفقيه العرب وأصبح من رواة الحديث الثقات
قال سفيان الثوري رحمه الله لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام كعبد الله بن
المبارك لم استطع .
ـ تذكر أن باب الله مفتوح :
وقد ورد أن امرأة راودها رجل عن نفسها فأبت
فأكرهها، فأرادت أن تعظه بأعظم موعظة وهي مراقبة ربه، لأنه لم يجن هذه الجناية إلا
لأنه لم يراقب الله ونسي أن الله يراه، وبعد الإجبار قالت له: أغلق جميع الأبواب، فأغلق
جميع الأبواب المحسوسة التي بينه وبين الناس الأبواب البشرية ونسي أن الباب الذي بينه
وبين الله مفتوح ومكشوف، فقالت له: هل أغلقت جميع الأبواب؟ قال: لم يبق باب إلا وأغلقته،
فقالت له: بقي باب مفتوح لم تغلقه! قال: أي باب؟!
قالت: بقي الباب الذي بيننا وبين الله مفتوح،
ألا تخاف الله؟
فارتعد وخاف ووجل فتركها خوفًا من الله الذي
يراه حيث ما كان، وتاب هذا الرجل واستقام حاله.
فينبغي أن نعلم يقينًا أن هذا الباب مفتوح
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويجب أن تعلم أن ما يسترك من الله ظلام ولا سحاب
ولا سقف ولا غطاء، أنت مكشوف لله عز وجل على الدوام، ألا تستحي من الله!
ـ عمْرةُ بنت رواحة:
عنْ حُصيْنٍ عنْ عامرٍ قال: سمعْت النُّعْمان
بن بشيرٍ رضي الله عنهما وهو على المنْبر يقول:
أعطاني أبي عطيَّةً، فقالتْ عمْرة بنْت رواحة: لا أرْضى حتىَّ تُشْهد رسولَ الله (ﷺ) فأتى
رسولَ الله (ﷺ) فقال:
إنِّي أعطيْتُ ابني مِنْ عمْرة بنْت رواحة عطيةً، فأمرَتْني أنْ أُشْهدك يا رسول الله،
قال: (أعطيْتَ سائر ولدك مثْلَ هذا؟) قال: لا، قال: (فاتَّقوا
الله، واعْدلوا بيْن أولادكم)، قال: فرجع، فردَّ عطيته؛ البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم، قال:(فلا تُشْهِدْني إذًا؛
فإني لا أشْهد على جوْرٍ).
انظروا ماذا فعَلَت الزوجة؟ فإن بشير بن سعد
أراد أن يُكْرمها وهي زوجته الثانية، ويخصَّ ولدَها بعطية، فعرفت أن الله رقيب عليهم،
غيرةُ النِّساء لم تحملها على الظُّلم؛ لأنَّها تراقب الله عز وجل - آه يا نساءَنا
لو راقبْتُنَّ الله!
ـ قصة ذبح الطائر:
كان لأحد السلف غلام مقرّب عنده، فسأله التلاميذ:
لماذا تُقرِّب زميلنا هذا منك أكثر منا. فأجابهم إجابة عملية.. بأن أعطى كل واحد منهم
طائرًا، وقال لهم: كل واحد يذبح هذا الطائر في مكان لا يراه فيه أحد. فكل تلميذ أخذ
طائره واختبأ في مكان وذبحه، ورجع الجميع ومعهم الطيور مذبوحة إلا هذا الغلام لم يذبح
الطائر. فسأله الشيخ: لماذا لم تذبح الطائر؟
فقال: يا شيخي، لقد قلت لنا كل واحد يذبح الطائر
في مكان لا يراه فيه أحد. وكلّما ذهبت إلى مكان أجده معي. فقال: مَن؟ فقال: الله.
ـ سهل بن عبد الله التستري
قال سهل بن عبد الله التسترى: كنت وأنا ابن
ثلاث سنين أقوم الليل، فأنظر إلى صلاة خالي
(محمد بن سوار)، فقال لي يوماً: ألا تذكر الله
الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟
قال: قل بقلبك عند تقلبك فى فراشك ثلاث مرات
من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلىّ، الله شاهدي؛ فقلت ذلك ليالي ثم
أعلمته فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك في كل ليلة
إحدى عشر مرة، فقلته فوقع في قلبي حلاوته؛
فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه
ينفعك في الدنيا والآخرة؛ فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سرى؛ ثم قال لي
خالي يوماً : يا سهل من كان الله معه، وناظراً إليه، وشاهده .. أيعصيه؟ إياك والمعصية!.
الخاتمة :
أخي المسلم...
علينا أن نوقن أن الله تعالي مطلع علينا
وناظر إلينا ،قال تعالي {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى
مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}[النساء].
واعلم أن الملائكة تسجل عليك جميع أحوالك فكيف تكون حجتك يوم القيامة ، وكتابك ينطق إما بُحسن
الأعمال أو بسوء الأعمال قال تعالي {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ(19)} [ق].
وقال تعالى{هَذَا
كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ(29)}[الجاثية].
وحتي لا تتحسر وتندم في وقت لا ينفع فيه
الندم ولا الحسرة قال تعالي {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى
الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا
الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا
مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)} [الكهف].
فمهما لبسنا علي الناس واستطعنا خداعهم، وقلبنا
الحقائق في الدنيا، ففي يوم القيامة على رؤوس الأشهاد يُفتضَح الأمر ، وتُبلي السرائر،
قال تعالي:{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ
وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ
إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ (29)} [ق].
وكيف حجتهم يوم القيامة، وكتابهم ينطق عليهم
بسوء أعمالهم، وقبح ما جنته أيديهم؟
قال تعالى{هَذَا
كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (29)}[الجاثية].
فاعمل حسابًا لمن لا يُفارقونك ليلاً ولا نهارًا،
ويُحْصون عليك الصغير والكبير، والفتيل والقِطْمير، ويَعُدُّون عليك أنفاسك، ويسجِّلون
همساتك ولمساتك، وسَكناتك وحرَكاتك.
قال تعالي{أَمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ(80)}[الزخرف].
واستعد ليوم تنطق فيه جوارجك عما قدمت في
الدنيا من أعمال فماذا يكون حالك بين يدي الله تعالي ، قال تعالي {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(65)}[يس].
وقال تعالي {يَوْمَ
تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24)}[النور].
وقال تعالي {حَتَّى
إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا
أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ
سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ
لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ
بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23)}[فصلت].
فمن تحقق له مقام المراقبة وصار له حالاً دائمًا
وغالبًا، كان من المحسنين الذين يبدون الله كأنهم يرونه، وصار من المحسنين{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
إِلا اللَّمَمَ(32)}[النجم].
وصار من المحسنين، الذين يستحقون أن يكون الله
معهم بمعيته الخاصة ،كما قال تعالي{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}النحل.
فاللهم ارزقنا خشيتك
في الغيب والشهادة ، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك ، اللهم مُنَّ علينا بمراقبتك في
السر والعلانية ، يارب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وسلم
تسليما.
======================
تحميل word
تحميل pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق