تحميل word
تحميل pdf
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير...شرع لنا الدين سمواً بالإنسان إلي معارج الكمال وكريم الخصال وحميد الفعال.. فقال تعالى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم... أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله فهدي الله به الناس فأخرجهم من الظلمات إلي النور فجاء بالدين الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق فقال صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.....
أما بعد: فيا أيها المؤمنون:
لقد شرع الله عز وجل لنا الدين ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين فديننا هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية لأن الله تعالى هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
هل نستطيع أن نحدد أهم ما يريده الفرد لنفسه، وما ينشده في حياته؟ وما الذي تتطلع إليه نفسه، ويسعى جاهداً لتحقيقه من الأهداف الكبيرة والغايات البعيدة؟ وهل يستطيع أي بشر أن يحقق له ما يريد ؟ لا نعم نستطيع، أن نحدد ذلك إذا نظرنا إلى أنفسنا ونظرنا إلى البشر من حولنا، واستقرأنا أحوال البشر في تاريخهم القريب والبعيد نستطيع أن نحدد ذلك إذا عرفنا أن مقصودنا من الفرد هو الإنسان السوي لا الشاذ، الإنسان السليم لا المختل المشوه المشوش. لذاك كان حديثنا عن بعض مظاهرعظمة الإسلام الحنيف وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- تعريف الإسلام.
2- المناهج الموجودة على وجه الأرض.
3- مظاهر عظمة الإسلام.
4- الخاتمة.
2- المناهج الموجودة على وجه الأرض.
3- مظاهر عظمة الإسلام.
4- الخاتمة.
العنصر الأول:
تعريف الإسلام: الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وفيه أركان الإسلام حيث سأله فقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) قَالَ: صَدَقْتَ[ متفق عليه: أخرجه البخاري؛ كتاب الإيمان].
ولا شكَّ أن دين الإسلام هو الدين الحق المنزل من عند الله تعالى، وهو منهج الحياة المتكامل القائم على ما جاء في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وما ثبت من سنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وذلك خلافاً لما سواه من المناهج والأديان الأخرى، ولعل عرضًا عامًّا لتلكم المناهج القائمة بين الناس على هذه البسيطة يجلي الصورة ويوضحها.
العنصر الثاني:
النظم الموجودة علي وجه الأرض: إن النظم القائمة كلها - عدا دين الله تعالى الإسلام - لا تخرج عن أحد هذه الأصناف الثلاثة:
الأول: منهج ديني محرَّف:
فهو إلهيٌّ في الأصل، وله كتاب سماوي من عند الله عز وجل، ولكن دخله التحريف والتبديل، والحذف والزيادة، فاختلط فيه كلام الله تعالى بكلام البشر وأهوائهم، ومثاله: اليهودية والنصرانية..
الأول: منهج ديني محرَّف:
فهو إلهيٌّ في الأصل، وله كتاب سماوي من عند الله عز وجل، ولكن دخله التحريف والتبديل، والحذف والزيادة، فاختلط فيه كلام الله تعالى بكلام البشر وأهوائهم، ومثاله: اليهودية والنصرانية..
الثاني: منهج ديني بشري:
فهو ديني لأن فيه القيام بأداء طقوس تعبدٍ وتألهٍ يؤديها الإنسان لمألوه أو لعدد من الآلهة؛ من بشر وحجر ومال وهوى وشهوة وغير ذلك، وقد لا يكون فيها صلاح حال هذا الإنسان ولا تنظيم حياته؛ وإنما طقوس غامضة أو مرعبة.
فهو ديني لأن فيه القيام بأداء طقوس تعبدٍ وتألهٍ يؤديها الإنسان لمألوه أو لعدد من الآلهة؛ من بشر وحجر ومال وهوى وشهوة وغير ذلك، وقد لا يكون فيها صلاح حال هذا الإنسان ولا تنظيم حياته؛ وإنما طقوس غامضة أو مرعبة.
وهو دين بشري لأنه من صنع البشر، فليس له أصل من عند الله تعالى، ومن أمثلة ذلك: الهندوسية، البوذية، عبادة الشيطان،عبادة الأصنام، وغيرها.
الثالث: منهج مدني بشري خالص:
فهو مدني لأنه نظام حياة دنيوية؛ يُعنى بتنظيم حياة الإنسان الدنيوية وتحقيق مصالحه وفق ضوابط وقيود دنيوية، وبشري لأن مصدره البشر، أفرادًا أو جماعات، فهو نتاج تفكير الإنسان واجتهاده وتنظيره، ومن أمثلة ذلك: العلمانية، الشيوعية، الرأسمالية، الوجودية، وغيرها كثير.
فهو مدني لأنه نظام حياة دنيوية؛ يُعنى بتنظيم حياة الإنسان الدنيوية وتحقيق مصالحه وفق ضوابط وقيود دنيوية، وبشري لأن مصدره البشر، أفرادًا أو جماعات، فهو نتاج تفكير الإنسان واجتهاده وتنظيره، ومن أمثلة ذلك: العلمانية، الشيوعية، الرأسمالية، الوجودية، وغيرها كثير.
هذه هي المناهج القائمة بين يدي البشر على وجه الأرض،ولم تحقق للإنسان ما يريده لأنها قاصرة، ويبقى الإسلام وحده بصفائه ونقائه وسموه وكماله من بين سائر المناهج والأديان هو القادر على البقاء في خضم الصراعات الثقافية والفكرية والحضارية؛ لأنه يمتلك خصائص تؤهله لذلك، ويكفي وعد الله العليم الخبير القوي القادر بأن العاقبة للمتقين، يقول جل وعلا: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة 32-33].
وهذه حقيقة ظاهرة تنبه لها بعض رجالات الغرب، ونطقت بها ألسنتهم - والحق ما شهدت به الأعداء.
يقول الكاتب الإنجليزي (هيلير بيلوك): (لا يساورني أدنى شك في أن الحضارة التي ترتبط أجزاؤها برباط متين، وتتماسك أطرافها تماسكًا قويًّا، وتحمل في طياتها عقيدة مثل الإسلام، لا ينتظرها مستقبل باهر فحسب؛ بل ستكون أيضًا خطرًا على أعدائها).
العنصر الثالث:
مظاهر عظمة الإسلام: وهذه المظاهر هي الميزات والصفات التي ينفرد بها دين الإسلام عن غيره من الديانات والمناهج الأخرى.
أولا: دين إلهي:-
الإسلام دين الله عزَّ وجلَّ الذي ارتضاه للعالمين، وهذه من أعظم خصائصه وأُسُّها؛ فما سواها من الخصائص نتيجة لها وثمرة من ثمارها.
أولا: دين إلهي:-
الإسلام دين الله عزَّ وجلَّ الذي ارتضاه للعالمين، وهذه من أعظم خصائصه وأُسُّها؛ فما سواها من الخصائص نتيجة لها وثمرة من ثمارها.
دين أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل بحفظه ونصره وإظهاره على الدين كله.
دين من عند الله تعالى مصدره القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة، القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وقد حفظه الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
والسنة المصدر الثاني وحي من عند الله تعالى كما قال جل وعلا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].
وبيَّن الله تعالى مهمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي إبلاغ دين الله إلى الناس، فقال جل وعلا: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [العنكبوت: 18، النور: 54].
وقال جل وعلا: ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ ﴾ [الشورى: 48] فهو صلى الله عليه وسلم واسطة في إبلاغ شريعة الله تعالى من الله سبحانه إلى خلقه وبيانها لهم والله جل وعلا يقول في آية محكمة: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُْمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
وجانب آخر من إلهية هذا الدين؛ فكما أن مصدره من عند الله تعالى فكذلك غايته وهدفه تحقيق مرضاة الله عزَّ وجلَّ والقيام بعبادته، فهذه الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 – 58].
ولهذا المظهر ثمرات منها:
1- أنه يبين الحقائق الكبرى التي لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا بالوحي المعصوم؛ كمعرفة الخالق عز وجل، وصفاته وأمره ونهيه، وبداية الخليقة والغاية منخلق الإنسان.
1- أنه يبين الحقائق الكبرى التي لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا بالوحي المعصوم؛ كمعرفة الخالق عز وجل، وصفاته وأمره ونهيه، وبداية الخليقة والغاية منخلق الإنسان.
2- أنه دين من عند الله تعالى سالمٌ من النقص والتعارض والهوى والحيف والظلم، فهو شرع الله العليم الخبير سبحانه، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول الله تعالى مبيناً عظمة دينه واتفاق تشريعاته: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82 ].
3- موافقته للعلم الصحيح، والعقل السليم، فهو دين يعتني بالعلم ويمجِّد العلماء، ويحترم العقل ويخاطب عقول العقلاء. وقد بين جل وعلا مكانة العلم والعقل ومنزلة أهلهما فقال سبحانه: ﴿وَتِلْكَ الأَْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت: 43].
4- تحرير الإنسان من عبودية الإنسان والهوى؛ فيخلص في عبادته لله رب العالمين سبحانه وتعالى، ويعمل وفق شرعه وتوجيهه وأمره ونهيه.
سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أمَا إِنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلّوا لَهُمْ شَيْئاً اسْتَحَلّوهُ، وَإِذَا حَرّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئاً حَرّمُوهُ)[أخرجه الترمذي].
وكما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه بين يدي رستم قائد جيوش كسرى: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)[البداية والنهاية، (7-47)].
ثانيا: دين شامل:
وتتضح شمولية الإسلام في صور منها:
1- أنه دينٌ شامل للثقلين: الجن والإنس. فأما الإنس فظاهر في نصوص القرآن العظيم، يقول الله جل وعلا: ﴿ ﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. ويقول سبحانه: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].
2- أنه دين شاملٌ للزمان كله؛ من بعثة نبينا محمد إلى قيام الساعة.
3- دينٌ شاملٌ للمكان؛ فليس خاصًّا بإقليم دون آخر، ولا بأمة دون أخرى؛ شمولية مكانية؛ يطالب بهذا الدين كل البشر في أي مكان ومن أي أمة، ويتأكد بها أن المسلم مطالب بتنفيذ أحكام دين الله تعالى في كل مكان.
4- دينٌ شاملٌ للإنسان في مراحل حياته المختلفة، وفي علاقاته المتعددة، يوجهها إلى ما فيه صلاحه ورفعته وحفظه وهدايته.
وبهذا يتأكد للمسلم أنه ما من شأن من شؤونه ولا تصرف من تصرفاته إلا ولله تعالى فيه حكم وقضاء، وأن دين الإسلام منهج حياة مُهَيمن على كل تصرفات الإنسان، فيُرَدُّ بذلك على كلِّ من يعترض على نظرة الإسلام الشمولية لشؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية وغيرها؛ ممن يرددون مقالات مستوردة؛ كقولهم: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وقولهم: (لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة)، ويقال لهم بأن لله كل أمر ونهي وتدبير وحكم وقضاء، ﴿ قُلْ إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154]، ويقول جل وعلا: ﴿ لِلَّهِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ [الروم: 4].
وقد أنكر الإسلام أشد الإنكار على من يأخذ من الدين ما يهوى، ويدع ما لا يوافق هواه، وينسى أن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، يقول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151].
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن ندخل في الإسلام كله فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) البقرة ( 208).
ثالثا: العالمية:
والعالمية: هو أن رسالة الإسلام غير محدودة بعصر، ولا جيل، ولا بمكان، فهي تخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الشعوب وكل الطبقات، وهي هداية رب الناس لكل الناس، ورحمة الله لكل عباد الله
وعالمية الإسلام آمر من صميم هذا الدين مركوزة فيه بحكم طبيعته تجسد منذ البداية رموزا في (بلاد الحبشة، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وعمر القرشي)، وأيضا كتب الرسول إلى أمراء وملوك عصره تؤكد ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ.هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟). ثُمّ يَقُولُ أَبُوهُرَيْرَةَ: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾[متفق عليه: أخرجه البخاري].
خامسا: الوسطية:
وهي العدل والفضل والخيرية والتوازن، فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانبًا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع.
فقوله سبحانه (وسطًا) أي عدلاً، ووسط الشيء أو أوسطه بمعنى أفضله وأعدله وخياره.
يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: (إنما وصفهم الله - تعالى ذكره - بأنهم وسط لتوسطهم في الدين).
ونماذج وسطية الإسلام كثيرة، وليس المجال لذكرها ولكن نعرض لبعض الصور التي تدل على شيء من ذلك:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا، كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) [متفق عليه].3- وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يَا عَبْدَ الله، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) متفق عليه.
4- عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سليمان وأبي الدرداء,فزار سلمان أبا الدرداء, فرأى أم الدرداء وهي متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو ليس له بنا حاجة في الدنيا, فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما. فقال له: كُل. قال: فإني صائم , قال: ما أنا بآكل حتى تأكل, قال: فأكل, فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم, قال: نَـم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نَم ,فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُم الآن، فَصَلَّيَا , فقال له سلمان: إن لربك عليك حقّـا، ولنفسك عليك حقّـا، ولأهلك عليك حقّـا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان".
وحينما نذكر وسطية الإسلام من خلال هذه الأحاديث والمواقف وغيرها، يجب علينا ألاَّ ننسى ما يقابل ذلك وهو التفريط، فكما ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغلو، وطلب الزيادة في العمل تعبدًا لله عزَّ وجلَّ، فإن ذلك يعني التنبه للمقابل وهو الوقوع في التفريط والترك لشيء مما شرع الله تعالى؛ كترك الفرائض ومواقعة الذنوب والاستهانة بالمعاصي: فكلا طرفي الأمر خطأ ومخالف لدين الله تعالى؛ الزيادة غلو في دين الله تعالى، والترك تقصير في حق المولى جل وعلا.
وشريعة الله تعالى هي الوسط القائم على أداء ما شرع الله تعالى من غير تفريط ولا إفراط.
سادسا: دين الأخلاق:
الإسلام دين الأخلاق، فما من حُكم شرعي في دين الإسلام إلا ويلبِّي مقصدًا خُلُقيًّا حميدًا للإنسان، ولهذا كان قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ)[أخرجه البخاري]، وقوله: (إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ؛ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ؛ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ.قالوا:يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: المُتَكَبِّرُون)[أخرجه الترمذي].
فالثرثرة والتشدق والتفيهق صفات ذميمة لما تتضمنه من معنى العجب بالنفس والرد للحق والتعالى على الخلق.
ولقد فرض على من يتمسك بالإسلام أن يكون حسن السلوك، سامي الخلق، شريف المعاملة، ولقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وسلف الأمة، أعظم مثال على ذلك المجتمع الأخلاقي المثالي.
وحين يقرأ المسلم القرآن العظيم أو يتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن الله تعالى يؤكد على صفات أهل الإيمان، بأنها الصفات الفاضلة، ويفصِّل في ذكرها تفصيلاً يُبين سموَّ أخلاق هذا الدين ومقاصده، في صبغ الناس بهذه الصبغة الأخلاقية الإلهية السامية، يقول الله جل جلاله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 1 – 6].
وقال جل وعلا عن عباد الرحمن: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا *وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا *وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان: 63 - 68].
وتتجلى هذه الخصيصة في أحكام هذا الدين وتفصيلات شريعة الله تعالى، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة فيها التربية على سخاء النفس وبذلها، وفي الصوم تلمس أحوال الفقراء والشعور بحاجتهم، وفي الحج نهيٌ عن الرفث والفسوق والجدال والصخب، وتدريب النفس على الصبر والإيثار، والمعاملات بين الناس تقوم على الوضوح والمصلحة المتبادلة، وتذم الأحكام الشرعية الأنانية والمكر والغش والخداع والاحتكار وكل ما فيه جهالة وغرر.
وهذه المبادئ السامية والشمائل الكريمة التي كانت عاملا من عوامل انتصار الإسلام.
فقد نهى الإسلام عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة وأهل الصوامع والبيع الذين لا اعتداء من ناحيتهم ولا خطر من بقائهم فكان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشا أو سرية يوصيهم بالإحسان والتسامح والرحمة بالنساء والضعفاء.
وهكذا كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده صلى الله عليه وسلم فهذا أبو بكر رضي الله عنه وقد وبعث أوصى جيش أسامة فقال: (يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها) الخ ما ذكره رضي الله عنه.
والمقصود بالسلم هنا السلام العادل المنصف الذي يحفظ للمسلمين عزتهم وكرامتهم ويضمن لهم حقوقهم، فهو سلام من منطق القوة سلام العزة والكرامة، وليس سلام الضعفاء الأذلاء المقهورين فالإسلام لايرضى لأتباعه إلا القوة والعزة والأمن والكرامة ؛ لذلك فلا عبرة بالسلام المزعوم المبني على ضعف واستسلام وأكاذيب وأوهام وقبول للمساومات وتقديم للتنازلات قال تعالى ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]. وقال جل وعلا ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].
العنصر الخامس: الخاتمة:
فيا أيها المسلمون:
إذا أردتم العزة والكرامة، والحرية والسلام، والعدالة والحياة الفاضلة الكريمة، فلن تجدوا ذلك إلا في رحاب هذا الدين العظيم!
قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123] أي: فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا, ويهتدي, ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله. ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة وإن ظهر أنه من أهل الجاه والأموال-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.
فيا له من دين لو كان له رجال:
كم تحمَّل الأنبياء والمرسلون في سبيل نشر هذا الدين وكم قُتل منهم وكم عُذِّب، وكم لاقوا لأجل هذا الدين!
ففي سبيل هذا الدين:
ظل نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، ولبث يوسف في السجن بضع سنين، وألقي في النار أبو الأنبياء والمرسلين، ونُشر بالمنشار زكريا، وقُتل ابنه يحيى الأمين، وناهيك عما حدث لقائد الغر الميامين، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ ففي أُحُدٍ كُسرت رباعيته، وشُجَّ وجهُه، واستقرَّ سهم في وجنته، على أيدي المشركين.
فيا له من دين!
وقتل لأجل هذ الدين، وفي سبيل نشر هذا الدين، من الصحابة: عمر، وعثمان وعلي، وطلحة والزبير، وحمزة،ومصعب، وغيرهم الكثير، وكلهم من الأخيار الأطهار.
وعُذِّب في سبيله الكثيرُ من العلماء؛ فجُلد الإمام مالك فقيل: لا يُفْتي إلا مالك، وجُلد أحمد فصار إمام أهل السنة، وسُجِن ابن تيمية فصار علم الأمة، وقُتل ابن جبير إمام التابعين، وكلهم جاهدوا في الله حتى أتاهم اليقين.
فإلي روح الإسلام من جديد نسعد في الدارين.. نسأل الله أن يحفظنا بالإسلام في كل وقت وحين، وأن يستعملنا لخدمة دينه إنه ولي ذلك ومولاه....
انتهت بفضل الله ورحمته