الحمد لله رب العالمين ... الحمد لله الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا ، وأوجب صلة الأرحام وأعظم في ذلك أجرًا ، وجعلها من دعائم المجتمع المسلم فقال تعالي{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36){النساء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ... حذر من قطع الرحم واعتبرها أمانة ومسئولية يُسأل عنها العبد يوم القيامة فقال تعالي } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1){ ﴾ [النساء]
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ).. قرن صلة الرحم بالإيمان بالله واليوم الآخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) رواه البخاري.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
إن الله تعالي أرسي قواعد المجتمع المسلم الفاضل الذي يقوم علي المحبة والمودة والتواصل ، وبين أن هذا سبب في تقوية المجتمع والطريق إلي الفلاح في الدنيا والآخرة فقال تعالي } فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) { الروم .
حقه من المودة والصلة ، وخاصة أن المجتمع يعاني الآن من القطيعة والعقوق ، وذلك بسبب المفاهيم الغربية التي تشربها كثير من الناس إلا ما رحم ربي ،فصرنا نرى ونسمع أمثلة كثيرة عن قطع الرحم ، فالمحاكم اليوم مليئة بقصص يندي لها الجبين ويعتصر لها القلب حزنا ، فنجد الأخوة الذين تخاصموا وتناحروا من أجل الميراث ،والأب الذي يطلب النفقة من ابنه عند القاضي ، ونجد الإبن لا يصل والدية إلا في المناسبات والأخ لا يعرف شيئا عن إخوته ، ولا القريب يعرف أبناء أقاربه الصغار ، بحجة أنه مشغول ، وأصبحت الأنانية مسيطرة علي كثير من الناس لا يفكر كل فرد إلا في نفسه وفقط ، كل ذلك بسبب فقدان قيمة صلة الرحم في الإسلام .
لذلك كان من الواجب أن نبين قيمة [صلة الرحم في الإسلام] ، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ حقيقة صلة الرحم.
2ـ حكم صلة الرحم .
3ـ فضل صلة الرحم .
4ـ أثر صلة الرحم علي المجتمع.
5ـ صلة الرحم الحقيقية.
6ـ التحذير من قطعية الرحم.
8ـ الخاتمة .
===================
العنصر الأول : حقيقة صلة الرحم:ــ
الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم .
وصِلَةُ الرحم: تعني الإحسان إلى الأقربين، وإيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشرِّ عنهم؛ فتشمل زيارتهم والسؤال عنهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، وعيادة مرضاهم، وإجابة دعوتهم، واستضافتهم، وإعزازهم وإعلاء شأنهم، وتكون أيضًا بمشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وغير ذلك ممَّا من شأنه أن يزيد ويُقَوِّيَ من أواصر العَلاقات بين أفراد هذا المجتمع الصغير.
فهي إذن باب خير عميم؛ فيها تتأكَّد وَحْدَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وتمتلئ نفوس أفراده بالشعور بالراحة والاطمئنان؛ إذ يبقى المرء دومًا بمنأى عن الوَحْدَة والعُزْلَة، ويتأكَّد أن أقاربه يُحِيطُونَه بالمودَّة والرعاية، ويمدُّونه بالعون عند الحاجة.
العنصر الثاني : حكم صلة الرحم :ـ
لا خلاف أن صلة الرحم واجبة قولا واحداَ, وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب, وقد جعلها الله تعالي من التكاليف الدعوية التي يثاب عليها المرء ،وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة فهذه بعض الآيات الكريمة التي أوجبت صلة الرحم ...
فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى ذوي القربى، وهم الأرحام الذين يَجِبُ وَصْلُهم، فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينِ وَالْـجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْـجَارِ الْـجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْـجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا(36)} [النساء].
قال تعالي } وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ(83){ (البقرة) .
وقال تعالى :( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177) (البقرة) .
وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90){ (النحل).
وصلة الرحم واجبة حتي ولو كانت الرحم غير مسلمة ، لو أن إنساناً أسلم ، وأهله ليسوا كذلك ، هل عليه أن يصلهم ؟
الجواب : نعم ، عليه أن يصلهم ولو كانوا غير مسلمين ، فعَنْ أَسْمَاءَ ، قَالتَ : قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ (ﷺ) مَعَ ابْنِهَا ، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ (ﷺ)، فَقُلْتُ : إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ ".
ولكن هذه الصلة مشروطة ، بأن تكون فيما لا يتعارض مع أحكام الإسلام ، وفيما لا يتعارض مع صالح المسلمين ، أي إذا كانت هذه الصلة سوف تقودك إلى معصية ، ومن معصية إلى معصية، ومن اختلاط إلى تبذل ، وبعد عن الله عز وجل ، هذه عندئذ ليست صلة رحم ، لا مؤاثرة في الخير ، ولكن الخير كله في المؤاثرة ، أي لا تؤثر أحداً على طاعتك لله ، لا تؤثر كائناً من كان على طاعتك لله ، والقاعدة الأصولية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المنافع
إن لم تتعارض هذه الصلة مع أحكام الإسلام ، ومع مصالح المسلمين يجب أن يزورهم ، وأن يعاونهم ، وأن يتفقدهم، وأن يعينهم ، وأن يكرمهم ، وأن يواسيهم في أحزانهم ، وأن يشاركهم في أفراحهم ، ولو كانت الرحم غير مسلمة .
إن صلة الأرحام من أعظم ما أتى به الإسلام حيث أن الأسرة فيه لا تقف عند حدود الوالدين وأولادهما، بل تَتَّسع لتشمل ذوي الرحم وأُولِي القربى من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم؛ فهؤلاء جميعًا لهم حقُّ البِرِّ والصِّلَة التي يحثُّ عليها الإسلام، ويَعُدُّهَا من أصول الفضائل، ويَعِدُ عليها بأعظم المثوبة، كما يَتَوَعَّدُ قاطعي الرحم بأعظم العقوبة، فمَنْ وَصَلَ رحمه وَصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله.
ولقد جعل الله تعالي لصلة الرحم فضل كبير وأثر عظيم ، فمن هذه الفضائل ما يلي ....
1- صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصلة الرحم والكلمة الطيبة.
وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .
2ـ صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر ،ودفع ميتة السوء :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
فقد بَشَّرَ رسولُ الله (ﷺ)الذي واصِلُ الرحم بسعة الرزق والبركة في العمر فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): [من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ] . رواه البخاري.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال:[ من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ] . رواه البزار والحاكم.
وقد فَسَّرَ العلماء ذلك بأن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
3ـ صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :ـ
لقد جعل الله تعالي صِلَةَ الرحم توجب صِلَتَه سبحانه للواصل، وتتابع إحسانه وخيره وعطائه عليه، وذلك كما دَلَّ الحديث
القدسي الذي رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله (ﷺ)يقول: قال الله تعالي:
"أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ" رواه الترمذي .
وروى أبو داود عن أبي سلمة رضي الله عنه في أن رسول الله (ﷺ)قال فيما حدث عن ربه ، يقول الله عز وجل : (أَنَا اللَّهُ ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) بتته: أي قطعته ).
وعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي (ﷺ)أنه قال :[ الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .
4- صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة:ـ
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال رسول الله (ﷺ): « تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم» رواه البخاري ومسلم.
وعن النبي (ﷺ)أنه قال : [ يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
5ـ صلة الرحم طاعة لله عز وجل:
فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل، قال تعالى مثنيا على الواصلين قال تعالي:{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21)} الرعد.
6ـ صلة الرحم سبب في تأييد الملائكة:ـ
لحديث النبي (ﷺ)عن الواصل الذي قال فيه "ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك"
7ـ صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله:
فقد سأل رجل من خثعم رسول الله (ﷺ):( أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم مه ؟ قال: ثم صلة الرحم، قال: ثم مه ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله ، قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، قال: قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قال : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) رواه أبو يعلى بإسناد جيد, كما ذكر ذلك المنذري في الترغيب والترهيب .
8ـ صلة الرحم أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة:ـ
عن عقبة بن عامر أنه قال لقيت رسول الله (ﷺ)فبدرته فأخذت بيده وبدرني فأخذ بيدي فقال :( يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك, ألا ومن أراد أن يمد له في عمره ويبسط في رزقه فليصل ذا رحمه ) الحاكم في المستدرك .
9ـ التصدق على ذوي الأرحام يزيد من الثواب والأجر :ـ
عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبي (ﷺ): «إنَّ الصَّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صدَقةٌ وصِلةٌ»؛ (النسائي، وصححه الألباني).
وعن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي (ﷺ): «إن أفضل الصدقة الصَّدقةُ على ذي الرحِمِ الكاشح» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وفي هذا الحديث الشريف وصيَّة نبويَّة للحثِّ على أجر كريم؛ وهو الصدقة على ذي الرحم الذي يُضمِر العداوة، ومن يتَّبع هذه الوصيَّة الشريفة فهو يسعى إلى الإخلاص طمعًا في مرضاة الله الكريم.
العنصر الرابع : أثر صلة الرحم علي المجتمع:ـ
1ـ صلة الارحام تقوي الروابط المعنوية بين المجتمع الاسلامي :
فيصبح المجتمع كالبنيان المرصوص حيث يشعر كل فرد في المجتمع بالانتماء لهذه الامة
،فتماسك المجتمع وتعاونه يبدأ بصلة الرحم.
فهذا سيدنا جعفر بن أبي طالب يبين أن من أهم معالم دعوة الإسلام التي جاء بها النبي (ﷺ) صلة الرحم ، حينما سأله النجاشي عن دعوة الإسلام قال: (أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء) [أخرجه ابن خزيمة]
وهذ أبو سفيان حينما كان عند هرقل ملك الروم ، وهذه القصة رواها البخاري ومسلم :( قال هرقل لأبي سفيان : حدثني عن محمد ماذا يأمركم به ؟ قال أبو سفيان : قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ)
من هذين الآثرين يتضح لنا أن أحد أكبر معالم الدعوة هي :الدعوة إلى صلة الرحم ؛ ليتماسك المجتمع ، ليتعاون المجتمع ، ليأخذ كل منا بيد أخيه ، ليأخذ القوي بيد الضعيف ، ليأخذ العالم بيد الجاهل ، ليأخذ الغني بيد الفقير . عليه أن يزورهم ، وعليه أن يتفقد أحوالهم ، وعليه أن يلبي دعوتهم ، وعليه أن يواسيهم في أحزانهم ، وأن يشاركهم في مسراتهم ، وعليه أن يكرمهم ، وعليه أن يقدم لهم الهدايا ، وعليه أن يعاونهم إذا كانوا فقراء ، وعليه أن يأخذ بيدهم إلى الله والدار الآخرة ، هذه صلة الرحم ، ولها جزاءان معجلان في الدنيا ؛ أن الله سبحانه وتعالى يزيد في رزق الواصل ، ويؤخر أجله بمعنى أنه يزيد عمره أعمالاً صالحة .
2- صلة الرحم تعزز مبدا التكافل والتعاون والمحبة بين الناس :ـ
فخيركم خيركم لأهله ، فاذا صان كل فرد أهله أصبح المجتمع كله مصونا ، فصلة الرحم إلى جانب الزكاة والصدقة وإكرام الضيف والكلمة الطيبة .. وكثير مما شرعه الله تضمن بقاء المجتمع مصونا من الأمراض الإجتماعية ... فسبحان الله كيف لبشر أن يوجد تشريعا كهذا يحفظ المجتمع بهذا الشكل ،تشريع متكامل وقوانين واضحة لا لبس فيها ...
3- صلة الرحم تجعل كل إنسان في المجتمع يشعر بقيمته :
يشعر كل إنسان بقيمته في أسرته وفي مجتمعه ،فلا يشعر بأنه منبوذ ، وبالتالي تحفز للعمل والعطاء وفعل الخيرات ...
وعندما تصل أهلك وقت الشدة ،تخفف عنهم شدتهم وتدفع عنهم اليأس ، وفي وقت الرخاء يحس الغني عندما يصله الناس بأنه ينتمي لهذا المجتمع وأنهم أهله ويشعر بالواجب تجاه الإسلام والمسلمين فينفق ماله فيما فيه النفع لهم ...
4ـ صلة الرحم من أسباب التوفيق والنجاح في الدنيا، ومن أسباب حب الطاعة وكره المعصية:ـ
يقول ابن حجر رحمه الله: "إن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح" فتح الباري لابن حجر.
العنصر الخامس: صلة الرحم الحقيقية :ـ
درج الناس على أن يصلوا من وصلهم ، وعلى أن يقطعوا من قطعهم ، ليست هذه صلة الرحم ، لأن الذي يصل من وصله ، ويقطع من قطعه ليس له فضل على الطرف الآخر.
فمن الحقائق الثابتة أنه ليس الواصل : الذي يعامل أرحامه بالمثل ، فإن وصلوه وصلهم ، وإن قطعوه قطعهم ،ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ، فيحسن لمن أساء اليه ويزور من جافاه وهجره من أقاربه .
فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ)قال: (ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) رواه البخاري.
معنى الحديث: إن صلة الرحم ليست في أن يكتفي الإنسان بصلة من وصله فهذه تسمى مكافأة... بل أعظم ما يكون من الصلة هي في وصل من حصلت منه القطيعة.
وقال الله عز وجل {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)}[ الرعد]
وكان من أخلاق النبي (ﷺ)أنه يصل من قطعه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):(أمرني ربي بتسع ، خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأن أعفو عمن ظلمني،وأن أعطي من حرمني ،وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ،ونظري عبرةً ))
وربما يقول إنسان أنا أصل أهلي ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئونى إلي ، ويمتنع عن الصلة لهم ويزين له الشيطان عمله بحجة أنهم لا يستحقون ما أقدمه لهم ..
اسمع لحديث النبي (ﷺ).. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : (إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) . رواه مسلم.
والمَلّ: الرماد الحار ،
قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .
وهذا نموذج في عظيم يدل علي النفوس الراقية التي تعالت عن الأحقاد والضغائن ...
كان سيدنا أبوبكرالصديق رضي الله عنه ينفق على ابن خالته مسطح ابن أثاثة ،لأنه كان فقيرا، ولما كان حديث الإفك ، حيث خاض المنافقون في عرض أمنا عائشة رضي الله عنها، فكان ممن تكلم معهم مسطح ابن أثاثة ابن خالته ، فلما بلغ ذلك أبابكر قطع عنه النفقة وهذا في نظرنا أقل ما يمكن فعله، ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل في ذلك قرآنا كريما ليسطر لنا مثلا عظيما في التعامل الاجتماعي بين الناس فنزل قوله تعالى { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} النور.
قال أبوبكر رضي الله عنه: بلى!! أي بلى أحب أن يغفر الله لي وأن يعفو عني،فرد أبوبكر رضي الله عنه النفقة التي كان ينفقها على ابن خالته رغم ماكان منه في حق أم المؤمنين رضي الله عنه.
فانظروا أيها المسلمون ... يا من تقطعون الأرحام لسنين طويلة وربما يكون السبب تافه وبسيط!
هل هناك سبب أعظم مما فعله مسطح مع السيدة عائشة رضي الله عنها؟
ورغم ذلك انظروا كيف كان الرد القرآني على ذلك، وكيف استجاب الصديق رضي الله عنه لأمر الله تعالي طمعا في عفو الله ومغفرته .
لما أوصي الله تعالي بصلة الرحم ووعد عليها الثواب والأجر العظيم فنجد في المقابل التحذير الشديد من قطيعة الرحم وَعَدِّها ذنبًا عظيمًا؛ بل إنها من الكبائر، إذ إنها تفصم الروابط بين الناس، وتُشِيعُ العداوة والبغضاء، وتعمل على تَفَكُّكِ التماسُكِ الأُسَرِيِّ بين الأقارب؛ وقد وعد الله تعالي قاطع الرحم بالعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة ، فهذه بعض العقوبات التي تقع علي قاطع الرحم:
1ـ حلول اللعنة، وعمَى البصرِ والبصيرة:
قال الله تعالى محذرًا مِنْ: } فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23){ محمد .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن .
2ـ سبب في المنع من دخول الجنة:
عن جبير بن مطعم أن رسول الله (ﷺ)قال: "لاَ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ". رواه الترمذي.
وقال رسول الله (ﷺ):( ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع الرحم)) رواه أحمد .
3ـ قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :
قال الله تعالى: }وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27){ البقرة.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
4ـ قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ،ولعذاب الآخرة أشد وأبقى :
عن أبي بكرة رضي الله عنه عن رسول الله (ﷺ)قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
5ـ قاطع الرحم مقطوع من الله تعالي :ـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .
6ـ قاطع الرحم لا يرفع له عمل ولا يقبله الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي (ﷺ)يقول: « إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم» رواه أحمد ورجاله ثقات وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
7ـ الرحمة لا تنزل علي قوم فيهم قاطع :ـ
قال رسول الله (ﷺ) (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) رواه البخاري في الأدب المفرد.
قال الطيبي يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرونه عليه, ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس بشؤم التقاطع.(فتح الباري).
العنصر السابع : الأمور المعينة على صلة الرحم:ـ
1- التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: فإن معرفة ثمرات الأشياء وحسن عواقبها من أكبر الدواعي إلى فعلها والسعي إليها.
2- النظر في عواقب القطيعة: وذلك بتأمل ما تجلبه القطيعة من هم وغم وحسرة وندامة ونحو ذلك، فهذا مما يعين على اجتنابها والبعد عنها.
3- الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق والإعانة على صلة الأقارب.
4- مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويهون على الإنسان مايلقاه من إساءة أقاربه.
5- قبول أعذارهم إذا أخطأوا واعتذروا، والصفح عنهم ونسيان معايبهم حتى ولو لم يعتذروا: فهذا مما يدل على كرم النفس وعلو الهمة.
6- ترك المنة عليهم والبعد عن مطالبتهم بالمثل.
7- تجنب الشدة في العتاب وتحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل.
8- المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب : فالهدية تجلب المودة، وتكذب سوء الظن، وتستل سخائم القلوب.
9- الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم والاجتماعات الدورية سواء كانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك.
10- صندوق التكافل بين الأقارب الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم، ويشرف عليه ذوي العقل والحكمة منهم ، فإذا ما احتاج أحد من الأسرة مالاً لزواج أو نازلة أو غير ذلك بادروا إلى دراسة حاله وساعدوه وأعطوه، فهذا مما يولد المحبة وينمي المودة.
11- التغاضي والتغافل: فهو من أخلاق الأكابر وهو مما يعين على استبقاء الموده وعلى وأد العداوة.
وقال علـي رضي الله عنه: أُغمض عيني عن أمور كثيرة .. وإني على ترك الغموض قدير وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها .. وليس علينا في المقال أمير
الخاتمة :
أخي الكريم :هيا استعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن وساوس النفس وصل رحمك وأبق على الود، واحفظ العهد، وأنثر المحبة والسعادة والسلام، فَصلْ من قطعك وأَعْط من حرمك وأعفُ عمن ظلمك.
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا *** بالطوب يرمى فيعطي أطيب الثمر
فالله الله في وصل ما أمر الله به أن يوصل، وإياكم والقطيعة فهي قطع لما أمر الله به أن يوصل.
جعلنا الله وإياكم من أهل الصلة والرحمة، وجنبنا سلوك سبيل المجرمين، والحمد لله رب العالمين.
رابط doc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق