8 أغسطس 2018

من دروس الحج..... المتابعة الكاملة للنبي صلي الله عليه وسلم وأثرها





رابط تحميل word

رابط تحميل pdf


من دروس الحج
المتابعة الكاملة للنبي صلي الله عليه وسلم وأثرها

الحمد لله رب العالمين .. جاء برسالة الإسلام الخالدة التي وضح معالمها وحدد لنا طريقها فارشدنا إليها وحذرنا من الإنحراف عنها فقال تعالي (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). الأنعام .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير.               حذر من مخالفة هدي النبي صلي الله عليه وسلم فقال تعالي ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾.النساء .
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. علمنا كل كبيرة وصغيرة ما ترك فضيلة إلا ورغبنا فيها ، وما ترك رذيلة إلا وحذرنا منها فقال صلي عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي )  وقال ( خذوا عني مناسككم ).
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .                                                                                                                                               أما بعد : فيا أيها المؤمنون ....
إن النفس البشرية المؤمنة تحتاج  إلى استثارات إيقاظية قوية كلما لفها الكسل عن الطاعة وأقعدها الميل إلى المتاع.
وفي غمرة الزحام الدنيوي المتكاثر من الملهيات والمكتسبات المادية المحضة تتطلع نفس المؤمن إلى حالة إيمانية ترفعها عن الأرض وترفرف بها إلى عنان الأفق الرباني الرحب.
وتمر على النفس أوقات وأيام تكون فيها أقرب ما تكون إلى العودة إلى الله  وبناء عهد جديد معه - سبحانه -، وتعد هذه العشر من ذي الحجة أنسب ما يكون لتلك الأوبة وخلاص التوبة.   
 وفي هذه الأيام الطيبة المباركة أيام العشر من ذي الحجة نحي النفوس المؤمنة باتباع النبي صلي الله عليه وسلم ، واقتفاء أثره والإقتداء به في كل شئون حياتنا ، فكانت سيرته صلي الله عليه وسلم منهج حياة ، فأرشدنا إلي اغتنام هذه الأيام الفاضلة لما لها من فضل عظيم فقد جمعت الخير من أطرافه ، فهي خير الأيام وأعلاها مقاما . 
- أقسم بها الله  سبحانه في كتابه بقوله تعالى : " وليال عشر" إذ قال ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم - ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: هي عشر ذي الحجة . فإن الله - تعالى أقسم بها جملة ، وببعضها خصوصا ً. قال الله - تعالى - { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}. 
 وإنما أقسم الله  تعالى بها حتي تكون موسما مشتركا بين السائرين لأداء فريضة الحج  والقاعدين عن أداء الفريضة .   
- قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأخرج النسائي من حديث جابر رفعه قال :" العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة ".
ورفع النبي  صلي الله عليه وسلم  شأن العمل الصالح فيها أيما رفعة ،روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ) .
أيها المسلمون : إن هذه الأيام من مواسم الخيرات، وقد فُتح لكم أوسع أبواب لجمع الحسنات، فهل من مشمر؟
 وهل من متعظ؟
 إنها ميدان التنافس في الخيرات، والتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والعبادات، فبخٍ بخٍ!
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26].   
 إنها أيام لإقالة العثرات، ومغفرة الزلات، وتطهير القلوب والنفوس من الذنوب والسيئات، إنها أيام تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، أيام تبعث العزائم والنيات، وتثير الحنين والأشواق إلى أعظم وأطهر وأشرف بقعة على وجه الأرض، أيام فيها سلوة بل تعويض لمن يفوته الحج وزيارة المشاعر المقدسة، والوقوف على صعيد عرفة والمبيت بالمزدلفة .
فالأيام العشر فرصة عظيمة لنراجع فيها مدي اتباعنا للنبي صلي الله عليه وسلم والإقتداء به وأثر ذلك في حياتنا من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية .....
1ـ معني متابعة النبي صلي الله عليه وسلم.
2ـ ضرورة متابعة النبي صلي الله عليه وسلم.
3ـ ضوابط المتابعة للرسول  صلى الله عليه وسلم.
4ـ مظاهر المتابعة  .
5ـ أثر متابعة النبي صلي الله عليه وسلم.
6ـ الوسائل المعينة على الإتباع.


 العنصر الأول : معني متابعة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
وذلك بأنْ يتعبَّد العبد لربِّه بما شرَعه له في كتابه وفي سُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم لا بما يهواه أو يَستحسنه؛ لذلك نرى أن النبيَّ  صلَّى الله عليه وسلَّم  في حجته أكَّد على أهمية المتابعة، فقال مخاطِبًا الصحابة: (لتأخذوا مناسِكَكم؛ فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد حجتي هذه).
 وهو خِطابٌ لجميع الأمة؛ وكأنَّه يقول: تعلَّموا كيفية الحجِّ؛ فأحرِموا من الميقات كما أحرَمْتُ، ولَبُّوا كما لبَّيت، وطوفوا بالبيت سبعًا كما طُفْتُ، وقِفُوا في عرفات كما وقَفْتُ، وهكذا افعلوا في جميع مناسك الحجِّ، فأدُّوا مناسك الحجِّ كاملةً بشروطه وأركانه، وواجباته وسُنَنه.
وحذَّرهم عليه الصَّلاة والسَّلام  من اتِّباع الهوى، والابتداع في الدِّين، فقال وهو على ناقته بعرفات:(ألاَ وإنِّي فرَطُكم على الحوض، وأُكاثر بكم الأُمم، فلا تُسوِّدوا وجهي، ألاَ وإنِّي مستنقِذٌ أُناسًا، ومستنقَذٌ منِّي أناس، فأقول: يا رب، أُصَحابي، فيقول: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
فهذا النبي صلي الله عليه وسلم يتقدم في إحرامه الطاهر وقلبه الخاشع وخلقه المتواضع، يتقدم إلى حيث ذكريات جده أبي الحنيفية، ومُرسِي دعائم هذا البيت العتيق، وجنبات الحرم تدوي بالتهليل والتكبير {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [(127) سورة البقرة].
كلمات التلبية وعبارات التوحيد تملأ المكان، وتُطرِبُ الزمان، وتتصاعد في إخلاصها إلى الواحد الديّان، ويقترب الرسول صلى الله عليه وسلم  من الحجر الأسود ليقبله قبلة ترتسم على جبينه درة مضيئة على مر السنين، لم يتمالك نفسه صاحب النفس الخاشعة والعين الدامعة، فينثر دموعه مدراراً وتتحدر على خده الشريف المشرق صلى الله عليه وسلم  كان عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  يتابع الموقف بلهفة وتعجب: يا رسول الله: لماذا تبكي؟ يكفكف  صلى الله عليه وسلم  دموعه الطاهرة ويجيب عمر بعبارات هادئة خاشعة باكية قائلاً:(هنا تسكب العبرات يا عمر) .                                           
            الحجر الأسود قبلته *** بشفتي قلبي وكلي وله                                       
 لا لاعتقادي أنه نافع *** بل لاقتدائي بالذي قبله                    
محمد أطهر أنفاسـه *** كانت على صفحته مرسله             
قبله والنور من ثغره *** يشرق آيات هدى منزله .

وقد وعى الصَّحابةُ هذا الدَّرس، وطبَّقوه في حياتهم كلِّها؛ فهذا عمر بن الخطاب يُتابع النبِيَّ في كلِّ شيء؛ حتَّى إنه لَمَّا أتى إلى الحجر الأسود قبَّله كما قبَّله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  وقال: "إنِّي لأَعْلم أنَّك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت النبيَّ  صلَّى الله عليه وسلَّم  يقبِّلك ما قبَّلتُك".
وقد استنبطَ العلماء من هذا الأثر فوائدَ جمَّة؛ منها: "التسليم للشَّارع في أمور الدِّين، وحسن الاتِّباع فيما لم يُكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتِّباع النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يفعله ولو لم تُعلم الحكمة فيه"
وعبدالله بن عمر تابَع رسولَ الله  صلَّى الله عليه وسلَّم  في كل شيء، وفعل كما فعل، ولما استلم الحجر الأسود أكَّد على اتِّباعه للسُّنة بقوله: "اللَّهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتِّباعًا لِسُنَّة نبيِّك"
العنصر الثاني : ضرورة متابعة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
قال شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه: وقد أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته؛ كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه.
ولأهمية طاعته صلى الله عليه وسلم ذكرها الله  سبحانه وتعالى  في كتابه الكريم ..
ـ تارة مقرونة مع طاعة اللّه تعالي كما في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [ النساء : 59 ].
و قال تعالي  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ" الأنفال.
وقال تعالي " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * َمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " . النور
ـ وتارة يأمر بها مفردة ، كما في قوله :{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، وقال تعالي{ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ النور : 56 ] .
ـ وتارة  يأمر الله تعالي بأخذ كل ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم ، فقال تعالى :(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).الحشر. 
ـ وتارة يتوعد من عصى رسوله صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى :{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] .
 أي تصيبَهم فتنةٌ في قلوبهم من كفرٍ أو نفاق أو بدعة, أو عذابٌ أليم في الدنيا بقتلٍ أو حَدٍّ أو حبس, أو غيرِ ذلك من العقوبات العاجلة .
ـ وجعل طاعته هداية ومعصيته ضلالا  قال تعالى : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } [ النور : 54 ] .
وقال تعالى :{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ القصص : 50 ] .
ـ واعتبر سبحانه وتعالى من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الاختلاف فقال سبحانه :
(ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين).
وأقسم الله تبارك وتعالي بنفسه المقدسة بنفي الإيمان عمن لا يُحَكّم النبي صلى الله عليه وسلم  في كل شيء من الخلاف فقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
فاشترط للإيمان ثلاثة شروط:ـ
أولها :ـ تحكيمه صلى الله عليه وسلم في كل ما يتنازع فيه.
والثاني:ـ الرضا بحكمه وعدم التحرج منه أو عدم الرضى به.
والثالث: أن يسلموا لهذا الحكم ولا يطلبوا غيره وتحكيم شريعته صلى الله عليه وسلم  بعد موته مقتضى تحكيمه في حياته لأن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
أي ردوه إلى كتاب الله وسنة نبيه  صلى الله عليه وسلم فالرد إليهما رد إلى الله ورسوله وقوله تعالى (في شيء) يشمل القليل والكثير ويشمل التنازع في أمور الدين والدنيا.
ـ وأخبر سبحانه وتعالى أن فيه القدوةَ الحسنة لأمته ، فقال تعالى :{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .
قال ابن كثير رحمه اللّه تعالى : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ، والله تعالي أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عزّ وجلّ صلوات اللّه وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
ـ وقد كرر اللّه طاعة الرسول واتّباعه في القرآن الكريم ، فالنفوسُ أحوجُ إلى معرفة ما جاء به واتّباعه منها إلى الطعام والشراب ، فإن الطعام والشراب إذا فات الحصول عليهما حصل الموت في الدنيا ، وطاعة الرسول واتباعه إذا فاتا حصل العذاب والشقاء الدائم ، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به في أداء العبادات ، وأن تؤدى على الكيفية التي كان يؤديها بها ، فقال صلى الله عليه وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي». وقال صلي الله عليه وسلم: « خذوا عني مناسككم »
 إلى غير ذلك من النصوص التي فيها الأمر بالاقتداء به والنهي عن مخالفته ، والتي يتضح منها مدى أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم  وأنها هي السبيل الموصل لطاعة الله سبحانه وتعالى
العنصر الثالث : ضوابط المتابعة للرسول  صلى الله عليه وسلم:ـ
فتتأتى متابعة النبي  صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بسنته وإتباع هديه عليه الصلاة والسلام فما من خير إلا ودلنا عليه ، وما من شر إلا حذرنا منه بل وحثنا عليه الصلاة والسلام بالاستمساك بسنته والعضِ عليها...
فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح. ففي اتباع النبي صلي الله عليه وسلم أمان من الفرقة والنزاع .
فلا يسع أحدًا من الناس بعد بعثته إلا اتباعه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم  بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه السلام  كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني).
العنصر الرابع : مظاهر المتابعة  
ما جاء عن السلف الصالح في الحث على لزوم السنة فأمر لا يحصر ، من ذلك :
ـ تعظيم النصوص الشرعيـة: من أبرز مظاهر الإتباع ودلائله تعظيم النصوص الشرعيـة الثابتـة؛ بتقديرها وإجلالها، وتقديمها وعدم هجرها، واعتقاد أن الهدى فيها لا في غيرها، وتعلمها وفهمها وتدبرها والعمل بها و التحاكم إليها وعدم معارضتها، وقد كان هذا هو هدي أئمة الإتباع وسادته من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم.
أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مغفل أنه رأى رجلاً يخذف فقال له : لا تخذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف ، وقال : " إنه لا يُصَاد به صيدٌ ولا يُنْكَأ به عدو لكنها قد تكسر السن وتفقأ العين " ، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف ، وأنت تخذف ؟ لا أكلمك كذا وكذا " .
وقال خراش بن جبير : رأيت في المسجد فتى يخذف فقال له شيخ : لا تخذف فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، ففعل الفتى فظن أن الشيخ لا يفطن له، فخذف فقال له الشيخ : أحدثك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف ثم تخذف، والله لا أشهد لك جنازة، ولا أعودك في مرض، ولا أكلمك أبداً.  وحدث ابن سيرين رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان وفلان كذا فقال ابن سيرين: أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : قال فلان وفلان كذا وكذا؟ والله لا أكلمك أبداً.
لا ينبغي للمسلم إنا وجدنا آباءنا كذالك يفعلون ، ولا يقول مثل ما يقول الشباب هذه هي الموضة ويخالف هدي النبي صلي الله عليه وسلم في معظم شئون حياته ويتبع أعداؤنا من اليهود وغيرهم في المشي واللغة وباقي تقاليد العصر حتي صدق فيهم قول النبي صلي الله عليه وسلم ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ " ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " فَمَنْ ؟ " رواه الترمذي .
ـ الخوف من الزيغ والاستدراج
 فمن أبرز علامات الإتباع ومظاهره، خوف العبد من انحرافه وذنوبه، وخشيته من استدراجه وعدم ثباته على الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان ذلك واضحاً جلياً لدى الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق كان يقول: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ!
وقد عقب ابن بطه على كلمـة الصديق تلك فقال: هذا يا إخواني الصديق الأكبر يتخوف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئاً من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وأوامره ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟!
ـ الإستجابة الفورية لرسول الله صلي الله عليه وسلم :ـ
ـ ومن أعجب ما روى في طاعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه ، وذلك أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو يخطب وكان عبدالله يمشي خارج المسجد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب " اجلسوا " فجلس عبد الله بن رواحة فكان خارج المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " زادك الله حرصاً على طواعية الله ورسوله " أخرجه البيهقي قال ابن حجر : بسند صحيح
ــ ونظير هذا وعكسه ما ورد في صحيح مسلم من أن النبي  صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال له :صلى الله عليه وسلم (كل بيمينك فقال :لا أستطيع . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا استطعت . ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه ) .
الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به ظاهراً وباطناً:
بحيث يجرد العبد متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويكتفي بالتلقي والأخذ عنه، والعمل بما جاء به عملاً بقوله تعالى : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} الأحزاب: 21.
فلا اعتقاد ولا عبادة ولا معاملة ولا خلق ولا أدب ولا نظام اجتماعي ولا اقتصادي أو سياسي ... إلخ إلا عن طريقـه، وعلى وفق ما جاء به من أحكـام وتعاليم في الكتاب الكريـم والسنة الصحيحـة، بحيث تكون شريعتـه هي المهيمنـة والرائـدة.
ـ الرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وشرعه:
فمن مظاهر الإتباع للرسول صلى الله عليه وسلم الرضى بحكمه وشرعه ، فعن العباس رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي الله عنه بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً) ؛ فإذا رضي المسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً: لم يلتفت إلى غير هديه ولم يعول في سلوكه على غير سنته، وحكّمه وحاكم إليه، وقبل حكمه وانقاد له وتابعه واتبعه، ورضي بكل ما جاء به من عند ربه، فيسكن قلبه لذلك ، وتطمئن نفسه ، وينشرح صدره، ويرى نعمة الله عليه وعلى الخلق بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبدينه العظيم أيما نعمة ، فيفرح بفضل ربه عليه ورحمته له بذلك؛ حيث جعله من أتباع خير   المرسلين وحزبه المفلحين قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}  (57-58) سورة يونس)
والرضا كلمة تجمع القبول والانقياد، فلا يكون الرضا إلا حيث يكون التسليم المطلق والانقياد الكامل ظاهراً وباطناً لما جاء به الرسول  صلى الله عليه وسلم.
 ـ ترك الإختيار وتقديم إختيار النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
ينبغي علي المسلم إذا جاءه الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له خيار،بل استجابة واتباع وامتثال(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً). الأحزاب .
فهذه قصة فتاة رباها الإسلام علي تقديم اختيار نبيها صلي الله عليه وسلم .. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ( كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: جليبيب، في وجهه دمامة )
 وكان قصير القامة، وكان فقيراً، وكان يكثر الجلوس عند النبي عليه الصلاة والسلام، قال أنس: ( فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج )  قال له النبي عليه الصلاة والسلام: " يا جليبيب، ألا تتزوج ؟ "، فالتفت جليبيب إلى النبي صلى الله عليه وسلم و ( قال: إذن تجدني كاسداً )
 قال: " يا رسول الله من يزوجني ؟ " وأنا كما ترى لا بيت، ولا مال، ولا شيء من هذا القبيل ؟ من يأخذني ؟ من يقبل أن يزوجني ؟ لا شكل، ولا مال ؟
 أجابه النبي صلى الله عليه وسلم،( فقال: غير أنك عند الله لست بكاسد )
 ابتغوا الرفعة عند الله.
 ثم لم يزل النبي عليه الصلاة والسلام يتحين الفرص حتى يزوِّجَ جليبيبًا، فجاءه في يوم من الأيام رجل أنصاري قد توفي زوج ابنته، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي: " يا فلان زوجني ابنتك ". قال: " نعم، ونعمة عين "، قال: " إني لست لنفسي أريدها ". قال: " فلمن ؟ " قال: " لجلبيب ". قال: " يا رسول الله نستأمر أمها "
 شيء شبه مستحيل، ثم مضى إلى أمها، وقال لها: ( " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك "، قالت: " نعم ونعمة عين، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قال:"إنه ليس لنفسه يريدها "، قالت: " فلمن ؟ " قال: " لجليبيب "  ( فقالت: " لاها الله إذاً، ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيباً، وقد منعناها فلاناً وفلاناً ؟ " قال: والجارية في خدرها تسمع )
( فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم، قالت الفتاة من خدرها لأبويها: " من خطبني إليكم ؟ " قالا: " رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قالت: " أتردّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني "، فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " شأنك بها "، فزوجها جليبيباً )
والقصة وردت في روايات عديدة، بعض هذه الروايات أنه لا يجد شيئاً يملكه ليكون مهراً، أو بيتاً، أو أثاثاً، أو طعاماً، فجمع له الصحابة بعض المال، وفي يوم عرسه دعا داعي الجهاد، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام حينما علم أنها قبلت به دعا لها، فقال:( اللهم صُبَّ عليهما الخير صباً، ولا تجعل عيشهما كداً كداً )
فلما نودي بنادي الجهاد، ودخل المعركة استشهد في يوم عرسه، فقال عليه الصلاة والسلام:
" تفقدون من أحد ؟ " قالوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " هل تفقدون من أحد ؟ " قالوا: لا، قال: " لكني أفقد جليبيباً، فاطلبوه في القتلى "، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتل سبعة ثم قتلوه ؟ هذا مني وأنا منه " يقولها مرتين ))
 ثم قعد عليه الصلاة والسلام بجانب هذا الجسد، ثم حمل هذا الجسد،( فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه، ما له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وضعه في قبره )
 هذه أمة فتحت العالم، هذه أمة وصلت إلى الصين شرقاً، وإلى مشارف باريس غرباً، أما حينما نكتفي من الإسلام بشعائره، ونحن يكره بعضنا بعضنا، ويزدري بعضنا بعضاً فلا نفعل شيئاً.
ـ وقال الأوزاعي : اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم .
وقال سفيان : لا يستقيم قول وعمل إلا بموافقة السنة .
وقال ابن شوذب : إن من نعمة الله على الشاب إذا شك أن يؤاخي صاحب سنة يحمله عليها .
العنصر الخامس :أثر متابعة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
1ـ قبول الأعمال الصالحة :ـ
فللإخلاص والمُتابعة أهميَّة عظيمة؛ فقَبول الأعمال الصَّالحة ورَدُّها متوقِّف عليهما، فإذا وُجِدا قُبِلَت، وإذا فُقدا - كِلاهما، أو أحدهما  رُدَّت؛ لقوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2].
 قال ابن كثيرٍرحمه الله  "ولا يكون العمل حسَنًا حتَّى يكون خالِصًا لله عزَّ وجلَّ على شريعة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمتَى فقَد العملُ واحِدًا من هذين الشَّرطين، حَبِط وبَطَل".
وقال الفضيلُ بن عياضٍ في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: 2]، قال: "أخْلَصه وأصوبَه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلَصُه وأصوبه؟ قال: "إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا، لم يُقبل، حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصَّواب: أن يكون على السُّنة"
فشرط قبول الأعمال: اتباع هديه عليه الصلاة والسلام، وقبله الإخلاص لله، قال صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) .
وقال صلي الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . أي عمل يخالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه أيا كان . وقال صلي الله عليه وسلم: « من رغب عن سنتي فليس مني »
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمةِ يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم.
وقال حافظ حكمي رحمه الله:
                                   شرط قبول السعي أن يجتمعا *** فيه إصابة وإخلاص معا                                
لله رب العرش لا سواه *** موافق للشرع الذي ارتضاه
وكل ما خالف للوحيين *** فإنه ردٌ بغير ميين
2ـ المتابعة نجاة من الفتنة :ـ
متابعة الرَّسول  صلَّى الله عليه وسلَّم  نجاة، ومخالفتُه فِتنة، فقد رُوي أنَّ رجلاً جاء إلى الإمام مالكِ بن أنس، فقال له: "يا أبا عبدالله! من أين أُحْرِم؟ قال: من ذي الحُلَيفة، من حيث أحرمَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم  فقال: إنِّي أريد أن أُحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، قال: فإنِّي أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل؛ فإنِّي أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أميال أَزِيدها، قال: "وأي فتنة أعظم من أن ترى أنَّك سبَقْتَ إلى فضيلةٍ قَصُر عنها رسولُ الله  صلَّى الله عليه وسلَّم ؟! إني سمعتُ الله يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]"
3ـ نيل محبة الله تعالى والترقي في درجات هذه المحبة :ـ
يقول الامام ابن القيم رحمه الله :
( ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا، وصدَّقته خبرًا، وأطعته أمرًا، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعًا، وفنيت عن
حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ، وارجع من حيث شئت، فالتمس نورًا فلست على شيء ) .
ـ وقد جعل اللّه طاعته صلى الله عليه وسلم سببا لنيل محبة اللّه للعبد ومغفرة ذنوبه قال تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ آل عمران : 31 ] .
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا وفيه[. . . وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ]
4- حياة القلب :ـ
فكلما كان الانسان متابعاً لنبيه عليه الصلاة والسلام كان معظما لشعائر ربه تبارك وتعالى فيحيا القلب سعيداً بهذه الطاعات من السنن والنوافل التي تقربه الى ربه جل في علاه .
ولقد جعل الله تعالي اتباع النبي صلي الله عليه وسلم والاستجابة لندائه صلى الله عليه وسلم سبباً للحياة الكاملة والحياة الطيبة، فقال الله جلَّ وعلا مخاطباً المؤمنين، منادياً أهل الإيمان: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال:24].   
 أمر الله جلَّ وعلا في هذه الآية بالمسارعة إلى الاستجابة إلى الله ورسوله، ثم بيَّن ما الذي يدعونا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره وفي نهيه وفي قوله وفي تركه وفي فعله وفي كل ما دعانا إليه قولاً أو فعلاً، ما الذي يريده صلى الله عليه وسلم من ذلك؟ إنه يريد لنا الحياة الكاملة في هذه الدنيا، والحياة الكاملة في الآخرة.
أما الحياة الكاملة في الدنيا:ـ
 فإن أسعد الناس وأكملهم حياةً هم أتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالحياة الكاملة إنما تحصل بالاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الآخرة:ـ
 فأتباعه لهم الجنة التي قال الله جلَّ وعلا في وصفها: { وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ } [العنكبوت:64]، واعلم أيضا أن كل هديٍ، وكل سنةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ، ظاهرةٍ أو باطنةٍ، دقيقةٍ أو جليلةٍ، من سنن النبي صلى الله عليه وسلم هي من أسباب الحياة، فبقدر أخذك من سننه وهديه وعمله صلى الله عليه وسلم بقدرما تأخذ من أسباب الحياة في الدنيا، ومن أسباب الحياة في الآخرة.
5ـ سبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة :ـ  
قال الله تعالى : " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ". 
فجعل الله اتباع السنة سبيلاً للفوز برحمته التي وسعت كل شيء ، وسبيلاً للفلاح .   
وقال تعالى : " واتبعوه لعلكم تهتدون " فاتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم هو سبيل الهداية التي يرضاها الله .
6ـ سبب لتحصيل الأجور العظيمة
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه له أجر خمسين منكم) ، قلنا : يارسول الله ! خمسين منا ؟ قال : ((خمسين منكم)). أخرجه الترمذي .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر ) رواه الترمذي .
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله عز وجل.
العنصر السادس :الوسائل المعينة على الإتباع :ـ
الوسائل المعينة على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة منها:ــ
أولاً: تقوى الله عز وجل والخوف منه :
وذلك لأن من اتقى الله عز و جل  جعل له فرقاناً يميزبه بين الحق والباطل ،وبين النور والظلمة قال تعالى:{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } (29) سورة الأنفال.                                      
وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (28) سورة الحديد) قال السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:أي يعطيكم علماً وهدى ونوراً تمشون به في ظلمات الجهل.
ثانياً: الإخلاص لله تعالى، والتجرد في طلب الحق:ــ
لا يتوقف البحث عن الحق وتطلبه على الحرص على معرفته وإدراكه فقط، بل لا بد مع ذلك من أمر نفسي هو التجرد، والحرص على سلامة القصد والممارسة من الجهل والهوى والظلم، ولا يكون ذلك إلا بالإخلاص لله تعالى، وهذا الأمر له تعلق بتنقية النفوس من الأهواء والشوائب وتزكيتها؛ لأن العبد كلما سعى في تنقية نفسه وتزكيتها وإلزامها بطاعة الله تعالى، وترك معصيته ظاهراً أو باطناً كلما ازداد قبوله للحق وإقباله عليه. والتجرد والإخلاص معينان للعبد على الرجوع عن البدع والأخطاء متى وقع فيها، وقد حصل ذلك من أعيان كبار في علم الكلام والفلسفة وغير ذلك كأبي الحسن الأشعري والجويني والفخر الرازي وغيرهم كثير..
ثالثاً: اللجوء والتضرع إلى الله عز وجل ،وإظهار الافتقارإليه والحاجة إليه:ـ
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يفعل ذلك، فقد كان دعاؤه حين يفتتح الصلاة من الليل:(اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم).
رابعاً: تعلم الأحكام الشرعية
 وذلك لأن الإسلام دين مبني على الوحي، والوحي لا يدرك إلا بالتعلم وبالتالي: لا وسيلة للعمل بأحكام الإسلام واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم – إلا عن طريق التعلم لما جاء عنه في القرآن والسنة؛ لأنه من غير الممكن أن يعمل الإنسان بشيء لا يعرفه ولم يتعلمه، ولذا: قال الإمام البخاري في صحيحه: باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله - تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } (19) سورة محمد) فبدأ بالعلم.
وكان أول ما أنزل من القرآن (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (العلق: 1) والقراءة أداة للتعليم. 
 خامساً: فهم النصوص الصحيحة وتدبر معانيها:ـ 
فالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة هما مصدر تلقي الحق والهدى، قال الله تعالى{إن هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم} (9-النحل ).
وقال صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض).
ولقد تكفل الله بحفظ نصوص كتابه من أن يدخلها تحريف أو تبديل قال الله تعالى{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (9- الحجر).
سادساً: اتباع طريقة السلف في العلم والعمل:ـ
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم  أن خير قرون هذه الأمة وأفضلها: أقربها إليه، فقال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..).
وأوضح في حديث افتراق الأمة.. فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
 ولقد بدأ خط الانحراف يدخل في أوساط المسلمين ابتداءً من نهاية دولة الخلافة الراشدة، واستمر يتسع ويزداد، وبالتالي بدأت تقل أعداد المستمسكين بالحق الخالص الذي كان عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وصحابته والداعين إليه، قرناً بعد قرن، وزماناً بعد آخر، حتى صار القابض عليه في بعض الأماكن والأزمان كالقابض على الجمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ولذا فلا طريق لمن أراد أن يستمسك بدينه، ويتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم اتباعاً نقياً صحيحاً، إلا أن يضبط فهمه للنصوص الصحيحة واستيعابه لها، وعمله على تنفيذها، بالطريقة التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم وصحابته، ومن جاء بعدهم ممن سار على نهجهم، حذو القذة بالقذة؛ نظراً لكون النبي - صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى قد حدد أن الحق ما كان عليه الرسول  صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ونظراً لقلة العلم وكثرة الأهواء في الأزمنة التي جاءت بعده، فقد ازدادت الحاجة إلى معرفة طريقة السلف والعمل بها وما أحسن قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  حيث قال: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.
سابعاً:الصحبة الصالحة:ــ
صحبة الصالحين الملتزمين بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحابته من أعظم الأسباب التي تعين على الاتباع والاستمساك بالحق؛ وذلك لأن الصاحب ساحب للمرء وقائد،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
وسبب ذلك: أن الخليل يحمل صاحبه على ما هو عليه، فإن كان صاحب سنة و اتباع حمله على ذلك، وإن كان صاحب بدعة وفسوق حمله على ذلك.
 ومما يدل على تأثير الصحبة دلالة واقعية قول يوسف بن أسباط: كان أبي قدرياً، وأخوالي روافض، فأنقذني الله بسفيان.
ويقول ابن عباس  رضي الله عنهما  محذراً: لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب.
وأخيرًا:  يقول ابن قدامة رحمه الله: وفي اتباع النبي صلي الله عليه وسلم بركة موافقة الشرع، ورضا الرب سبحانه وتعالى، ورفع الدرجات، وراحة القلب، ودعة البدن، وترغيم الشيطان، وسلوك الصراط المستقيم).
انتهت بفضل الله وتوفيقه



ليست هناك تعليقات: