26 ديسمبر 2019

واعتصموا.!




الحمد لله رب العالمين .. أمرنا بالاعتصام بحبله المتين فقال تعالي {{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران]
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...أمر بالاعتصام به تعالي فقال تعالي { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}[الحج].
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله () أمرنا بالاعتصام بالكتاب والسنة فقال ()
{تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله }[رواه مسلم].
 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعــد  ....  فيا أيها المؤمنون
إن شرائع الإسلام وآدابه تقوم على اعتبار الفرد جزءا لا ينفصم من كيان الأمة ٬ وعضوا موصولا بجسمها لا ينفك عنها ٬ فهو طوعا أو كرها يأخذ نصيبه مما يتوزع على الجسم كله من غذاء ونمو وشعور . .
إن الله تعالي أمرنا بالاعتصام فقال تعالي في أكثر من موضع { واعتصموا.!}لذلك كان موضوعنا وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ معني الاعتصام.
2ـ أنواع الاعتصام وحاجة الناس إليهما.
3ـ كيف نحقق الاعتصام  .
4ـ ثمرات الاعتصام
العنصر الأول : معني الاعتصام:ـ
الإعتصام : هوالإستمساك الشديد والتشبث بالشىء، فلو أننا اعتصمنا بمكان فهذا معناه أننا سنظل فيه ولن نرحل عنه.
وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمَا يَعْصِمُكَ ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ الْمَحْذُورِ وَالْمَخُوفِ ، فَالْعِصْمَةُ : الْحِمْيَةُ ، وَالِاعْتِصَامُ : الِاحْتِمَاءُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقِلَاعُ : الْعَوَاصِمَ ، لِمَنْعِهَا وَحِمَايَتِهَا .
وَمَدَارُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَاتَيْنِ الْعِصْمَتَيْنِ .
العنصر الثاني : أنواع الاعتصام وحاجة الناس إليهما.
قال ابن القيم رحمه الله: "الاعتصام نوعان:
اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله.
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (103)} [آل عمران].
وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78)} [الحج].
ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين.  
فأما الاعتصام بحبله: فإنه يعصم من الضلالة.
والاعتصام به: يعصم من الهَلَكَةِ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصدِهِ، فهو محتاج إلى هداية الطريق، والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له ،فَالدَّلِيلُ كَفِيلٌ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي بِهَا تَحْصُلُ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا . 
فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يُوجِبُ لَهُ الْهِدَايَةَ وَاتِّبَاعَ الدَّلِيلِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ ، يُوجِبُ لَهُ الْقُوَّةَ وَالْعُدَّةَ وَالسِّلَاحَ ، وَالْمَادَّةَ الَّتِي يَسْتَلْئِمُ بِهَا فِي طَرِيقِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ ، بَعْدَ إِشَارَتِهِمْ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى .  
ثم قال : ” فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْمِي مِنَ الْبِدْعَةِ وَآفَاتِ الْعَمَلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .   " ا. هـ. من (مدارج السالكين).
وَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِهِ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، وَالِامْتِنَاعُ بِهِ ، وَالِاحْتِمَاءُ بِهِ ، وَسُؤَالُهُ أَنْ  يَحْمِيَ الْعَبْدَ وَيَمْنَعَهُ ، وَيَعْصِمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُ .
ولقد اختلف المفسرون في معني قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله"
فقال ابن عباس رضي الله عنه: بدين الله
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: بالجماعة
وقال مجاهد رحمه الله- بكتاب الله
وقال مقاتل - رحمه الله- بأمر الله وطاعته
العنصر الثالث : كيف نحقق الاعتصام بين المسلمين؟
لكى نحقق الإعتصام بين أهل الإسلام يجب علينا أولا :ـ
أولا : الاعتصام بالله تعالي وبالكتاب والسنة :ـ
هو التمسك بهما على فهم السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين، قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا(115)}[النساء].
روى أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه في سننهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ () قَالَ: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وسَتَفْتَرقْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصْحَابِي"[سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد رقم وسنن ابن ماجه]. أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
قَالَ عَبدُاللهِ بنُ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ، فَوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَاصطَفَاهُ لِنَفسِهِ فَابتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصحَابِهِ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَجَعَلَهُم وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَن دِينِهِ"
ثُمَّ قَالَ: "مَن كَان مِنكُم مُستَنًّا فَليَستَنَّ بِمَن مَاتَ فَإِنَّ الحَيَّ لَا تُؤمَنُ عَلَيهِ الفِتنَةُ، أُولَئِكَ أَصحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا أَفضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا وَأَعمَقَهَا عِلمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، اختَارَهُمُ اللهُ لِصُحبَةِ نَبِيِّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعرِفُوا لَهُم فَضلَهُم وَاتَّبِعُوهُم عَلَى آثَارِهِم وَتَمَسَّكُوا بِمَا استَطَعتُم مِن أَخلَاقِهِم وَسِيَرِهِم فَإِنَّهُم كَانُوا عَلَى الهُدَى المُستَقِيمِ"
وقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على التمسك بالكتاب والسنة والاعتصام بهما، قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون(3)} [الأعراف].
وقَالَ تَعَالَى:{ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم(43)}[الزخرف].
وقَالَ تَعَالَى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون (18)} [الجاثية].
والتمسك بالقرآن والسنة عصمة للعبد من الضلالة وهداية له، روى مسلم في صحيحه والحاكم في مستدركه مِن حَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ () قَالَ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"
وروى الحاكم في المستدرك مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ (قَالَ: "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي"
ولكى نصل إلي هذا الإعتصام .!
فنحن نحتاج إلى أن نستعصم..أى نطلب الدخول فى هذه العصمة.{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ }
ما معنى استعصم؟
معناها طلب الدخول تحت العصمة الإلهية وأن يكفل الله له العصمة والحماية { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[يوسف].
لأن الله تعالي هو القاهر فوق عباده وكل شئ في سلطانه وقبضته قال تعالي {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ }[الإسراء]

ماذا سيعطينا الاعتصام بالكتاب والسنة ؟
1ـ النور ..
الاعتصام بالكتاب والسنة سينير لنا السبيل ويوضح لنا الطريق الصحيح .
قال تعالي { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(2)}.
وقال تعالي{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }.
2ـ الهداية والسعادة ..
الاعتصام بالكتاب والسنة يمنحنا الهداية قال تعالى{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} سيعطينا الهداية التى عكسها الضلال، وسيعطينا السعادة التى عكسها الشقاء.
ثانيا : الاعتصام بوحدة الأمة المسلمة :ـ
حذر الله تعالي من الفرقة والتنازع فقال الله تعالي {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال].
لقد دعي النبي () إلى الجماعة والوحدة، ونفر من الشذوذ والفرقة.
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية (اسم موضع) فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم مقام رسول الله () فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..
وقال رسول الله ():{ثلاث لا يُغل عليهن قلب امرئ مُؤمن: إخلاصُ العمل لله : والمناصحة لأئمة المسلمين . ولزوم جماعتهم ٬ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم}.
وقال رسول الله (): مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد.
وقال () {من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة}.
وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله ():{يد الله مع الجماعة}.
وروي عن ابن عمر أن رسول الله () قال: {إن الله لا يجمع أمتي ـ أو قال: أمة محمد ()على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار}.
وفي الصحيحين: “أن من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية.
وقال () “المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم”.
مظاهر وحدة المسلمين:  
من مظاهر الوحدة بين المسلمين
1ـ نصرة المظلوم:ـ
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: «تأخذ فوق يديه»، وفي رواية: «بأن ترده عن ظلمه، فإن ذلك نصره» (رواه البخاري، ومسلم). 
 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله () قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلمٍ كُربةً فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» (رواه البخاري، ومسلم).  
وفي رواية عنه رضي الله عنه أن النبي () كان يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذُلُهُ». 
2ـ المودة والمحبة بين المسلمين:ـ
يقول()  : «والذي نفسُ محمدٍ بيده، ما تَوَآدَّ اثنان فَفُرِّقَ بينهما إلا بذنبٍ يُحدِثُهُ أحدُهُما».  
3ـ مراعاة حقوق المسلم :ـ
كان () يقول: «لِلمرءِ المسلمِ على أخيه من المعروف ست: يُشَمِّتُهُ إذا عطس، ويعُودُه إذا مَرِضَ، وينصحُه إذا غَابَ، ويشهدُه ويَسَلِّمُ عليه إذا لقيه، ويُجِيُبهُ إذا دعاه، ويتبعه إذا مات».
ونهى عن هجرة المسلم أخاه فوق ثلاث (رواه أحمد).  
4ـ الدفاع عن عرض المسلبم ـ
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي () قال: «من رَدَّ عن عِرضِ أخيه رَدَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة» (رواه الترمذي).  
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله () قال: «المؤمن مرآة المؤمن؛ والمؤمن أخو المؤمن: يَكُفُّ عليه ضيعَتَه، ويحوطُهُ من ورائه» (رواه أبو داود).  
فوائد الوحدة والاجتماع بين المسلمين:
1- تحقيق وعي الأمة بفهم ذاتها فهمًا صحيحًا.
2- الوحدة تساعد المجتمع الإسلامي على مواجهة التحديات.
3- تحقيق الاتصال الجماعي بالنماذج الإسلامية المثالية.
4- الوحدة تساعد المجتمع الإسلامي على التحرر من التبعية الفكرية والحضارية.
5- تساعد على إبراز ما للإسلام من آثار عظيمة على المسلم؛ إذ يورثه القوة والعزة والمنعة.
6- تحقيق المفاهيم الإسلامية الحقيقة للأمة، بعقيدتها وأخلاقها، مما يتبلور في النهاية في شكل حضارة إسلامية حقيقة معبرة عن المجتمع الإسلامي.
7- تحقيق الألفة والعدالة والمحبة وكل العوامل المؤدية إلى الترابط في المجتمع الإسلامي. 
8- المحافظة على التراث الثقافي واللغة العربية (لغة القرآن) واستمرارها.
9- القضاء على العصبية القبيلة.
10- الوحدة والاجتماع يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثم يكون في الاجتماع عزةٌ للمسلمين في كل مكانٍ.
11- في الاجتماع دواءٌ ناجعٌ لكثير من الأمراض النفسية: كالانطواء والقلق، إذ أن وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويُذهب القلق، وخاصة إذا علم أن إخوانه لن يتخلوا عنه وقت الشدة، فالمرء قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه.
12- في الاجتماع طرد للشيطان، وإغاظة له، لأنه يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة (وهو أقل الجمع) لم يهم بهم الشيطان، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
العنصر الرابع : ثمرات الاعتصام بالله تعالي :
إن للاعتصام بالله ثمرات عظيمة يجنيها العبد ويري خيرها وبرها في حياته ويعيش أثرها في كل أموره فمن هذه الثمرات:
1-أن الله تعالى يكرم من اعتصم به ويدخله في رحمته ويزيده فضلا من عنده.
قال تعالي { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)}[ النساء].
2-أن الله تعالى يتولي من اعتصم به وينصره ويؤيده.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}[الحج].
3 - أن الاعتصام بالله صفة من صفات المؤمنين قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}[ النساء] .
4 - أن المعتصم بالله يعيش عزيزًا كريمًا لأنه أنزل حاجته إلى ربه الذي بيده العزة ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} [المنافقون].
5ـ العلاج من كل الفتن والاضطرابات:ـ
قال ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين وشفاء نافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه"
وعن أبي نجيحٍ العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودعٍ، فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبدٌ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالةٌ))؛ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرج الترمذي و الدارمي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب انه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
ستكون فتن كقطع الليل المظلم.
قلت : يا رسول الله ! و ما المخرج منها ؟
قال : كتاب الله تبارك و تعالى ، فيه نبأ من قبلكم و خبر من بعدكم ، و حكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، و نوره المبين و ذكره الحكيم ، و هو الصراط المستقيم ، و هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، و لا تلتبس به الألسنة ، و لا تتشعب معه الآراء ، و لا يشبع منه العلماء ، و لا يمله الأتقياء ، و لا يخلق على كثرة الرد ، و لا تنقضي عجائبه ، و هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، من علم علمه سبق ، و من قال به صدق ، و من حكم به عدل ، و من عمل به أجر ، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم".
6ـ الهداية في الدنيا والآخرة:ـ
قال تعالي {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)}[آل عمران].هذا القرآن من يتمسك به يوفق، يرشد.
وهذا الاعتصام له فائدة عظيمة يوم القيامة، بعث النور يوم القيامة فقال تعالي { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)}[الحديد].
7ـ  يعصم من التلون والنفاق..
ولذلك قال بعض السلف:"من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"
هذا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه
ابتليت الأمة بفتنةٍ جديدة كبيرة، يقودها إمامُ المسلمين، إنَّه المأمون، ومع الأسف لم يكن له حظٌّ من اسمه؛ إذ اعتقد المأمونُ قولَ المعتزلة أنَّ القرآن مخلوق، وجعل يَمتحن الناس على ذلك، ومن لم يُجب، قتَلَه، حتى جاء الإمام أحمد.
سِيق الإمام مقيدًا بالأغلال، وقد توعَّده المأمون وعيدًا شديدًا، قبل أن يصل إليه، وأقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم- لئنْ لم يجبْه ليقتلنَّه بالسيف، وهنا يأتي الصالحون، أهل البصيرة؛ لينتهزوا الفرصة؛ ليلقوا بالوصايا التي تثبِّت في المواقف الحَرِجة،
ففي "السير": أنَّ أبا جعفر الأنباري قال: لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرت، فعَبَرت الفُراتَ وجئته، فسلمت عليه، وقلت: يا إمامُ، أنت اليومَ رأسٌ، والناس يقتدون بك، فوالله لئنْ أجبتَ إلى خلق القرآن، ليُجيبنَّ خلقٌ كثير، وإنْ لم تُجب ليمتنعنَّ خلق كثير، ومع هذا فإنَّ الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، لا بد من الموت، فاتَّقِ الله ولا تجبه.
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول: وصلنا إلى رحبة، ورحلنا منها في جوف الليل، قال: فعرض لنا رجل، فقال: أيُّكم أحمد بن حنبل؟ فقيل: هذا، فقال: يا هذا، ما عليك أن تُقْتَلَ ها هنا وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى.
وأعرابي يعترضه، ويقول: يا هذا، إنك وافدُ الناس، فلا تكن شؤمًا عليهم، إنَّك رأس الناس، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدْعونك إليه، فيجيبوا، فتحمل أوزارَهم يوم القيامة، إن كنت تحب الله فاصبر، فوالله، ما بينك وبين الجنة إلاَّ أن تقتَل.
ويقول الإمام أحمد: ما سمعتُ كلمةً مُذ وقعتُ في هذا الأمر أقوى من كلمةِ أعرابي كَلَّمني بها في رحبة، قال: يا أحمدُ، إنْ يقتلْك الحق متَّ شهيدًا، وإن عِشت عشتَ حميدًا، فقوَّى بها قلبي.
ولما وصل للمأمون، جاء خادم للإمام أحمد بن حنبل وهو يكفكف دموعه، ويقول: "عز عليَّ يا أبا عبدالله أنْ جَرَّد أميرُ المؤمنين سيفًا لم يُجرِّده قطُّ، وبسط نطعًا لم يبسطه قط...".
فبرك أحمد على ركبتيه، ولحظ إلى السماء بعَيْنِه، ثم قال: سيدي، غَرَّ هذا الفاجرَ حِلمُك، حتى تَجرَّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكنْ القرآنُ كلامَك غيرَ مخلوق، فاكْفنا مؤنته، فما مضى الثُّلث الأول من الليل إلاَّ وقد جاء الصَّريخ: لقد مات أمير المؤمنين، وذلك في عام مائتين وثمانية عشر.
ثم تولَّى بعده المعتصم، وقَدِ اتَّخذ له مستشارًا مُبتدعًا، يسمى أحمد بن أبي دؤاد، فسَمَّم أفكاره، ولم يزل يحرضه على أهل السنة.
وهكذا يعذَّب الإمام أحمد في سبيل عقيدته، تُخلَع يداه، ويُجلد بالسياط الكثيرة، يختار الظالمون له عددًا من قُساة القلوب، وغِلاظ الأفئدة؛ ليجلدَه كلُّ واحدٍ منهم سَوطيْن بكُلِّ ما أوتيَ من قوة، وهم يتعاقبون عليه، وهو ثابت كالطَّوْد الأشمِّ، لا يتراجع أبدًا، يُغمى عليه من شدة التعذيب، ثم يفيق، فيُعرَض عليه الأمر فلا يتراجع.
قال أحمد: في اليوم الذي خرجتُ فيه للسياط، ومُدَّتْ يَدايَ للعَقَّابين، إذا أنا بإنسانٍ يَجذب ثوبي من ورائي ويقول: تعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار، اللصُّ الطرَّار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أنِّي ضُربت ثمانيةَ عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرتُ في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدُّنيا، فاصبر فأنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين.
فكان الإمام أحمد دائمًا يقول: رحم الله أبا الهيثم، غفر الله لأبي الهيثم، عفا الله عن أبي الهيثم، وفي عام مائتين واثنين وثلاثين تولَّى المتوكل -رحمه الله- فنصر الله به الدين، وأقام به السُّنة، وأظهر عقيدة السلف أهلِ السنة ودعا إليها، بعد ابتلاء أهلها وفتنتهم وامتحانهم على عهد ثلاثة من الخلفاء قبله؛ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود].
ولَمَّا أُهِينَ الإمامُ أحمد -عليه رحمةُ اللهِ- من قبل ابن أبي دؤاد، رفع يديه إلى مَن ينصُر المظلوم، وقال: "اللهم، إنَّه ظلمني، وما لي من ناصرٍ إلا أنت، اللهم احبسهُ في جِلْده وعَذِّبه"، فما مات هذا حتى أصابه الفَالِج، فيَبِسَ نصفُ جسمه، وبقي نصف جسمه، فدخلوا عليه وهو يَخورُ كما يخور الثور، ويقول: أصابتْني دعوةُ الإمامِ أحمد، ما لي وللإمامِ أحمد، ما لي وللإمامِ أحمد.
ثم يقول: واللهِ، لو وقعَ ذباب على نصفِ جسمي لكأَنَّ جبال الدنيا وُضعت عليه، أمَّا النصف الآخر، فلو قُرض بالمقاريض ما أحسستُ به.
لا يثبت أمام الفتن إلا من اعتصم بالكتاب والسنة.
دخل أبو مسعود على حذيفة قال: اعهد إلي، قال: ألم يأتك اليقين؟ قال: بلى وعزة ربي، قال: فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله تعالى فإن دين الله واحد.
8ـ النجاة وقت الشدائد :ـ
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فعقبه لصٌّ مقنع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فذرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني.
قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.
فهذا الصحابي الجليل لما اعتصم بالله ودعاه من شر هذا اللص أنقذه الله من الهلاك بملك أيَّدَه من السماء.

================================

رابط doc
رابط pdf

23 ديسمبر 2019

وحدة الأمة سبيل إلي القوة





الحمد لله رب العالمين .. دعا إلي وحدة الأمة فقال تعالي {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران]
وأشهد أن لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. حذر من التفرق والاختلاف المذموم وأن يقع بينهم ما وقع بالذين من قبلهم من أهل الكتاب فقال تعالي{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}[آل عمران] .
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ().. دعا إلي الوحدة والترابط فقال ():{عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية } .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن شرائع الإسلام وآدابه تقوم على اعتبار الفرد جزءا لا ينفصم من كيان الأمة ٬ وعضوا موصولا بجسمها لا ينفك عنها ٬ فهو طوعا أو كرها يأخذ نصيبه مما يتوزع على الجسم كله من غذاء ونمو وشعور . .
وقد جاء الخطاب الإلهى مُقرا هذا الوضع ٬ فلم يتجه للفرد وحده بالأمر والنهى ٬ إنما تناول الجماعة كلها بالتأديب والإرشاد ٬ ثم من الدرس الذى يلقى على الجميع يستمع الفرد وينتصح. وهكذا أطرد سياق التشريع فى الكتاب والسنة .فقال تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ(78)}[الحج] .
فإذا وقف المسلم بين يدى الله ليناجيه ويتضرع إليه لم تجر العبادة على لسانه كعبد منفصل عن إخوانه ٬ بل كطرف من مجموع متسق مرتبط يقول: “إياك نعبد وإياك نستعين “ لا : إياك أعبد وإياك أستعين !! ثم يسأل الله من خيره وهداه فلا يختص نفسه بالدعاء ٬ بل يطلب رحمة الله له ولغيره ٬ فيقول “اهدنا الصراط المستقيم ٬ صراط الذين أنعمت عليهم “ .
فأقر الله عز وجل وحدة الأمة في القرآن الكريم فقال تعالي {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)}[المؤمنون].
فموضوع وحدة الأمة الإسلامية واجتماع كلمتهم على الحق يعد من أهم الموضوعات وأخطرها ، لذلك كان موضوعنا [وحدة الأمة  سبيل إلي القوة] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ مفهوم وحدة الأمة الإسلامية.
2ـ وحدة الأمة فريضة شرعية .
3ـ وحدة الأمة ضرورة بشرية .
4ـ الوحدة سنة كونية .
5ـ الخاتمة .
===============
العنصر الأول : مفهوم وحدة الأمة الإسلامية :ـ
وحدة الأمة الإسلامية هي: اجتماع المنتسبين إلى الإسلام على أصول الدين وقواعده الكلية، وعملهم معا لإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وبذلك يحققون معنى الأمة كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران: 110].
وقد وصف الله تعالى المسلمين في الآية الكريمة بأنهم خير أمة، وذكر موجبات تلك الخيرية وهي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى، وأتى بجميعها على صيغة الجمع ليدل على وجوب اجتماعهم واتفاقهم. والمسلمون أمة واحدة لاتفاقهم على كليات العقيدة ودعائم الشريعة، وإن اختلفوا في الفروع والجزئيات.
العنصر الثاني : وحدة الأمة فريضة شرعية :ـ
إن ائتلاف القلوب والمشاعر ٬ واتحاد الغايات والمناهج ٬ من أوضح تعاليم الإسلام ٬ وألزم خلال المسلمين المخلصين.. ولا ريب أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ٬ ودوام دولتها ٬ ونجاح رسالتها ولئن كانت كلمة التوحيد باب الإسلام، فإن توحيد الكلمة سرالبقاء فيه ٬ والإبقاء عليه ٬ والضمان الأول للقاء الله بوجه مشرق وصفحة نقية ..!!
إن العمل الواحد فى حقيقته وصورته يختلف أجره اختلاقا كبيرا حين يؤديه الإنسان وحيدا ٬ وحين يؤديه مع آخرين .
إن ركعتى الفجر أو ركعات الظهر هى هى لم تزد شيئا عندما يؤثر المرء أداءها فى جماعة عن أدائها فى عزلة.
ومع ذلك فقد ضعف الإسلام أجرها بضعا وعشرين مرة أو يزيد عندما يقف الإنسان مع غيره بين يدى الله.
وهذا إغراء شديد بالانضواء إلى الجماعة ونبذ العزلة ودفع بالإنسان إلى الانسلاخ من وحدته ٬ والاندماج فى أمته ، إن الإسلام يكره للمسلم أن ينحصر فى نطاق نفسه وأن يستوحش فى تفكيره وإحساسه ٬ وأن ينأى بمصلحته عن مصلحة الجماعة وحياتها .
وفى الحديث الشريف قال رسول الله ():{ثلاث لا يُغل عليهن قلب امرئ مُؤمن: إخلاصُ العمل لله : والمناصحة لأئمة المسلمين . ولزوم جماعتهم ٬ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم}.
فلا يوجد دين دعا إلى الأخوة التي تتجسد في الاتحاد والتضامن، والتساند والتآلف، والتعاون والتكاتف، وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي، مثل الإسلام في قرآنه وسنته.
فيجمع بين الناس في وحدة العقيدة ، ووحدة الشعائروالشرائع ، ووحدة المصدروالتلقي .
وحدة العقيدة :ـ
فعقيدة المسلمين في الله تعالى وفي جميع أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول الدين ومبادئه الأساسية، فالمسلمون كلهم يؤمنون بوحدانية الله تعالى، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [سورة البقرة: 285].
وهذه عقيدة المسلمين جميعا في كل العصور والدهور، ومن أنكر منها شيئا فقد خرج من دين الإسلام، قال تعالى: {ومن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5].
وحدة الشعائر والشرائع:
فجميع ما يطبقه المسلمين في عباداتهم من شعائر جملة واحدة لا تختلف، وكذلك ما يحتكمون إليه من الشرائع في شتى جوانب الحياة، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].
قال السعدي رحمه الله :{ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق}[ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنانٍ].
فقد شرع الله للمسلمين من الدين شعائر يعظمون بها الله تعالى ويتقربون بها إليه سبحانه، وأعظم تلك الشرائع هي أركان الإسلام وهي بعد الشهادتين: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج،
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (): (بني الإسلام على خمس: شهادة أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)
( متفق عليه).
وهذه الأركان لا تستثني أحدا من المسلمين، وقد روعي في تشريعها تحقيق قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها فيما بينهم، ولذلك فإن أتم صور تطبيقاتها ما أدى إلى تحقيق هذه المقاصد العظيمة والغايات الجليلة.
وكذلك شرع المولى سبحانه للمسلمين شرائع في منتهى السماحة والعدالة والشمول لتنظيم جميع شؤون الحياة، وإسعاد كل شرائح المجتمع، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105].
ولعل من أبرز محاسن هذه الشرائع الإسلامية مراعاة الجماعية، فجل الأقضية في الإسلام ليس إلى الأفراد، وإنما خاطب بها الشارع الحكيم الجماعة المسلمة ممثلة في ولاة الأمر ومن ينوبهم، كما في الأمر بالقتال في سبيل الله في قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 244].
والأمر بجباية الزكاة وإعطائها للمستحقين في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
والأمر بإقامة الحدود في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
وفي قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2].
وكذلك إذا تأملنا في مقاصد تلك الشرائع نجد جملة منها لتحقيق مصلحة الأمة الإسلامية من حيث قوتها وتماسكها وتعاون أفرادها، وبالنظر في الأمثلة السابقة نرى في الأمر بالقتال لحماية الضعفاء ورفع الظلم عنهم كما في قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} [النساء: 75].
وهذا على الصعيد الخارجي للأمة، وفي سبيل حفظ الكيان المسلم شرع قتال البغاة والمحاربين كما في قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
والزكاة فريضة اجتماعية تغرس في نفوس الأغنياء روح الإحسان، وتطهرهم من البخل والشح، وهي من أنجع وسائل محاربة الفقر في المجتمع الإسلامي .
وتبدوا مقاصد قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها واضحة وجلية في شعيرة الصلاة حين تؤدى جماعة في المساجد وبالأخص في الجمع والجماعات والأعياد، وهي واضحة وجلية أيضا في مناسك الحج حين يلهج الحجاج بالتوحيد، وحين يدفعون إلى منى، ثم إلى عرفات، وهكذا في كل تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة، لا تمييز بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وأعجمي.
وعند تطبيق هذه الشرائع فإن الإسلام لا يفرق بين كبير وصغير، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين حاكم ومحكوم، فكلهم سواء أمام شرائع الإسلام، فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله ()؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟)، ثم قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ( رواه البخاري ومسلم).
وحدة المصادر والتلقي:ـ
 فأما عن وحدة المصادر والتلقي ، فللدين الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعا العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: (أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه ()( أضواء البيان).
فالحكم في جميع أمور الدين إلى الله ورسوله، ولا يكون الرد عند الاختلاف إلا إليهما، أو إلى ما دلا عليه من مناهج الاستدلال وطرق الاستنباط.
ولهذا أكد القرآن أن المسلمين  وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم وأوطانهم ولغاتهم وطبقاتهم ـ أمة واحدة، وهم الأمة الوسط الذين جعلهم الله قال تعالي {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ (143}[البقرة].
وهم كما وصفهم القرآن {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ (110)}[آل عمران).
ولقد دعي النبي () إلى الجماعة والوحدة، ونفر من الشذوذ والفرقة.
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية (اسم موضع) فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم مقام رسول الله () فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..
عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد.
ومن أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة.
وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله ():{يد الله مع الجماعة}.
وروي عن ابن عمر أن رسول الله () قال: {إن الله لا يجمع أمتي ـ أو قال: أمة محمد ()على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار}.
وفي الصحيحين: “أن من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية.
وقال () “المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم”.
العنصر الثالث :وحدة الأمة ضرورة بشرية :ــ
لقد حرص الإسلام على ضرورة الاتحاد والترابط، والملموس لدى الجميع أن وراء الاتحاد منافع كثيرة واثارا في حياة الأمة لا تخفى على أولي الألباب.
1- الاتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم:ـ
فاللبنة ضعيفة بمفردها مهما تكن متانتها ولكنها في الجدار قوية لا يسهل تحطيمها لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك ونظام أصبحت قوية لها أثرها وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك رسول الله () بين أصابعه) متفق عليه.
ولقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذا الامر قال تعالى في سورة الصف { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}[الصف].
والقصة المشهورة التي علمها الأب لأبنائه تؤكد هذا المعنى، إذ لم يستطع أي واحد منهم، أن يكسر مجموعة العصي المتضامة على حين أمكن بيسر كسر كل منها على حدة، وقال في ذلك:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا!
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا!
2ـ الاتحاد كذلك عصمة من الهلكة:ـ
فالفرد وحده يمكن أن يضيع، ويمكن أن يسقط، ويفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها، فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها، فيجد فيها ضالته، ويعمل فيها أنيابه، ويأكلها فريسة سهلة.
وفي هذا جاء الحديث:
 “عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار”.
 “إن الشيطان ذئب الإنسان، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”.
 “عليكم بالجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد”.
ومما له دلالته القوية في الحفاظ على وحدة الأمة ما سجله القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام حينما ذهب لمناجاة ربه، استجابة لوعد الله تعالى، الذي واعده ثلاثين ليلة، ثم أتممها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة، وخلف في قومه أخاه وشريكه في الرسالة هارون عليهما السلام.
وفي غيبة موسى فتن قومه بعبادة العجل الذي صنعه لهم السامري، فلما رجع موسى إلى قومه، فوجئ بهذا الانحراف الكبير الذي يتصل بجوهر العقيدة التي بعث بها هو، وبعث بها كل الرسل من قبله ومن بعده.
وهنا غضب موسى، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقال: {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)}[طه].
فكان جواب هارون كما ذكر القرآن:{ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}[طه].
وفي هذا الجواب نرى أن نبي الله هارون اعتذر لأخيه بهذه الجملة: (إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني إسرائيل، ولم ترقب قولي).
ومعنى هذا أنه سكت على ارتكاب الشرك الأكبر، وعبادة العجل، الذي فتنهم به السامري، حفاظا على وحدة الجماعة، وخشية من تفرقها، وهي لا شك  خشية موقوتة بمدة غياب موسى، حتى إذا عاد تفاهم الأخوان الرسولان في كيفية مواجهة الأزمة.
3ـ الفرقة تؤدي إلي إلحاق الهزيمة والفشل بالأمة :ـ
ولقد حذر الله تعالي الأمة من التفرق والتشاحن، لأن التفرق والتشاحن يؤديان إلى تفرق الأمة وإلحاق الهزيمة بها، وهذا ما يريده أعداء الإسلام ،ولقد حكي لنا القرآن الكريم هذا الموقف من اليهود أعداء الأمة وهم يريدون زرع الفتنة والشقاق بين المسلمين فيقول الله تعالى في سورة آل عمران: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}[آل عمران].
نقل الحافظ السيوطي في “الدر المنثور” في سبب النزول هذه الآيات جملة آثار عن بعض الصحابة والتابعين، أكثرها تفصيلا: ما أخرجه ابن اسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: مر شاس بن قيس ـ وكان شيخا قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله () من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من إلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابا معه من يهود، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة ـ والظاهرة الحرة ـ فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
فبلغ ذلك رسول الله () فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أبعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس، وما صنع: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون). إلى قوله: (وما الله بغافل عما تعملون) وأنزل في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما، من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) إلى قوله: (وأولئك لهم عذاب عظيم).
والآيات الكريمة دعوة قوية إلى توحيد الكلمة، واجتماع الصف المسلم على الإسلام، وقد حذرت دسائس غير المسلمين، ومن طاعتهم فيما يوسوسون به، فليس وراءها إلا الارتداد على الأعقاب، والكفر بعد الإيمان.
وعبرت عن الاتحاد بالإيمان، وعن التفرق بالكفر، فإن معنى (يردوكم بعد إيمانكم كافرين) أي بعد وحدتكم وأخوتكم متفرقين متعادين كما تدل أسباب النزول.
ومن كراهية الإسلام للفرقة والاختلاف نجد رسول الله () يأمر بالانصراف عن قراءة القرآن إذا خشي من ورائها أن تؤدي إلى الاختلاف بين الناس.
وروى الشيخان من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله () قال: «اقرأوا القرآن ما ائتلف عليه قلوبكم فان اختلفتم فقوموا عنه) أي تفرقوا وانصرفوا حتى لا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر ومن المعلوم لدى المسلمين فضل قراءة القرآن وأن لقارئه على كل حرف عشر حسنات فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن بقراءته إذا أدت إلى التنازع والاختلاف سواء كان في القراءة أو كيفية الأداء.
فأمروا أن يتفرقوا عند الاختلاف وان يستمر كل منهم على قراءته، فالمعنى اقرأوا القرآن والزموا الائتلاف على ما دل عليه، فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة ولقد جاء في حديث آخر (فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم) متفق عليه.
إن أفراد الأمة إذا لم يجمعهم الحق فرقهم الباطل، وإذا لم توحدهم عبادة الرحمن مزقتهم عبادة الشيطان، قيل لأحد العلماء، رحمة الله عليه أدرك المصلين في المسجد يوشك أن يتقاتلوا قال: علامَ؟ قيل: بعضهم يريد أن يصلي التراويح ثماني ركعات، والبعض الآخر يريد أن يصليها عشرين ركعة، قال: ثم ماذا؟ قالوا: هم في انتظار فتواك، فقال الشيخ إجابة عن السؤال: الفتوى أن يغلق المسجد فلا تصلى فيه تراويح لأنها لا تعدو أن تكون نافلة ووحدة المسلمين فريضة مؤكدة ولا قامت نافلة تهدم الفريضة.
ويقول الله تعالي {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال].
4ـ لا يفل الحديد إلا الحديد :ـ
الباطل يتعاون ويتحد فلماذا لا نتحد فلا بد أن ندرك أن أعداء الله من الكافرين والمنافقين يتعاونون فيما بينهم ويعملون لضرب الإسلام مجتمعين لا متفرقين في شكل أحلاف عسكرية .
وفي شكل أسواق تجارية .
وفي شكل برلمانات وهيئات سياسية .
وفي شكل اتحادات جمهورية وولاياته .
كل هذا من أجل السيطرة علي ديار المسلمين لابتزاز ثرواتهم وخيراتهم وإذلالهم واضطرارهم إلي أحد أمرين إما الكفر وإما القتل: قال تعالي {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}[التوبة].
وقال تعالي{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ (217)}[البقرة].
وقال تعالي {وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ (120)}[البقرة].
وقال تعالي {وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ)(20)}[الكهف] .
وأخبر النبي () عن تكالب الأمم علينا أمة الإسلام فقال () في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث ثوبان: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت».
 والرد العملي علي ذلك أن يتوحد المسلمون في مواجهة أهل الكفر والإلحاد وكبح جماعهم وقد نبه الله تعالي في قوله تعالي {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}[التوبة] .
وقال تعالي {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة].
ولابُدَّ أن يَعِيَ المسلمون عاجلاً أن وحدتهم هي التي تَهْزِم الأعداءَ وتُفَرِّقُ جمعَهم وتُشَتِّتُ كلمتَهم ؛ وأَنَّ تَفَرُّقَهُمْ هو الذي يَجْعَلُ الأعداءَ يَنْتَصِرُون عليهم وَيَتَسَلَّطُون على رقابهم ، ويُذِلُّونَهُمْ بنحو تقشعرّ منه الجلود، كما يحدث الآن ، حيث يجوسونَ خلال ديارهم ، ويداهمونهم في عقرِ دارِهم . ومن عجيبِ الأمرِ أن الأعداءَ اجتمعوا اليوم  رغم آلاف آلاف الخلافاتِ والصراعاتِ الشديدةِ الكثيرةِ فيما بينهم على أساس القاسم المشترك ، وهو محاربةُ المسلمين، ومعاداةُ الله ورسوله، ومُحَادَّةُ الكتاب الذي أُنْزِلَ معه ، فَتَدَاعَوْا على المسلمين تَدَاعِيَ الأكَلَةِ إلى قصعتها .
 فَلْنَسْتَجِبْ لنداءِ اللهِ ورسولِه لتوحيدِ الصفِّ ، وجمعِ الكلمةِ، والعودةِ إلى بَعْثِ الأخوةِ الإسلاميةِ التي لا آصرة أقوى منها ، ولا رابطةَ أشرفُ منها وأقدس، ولا علاقةَ أمتنُ منها وأدومُ ، وأنفعُ للبشرية منها وأجدى .
5ـ حاجة الإنسان إلي التعاون والوحدة ضرورة:ـ
لابد أن ندرك أن الإنسان لا يستطيع العيش في هذا الكون وأن يكون سيدا فيه دون أن يتعاون مع الآخرين، ويعاونه الآخرون، فعلي سبيل المثال رغيف الخبز كم يد اشتركت في إخراجه للمجتمع كل المجتمع اشترك في إخرجه من ساعة وضع بذرة القمح في الأرض هذا في شأن رغيف خبز واحد فكيف بحماية دين الله تعالي ، أفلا يحتم علينا أن نتعاون ونتكاتف.
العنصر الرابع : الوحدة سنة كونية :ـ
الناظر في الكون يري الجميع يتعاون ويتكاتف ، فمثلا المجموعة الشمسية تتعاون لتوفير الضياء والدفء لسائر الكائنات الحية ، وأيضا جماعة النحل تتعاون في بناء بيوتها وتنظيفها وتوفير الحماية لها ثم تسرح لتمتص رحيق الأزهار لتخرجه في النهاية عسلا مصفي فيه شفاء للناس ، وقل مثل ذلك في جماعة النمل ،وباقي المخلوقات.
النمل تبنى قراها في تماسكها والنحل يجني رحيق الشهد أعوانا
الخيط الواهي إذا انضم إليه مثله أضحي حبلا متينا يجر الأثقال ، وهذا العالم الكبير ما هو إلا جملة ذرات متحدة متماسكة .
الخاتمة ....
أيها المسلمون :ـ
إن أمتنا اليوم في حاجة ماسة للوحدة أكثر من أي وقت مضى ،فأراضيها مغتصبة وحرماتها ومقدساتها منتهكة وثرواتها منهوبة ،ولأن الاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر ، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها ، وتوحيد جهودها ، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك .
نسأل الله تعالى أن يوحد صف المسلمين وأن يجمع شمل المسلمين ، وأن يؤلف بينهم ، وأن يصلح ذات بينهم إنه ولي ذلك ومولاه ، وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
 ========================
رابط doc
رابط pdf