28 يوليو 2018

جوهر الإسلام وعظمته



تحميل word

تحميل pdf

الحمد لله رب العالمين.. منّ علينا بنعمة الإسلام العظيم فأكمله لنا وأتمه علينا ورضيه لنا فقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير...شرع لنا الدين سمواً بالإنسان إلي معارج الكمال وكريم الخصال وحميد الفعال.. فقال تعالى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم... أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله فهدي الله به الناس فأخرجهم من الظلمات إلي النور فجاء بالدين الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق فقال صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.....

أما بعد: فيا أيها المؤمنون:
لقد شرع الله عز وجل لنا الدين ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين فديننا هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية لأن الله تعالى هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
هل نستطيع أن نحدد أهم ما يريده الفرد لنفسه، وما ينشده في حياته؟ وما الذي تتطلع إليه نفسه، ويسعى جاهداً لتحقيقه من الأهداف الكبيرة والغايات البعيدة؟ وهل يستطيع أي بشر أن يحقق له ما يريد ؟ لا  نعم نستطيع، أن نحدد ذلك إذا نظرنا إلى أنفسنا ونظرنا إلى البشر من حولنا، واستقرأنا أحوال البشر في تاريخهم القريب والبعيد نستطيع أن نحدد ذلك إذا عرفنا أن مقصودنا من الفرد هو الإنسان السوي لا الشاذ، الإنسان السليم لا المختل المشوه المشوش. لذاك كان حديثنا عن بعض مظاهرعظمة الإسلام الحنيف وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- تعريف الإسلام.
2- المناهج الموجودة على وجه الأرض.
3- مظاهر عظمة الإسلام.
4- الخاتمة.

العنصر الأول:
تعريف الإسلام: الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.

الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين وأخبر سبحانه أنه لا يقبل من أحدٍ سواه، فقال جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]. 
وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وفيه أركان الإسلام حيث سأله فقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) قَالَ: صَدَقْتَ[ متفق عليه: أخرجه البخاري؛ كتاب الإيمان]. 
ولا شكَّ أن دين الإسلام هو الدين الحق المنزل من عند الله تعالى، وهو منهج الحياة المتكامل القائم على ما جاء في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وما ثبت من سنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وذلك خلافاً لما سواه من المناهج والأديان الأخرى، ولعل عرضًا عامًّا لتلكم المناهج القائمة بين الناس على هذه البسيطة يجلي الصورة ويوضحها.
العنصر الثاني:
النظم الموجودة علي وجه الأرض: إن النظم القائمة كلها - عدا دين الله تعالى الإسلام - لا تخرج عن أحد هذه الأصناف الثلاثة:

الأول: منهج ديني محرَّف:
 فهو إلهيٌّ في الأصل، وله كتاب سماوي من عند الله عز وجل، ولكن دخله التحريف والتبديل، والحذف والزيادة، فاختلط فيه كلام الله تعالى بكلام البشر وأهوائهم، ومثاله: اليهودية والنصرانية..
الثاني: منهج ديني بشري:
 فهو ديني لأن فيه القيام بأداء طقوس تعبدٍ وتألهٍ يؤديها الإنسان لمألوه أو لعدد من الآلهة؛ من بشر وحجر ومال وهوى وشهوة وغير ذلك، وقد لا يكون فيها صلاح حال هذا الإنسان ولا تنظيم حياته؛ وإنما طقوس غامضة أو مرعبة.
وهو دين بشري لأنه من صنع البشر، فليس له أصل من عند الله تعالى، ومن أمثلة ذلك: الهندوسية، البوذية، عبادة الشيطان،عبادة الأصنام، وغيرها.
الثالث: منهج مدني بشري خالص:
 فهو مدني لأنه نظام حياة دنيوية؛ يُعنى بتنظيم حياة الإنسان الدنيوية وتحقيق مصالحه وفق ضوابط وقيود دنيوية، وبشري لأن مصدره البشر، أفرادًا أو جماعات، فهو نتاج تفكير الإنسان واجتهاده وتنظيره، ومن أمثلة ذلك: العلمانية، الشيوعية، الرأسمالية، الوجودية، وغيرها كثير.
هذه هي المناهج القائمة بين يدي البشر على وجه الأرض،ولم تحقق للإنسان ما يريده لأنها قاصرة، ويبقى الإسلام وحده بصفائه ونقائه وسموه وكماله من بين سائر المناهج والأديان هو القادر على البقاء في خضم الصراعات الثقافية والفكرية والحضارية؛ لأنه يمتلك خصائص تؤهله لذلك، ويكفي وعد الله العليم الخبير القوي القادر بأن العاقبة للمتقين، يقول جل وعلا: ﴿  يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة 32-33].

وهذه حقيقة ظاهرة تنبه لها بعض رجالات الغرب، ونطقت بها ألسنتهم - والحق ما شهدت به الأعداء.

يقول الكاتب الإنجليزي (هيلير بيلوك): (لا يساورني أدنى شك في أن الحضارة التي ترتبط أجزاؤها برباط متين، وتتماسك أطرافها تماسكًا قويًّا، وتحمل في طياتها عقيدة مثل الإسلام، لا ينتظرها مستقبل باهر فحسب؛ بل ستكون أيضًا خطرًا على أعدائها).

العنصر الثالث:
مظاهر عظمة الإسلام: وهذه المظاهر هي الميزات والصفات التي ينفرد بها دين الإسلام عن غيره من الديانات والمناهج الأخرى.

أولا: دين إلهي:-

الإسلام دين الله عزَّ وجلَّ الذي ارتضاه للعالمين، وهذه من أعظم خصائصه وأُسُّها؛ فما سواها من الخصائص نتيجة لها وثمرة من ثمارها.
دين أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل بحفظه ونصره وإظهاره على الدين كله.
دين من عند الله تعالى مصدره القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة، القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وقد حفظه الله تعالى: ﴿  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
والسنة المصدر الثاني وحي من عند الله تعالى كما قال جل وعلا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].
وبيَّن الله تعالى مهمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي إبلاغ دين الله إلى الناس، فقال جل وعلا: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [العنكبوت: 18، النور: 54].
وقال جل وعلا: ﴿  إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [الشورى: 48] فهو صلى الله عليه وسلم واسطة في إبلاغ شريعة الله تعالى من الله سبحانه إلى خلقه وبيانها لهم والله جل وعلا يقول في آية محكمة: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُْمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
وجانب آخر من إلهية هذا الدين؛ فكما أن مصدره من عند الله تعالى فكذلك غايته وهدفه تحقيق مرضاة الله عزَّ وجلَّ والقيام بعبادته، فهذه الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، كما قال سبحانه: ﴿  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 – 58].
ولهذا المظهر ثمرات منها:

1- أنه يبين الحقائق الكبرى التي لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا بالوحي المعصوم؛ كمعرفة الخالق عز وجل، وصفاته وأمره ونهيه، وبداية الخليقة والغاية منخلق الإنسان.
2- أنه دين من عند الله تعالى سالمٌ من النقص والتعارض والهوى والحيف والظلم، فهو شرع الله العليم الخبير سبحانه، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول الله تعالى مبيناً عظمة دينه واتفاق تشريعاته: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82 ].
3- موافقته للعلم الصحيح، والعقل السليم، فهو دين يعتني بالعلم ويمجِّد العلماء، ويحترم العقل ويخاطب عقول العقلاء. وقد بين جل وعلا مكانة العلم والعقل ومنزلة أهلهما فقال سبحانه: ﴿وَتِلْكَ الأَْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت: 43].
4- تحرير الإنسان من عبودية الإنسان والهوى؛ فيخلص في عبادته لله رب العالمين سبحانه وتعالى، ويعمل وفق شرعه وتوجيهه وأمره ونهيه.

عندما نزل قول الله تعالى عن اليهود والنصارى ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31].
سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أمَا إِنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلّوا لَهُمْ شَيْئاً اسْتَحَلّوهُ، وَإِذَا حَرّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئاً حَرّمُوهُ)[أخرجه الترمذي].
وكما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه بين يدي رستم قائد جيوش كسرى: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)[البداية والنهاية، (7-47)].

5- تلبية مطالب النفس البشرية، وذلك بتشريع ما يصلح لها وما يُصلحها، فهو دين الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يتناسب مع هذه النفس البشرية: ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

ثانيا: دين شامل:

شرع الله سبحانه وتعالى للأمة دينًا شاملاً في أحكامه وتشريعاته للثقلين من الجن والإنس، ولكل تصرفاتهم وعلاقاتهم، حيثما كانوا؛ فوق أي أرض وتحت كل سماء. يقول المولى جل وعلا: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]، فهو (دين ودولة، وهو عقيدة وعبادة، وهو حكم وقضاء، وشريعة وقانون، ومصحف وسيف، وجهاد ودعوة، وسياسة واقتصاد، وعلم وخلق وتوجيه).

وتتضح شمولية الإسلام في صور منها:
1- أنه دينٌ شامل للثقلين: الجن والإنس. فأما الإنس فظاهر في نصوص القرآن العظيم، يقول الله جل وعلا: ﴿ ﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. ويقول سبحانه: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].

وأما الجن فيقول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾، وهذا موقف من استماعهم لخبر نبينا ومسارعتهم للتنفيذ والدعوة، وتحملهم النذارة والبشارة، يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَْرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 29-32].


2- أنه دين شاملٌ للزمان كله؛ من بعثة نبينا محمد إلى قيام الساعة.

3- دينٌ شاملٌ للمكان؛ فليس خاصًّا بإقليم دون آخر، ولا بأمة دون أخرى؛ شمولية مكانية؛ يطالب بهذا الدين كل البشر في أي مكان ومن أي أمة، ويتأكد بها أن المسلم مطالب بتنفيذ أحكام دين الله تعالى في كل مكان.

4- دينٌ شاملٌ للإنسان في مراحل حياته المختلفة، وفي علاقاته المتعددة، يوجهها إلى ما فيه صلاحه ورفعته وحفظه وهدايته.

5- دين شامل لحركة الكون والحياة، يراعيها في أحكامه وتشريعاته، فلا تنفك الأحكام الشرعية عن حركة الكون بأفلاكه وأجرامه، وليله ونهاره، وحرِّه وقرِّه، فهناك عبادات مرتبطة بحركة الشمس؛ كالصلوات الخمس والسحور والإفطار، وعبادات مرتبطة بدورة القمر؛ كالصيام والحج وغير ذلك، فيراعي ذلك في بيان مهمة الإنسان تجاهها ودوره نحوها، وتوجيهه إلى ما فيه عمارتها وصلاحها، فالكون والخلق كله لله سبحانه وتعالى: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 6].

6- دين شامل في توجيه نظر الإنسان إلى الدنيا والآخرة فهما داران متكاملتان، للإنسان في كلٍّ منهما نصيب، فالدنيا مزرعة للآخرة، يزرع فيها ما يرغب جنيه في الآخرة. يقول الله جل وعلا: ﴿  وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
وبهذا يتأكد للمسلم أنه ما من شأن من شؤونه ولا تصرف من تصرفاته إلا ولله تعالى فيه حكم وقضاء، وأن دين الإسلام منهج حياة مُهَيمن على كل تصرفات الإنسان، فيُرَدُّ بذلك على كلِّ من يعترض على نظرة الإسلام الشمولية لشؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية وغيرها؛ ممن يرددون مقالات مستوردة؛ كقولهم: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وقولهم: (لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة)، ويقال لهم بأن لله كل أمر ونهي وتدبير وحكم وقضاء، ﴿ قُلْ إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154]، ويقول جل وعلا: ﴿ لِلَّهِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ [الروم: 4].

وقد أنكر الإسلام أشد الإنكار على من يأخذ من الدين ما يهوى، ويدع ما لا يوافق هواه، وينسى أن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، يقول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151].
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن ندخل في الإسلام كله فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) البقرة ( 208).
ثالثا: العالمية:
 والعالمية: هو أن رسالة الإسلام غير محدودة بعصر، ولا جيل، ولا بمكان، فهي تخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الشعوب وكل الطبقات، وهي هداية رب الناس لكل الناس، ورحمة الله لكل عباد الله

يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ [الأعراف: 158] وقوله: ﴿ بَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].... وغيرها، ومن السنة النبوية قوله عليه السلام: [أنا رسول من أدركت حيا ومن يولد بعدي]، وقوله: [والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يومن بي إلى دخل النار[ رواه مسلم.

وعالمية الإسلام آمر من صميم هذا الدين مركوزة فيه بحكم طبيعته تجسد منذ البداية رموزا في (بلاد الحبشة، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وعمر القرشي)، وأيضا كتب الرسول إلى أمراء وملوك عصره تؤكد ذلك.

رابعا: دين الفطرة: والمراد بالفطرة الابتداء والاختراع، والمعنى في قوله: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) أنه يولد على نوع من الجِبِلَّة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل؛ لآفةٍ من آفات البشر والتقليد.

فالإسلام هو الدين الذي جبل الله الناسَ عليه وهيأهم لقبوله والعمل به. فلا يتعارض مع طبيعة الإنسان ولا يتضاد مع رغباته؛ بل يتفق معها ويوجهها ويرشدها إلى الأصح والأسلم، فلو تجرد الإنسان من الهوى والعناد، لاعترف بدين الإسلام وأنه الدين الحق.. ﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ.هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟). ثُمّ يَقُولُ أَبُوهُرَيْرَةَ: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾[متفق عليه: أخرجه البخاري].

فالله جل وعلا خلق الناس حنفاء كلهم، ثم اجتالتهم شياطين الجن والإنس فصرفتهم عن الحق والهدى والفطرة السليمة، ففي حديث عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:   (أَلاَ إِنّ رَبّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمّا عَلّمَنِي يَوْمِي هَذَا..وفيه: وَإِنّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلّهُمْ، وَإِنّهُمْ أَتَتْهُمُ الشّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً، وَإِنّ الله نَظَرَ إِلَىَ أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ؛ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلاّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ))... الحديث[أخرجه مسلم].

خامسا: الوسطية:
وهي العدل والفضل والخيرية والتوازن، فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانبًا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع.

وكما يأمر بالعبادة والعمل للدار الآخرة يوجِّه إلى السعي في طلب الرزق والمعاش في الدنيا، ويعتبر ذلك عبادة  ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

إن أمة الإسلام أمة وسط، شهد لها بذلك خالقها سبحانه وتعالى ورتب على ذلك مكانتها ومنزلتها ودورها في هذا الكون، وبين الأمم: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
فقوله سبحانه (وسطًا) أي عدلاً، ووسط الشيء أو أوسطه بمعنى أفضله وأعدله وخياره.
يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: (إنما وصفهم الله - تعالى ذكره - بأنهم وسط لتوسطهم في الدين).

ونماذج وسطية الإسلام كثيرة، وليس المجال لذكرها ولكن نعرض لبعض الصور التي تدل على شيء من ذلك:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا، كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) [متفق عليه].

2- ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حبلاً ممدودًا بين ساريتين فسأل عنه، فأخبر أنه لزينب تتمسك به إذا كسلت عن الصلاة، فأمر صلى الله عليه وسلم بإزالته وقال: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)[متفق عليه].

3- وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يَا عَبْدَ الله، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) متفق عليه.
4- عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سليمان وأبي الدرداء,فزار سلمان أبا الدرداء, فرأى أم الدرداء وهي متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو ليس له بنا حاجة في الدنيا, فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما. فقال له: كُل. قال: فإني صائم , قال: ما أنا بآكل حتى تأكل, قال: فأكل, فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم, قال: نَـم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نَم ,فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُم الآن، فَصَلَّيَا , فقال له سلمان: إن لربك عليك حقّـا، ولنفسك عليك حقّـا، ولأهلك عليك حقّـا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان".

وحينما نذكر وسطية الإسلام من خلال هذه الأحاديث والمواقف وغيرها، يجب علينا ألاَّ ننسى ما يقابل ذلك وهو التفريط، فكما ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغلو، وطلب الزيادة في العمل تعبدًا لله عزَّ وجلَّ، فإن ذلك يعني التنبه للمقابل وهو الوقوع في التفريط والترك لشيء مما شرع الله تعالى؛ كترك الفرائض ومواقعة الذنوب والاستهانة بالمعاصي: فكلا طرفي الأمر خطأ ومخالف لدين الله تعالى؛ الزيادة غلو في دين الله تعالى، والترك تقصير في حق المولى جل وعلا.

وشريعة الله تعالى هي الوسط القائم على أداء ما شرع الله تعالى من غير تفريط ولا إفراط.

سادسا: دين الأخلاق:
الإسلام دين الأخلاق، فما من حُكم شرعي في دين الإسلام إلا ويلبِّي مقصدًا خُلُقيًّا حميدًا للإنسان، ولهذا كان قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ)[أخرجه البخاري]، وقوله: (إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ؛ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ؛ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ.قالوا:يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: المُتَكَبِّرُون)[أخرجه الترمذي].

فالثرثرة والتشدق والتفيهق صفات ذميمة لما تتضمنه من معنى العجب بالنفس والرد للحق والتعالى على الخلق.

وفي الحديث: (إِنّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقاً).متفق عليه. 
ولقد فرض على من يتمسك بالإسلام أن يكون حسن السلوك، سامي الخلق، شريف المعاملة، ولقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وسلف الأمة، أعظم مثال على ذلك المجتمع الأخلاقي المثالي.

والله جل وعلا حين أثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كان ثناؤه سبحانه بأبلغ وأرفع عبارة في قوله جل وعلا: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. 
وحين يقرأ المسلم القرآن العظيم أو يتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن الله تعالى يؤكد على صفات أهل الإيمان، بأنها الصفات الفاضلة، ويفصِّل في ذكرها تفصيلاً يُبين سموَّ أخلاق هذا الدين ومقاصده، في صبغ الناس بهذه الصبغة الأخلاقية الإلهية السامية، يقول الله جل جلاله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 1 – 6]
وقال جل وعلا عن عباد الرحمن: ﴿  وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا *وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا *وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان: 63 - 68].

وتتجلى هذه الخصيصة في أحكام هذا الدين وتفصيلات شريعة الله تعالى، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة فيها التربية على سخاء النفس وبذلها، وفي الصوم تلمس أحوال الفقراء والشعور بحاجتهم، وفي الحج نهيٌ عن الرفث والفسوق والجدال والصخب، وتدريب النفس على الصبر والإيثار، والمعاملات بين الناس تقوم على الوضوح والمصلحة المتبادلة، وتذم الأحكام الشرعية الأنانية والمكر والغش والخداع والاحتكار وكل ما فيه جهالة وغرر.

ثم إن من دلائل أخلاقية الإسلام، أن المسلم وهو في أقسى المواقف وأشد الأوقات في الحرب وحين يُطرب ضجيجُ السلاح أسماعَ الأبطال، وحين تُحمل الأرواح على الأَكف، وحين يتقابل المسلم مع الكافر في الحرب، تتجلى أخلاقية الإسلام، ﴿  وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].

ويقول جل وعلا: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

وهذه المبادئ السامية والشمائل الكريمة التي كانت عاملا من عوامل انتصار الإسلام.

فقد نهى الإسلام عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة وأهل الصوامع والبيع الذين لا اعتداء من ناحيتهم ولا خطر من بقائهم فكان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشا أو سرية يوصيهم بالإحسان والتسامح والرحمة بالنساء والضعفاء.

ففي الصحيح عن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أمّرَ أميراً على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاه في خاصّتِه بتقوى اللّه تعالى ومَنْ معه من المسلمين خيراً، ثم قال: " اغزوا باسْمِ اللّه في سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللّه، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً.. " أخرجه مسلم

وهكذا كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده صلى الله عليه وسلم فهذا أبو بكر رضي الله عنه وقد وبعث أوصى جيش أسامة فقال: (يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها) الخ ما ذكره رضي الله عنه.

 أمر الإسلام بالوفاء بالعهود التي أخذها المؤمنون على أنفسهم أو على غيرهم وعدم الإخلال بها قال تعالى ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91]  وقال سبحانه ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34].

فالوفاء بالعهود من سمات المؤمنين الصادقين قال تعالى ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

من هنا فيحرم قتل الذمي بغير حق، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»

ولقد دعا الإسلام إلى الجنوح للسلام إذا طلبه الكفار قال تعالى في سورة الأنفال ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61].
والمقصود بالسلم هنا السلام العادل المنصف الذي يحفظ للمسلمين عزتهم وكرامتهم ويضمن لهم حقوقهم، فهو سلام من منطق القوة سلام العزة والكرامة، وليس سلام الضعفاء الأذلاء المقهورين فالإسلام لايرضى لأتباعه إلا القوة والعزة والأمن والكرامة ؛ لذلك فلا عبرة بالسلام المزعوم المبني على ضعف واستسلام وأكاذيب وأوهام وقبول للمساومات وتقديم للتنازلات قال تعالى ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]. وقال جل وعلا ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].

العنصر الخامس: الخاتمة:
فيا أيها المسلمون:
إذا أردتم العزة والكرامة، والحرية والسلام، والعدالة والحياة الفاضلة الكريمة، فلن تجدوا ذلك إلا في رحاب هذا الدين العظيم!

إنه دين عظيم، دين قويم، يهدي به الله إلى طريق مستقيم، اختاره الله عز وجل لنا، فوحَّدنا على كلمة التوحيد، وجعل رسلاً مبشرين ومنذرين، فجاؤوا كلهم للدعوة إليه وإلى توحيده سبحانه وتعالى ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].


وقال تعالى﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].

ففي هذا الدين الفلاحُ في الدنيا والآخرة، والسعادة الأبدية السرمدية حيث لا شقاء أبدًا، هو رابط العبد الذليل بالربِّ العزيز، وواصل العبد الفقير بالرب الغني،فيه طمأنينةُ القلب، وحلاوة الروح، وراحة البدن، وسعادة الآخرة. والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123] أي: فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا, ويهتدي, ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله. ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة وإن ظهر أنه من أهل الجاه والأموال-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.

فيا له من دين لو كان له رجال:

كم تحمَّل الأنبياء والمرسلون في سبيل نشر هذا الدين وكم قُتل منهم وكم عُذِّب، وكم لاقوا لأجل هذا الدين!

ففي سبيل هذا الدين:
ظل نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، ولبث يوسف في السجن بضع سنين، وألقي في النار أبو الأنبياء والمرسلين، ونُشر بالمنشار زكريا، وقُتل ابنه يحيى الأمين، وناهيك عما حدث لقائد الغر الميامين، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ ففي أُحُدٍ كُسرت رباعيته، وشُجَّ وجهُه، واستقرَّ سهم في وجنته، على أيدي المشركين.

فيا له من دين!

وقتل لأجل هذ الدين، وفي سبيل نشر هذا الدين، من الصحابة: عمر، وعثمان وعلي، وطلحة والزبير، وحمزة،ومصعب، وغيرهم الكثير، وكلهم من الأخيار الأطهار.

وعُذِّب في سبيله الكثيرُ من العلماء؛ فجُلد الإمام مالك فقيل: لا يُفْتي إلا مالك، وجُلد أحمد فصار إمام أهل السنة، وسُجِن ابن تيمية فصار علم الأمة، وقُتل ابن جبير إمام التابعين، وكلهم جاهدوا في الله حتى أتاهم اليقين.

فإلي روح الإسلام من جديد نسعد في الدارين.. نسأل الله أن يحفظنا بالإسلام في كل وقت وحين، وأن يستعملنا لخدمة دينه إنه ولي ذلك ومولاه....


انتهت بفضل الله ورحمته

25 يوليو 2018

التربية والأطفال



🌺التربيـة والأطفـال🌺

كثرة التهديد والوعيد تدفع الأطفال إلى الكذب ؛ هروبًا من العقاب .

🔺 تربية
‏أجمل شيء تهديه إلى أبنائك:
حسن التعامل، وأمرهم بالصلاة.

🔺 تربية
 طريقة إيقاظ الأطفال من النوم لها أثر كبير على نشاطهم هذا اليوم وشعورهم النفسي؛ فأحسنوا ذلك بلطف، ولين، وهدوء، بعيدًا عن التوتر والصراخ .

🔺 تربية
تجنب طرح أسئلة سلبية على ابنك:
لماذا أنت بطيء لهذه الدرجة؟
من علمك هذه الطريقة السخيفة؟
لمَ لا تفهم الكلام؟
كيف يمكن أن تقول شيئًا كهذا؟

🔺 تربية
‏لكي تبني جسور حوار بينك وبين أطفالك:
عليك أن تتقبل آرائهم، وتناقشها بلطف، ولين.

🔺 تربية
‏سياسة العقاب الجماعي لأبنائك بسبب خطأ صدر من أحدهم، سياسة خاطئة جدًّا.

🔺 تربية
حين تكافئ ابنك حين ينجز عملًا ما،
يزرع في داخل الطفل حب العمل، وأنه لن يكسب شيئًا يحبه الا بجهده.

🔺 تربية
بعض الآباء من حرصه على أبنائه يفرض عليهم حصارا جسديا وفكريا فلا يجلس إلا وهم أمامه، ولا يتحدث إلا بما يريدون،
ما هكذا يُربى الجيل الطموح

🔺 تربية
‏إن الطفل كثيراً ما يتخذ من أبويه مثلاً أعلى ثم يبدأ بتقليد ذلك المثل في سلوكياته ورؤيته للحياة وفي مشاعره.
كونوا قدوة حسنة لأبنائكم!

🔺 تربية
البعض يظن أن التربية سهلة، ولكن الحقيقة أن أصعب مشروع في الحياة هي "التربية"..
ولدان من بطن واحدة، كل له مزاج، وله تصرف، ويحتاج تعاملا خاصا .

🔺 تربية
‏كثير ما يردد الناس، أن مشكلات الطفل طبيعية وستزول مع تقدم العمر؛
في حين تثبت الدراسات أن جل مشكلات الكبار أصولها منذ الصغر.

🔺 تربية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم،لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم"

🔺 تربية
‏إذا أراد أحد أولادك حاجة، ولم تتيسر له، فأمره بالصبر، وذكره بفوائده حتى يعتاده فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
*"ما أعطي أحد عطاء خيراً أوسع من الصبر"

🔺 تربية
لا تتوقع من طفلك أن يتعلم درساً تلقنه إياه من أول مرة.

🔺 تربية
حين نستجيب لطلبات الطفل المعقولة؛
نجعله يشعر في أعماقه بالامتنان لنا،
هذا الامتنان هو الذي يولد الطاعة.

🔺 تربية
ثلاثة مفاتيح جوهرية للعملية التربوية:
العلم بشؤون الأبناء، ثم الصبر على تعليمهم وتأديبهم، والدعاء لهم بالصلاح والنجاح.

🔺 تربية
ابتعدوا عن شراء القصير، واحرصوا على تربية أطفالكم على الحشمة؛ فهي وقار المرء وسر تميزه والحصن الحصين له من التردي أخلاقيًّا.

🔺 تربية
عودهم حل خلافاتهم البسيطة بأنفسهم، وعزز المبادر بالحل، وكن عادلا في تصرفاتك لتكسبهم الإنصاف .

🔺 تربية
حين ترفض طلب الطفل في البداية، ثم تستجيب لذلك بعد الإلحاح والغضب؛ فإنك ترسخ في نفسه أهمية البكاء للحصول على ما يريد.

🔺 تربية
تعويد الطفل على ‏المسؤولية تمنح الموهوب قوةً.

🔺 تربية
بعض الآباء يريدون من أبنائهم أن يكونوا نسخة منهم في تصرفاتهم وأذواقهم، ودراستهم وتخصصاتهم؛
وهذا تحطيم لشخصياتهم.

🔺 تربية
نبرة الصوت التي تتكلّم بها مع ولدك مهمة بقدر معنى الكلام الذي تقوله.

🔺 تربية
المشاغبة عند الطفل ليست مذمومة دائمًا؛ فقد تعني التميز، وشخصيةً تكره الجمود، وتحتاج إلى توجيه، ونماء لا للتوبيخ، والإقصاء.

🔺 تربية
مسح رأس الطفل من الأب، واحتضانه من الأم: أمر في غاية الأهمية؛ لتلبية احتياجاته النفسية، والعاطفية.

🔺 تربية
ضبط الأعصاب في تربية الأبناء لا يعني تجاهل أخطائهم، وإنما توخي الحكمة، والحذر في التعامل مع السلوكيات السلبية.

🔺 تربية
لا تقارن أبنائك بأبناء الآخرين وخاصة من الأقارب.. وتأكد أن التميز يأتي منك لا منهم؛ فاحرص على أن يشار إلى أبنائك بالبنان.

🔺 تربية
تربية الأبناء على الشجاعة لا تكون بتعلم الألعاب القتالية، وإنما بتعزيز الثقة بالنفس، والتوكل على الله، والخوف منه لا من سواه.

🔺 تربية
عودوا أطفالكم على الصدق من خلال الصدق معهم.. كونوا صادقين أمامهم، ولا تطلقوا عليهم وصف: "كذاب"
بل قولوا : [ هذا خطأ ]

🔺 تربية
 عوّد طفلك أن يلجأ إلى الله تعالى، ويطلب منه العون والقوة، وردّد أمامه الإستغفار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

🔺 تربية
الكذب سلوك مكتسب لا ينشأ مع الطفل؛ وإنما يتعلمه، ويكتسبه من البيئة المحيطة به.

🔺 تربية
أطفالنا يسيئون التصرف كثيرًا حين يشعرون بالنعاس؛ لأن هذا الشعور يوتره، لذا من مصلحة الطفل النوم باكرًا؛ لينمو دماغه بشكل صحي.

🔺 تربية
الرصيد المعنوي الذي تودعونه في أبنائكم صباحًا، أنفع بكثير من الرصيد المادي الذي تتركونه في أيديهم؛ لتلبية احتياجاتهم.

🔺 تربية
عودوا أطفالكم على إحترام الأخوال والأعمام، وتقديرهم، وحتى إن وجد خلاف معهم، فلا تقحموا أطفالكم في هذا الخلاف.

🔺 تربية
‏الإسراف في مديح جمال البنات، وأناقة الأبناء يصرف وعيهم إلى الإهتمام بالمظهر, أما الثناء على المشاعر النبيلة، والخلق الحسن؛ فيصرفهم للجوهر.

🔺 تربية
‏اصطحاب الطفل مبكرًا إلى المدرسة، أو النشاط، والوصول قبل غيره من الطلاب، يؤثر إيجابيًّا على سلوكه .

🔺 تربية
من أخطر الأمور التي تدمر الإبداع لدى الطفل هي السخرية من أدائه، وتخطئته أمام أقرانه..
الحكمة مطلوبة.

🔺 تربية
 في اللحظة التي تقارن فيها طفلك بالآخرين؛ اعلم أنك زرعت فيه عقدة نفسية كبيرة ستلازمه مدى الحياة.

🔺 تربية
‏الرد على صراخ طفلك الغاضب بالصراخ؛ يُعلّمه أن وسيلة النقاش الوحيدة أثناء الغضب هي الصراخ لا غير.

🔺 تربية
شجعوا أبنائكم على اختيار الصداقات المناسبة، علموهم كيفية اختيار الصديق: وفقا لأخلاقه، وتميزه، أو حفظه للقرآن مثلًا.

🔺 تربية
‏أبعدوا أبنائكم عن الخوف من المستقبل، أو قلة الرزق، وعودوهم على التوكل على الله، كونوا قدوة لهم في ذلك في القول والعمل.

🔺 تربية
‏إهمال الأهل لما يشاهدونه من الطفل من عدوانية وعدم تنبيههم له؛ يرسل رسالة تشجيعية على الإستمرار في ذلك.

🔺 تربية
‏لنعلم أولادنا:
آداب الكلام، البشاشة والتبسم، إحترام الكبير، آداب التحدث بالهاتف، آداب الحوار، الإعتذار عند الخطأ، أدب العطاس والتثاؤب.

🔺 تربية
‏لصحة طفلك :
وجبة الإفطار هي من تمد طفلك بالطاقة والحيوية البدنية والذهنية؛
فهي مهمة له قبل الذهاب للمدرسة، نوّعي في تقديمها، والإهتمام بها.

🔺 تربية
رأيك في ولدك يؤثر على شخصيته.
امدحه بصفات حسنة؛ حتى لو لم تكن فيه باعتدال؛ لعله يتصف بها مع الوقت، ولا تصفه بصفاته القبيحة؛ حتى لا تتأصل فيه.

🔺 تربية
‏إذا أردت أن تعلم أطفالك الرحمة والإحترام، فعليك أن تستخدم طرقا رحيمة ومحترمة.

🔺تربية
‏عندما يكسر ابنك أثاثاً فأنت بين خيارين:
إما ان تضربه؛ فيتعلم الكذب، وتخسر شخصيته، أو تجعله يصلح ما أفسده؛ فيتعلم المسؤولية وتقوى شخصيته.

🔺 تربية
 ‏إياك ولوم الطفل أو انتقاده أمام الآخرين! بل انتظر حتى تعودا للمنزل وتحدث معه.

🔺 تربية
 أ‏بني.. حبيبي:
إني أحذرك من قرناء السوء؛ فإنك إن هممت بخير؛ ثبطوك، وإن عزمت على شر؛ شجعوك، وإن استحييت من فعل منكر؛ هونوه عليك.

🔺 تربية
قولك لطفلك إذا أصاب:
(أحسنت) سنة لما جاء عند البخاري من حديث ابن مسعود قال:
قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يوسف،
فقال: (أحسنت).

🔺 تربية
 ‏اغرس في نفس ابنك القيم الدينية السامية، والأخلاق الإسلامية الفاضلة، وأدّبه بآداب الإسلام.

🔺 تربية
‏لا تستغني أبدًا عن الدعاء لأبنائك؛
فهو سلاح نافع جدًا في توجيههم للصواب، فالدعاء هو أقوى وسيلة إصلاح
للأسف جهل قدرها كثير منا..

🔺 تربية
‏قال المعرّي :
"ربَّيتَ شِبلاً فلما أن غدا أسدًا
            عدا عليكَ فلولا ربُّه أَكَلَك "

22 يوليو 2018

أمانة تربية الأولاد





تحميل wordo
تحميل pdf

الحمد لله رب العالمين، أمرنا بالمحافظة على الصغار وتوجيههم فقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. أمرنا بتربية أولادنا التربية الصالحة فقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضح مسؤولية الآباء عن أبنائهم فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته". صحيح أورده الألباني في صحيح الترغيب.
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...
أما بعد: فيا أيها المؤمنون:
فإنه من أهم ما يطمح إليه الإنسان في دنياه، ومن أعز الأمنيات على قلبه، وأجمل الرغبات في نفسه: أن يرزقه الله ذرية طيبة وولداً صالحاً؛ وقد وصف الله عزَّ وجلَّ عباده بأنهم يدعونه أن يهب لهم ذرية نقية صالحة تسعدهم، يقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
فالأطفال نعمة كبرى على الناس؛ تملأ حياتهم بهجة وسروراً، وتزيدها أنساً وحبوراً، وتمنحهم راحة واستقراراً، ويعيشون سعادة وأماناً.
وهم مصابيح البيوت، وقرة العيون، وفلذات الأكباد، وبهجة الأعياد، ونبض المجتمعات، وهم أحباب الرحمن، وهم زهرة اليوم وثمرة الغد وأمل المستقبل، ويقاس بنضجهم وتقدمهم ونجاحهم تقدم الأمم ونجاحها، قال الله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].
ولقد عظم الله أجر تربية الولد وتنشئته التنشئة الصالحة وفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عظم المسؤولية واستشعار الأجر فاعتروا الأولاد أمانة من الأمانات التي يسأل عنها يوم القيامة، ومن أجل عظمة الأمانة والمسؤولية يكون موضوعنا ( أمانة الأولاد) وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية:
1 - تعريف التربية والهدف منها.
2 - عظم تربية الأولاد في الإسلام.
3 الأجر والثواب في تربية الأولاد.
4 الوسائل العملية في تربية الأولاد.
5 خطورة إهمال التربية.
العنصر الأول: تعريف التربية:
التربية تعني التنمية، والزيادة وهذا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يقبل الصدقات ويربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه (أي مهره )حتى إن اللقمة لتصير مثل الجبل) وقال تعالى ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].
والتربية التي نريدها: هي تنمية الشخصية الإنسانية في جميع مجالات الحياة. وهي تحتوي على ثلاثة أشياء: تخلية ثم تحلية ثم تنمية.
أو هي: الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة توجيهًا مباشرًا بالكلمة أو غير مباشر بالقدوة، ولكن وفق منهج خاص ووسائل خاصة، وهو خبرة تُؤثِّر في السلوك؛ ولذلك فإن الدعاة والمصلحين أول ما يقصدون تربية النفوس وتقوية الأخلاق ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تبني به نهضة الأمم والشعوب، وعليه فإن التربية هي محور المعركة الحقيقية، فبالتربية نستطيع أن نقف أمام الذين يهدفون إلى طمس الهوية الإسلامية فيتمكنون من تضليل غاية الشباب.
هدف التربية في الإسلام:
إن التربية الإسلامية تستهدف هدفين:
الهدف الديني: ويقصد به التنشئة للعمل للآخرة، حتى يلقى العبدُ ربَّه وقد أدى ما عليه من حقوق.
الهدف الدنيوي: وهو ما يعرف بالإعداد للحياة، حتى يستطيع مواجهة الحياة بما فيها ويكون منتجا فاعلا فيها.
العنصر الثاني: عظم تربية الأولاد في الإسلام:
إن الله عز وجل عرض الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان فقال تعالى ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].
فالأمانات كثيرة وكثيرة ليست مقتصرة على الودائع فحسب وإنما مفهوما كبير كما بين القرآن الكريم فالبيت والأولاد أمانة ومسؤولية أمام الله عز وجل..
قال تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾[الصافات: 24].
وقال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11].
يقول الإمام الغزالي رحمه الله:
"إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عُّود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربيه والقيّم عليه.
من هنا نصل إلي أن التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها". قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 27، 28].
وقال تعالى عن نبيه إسماعيل ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55].
روى الترمذي عن أيوب بن موسي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن).
وروى الحاكم وأبو داود عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع)..
وروى الطبراني عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدبوا أولادكم علي ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرشه).
وعن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وإنه لمسئول عن برك وطواعيته لك" رواه البيهقي.
وهكذا يجمع العلماء على ضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن من يقوم بهذه المهمة إنما يقوم بعمل عظيم هو امتداد لمهمة الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم.
والطفل كما يقولون صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن يربيه.
فإذا نقشوا فيه صالحا نشأ صالحا، وإن نقشوا فيه شيئا فاسدا نشأ على السوء والفساد.
فإذا أدرك الآباء والمربون هذه الأمانة وحملوها بصدق وإخلاص فلتبشر الأمة بالنصر القريب عملا بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
فتربية الأولاد من الأمانات والمسئوليات التي يحاسب عليها العبد يوم القيامة فإذا فرّط العبد فيها عرض نفسه لغضب الله ومقته، وإذا قام العبد بدوره تجاه الأبناء أثيب عليه الثواب الجزيل ومنحه الله عز وجل أجرا عظيما.
العنصر الثالث: الأجر والثواب في تربية الأولاد:
لكي نتفاعل في التطبيق وننجح في أداء المهمة لا بد من استحضار ثواب الله الذي ورد في النصوص النبوية وهي كالآتي:
1- روي الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم "يتبع الرجل يوم القيامة أمثال الجبال من الحسنات فيقول: يارب أني هذا؟ فيقول باستغفار ولدك لك ".
2- روي الإمام أحمد وابن ماجة "أن الله عز وجل ليرفع للعبد درجته يوم القيامة في أعالي الجنة فيتساءل يارب أنّي هذا؟ فيقول باستغفار ولدك لك".
3- ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لخطبة أم هانئ بنت أبى طالب أخت سيدنا على تخيل امرأة يتقدم لخطبتها النبى صلى الله عليه وسلم الرد الطبيعي موافقة سريعة دون نقاش، ولكنها اعتذرت عن ماذا؟ أنها تصبح أم للمؤمنين و زوج للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. " وقالت والله يا رسول الله ما بى رغبةً عنك ولكن لي صبية صغار ".
اعتذرت عن الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم لأمرين خافت أن تنشغل بالنبي صلى الله عليه وسلم و تهمل أولادها أو أنها تنشغل بأولادها و تهمل أداء حق النبى صلى الله عليه وسلم فأعجب بها النبي صلى الله عليه وسلم وامتدحها " فقال صلى الله عليه وسلم " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه لزوج في ذات يد "رواه أبو داود.
4- قال صلى الله عليه وسلم " أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى " ولم يفرق بينهما في حديث كافل اليتيم فرق بين السبابة والوسطى. والمقصود المرأة التي مات زوجها وترملت علي أولادها الصغار.
5- و قال صلى الله عليه وسلم " أنا أول من يفتح أبواب الجنة فإذا امرأة تبادرني فيسألها النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنا امرأة تيتمت على أبنائها الصغار " تسابق النبى صلى الله عليه وسلم في فتح باب الجنة.
6- نماء العمل وزيادته إلي يوم القيامة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " (رواه مسلم).
لذلك لما علم الصحابة الكرام رضي الله عنهم هذا الثواب والأجر رفعوا شعاراً واحداً ألا وهو أولادنا أولاً.
فنبغ منهم العلماء وخرج منهم المجاهدون والقادة والعظماء فعندما تذكر أحد الصحابة تجد ابنه يجاوره من أمثال عبد الله ابن عباس، وعبد الله ابن الزبير، وزيد ابن ثابت، وأسامة ابن زيد، وعبد الله ابن عمر، وعبدالله ابن عمرو ابن العاص، وجابر ابن عبدالله، وقيس ابن سعد ابن عبادة وغيرهم كثير...
فحري بنا أن نقتدي بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن خاصة حتي ننال الشرف العظيم في الدنيا والآخرة..
العنصر الرابع: الوسائل العملية في تربية الأولاد:
أولا: النية الصالحة:
لما كان إنجاب الولد عبادة يتقرب بها العبد إلي الله عز وجل ويأخذ العبد عليها الثواب كان لا بد للمربي من نية سابقة في تربيته لولده وماذا يريده من الولد، قال تعالى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
وقال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة) رواه مسلم.
هذه قصة رجل وامرأة أنظر ماذا كانت نيتهما في الزواج...
نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين) والخاتون عصمة الدين (والدة صلاح الدين )..
قال نجم الدين أيوب.. أريد أن أتزوج امرأة تتّق الله، يكون لي منها ولد، تحسن تربيته، حتى يكون فارسا يفتح الله على يديه بيت المقدس! فكان مرة جالسا في قصر الملك، فإذا به يسمع امرأة تحدّث الملك من وراء حجاب، يقول لها الملك، عندما تقدم لها رجل للزواج، ورفضت: لما لم تقبليه زوجا؟ فأجابت: إني لا أريده؛ إنما أريد رجلا يتق الله، يكون لي منه ولد، يحسن تربيته، حتى يكون فارسا يفتح الله على يديه بيت المقدس! فتعجّب نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين) ممّا سمع، فهو نفس كلامه الذي يحلم بتحقيقه، مع أنه لم يرها ولم يقابلها أبدا في حياته!
إنما حقّق الله له هدفه...(فتأمل أخي عندما يضع الإنسان هدفا أمامه و يثق بالله!) عندها طلب نجم الدين من الملك أن يزوجه تلك المرأة، وفعلا تمّ ذلك.. وأنجبا صلاح الدين.. ذات مرة وجدته أمه يلعب مع البنات، فأخذته وضربته ضربا شديدا، مع أنه كان صغيرا، و قالت له: ما لهذا أنجبتك! إنما أنجبتك لتفتح بيت المقدس..
ولم تتوقف عند ذلك، بل أخبرت عنه أبوه عندما جاء، فعنّفه أبوه مع شرح سبب ذلك، ثم حمله (و كان الأب طويل القامة) ثمّ أسقطه من بين يديه على التراب، بعدها قال له: أأوجعتك السقطة؟! فأجاب ذلك البطل الصغير: ما كان ينبغي لرجل سيحرر الله به بيت المقدس أن يتعثر من سقطة كهذه..
صلاح الدين الأيوبي الذي كان يقول (لولا أنّ الموت أتاني لجعلت جميع الدول الأوروبيّة إسلامية)! هذه نية صالحة وهدف سامي في الزواج. ما أعظمها من نية، وما أرقاه من هدف عظيم.
ثانيا: حسن اختيار الأم:
على المسلم أن يختار لأبنائه الأم المسلمة التي تعرف حق ربها، وحق زوجها، وحق ولدها، والأم التي تعرف رسالتها في الحياة، الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن، الأم التي تغار على دينها، وعلى سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن الأم هي المصنع الذي سيصنع فيه أبناؤك وهي المدرسة التي سيتخرجون منها فإن كانت صالحة أرضعتهم الصلاح والتقوى، وإن كانت غير ذلك فالنكال والهوان.
كان أبو الأسود الدؤلي يقول لأبنائه لقد أحسنت إليكم في حياتكم وقبل أن تولدوا فقالوا عرفنا إحسانك في حياتنا فكيف إحسانك قبل أن نولد فقال اخترت لكم أما صالحة.
ولذا فعلى أي رجل مقبل على الزواج أن يحسن اختيار الزوجة الصالح التي يجد فيها القدرة على التربية السليمة، وغرس القيم في الأولاد، فان رعاية الأبناء من جانب الأم لا يقتصر على اهتمامها بأكلهم و لبسهم و دراستهم.
إنما التربية السليمة هي عبارة عن إضافة صفة حميدة للطفل أو إصلاح سلوك يشوبه.
وكذلك حسن اختيار الزوج المناسب ليكون أباً يشعر بمسئولياته، ويقوم بواجباته تجاه زوجته وأولاده، فالأب الناجح (غالباً) في إدارة الأسرة هو الإنسان الصحيح أخلاقياً ونفسياً واجتماعياً وجسمياً، وهو الذي يستطيع ألاَّ يُحْدِثُ فجوات بينه وبين زوجته، وقل مثل ذلك في الزوجة الناجحة.
ثالثا: حسن اختيار الاسم: لعل من أهم حقوق الطفل نفسياً وفكرياً أن تكون له شخصيته وهويته، وبالتالي يحمل اسماً يعتز به، ولا يكون موضع هزء وسخرية، ولا موضع تهكم واحتقار، بل يكون اسماً ذا معنى محمود، أو صفة طيبة يرتاح لها القلب وتطمئن لها النفس، أو اسماً يبعث على الأمل والفأل الحسن، أو اسماً يدل على الشجاعة والنشاط والهمة.
والحكمة من تحسين الأسماء، وانتقائها من الكلمات التي تبعث البهجة والتفاؤل: ألا يشمئز الطفل من اسمه، ولا يشعر بنفور الناس منه، فيدعوه ذلك إلى كراهة المجتمع حوله واعتزاله إياه.
إن الاسم معيار اجتماعي يحتاجه كل ليمارس شؤون حياته، وفى هذا العصر تعتبر شهادة الولادة الرسمية هي الدليل المادي لاسم الطفل وحقِه في الرعاية في مجتمعه أو الدولة التي ينتمي إليها، والمنهج الإسلامي لا يكتفي بمجرد التسمية للطفل ولكنه يدعو إلى تسميته بالاسم الحسن.
والشريعة الإسلامية اعتنت بتسمية الطفل واهتمت بها، ودعت إلى تسميته منذ الأيام الأولى من حياته بل منذ الساعات الأولى التي يولد فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم"(مسلم). وقال رسول صلى الله عليه وسلم: "كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويُحْلَق رأسه"(أبوداود).
إن من حق الطفل أن ينتقى له الأهل من الأسماء أحسنها وأجملها وأوضحها معنى استجابة لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء توجيه الشريعة إلى ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسموا بأسماء الأنبياء"(رواه أبوداود)، وقال صلى الله عليه وسلم: "أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن"(رواه مسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم"(رواه أبوداود بإسناد حسن).
وعلى الأهل أن يجنبوا الأطفال الأسماء القبيحة التي تمس كرامتهم، وتكون مدعاة للاستهزاء بهم والسخرية منهم، كما جاء عن عائشة: كان يغير الاسم القبيح(رواه الترمذي).
وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه"(رواه البيهقي).
رابعا: الصبر والدعاء:
إن موضوع التربية وتغيير السلوك من أصعب الأعمال التي يقوم بها الإنسان لذلك يحتاج إلي صبر واستعانة بالله عز وجل، لذلك لو أدرك المربي الأجر العظيم الذي يناله من وراء ذلك لبذل كل وسعه وتحلي بالصبر الجميل ولو نظرنا إلي بعض الناس نجده يكون صبورا مع المجتمع، ولكن لا يتحمل داخل بيته بل يكون سريع الانفعال والغضب ولقد أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر مع الأهل فقال تعالى ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].
ما إن نزلت هذه الآية إلا وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم على خيمة ابنته فاطمة وزوجها على رضي الله عنهما ينادى "الصلاة الصلاة " في كل صلاة.
واعلم أن الخطأ وارد دائما مع الكبير فما بالك بالصغير، وإياك أن تعامل ولدك بالمفروض وتنسي أنه بشر يخطئ ويصيب. وتذكر قول الله تعالى ﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 94].
لذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء علي الأولاد مهما فعلوا، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه أبو داود بإسناد صحيح. وذكر الإمام الغزالي أن رجلا جاء إلي عبدالله ابن المبارك يشكو له عقوق ولده، فقال له هل دعوت له: هل دعوت عليه؟ فقال بلي فقال عبدالله ابن المبارك: أنت أفسدته!!!
أيه الوالد الكريم.. لا تكن سببا في إفساد ولدك بالدعاء عليه، وإن عقك يوما ولم يستجب لندائك، فكن سمحا كسيدنا يعقوب عليه السلام عندما قال لأبنائه ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 98].
وليكن قدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان حريصا علي الدعاء للأبناء حتي في وقت السفر، (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطوي عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل).
وهذا الفضيل بن عياض ظل يربي ولده عليا ولكن علي معرض عنه فماذا فعل الفضيل هل ضربه، أو طرده من البيت وظل يمن عليه بأنه ينفق عليه وهكذا؟؟.. لا لم يفعل شيئا من ذلك بل ظل يدعو له لمدة ثلاث سنوات وكان يدعو في صلاته ويقول اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا فلم أستطع فأدبه أنت لي فتحول عليا بفضل الله إلي غاية في الزهد والعبادة بل فاق والده في الطاعة.
مما أثر عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كان الفضيل بن عياض أفضل الناس في الزهد والعبادة وأفضل منه علي بن الفضيل.. وكان بسبب تربية الفضيل له ومات علي هو ساجد في الصلاة سنة 184 هجرية فقال والده رحم الله حبيبي من كان يعينني علي الزهد والعبادة.
خامسا: الرفق واللين:
بالقسوة والتخويف نربي شخصا ضعيفا، يقول ابن خلدون في المقدمة " من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به الظلم وحمل على الكذب والخبث خوفا من أبساط الأيدي عليه بالقهر وعلمه المكر والخديعة وفسدت فيه معاني الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل) انتهي.
فعندما يتعرض الطفل للعدوان من قبل مصدر أمنه، فالأب والأم يشكلان من حيث الجوهر حماة الطفل ومصدر استقراره وأمنه وملاذه الوجودي، وعندما يتعرض الطفل للعدوان والاعتداء والتسلط من جهات خارجية فإن الأثر الممكن قد يكون ضئيلا جدا بالمقارنة مع التسلط الذي قد يتعرض له من قبل أبويه مصدر أمنه.
فعندما يتعرض الطفل للعنف من قبل الأبوين أو أحدهما، فهذا يعني أن الطفل قد خسر آخر معاقله الوجودية، وهذا يعني أن آثار القمع والتسلط الداخلي الذي يصدر عن الأبوين قد يشكل مقتلا نفسيا للطفل، ويؤدي إلى تدميره أخلاقيا وذهنيا في مراحل لاحقة من حياته.
ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم القاسي على أهله روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " شر الناس الضيق على أهله. فقالوا يا رسول الله (الصحابة) وكيف يكون ضيقا على أهله فقال " الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر عبده فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته ".
وذم النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأقرع بن حابس وهو ينكر علي النبي صلى الله عليه وسلم تقبيله للحسن والحسين فقال أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة (من لا يرحم لا يرحم ).
و قال عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ؛ قَالَ: غَضِبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى ابْنِهِ، فَهَجَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَوْلَادُنَا ثِمَارُ قُلُوبِنَا وَعِمَادُ ظُهُورِنَا، وَنَحْنُ لَهُمْ سَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ وَأَرْضٌ ذَلِيلَةٌ، إِنْ غَضِبُوا؛ فَأَرْضِهِمْ، وَإِنْ سَأَلُوا؛ فَأَعْطِهِمْ، وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ قُفْلًا؛ فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ وَيَتَمَنُّوا مَوْتَكَ.
وورد أن الحسن والحسين غابا عن أمهما ساعةً، فشغفت وحنت وخافت عليهما، وبدأ البحث عنهما، ثم وجدهما النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن احتضنهما قائلاً: "حبيباي.. حبيباي" فلم يعنف ولم يضرب، بل أظهر الود والحنان كعادته صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وكان عبد الله ابن عمر يربي ابنه سالم علي الحب وكلما قابله يقبله ويعانقه فكان سالم أحد الفقهاء السبعة في المدينة بتربية عبد الله ابن عمر.
ومن الأساليب الناجحة في كثير من المواطن وليس كلها الاستجابة لميول الطفل وترضيته حتى يرضي، وذلك كلما كان أقرب إلي الصغر لابد من ترضيته وتنفيذ مطالبه، وعندما يلتزم الآباء بهذه القاعدة التربوية العظيمة، فإن رباط الحب سيقوى بينهم وبين أبنائهم.
وهذا ما يؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى ابن عساكر عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه كما في الجامع الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلي عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير له يلثمه، فقال له: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال تحبه ياعثمان؟ قال: أي والله يا رسول الله إني أحبه، قال: أفلا أزيدك حبا له؟ قال: بلي فداك أبي وأمي، قال: "إنه من ترضي صبيا صغيرا من نسله حتى يرضي، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضي ".
وإيمانا من المربى بأهمية ترضية الصغير حتى يرضي، وانطلاقا من فرط حبه لابنه، فإنه قد ينسى نفسه أحيانا ويدلل ابنه دلالا يفقده شخصيته ويحوله إلي شخص لا يمكننا الاعتماد عليه.
والتدليل يعني: - تلبية كافة طلبات الابن مهما كانت صعوبتها في أي وقت كان، الأمر الذي يجعل الطفل يشعر بأنه شخص مجاب الطلبات والأوامر، لذلك فإن الإفراط في التدليل يعني:
1 - إضعاف جانب تحمل المسئولية في الابن لأن جميع طلباته مجابة.
2 تحكم الابن في أبويه وخضوعهما له.
3 تمكن مشاعر "التكبر " و"الغرور " لدي الابن، وتكراره لعبارة: "أبي لا يرفض لي طلبا "، "أمي لا تقول لي "لا" أبدا".
4 تمرد الابن علي سلطة والديه وعدم احترامه لوالديه أو تنفيذه لأوامرهما.
5 تحول الابن المدلل إلي شخص غير قادر علي التكيف الاجتماعي، لأنه دائما يتوقع من أصحابه وأقرانه أن يستجيبوا لغروره وطلباته. فإياك إياك والتدليل ولا تنس قول الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ♦♦♦ فليقسوا أحيانا علي من يرحم.
سادسا: إتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التأديب.
ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم منهجا في تربية الولد وتأديبه لا ننتقل إلي خطوة إلا إذا أخذنا بالخطوة السابقة حتي تؤتي التربية ثمارها وهذه الخطوات كما يلي:
معالجة الخطأ بالتوجيه المباشر: روي البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة ‏ ‏يقول ‏: ‏كنت غلاما في حجر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد ‏ ).
معالجة الخطأ بالإشارة: عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، قال: "أردف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الفضل بن عباس، رضي الله عنهم، يوم النحر خلفه على عَجُزِ راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبي، صلى الله عليه وسلم، للناس يُفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم (وضيئة) تستفتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنه، فالتفت النبي، صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليه، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم) رواه البخاري ومسلم.
معالجة الخطأ بالعتاب: روي الطبراني عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر).
معالجة الخطأ بالتعريض: روي البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلي السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتي قال: (لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).
معالجة الخطأ بالتوبيخ: روي البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببت رجلا فعيرته بأمه (قال يا ابن السوداء)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفتموهم فأعينوهم ).
معالجة الخطأ بالزجر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كخ.. كخ.. ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" أخرجه البخاري ومسلم.
معالجة الخطأ بالقدوة العملية: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بغلام يسلخ شاةً ما يحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تنح حتى أريك فأدخل يده بين الجلد والعظم.. فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ " أخرجه أبو داوود، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه أولاً ولم يعنفه.
معالجة الخطأ بالمحاولة والتكرار: روي أبو داود والترمذي عن كلدة ابن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه، ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ).
معالجة الخطأ بالتخويف: ولا بأس بإظهار السوط ونحوه هيبةً وزجرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بتعليق السوط في البيت" وذلك حتى يراه أهل البيت فإنه أدب لهم.
10 معالجة الخطأ بشد الأذن: وهذه أول عقوبة جسدية للطفل، إذ بهذه المرحلة يتعرف علي ألم المخالفة وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه واستحق عليه شد أذنه فقد قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر).
11 معالجة الخطأ بالضرب: روي أبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).
والضرب ليس عليه إطلاقه للأب ولكن له شروط وضوابط، ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم شروطا للضرب وهي:
1 - أن يكون ابتداء الضرب في سن العاشرة.
2 أقصى الضربات عشر.
وإن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية العشر ضربات؛ وذلك لما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ".
3 لا يضرب الوجه أوالرأس أو الفرج.
4 أن يكون مفرقًا معتدلاً بحيث لا يحدث عاهةً ولا يكسر، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للضارب: "لا ترفع إبطك" أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لاينبغي أن يكون مبرحًا أي موجعا.
يحذر الغضب الذي يخرجه عن حد الاعتدال.
6 يتجنب السب والشتم البذيء.
إذا ذكر الطفل ربه، يرفع يده عنه، لما رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم" أخرجه الترمذي، وكذلك الأمر بالنسبة للصبي.
8 لا يصح التحريق بالنار لورود النهي عنه.
سابعا: العدل بين الأولاد:
لا يميز بين الأبناء ولا يفضل الذكور علي الإناث فهذا يؤدي إلي إحداث جو من الشحناء والبغضاء داخل البيت لذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد في الأمور المادية والمعنوية، وكذلك لا يجوز تمييز أحدهم في العطاء والوصية ولا يجوز حرمان أحد من حقه في الميراث فهذا حق فرضه الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قطع ميراثا فرضه الله ورسوله قطع الله به ميراثا من الجنة "رواه البيهقي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أبو داود والبيهقي.
وقد أخرج أبو داود في سننه، عن النعمان بن بشير قال: أنحلي أبي نحلاً أو نُحلةً غلاماً له. عنده عبد أعطاه لولده، قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائتي رسول الله صلى الله عليه فأشهده، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: إني نحلت ابني النعمان نُحلاً، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألك ولد سواه؟) قال: قلت: نعم، قال: (فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟)، فقال: لا، فلما قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام (فأرجعه). وفي رواية: (فرده)، وفي رواية: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم).
فرجع أبي في تلك الصدقة، وفي رواية: (فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور). ظلم، وفي رواية: (فأشهد على هذا غيري). وفي لفظ لمسلم: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".

وفي هذا تعليل واضح من النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب العدل والمساواة بين الأولاد.

وعليه، فإن ما يقوم به بعض الآباء من التمييز بين الأبناء هو أمر منهي عنه شرعاً، وذلك لما له من آثار نفسية على الأبناء.
ثامنا: مصاحبته وفن صناعة الحوار:
صناعة الحوار وتعلم فن الإنصات: لابد أن يصنع الآباء حوارا هادفا بين أبنائهم ومن المهم أن يتعلم الآباء فن الإنصات واحترام عقول الصغار ولا يسفهوا من أفكارهم حتى لا يقيموا جدارا بينهم وبين أبنائهم حتى يكون الآباء هم المرجع الوحيد لأبنائهم عند حدوث أي مشكلة حتي لا يضطر الولد أو البنت اللجوء إلي الصديق أو الشارع.
ونحذر ما يسمي في البيوت بالخرس العائلي كل فرد مشغول بحالة ولا أحد يتكلم مع الآخر بسبب الوسائل الحديثة الأب مع التليفزيون، والأم مع الفيس بوك، والأولاد إما مع المحمول، وإما الأصحاب.
وإذا أردنا أن نتعلم فن الحوار فعلينا بالرجوع إلي السنة النبوية المطهرة: عن أبي أمامه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه.. وقالوا مه مه! فقال: ادنه. فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم! اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. صححه الألباني.. هل ختم الحوار مباشرة لا؟ بل وضع يده على صدر الشاب وقال اللهم اطهر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه. إذا لم يعجبك كلامه ادعوا له و لا تنهره.... تخيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في موضع الأبوة لكل المسلمين يحدث معه هذا الأمر. يروى الإمام البخاري عن مسلمه بن سعد الساعدى أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوما إلى نفر من أصحابه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فأتي بإناء فيه لبن ليشرب فشرب ثم يريد أن يعطى الموجودين بعده، فمن السنة أن يعطى من عن يمينه والغلام عن يمينه ولكن يريد أن يعطى الأشياخ لسنهم فقال يا غلام ائذن لي أن أسقي الأشياخ قبلك فقال يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. راوي الحديث يقول فسلمه النبي صلى الله عليه وسلم في يده.
قمة احترام الطفل وتعويده علي مجالسة الكبار، وإبداء رأيه فلم ينهره، ولم يقل له كما يفعل البعض مع الصغار عندما يأتي الضيوف ادخل عند النساء لأنه عيب يجلس مع الكبار، فيتربى الولد ضعيف الشخصية، فإذا لم يجلس الولد أو يمشي مع الكبير ليتعلم قمتي يحدث؟
فالصغير لن يتعلم إلا بالاحتكاك مع الكبير لأن علماء الاجتماع يقولون إن الطباع يسرق بعضها بعضا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا علي مصاحبة الصغار لتعليمهم. فهيا نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم عند خروجنا نأخذ معنا الصغار إلي المكان الذي يمكن أن نصطحبهم إليه لكي يتربوا تربية عملية.
أخبرنا الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف خلفه في حجة الوداع أسامة بن زيد من عرفات إلى مزدلفة وفي مزدلفة تبدلت الأدوار وركب خلفه الفضل بن العباس هذا يتعلم وهذا يتعلم.
ويرى الإمام مسلم عن عبد الله بن جعفر عليهما رضوان الله قال " أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه يوما فأسر إلى حديثا لا أحدث به أحدا من الناس ".
وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم حريصين كل الحرص علي أن يحضر أبنائهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ " فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هِيَ النَّخْلَةُ "(متفق عليه).
قال فذكرت ذلك لعمر رضي الله عنه قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا.
وعلي هذا صار التابعين علي نهج سيد المرسلين كان سفيان بن عيينة مفتى مكة يجلس في مجلسه العلمي فدخل عليه في المجلس ولد صغير فنظر إليه الناس واستقلوا شأنه ففهم سيدنا سفيان نظرات الناس و معناها فقال " لو رأيتني ولى عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وزيلي بمقدار ونعلي كآذان الفار وأختلف إلى علماء الأمصار كالزهري وعمر بن دينار أجلس بين أيديهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلمتي كالموزة وقلمي كاللوزة فإذا أتيت قالوا أوسعوا للشيخ الصغير.
تاسعا: تعويده علي تحمل المسئولية منذ صغره:
إذا أردت أن تنمي شخصية ابنك لابد أن تعوده وهو صغير على تحمل المسئولية، لما نتأمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن إعداد الله له كان بتحمله المسئولية وهو في الصغر، مثلا لما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم من العمر 6سنوات أخذته أمه لزيارة قبر أبيه في المدينة المنورة وكان معهما أم أيمن وهم عائدون توفيت أمه آمنه بنت وهب بمنطقة اسمها الأبواء، من الذي قام بالدفن! أم أيمن ويساعدها النبي صلى الله عليه وسلم ويتحمل مسئولية دفن أمه بيديه هذا ما نريد أن نتعلمه من حياة النبى صلى الله عليه وسلم.
حينما نتكلم عن تحمل المسئولية يلزم أن يأتي في ذهننا مسئولية الأسرار الولد لابد أن يعرف أن للبيت أسرار لا تخرج خارجه، هذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس ابن مالك رضي الله عنه خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما ضربي ولا سبني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي وكان أول ما أوصاني بابني اكتم سري تك مؤمنا ".
يقول سيدنا أنس فكانت أمي وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألنني عن سر رسول الله فلا أخبرهم به وما أنا بمخبر بسر رسول الله أحدا أبدا ".
سيدنا أنس كان يحب التابعي الجليل ثابت البنانى فقال يا ثابت والله لو حدثت أحد بسر رسول الله صلى الله عليه لحدثتك به ".
مات سيدنا أنس وسنه 101 سنة يعنى حفظ سر رسول الله قرابة  80 سنة لم يتحدث فيه مع أحد لأن البداية كانت يا بني اكتم سرى تك مؤمنا.
وأعظم مسئولية نعلمها للأولاد: المسئولية تجاه الدين والأمة، وأشعره بحاجة الأمة إلي جهده وبذله منذ نعومة أظفاره، وهذا ما حدث مع الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه: لما ذهب إلي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فقال له لا زلت صغيرا يا بني فذهب إلي أمه حزينا باكيا فقالت له أمه تستطيع أن تخدم الإسلام من طريق آخر أنت تكتب وتقرأ وتحفظ كثيرا من سور القرآن فذهبت به إلي النبي وقالت يا رسول الله إن زيد ولدي يقرأ ويكتب ويحفظ كثيرا من سور القرآن فاستعمله لخدمة الإسلام وكان عمره وقتها 11 سنة فاختبره النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ له من سورة (ق) فأعجب به النبي صلى الله عليه وسلم واكتشف أنه متميز في هذه المسألة اللغوية فبدأ يحدثه عن احتياجات الأمة قائلا: يا غلام تأتيني كتب من يهود لا آمن عليها أحدا فتعلم لي كتاب يهود يقول زيد فذهبت فتعلمت العبرية في خمسة عشر يوما فكنت أكتب بها للنبي صلى الله عليه وسلم وأترجم ما يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم من يهود وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أرادوا جمع القران فلم يجدوا أفضل من زيد بن ثابت لهذه المهمة وعمره 23 سنة (يتولى جمع القران).
يقول زيد ابن ثابت لقد كلفني أبو بكر بمهمة هي أثقل من نقل الجبال وخوض البحار وقام بها على خير وجه.
العنصر الخامس: خطورة إهمال التربية:
إذا أردت أن تعرف ثقافة أي شعب فانظر إلى سلوكيات فئة الأطفال فيه؛ لأنهم المرتكز الأول في تنمية الشعوب، لذلك يُعد إهمال التربية من الأمور التي من الممكن أن تهوي بجيل المستقبل، والتي نتلقى نتائجه المدمرة على المدى البعيد، كما أن ذلك قد يؤدي إلى "تشتت" و"ضياع" الأبناء الذين هم أساس أي مجتمع، من خلال مرافقتهم لأصدقاء السوء، أو التأثر بما يشاهدونه عبر "التلفاز" والقنوات الأجنبية.
قال الإمام ابن القيم: وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا".
ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المٌهمَلين من قبل آبائهم.
ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع، مما يترتب عليه إخراج جيل ممسوخ الهوية شاذ السلوك لا يستطيع أن يدافع عن دين أو عرض أو أرض وهذا ما ينشده أعداء الإسلام، ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
أسأل الله العظيم أن يصلح لنا ولكم الذرية، وأن يحفظ أولادنا من كل مكروه وسوء، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
انتهت بفضل الله وتوفيقه.