23 مارس 2024

زكاة الفطر في الإسلام

حكمة مشروعيتها :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) }زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ {.  ]رواه أبو داود  قال النووي : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ[
قوله : ( طهرة ) : أي تطهيرا لنفس من صام رمضان ، وقوله ( والرفث ) قال ابن الأثير : الرفث هنا هو الفحش من كلام ، قوله ( وطعمة ) : بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل . قوله : ( من أداها قبل الصلاة ) : أي قبل صلاة العيد ، قوله ( فهي زكاة مقبولة ) : المراد بالزكاة صدقة الفطر ، قوله ( صدقة من الصدقات ) : يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات.
حكمها :
الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ ; لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ :{ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) زَكَاةَ الْفِطْرِ } . وَلإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ.
وقت وجوبها :
فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شهر رَمَضَانَ المبارك ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ .
ويجوز قبل ذلك .فَمَنْ وَلَدٌ له مولود قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَعَلَيْهِ زكاة الفطر.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، لَمْ تَلْزَمْهُ .. وَمِنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ولا مانع شرعا من التعجيل في إخراج زكاة الفطر من أول رمضان كما عند الشافعية .
على من تجب :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) }زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ{ . ]البخاري[ .
- تجب على المستطيع ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ .
قيمتها:  وهل هي طعام أم مال؟
من المعلوم أن الأحكام الفقهية على نوعين:
1-أحكام تعبدية (غير معقولة المعنى، أي لا يُبحث فيها عن العلة) كعدد ركعات الصلاة وبداية وانتهاء الصيام.
2- أحكام معقولة المعنى (يُبحث فيها عن العلة) كمشروعية البيع وتحريم الربا.
وبناء على هذا التقسيم، فقد انقسم العلماء في زكاة الفطر إلى فريقين:
1- الفريق الأول وهم الجمهور (السادة المالكية والشافعية والحنابلة ومن وافقهم) : والذين رأوا أن زكاة الفطر من الأحكام التعبدية (غير معقولة المعنى) وبالتالي لا يُبحث فيها عن العلة، وعليه فقد التزموا بما ورد في الحديث من أصناف الطعام كحديث أبي سعيد الخدريّ فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:}كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كانَ فِينَا رَسولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ، عن كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ{، . واعتبر الإمام الشافعي أن الكيلة المصرية من الحبوب تجزئ علي أربعة أفراد . وقالوا بعدم جواز إخراج زكاة الفطر نقدا.
2- الفريق الثاني وهم الحنفيّة، وبعض أئمة السلف؛ كسفيان الثوريّ، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصريّ، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثورٍ؛ واختاره البخاري صاحب الصحيح ومن وافقهم: والذين رأوا أن زكاة الفطر من الأحكام (معقولة المعنى) وبالتالي يُبحث فيها عن العلة، وقالوا أن العلة هي إغناء الفقراء والمساكين ، وسدّ حاجتهم، وقد يتحقّق ذلك بالمال بصورةٍ أبلغ وأعظم، وتحديد بعض الأصناف في الحديث الذي استدّل به أصحاب القَوْل الأول؛ إنّما هو على سبيل المثال لا الحصر، حيث إنّها أموال لها قيمةً شرعاً، وهي الأموال التي كان الناس يبيعون ويشترون بها، وقد اختلف ذلك الحال؛ إذ أصبح البيع والشّراء بالنقود.
وبناء على ذلك قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا، بل وتفضيله عند حاجة الفقير للمال .
وبناء على ما سبق يتبين ما يلي:
1- أن المسألة ليست خلافاً بين النص والرأي، أو بين السنة والبدعة، أو كونها مقارنة بين الرسول (ﷺ) وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومن تابعه، فالنبي الكريم (ﷺ) لا يُعارَض قوله برأي أحد من البشر، بل هو خلاف بين الفقهاء في فهم النصوص وطريقة الجمع بينها وفق قواعد فقهية محكمة.
2- من السذاجة تصور عدم وصول الدليل إلى الأئمة العظام أمثال أبي حنيفة والبخاري (جامع الصحيح) وسفيان الثوري (إمام أهل الحديث في زمانه) وابن تيمية وعشرات العلماء بعد ذلك أو أنهم تعمدوا مخالفة السنة، واعتبار هذا الظن من تبرئة ساحة الأئمة رحمات الله تعالى عليهم.
3- أن الاجتهاد الذي لا يجوز مع وجود النص، هو الاجتهاد مع وجود نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة (فلا اجتهاد في القطعيات)، أما الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال أو التأويل صار ظنياً (وإن كان قطعي الثبوت فهو ظني الدلالة) فيكون مجالاً للاجتهاد في فهم النصّ أو تطبيقه.
4- أن الفقهاء الثلاثة (مالك، والشافعي، وأحمد) جاءوا بعد الإمام أبي حنيفة ولم يعارضوا قوله في المسألة، ولم يردوا عليه رأيه.
5- لا ينبغي استخدام بعض العبارات في هذا الخلاف الفقهي المعتبر, كإسقاط البعض لقول الله تعالى }فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63){ ] النور[
على هذه المسألة، أو استخدام عبارات مثل (إخراج زكاة الفطر طعاما وحي، وإخراجها قيمة رأي فاتبعوا الوحي ولا تتبعوا الرأي) وهى جملة أراد أصحابها أن تكون قولا مأثورا يسير به الركبان وهي خاطئة في مقدمتها ونتيجتها؛ وأعتبرها من الابتداع في الدين ؛ لمخالفتها هدي سلف الأمة في فهم نصوص الشرع، حيث أقروا تعدد الأفهام المبنية على النظر الصحيح من غير جزم بتخطئة المخالف.
وتخرج للفقراء والمساكين. والأولي أن نبدأ بالأقربين فالصدقة علي المسكين صدقة والصدقة علي المسكين القريب ثنتان صدقة وصلة رحم .
والله تعالى أعلى وأعلم.


======= 
رابط doc

ليست هناك تعليقات: