20 فبراير 2020

منزلة السنة النبوية في الإسلام



الحمد لله رب العالمين .. الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تتنزل الخيرات والبركات ، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات .. شرع لعباده خير الأحكام ، وأمر باتباع سيد الأنام () فقال تعالي {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}[الحشر].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... اصطفى نبيه () بنبوته واختصه برسالته فأنزل عليه القرآن الكريم وأمره أن يبينه للناس فقال تعالي {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلْفا....
حثَّ أمَّتَه على التمسُّك بهديه وسنَّتِه فقال() :{عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ}[ أخرجه أبو داود في السنة ، والترمذي في العلم وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة والحاكم في المستدرك].
فاللهم صل علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد.. فيا أيها المؤمنون..
لقد من الله تعالي علي البشرية ببعثة النبي () فقال تعالي { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}[آل عمران].
وقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً () إلى الناس ليبلغهم دينهم، وقد بلغ الرسول ()هذا الدين كاملاً غير منقوص، وَبيَّنَه للناس بقوله وفعله وتقريراته ، ونفذ تعاليمه كاملة في حياته ()، وقام بتربية المجتمع المسلم، وبتزكيتهم كما أمره الله عزَّ وجل، وبقيت سيرته ومنهجه بعد موته؛ لتكون نبراساً للناس يستضيئون به بعد موته إلى قيام الساعة.
قال رسول الله (): {لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ } [رواه مسلم في صحيحه] .
ومنهجه () يتمثل في كتاب الله وسنة رسوله ()؛ قال ():{يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون}[ رواه مسلم]
وقد تكفل الله تعالي بحفظ هذا الدين كتاباً وسنةً؛ من التحريف والتبديل؛ فقال سبحانه وتعالي:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)} [الحجر].
وقد هيأ الله تعالي لهذا الدين من يحفظونه من عبث العابثين ، وانتحال المبطلين،  وتحريف الغالين، فقال رسول الله () : {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين}.[رواه البيهقي  وصححه الشيخ الألباني].
وقد ظن البعض من صغار العقول أن الدين متمثل في القرآن الكريم فقط، ويتركون السنة النبوية ، بل يصل بهم الأمر إلي التشكيك في السنة ، وإلصاق الشبه بها .
لذلك كان حديثنا عن منزلة السنة النبوية في الإسلام، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية...
1ـ تعريف السنة النبوية.
2ـ منزلة السنة النبوية في الإسلام.
3ـ منزلة السنة في بيان الأحكام الشرعية.
4 ـ إجماع السلف الصالح علي مكانة السنة وحجيتها.
5ـ واجب الأمة نحو السنة النبوية المطهرة.
6ـ خطورة مخالفة السنة النبوية المطهرة.
7ـ أثر التمسك بالسنة النبوية.
8ـ الخاتمة .
---------------
العنصر الأول : تعريف السنة النبوية :ـ  
السُّنة : هي ما ثَبَتَ عن رسول الله () مِن قولٍ أو فِعْلٍ أو تقريرٍ أو وصفٍ خُلُقي أو خلْقي له ().
العنصر الثاني : منزلة السنة النبوية في الإسلام:ـ
السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن العظيم، ولا يكتمل دين الله تعالى إلاَّ بالأخذ بالكتاب والسنة جنباً إلى جنب.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالي " وسنن رسول الله () مع كتاب الله وجهان أحدهما : نص كتاب فاتبعه رسول الله كما أنزل الله ،والآخر جملة بين رسول الله فيه عن الله معني ما أراد بالجملة وأوضح كيف فرضها عاما ، أو خاصا ، وكيف أراد أن يأتي به العباد وكلاهما اتبع فيه كتاب الله ، فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه ، فاجتمعوا منها علي وجهين ، والوجهان يجتمعان ويتفرعان ، أحدهما : ما أنزل الله فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب ،والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله ما أراد ،وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما "
فالسُّنة من الوحي المُنَزَّل، قال تعالى:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (113)} [النساء].
قال الحسن وقتادة: الحكمة هي السُّنة؛ وكذا قال الشافعي رحمه الله.
وقال ابن القيم: الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السُّنة باتفاق السلَف، في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (2)}[الجمعة].
وفي الصحيحين عن يعلى بن مرة، أنه كان يقول لعمر بن الخطاب: ليتني أرى نبي الله () حين يُنزل عليه، فلما كان النبي () بالجِعْرَانة، وعلى النبي () ثوبٌ قد أُظِل به عليه، معه ناسٌ مِن أصحابه فيهم عمر؛ إذ جاءه رجلٌ عليه جُبَّةُ صوفٍ متضمِّخ بطِيب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجلٍ أحرَم بعُمْرة في جُبَّةٍ بعدما تضمَّخ بطيبٍ؟ فنظر إليه النبي () ساعةً، ثم سكت، فجاءه الوحي، فأشار عُمر بيده إلى يعلى بن أُمية، فجاءه يعلى فأدخل رأسه، فإذا النبي () محمرُّ الوجه يغطُّ ساعة ثم سُرِّي عنه، فقال:(أين الذي سألني عن العُمرة آنفًا؟)، فالْتُمِس الرجلُ فجيء به، فقال النبيُّ (): (أما الطِّيب الذي بك فاغسِلْه ثلاث مرات، وأما الجُبَّة فانزعها، ثم اصنعْ في عمرتك ما تصنع في حجِّك) [ رواه البخاري ، ومسلم].

العنصر الثالث : منزلة السنة في بيان الأحكام الشرعية:
اتفق جمهورُ أهل العلم على أن السُّنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن العظيم، ولا يكتمل دين الله تعالى إلاَّ بالأخذ بالكتاب والسنة جنباً إلى جنب ، وأن المسلم مُطالَبٌ بتنفيذ ما بلغه مما صَحَّ عن رسول الله ().
ومنزلة السنة في بيان الأحكام الشرعية ما يلي....
1 - مُبيِّنةٌ لِما أُشكِل في القرآن:
قال تعالى:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44)} [النحل].
فقد يكون اللفظُ له أكثر مِن معنًى، فيُشكِل المعنى المراد في الآية على الصحابة، فيسألون النبي () فيُبيِّن لهم المراد، ومِن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام]، قلنا: يا رسول الله، أيُّنا لا يظلمُ نفسه، قال:{ليس كما تقولون، {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بشرك، أَوَلَمْ تسمعوا إلى قول لقمانَ لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}[لقمان]. [رواه البخاري ومسلم]
وفي الصحيحين عن عَدِيٍّ، قال: لَمَّا نزَلَتْ:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة]، عمدت إلى عِقالٍ أسود، وإلى عقالٍ أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلتُ أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوتُ على رسول الله () ، فذكرتُ له ذلك، فقال(): {إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار}[رواه البخاري ، ومسلم].
2 - مُبيِّنةٌ لِما أُبهم في القرآن:
ففي صحيح البخاري أنه تمارى ابنُ عباس والحرُّ بن قيس في العبد الصالح المذكور في قوله تعالى:{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}[الكهف] فسألا أُبَي بن كعب، فقال: سمِعتُ رسول الله () يقول: فارتدَّا على آثارهما قصصًا فوجدا خَضِرًا...} [رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي  وأحمد.].
3 - مبينةٌ لما أُجْمِل في القرآن:
قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (43)} [البقرة]؛ فبيَّن النبي () أوقاتها، وعدد ركعتها وصفتها، ثم قال: {صلوا كما رأيتموني أُصلِّي}[رواه البخاري، ومسلم].
وقال تعالى:{وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}[البقرة].
فبيَّنت السنة أنصبتها ومقاديرها وشروط وجوبها، ونحو ذلك.
4 - مُخصِّصةٌ لما عُمم:ـ
قال تعالى مبينًا المحرَّمات مِن النساء:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ (23)} [النساء]، ثم قال:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (24)}[النساء]، فعمَّ ذلك جميع النساء مِن غير المذكورات، فخصَّصت السُّنة الجمعَ بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها؛ كما ثبت في صحيح البخاري ، عن جابر رضي الله عنه قال: {نهى رسولُ الله () أن تُنكح المرأة على عمتها أو خالتها}.
وقال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (11)}[النساء]؛ فالآية عمَّتْ جميع الأبناء على اختلاف مِلَلِهم، فجاءت السُّنة فخصَّت الميراث بالولد المسلم دون الكافر؛ ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، أنَّ رسول الله ()  قال: {لا يرثُ المسلم الكافر، ولا يرثُ الكافر المسلم}
5 - مُقيِّدةٌ للمطلق:ـ
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}[المائدة]؛ فهذا حكمٌ في مُطلَق السرقة وإن قلَّتْ، فجاءت السُّنة فقيَّدته بحدٍّ مُعيَّن لا يقلُّ عنه؛ ففي الصحيحين عن عائشة أنَّ رسول الله () قال: {لا تُقطع يدُ السارق إلا في ربُع دينار فصاعدًا}
6 - إضافة حكم جديد:
قال تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ (145)} [الأنعام]؛ فقد حَصرت الآيةُ المُحرَّمات مِن الأطعمة في هذه الأصناف الأربعة حين نُزول الآية، ثم أضافت السُّنة أنواعًا أخرى من الأطعمة المحرَّمة؛ مثل لحوم الحُمُر الأهلية؛ ففي الصحيحين عن أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه، قال: {حرَّم رسول الله () لُحُوم الحُمُر الأهلية}
وذوات الأنياب مِن السباع: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي () قال: {كُلُّ ذي نابٍ مِن السباع فأكلُه حرامٌ}
العنصر الرابع :  إجماع السلف الصالح علي مكانة السنة وحجيتها :ـ
كان سلفنا الصالح يستمسكون بالسُّنة ويهتدون بها، ويحثون على العمل بها، ويُحذِّرون من مخالفتها، ويعتبرونها مكمِّلة للقرآن العظيم وشارحةً له، وإن تعذَّر العثور على الدليل في القرآن الكريم، أخذوه من السُّنة ولا يتجاوزونها إلى غيرها إنْ كان الدليل فيها، بل كان الواحد من الأئمة الكرام يرجع عن اجتهاده - دون أدنى تردُّد - إنْ تبيَّن له حديثٌ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعارض ما ذهب إليه من اجتهاد، وعبارتهم المشهورة في ذلك: (إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عُرض الحائط).
وممن نقل الإجماعَ على حجية السنة:
1- الإمام الشافعي  رحمه الله:ـ
يقول: (أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أَنَّ من اسْتَبَانَتْ له سُنَّةُ رسول اللَّهِ () لم يَكُنْ له أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ من الناس).
وقال أيضاً: (لم أَسْمَعْ أَحَدًا  نَسَبَهُ الناسُ أو نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ  يُخَالِفُ في أَنْ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل اتِّبَاعَ أَمْرِ رسول اللَّهِ () ، وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ، بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَجْعَلْ لأَحَدٍ بَعْدَهُ إلاَّ اتِّبَاعَهُ، وَأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إلاَّ بِكِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ ما سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا في قَبُولِ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ () وَاحِدٌ، لاَ يَخْتَلِفُ في أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ قَبُولُ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ () .
2- ابن حزم رحمه الله:ـ
يقول  في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ(59)}[النساء]
(والبرهان على أنَّ المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآنِ، والخَبَرِ عن رسول الله () ؛ لأنَّ الأُمَّة مُجمِعة على أنَّ هذا الخطاب متوجِّه إلينا، وإلى كلِّ مَنْ يُخلق ويُركَّب روحُه في جسده إلى يوم القيامة من الجِنة والناس، كتوجُّهِه إلى مَنْ كان على عهد رسول الله () ، وكلِّ مَنْ أتى بعده - عليه السلام - وقبلنا، ولا فرق).
3- ابن تيمية رحمه الله:ـ
يقول: (وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عامًّا يتعمَّد مخالفة رسول الله () في شيء من سُنَّتِه دقيق ولا جليل، فإنَّهم مُتَّفقون اتِّفاقًا يقينيًّا على وجوب اتِّباع الرسول () ، وعلى أنَّ كلَّ أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويُترك إلاَّ رسول الله ()).
4- الشوكاني رحمه الله:ـ
قال: (والحاصل: إنَّ ثبوت حُجيَّة السُّنة المُطهَّرة، واستقلالَها بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينية، ولا يُخالف في ذلك إلاَّ مَنْ لا حظَّ له في دين الإسلام)
العنصر الخامس: واجب الأمة نحو السنة النبوية المطهرة :ـ
بما أن السُّنة مصدرٌ أساسي مِن مصادر التشريع، فيجب على كل مسلم أن يسمع ويطيع للسنة الصحيحة كما يسمع ويطيع لله تعالي؛ وقد أوجب الله تعالى طاعة الرسول ()على المسلمين، وذلك في أكثر من ثلاثين موضعاً من كتابه؛ كما يقول الإمام الآجري رحمه الله: فرض على الخلق طاعته () في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه عز وجل.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه: وقد أمر الله بطاعة رسوله () في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته؛ كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه.
ولو نظرنا إلي القر آن الكريم لوجدنا أنه يؤكد علي ما يجب نحو السنة المطهرة:
1- الإتباع الكامل للسنة للنبوية:ـ
لقد أمرنا الله باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به ويَنْهَى عنه؛ فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7)}[الحشر].
ومِن علامات صِدْق محبة العبد لله اتباعُ الرسول () ؛ قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (31)} [آل عمران].
وجعل في اتباعه () سبيل الهداية فقال تعالي {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف].
وقد جعل في اتباع السنة سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة فقال تعالي{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)}[الأعراف].
وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(51)}[النور].
2- الاستجابة الكاملة للسنة النبوية :ـ
لقد قرن الله تعالي طاعة الرسول () بطاعة الله تعالي، فقال تعالي: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)} [آل عمران].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء: 59].
يقول ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله () ، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول () تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أتى الكتاب ومثله معه.
ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذاناً بأنهم إنما يطاعون تبعاً لطاعة الرسول()، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول () فلا سمع له ولا طاعة؛ كما صح عنه ()أنه قال: "لا طاعة في معصية الله؛ إنما الطاعة في المعروف"
وقد جعل الله تعالي في الاستجابة  الفورية للرسول() الحياة الطيبة فقال تعالي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24)} [الأنفال].
قال ابن القيم رحمه الله: إذ الحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله () ظاهراً وباطناً، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول () ، فإن كل ما دعا إليه بقية الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول().
وقد جعل الله تعالي طاعة الرسول ()هي في الحقيقة طاعةٌ لله تعالى؛ فقال تعالى:{ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}[النساء].
ولو تأملنا أحاديث النبي () لوجدناها تبين ما الذي يجب علي المسلم تجاه السنة النبوية المطهرة منها...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله () قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله () قال: {مَن أطاعني فقد أطاع الله تعالى، ومَن عصاني فقد عصى الله}[ رواه البخاري ، ومسلم].
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (): {إذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم}
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله () قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
معني ذلك أن طاعة النبي () الموجبة لدخول الجنة هي في التصديق بسنَّته، والعمل بها كالقرآن.
والتَّصديق بالسُّنة إنما هو ركنٌ أصيل من أركان الدِّين، فليست المسألة مسألة أحكام وتشريعات، أو أوامر ونواهي، وإنما القضية أخطر من ذلك بكثير، إذْ هي قضية عقيدة في المقام الأول، إذْ إنَّ تصديق السُّنة إنما هو تَبَعٌ لتصديقِ النبي() ، وتصديقُ النبي () من ضرورات ومقتضيات الإيمان، إذْ كيف يؤمن بالقرآن العزيز وبالرسالة الخاتمة مَنْ شكَّ فيما يقوله النبيُّ الأمين () ؟!
ولعلَّ هذا المعنى هو ما فَطِنَ إليه صدِّيق الأُمَّة أبو بكرٍ  رضي الله عنه في حادثة الإسراء والمعراج، حيث هُرِعَ إليه القوم يَقُصُّون عليه خَبَرَ محمدٍ () ، ظانِّين أنه سيشكُّ فيما يقول، مُحاولين بذلك زعزعةَ إيمانِ أبي بكرٍ رضي الله عنه، والتفريقَ بينه وبين النبي () ، فإذْ به يضرب مثلاً رائعاً في المتابعة والإيمان قائلاً:
 "إنْ كان قاله فقد صَدَقَ، وإنَّا لَنُصَدِّقُه فيما هو أبعد من هذا؛ لَنُصَدِّقُه على خَبَرِ السَّماء.
قال ابن القيم  رحمه الله  مبيِّناً حال السُّنة مع القرآن، وأنها لا تُعارضه: (فما كان منها زَائِدًا على الْقُرْآنِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُبْتَدَأٌ من النبي () تَجِبُ طَاعَتُهُ فيه، وَلاَ تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ.
وَلَيْسَ هذا تَقْدِيمًا لها على كِتَابِ اللَّهِ؛ بَلْ امْتِثَالٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ () ، وَلَوْ كان رسول اللَّهِ () لاَ يُطَاعُ في هذا الْقِسْمِ لم يَكُنْ لِطَاعَتِهِ مَعْنًى، وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ، وَإِنَّهُ إذَا لم تَجِبْ طَاعَتُهُ إلاَّ فِيمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ لاَ فِيمَا زَادَ عليه لم يَكُنْ له طَاعَةٌ خَاصَّةٌ تَخْتَصُّ بِهِ، وقد قال اللَّهُ تَعَالَى:{مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80)} [النساء].
3ـ الأمر بحفظ السنة :ـ
لقد أوصي النبي () بِحِفْظِ السُّنة وتبليغِها للناس، وهذا يدل أيضاً على حُجيَّتها
فعن زَيْدِ بن ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ () يقول: {نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هو أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ}[ رواه أبو داود، والترمذي].
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: {فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ}[رواه البخاري، ومسلم].
وجه الدلالة: {ندب رسولُ الله () إلى استماع مقالته وحِفظِها وأدائها... فدل على أنه لا يأمر أنْ يُؤدَّى عنه، إلاَّ ما تقوم به الحُجَّة على مَنْ أدَّى إليه؛ لأنه إنما يؤدَّى عنه حلالٌ يُؤتى، أو حرامٌ يُجتنب، أو حَدٌّ يُقام، أو مالٌ يؤخذ ويُعطى، أو نصيحةٌ في دينٍ ودنيا}
4ـ الدفاع عن السنة النبوية ضد المشككين :ـ
لقد أكرمنا الله بسيدنا محمد (ﷺ) خير البرية ، الذي جعلنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، هذا النبي () الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، كلامه وحي من السماء ، لا يصدر عن هوا ، ولا حمية ، ولا عصبية .
لرسولنا الكريم (ﷺ) علينا حقوقاً يجب أن نقوم بها، وسنة يجب أن ندافع عنها ، كيف لا ، وهو القائل عن أبي الدرداء رضي الله عنه :قال : قال رسول (ﷺ) {من ردّ عن عِرْض أخيه المسلم ، كان حقاً على الله عز وجل أن يردّ عنه نار جهنم }
[أخرجه الترمذي وغيره وحسنه ].
هذا في حق الناس ، فكيف بحق المصطفى (ﷺ) ، الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة ، ومن الجهل إلى العلم .
يجب على كل مسلم ومسلمة ،أن يدافع عن رسولنا الكريم (ﷺ) ويذب عن سنته ، وينافح ويناضل أهل المجون ،ويطالب بأخذ حقه (ﷺ) ممن أخطأ عليه .
لقد أخبر النبي () من ألف وأربعمائة وإحدى وأربعون عاما عن أولئك الذين يأتون في هذا الزمان وينفون السنة ، فعن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ():{لا أُلْفِينَّ أحدَكم متكئًا على أريكته، يأتيه أمرٌ مما أمرتُ به، أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبَعناه}[روى أبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ، وصححه الألباني]
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ () أَنَّهُ قَالَ:{أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ،أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ! فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ! وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ}
(وَمِثْلَهُ مَعَهُ): أراد بذلك السُّنة التي أُوتي.
 [رواه أحمد ؛ وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود].
وفي رواية: (وَإِنَّ ما حَرَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما حَرَّمَ اللهُ}
[رواه الترمذي والحاكم].
قال الخطابي رحمه الله في شرحه للحديث: قوله (): (أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما: أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
ويحتمل أن يكون معناه: أنه أوتي الكتاب وحياً يُتلى، وأوتي من البيان، أي: أُذِن له أن يُبَيِّن ما في الكتاب ويعمَّ ويخصَّ، وأن يزيد عليه فيُشَرِّع ما ليس له في الكتاب ذِكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به، كالظاهر المتلو من القرآن)[12].
ويدلُّ على هذا قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى(4)} [النجم]، حيث نفى الله تعالى عن نبيِّه الكريم ()اتِّباعَ الهوى، وأتبع ذلك ببيان أنَّ كلَّ ما شرعه الرسول () وكلَّ ما بلَّغه من أحكامٍ إنما بوحي من الله تعالى، ولَمَّا كان القرآن العظيم قد خلا من أحكامٍ بعينِها وأشارت إليها السُّنة وجاءت بها صريحة، وكذا أبانت السُّنة عمَّا في القرآن من إجمالٍ وتفصيل، وشرحت مقاصِدَه، وفصَّلت أحكامَه، دَلَّ ذلك بمنطوق القرآن أنَّ هذا كلَّه بوحيٍ من الله تعالى إلى رسولِه ()، وليس بهوىً أو اجتهادٍ؛ لذا وجب على المؤمنين اتِّباعه فيه، بتنفيذ أوامره، والانتهاء عن نواهيه.
العنصر السادس : خطورة مخالفة السنة النبوية المطهرة:ـ
لم يُبِحِ القرآنُ لأحدٍ مِن المؤمنين أن يخالفَ أوامر الرسول () فقال سبحانه :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36)}[الأحزاب].
وقد حذر النبي () من البعد عن السنة النبوية، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن رسولَ الله () قال:{مَن رَغِب عن سُنتي فليس مني}
ففي مخالفة السنة النبوية المطهرة شؤم علي الفرد والمجتمع ففيها..
ـ الفتنة والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة :ـ
فقال تعالي:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور].
قال ابن كثير رحمه الله:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي: عن أمر رسول الله () ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعِلِه كائناً مَنْ كان... فليحذر وليخش مَنْ يُخالف شريعة الرسول () باطناً أو ظاهراً ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾، أي: في قلوبهم من كفرٍ أو نفاقٍ أو بدعة، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، أي: في الدُّنيا بقتلٍ أو حَدٍّ، أو حبسٍ، أو نحوِ ذلك).
وقال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}[النساء].
ـ تعمد المخالفة كفر :ـ
بيَّن القرآن أن تعمُّد مخالفة الرسول () كُفرٌ؛ فقال سبحانه:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران].
ـ معصية السنة ضلال مبين :ـ
بيَّن القرآن الكريم أن معصية الرسول () ضلالٌ مبينٌ؛ فقال تعالي:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب].
ـ نفي الإيمان عن المخالف للسنة النبوية المطهرة ـ
نفى الله تعالي الإيمان عن من لم يتحاكم إلى النبي () في حياته، وإلى سنته بعد موته.
فقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65)}[النساء].
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول () في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ} أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون في الظاهر والباطن، فيسلمون لك تسليماً كلياً من غير ممانعة، ولا مدافعة ولا منازعة....
ـ الحسرة والندامة يوم القيامة للمخالفين للسنة :ـ
لقد أخبر القرآن الكريم عن حال المخالفين للسنة النبوية الذين زعموا حب النبي () وخالفوا أمره ولم يتبعوا سنته () ، أنهم في خزي وحسرة وندامة يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27)}[الفرقان]
وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}[الأحزاب]. 
العنصر السابع : أثر التمسك بالسنة النبوية :ـ
بين النبي () أن التمسك بالسنة سبل النجاة في الفتن وتشعب الأهواء في هذا الزمان
فعن العِرْباض بن سارية، قال: قال رسول الله ():{إنه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنُتَّي وسُنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة}[ رواه أبو داود، والترمذي ، وقال: حسن صحيح، وأحمد في (المسند) والدارمي].
وروى الحاكم في المستدرك مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ (قَالَ: "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي"
وعن أنس مرفوعًا:{من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة}؛ [رواه الترمذي، ورواه البيهقي]
وفي الختام ....
"من ألزم نفسه آداب السنة، نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه".

14 فبراير 2020

بيوت منورة | كيف يحبنا الله؟




الاعتبار بالزمن والانتفاع بالوقت



إن في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا ..
فكل مفقود عسى أن تسترجعه، إلا الوقت، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل، ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه إنسان، وكان على العاقل أن يستقبل أيامه استقبال الضنين للثروة الرائعة، لا يفرط فى قليلها بله كثيرها، ويجتهد أن يضع كل شيء، مهما ضؤل، موضعه اللائق به .
فالإسلام أعطي للوقت أهمية كبيرة واعتبره رأس مال الإنسان ، وعده من الأخلاق التي حث المسلم علي التخلق بالانتفاع بها ..
=============
رابط صوتي

د. جاسم المطوع. التربية الجنسية أم الثقافة الجنسية

13 فبراير 2020

الاعتبار بالزمن والانتفاع بالوقت



الحمد لله رب العالمين .. خلق الليل والنهار وجعلهما دائبين فقال تعالي{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء] .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .... اهتم بالوقت و أقسم به في آيات كثيرة فقال الله تعالى{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}[العصر].
وقال تعالى {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (3)}[الليل].
كما قال الله تعالى{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)}[الفجر].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله ().. حرص علي الوقت واعتبر بالزمان.. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ }[ رواه ابن حبان والترمذي].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون ...
إن في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا .. 
فالإسلام أعطي للوقت أهمية كبيرة واعتبره رأس مال الإنسان ، وعده من الأخلاق التي حث المسلم علي التخلق بالانتفاع بها ..
لذلك كان حديثنا عن [الاعتبار بالزمن  والانتفاع بالوقت ]وذلك من خلال العناصر الرئيسية الآتية  وهي :ــ 
1ـ قيمة الوقت في الإسلام .
2ـ خصائص الوقت .
3ـ مضيعات الوقت .
4 ـ أوقات الندم علي الوقت.
5ـ كيفية التعامل مع الوقت.
6ـ نماذج من السلف في حفظ أوقاتهم . 
7 ـ الخاتمة .
-------------------------------------------
العنصر الأول : قيمة الوقت في الإسلام :ــ
فإنَّ الوقت هو عُمر الإنسان، ورأس مالِه في هذه الحياة؛ ذلك أنَّ كلَّ يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويُقَرِّبه إلى أَجَلِه، فكان حري بالعاقل أن يستغلَّ ويمضي هذا الوقت الذي مَنَحَهُ الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقِّق لنفسِه السعادة في الدُّنيا والآخرة.
ولقد نظرَ النبي () إلى الشمسِ عند غروبِها فقال:{لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقِيَ من يومكم هذا فيما مضَى منه}. [رواه أحمد].
والوقتُ ثمينٌ بلحَظاته، ويزيدُ نفاسةً إذا لم يبقَ منه سوى اليسير، واللهُ أقسمَ به فقال: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: 1، 2].
ومن الناسِ من كتبَ الله له فُسحةً في العُمر، ومنهم من يخطَفُه الأجلُ سريعًا، وخيرُ الناس من عاشَ في لحَظاتها ليرتقِيَ بها إلى آخرته.       
إن الوقت من أغلى النعم على الإنسان ، لأنه وعاء كل عمل و انتاج ، فيحرم على المسلم تضييع وقته و هدره في أمور تضره و لا تنفعه، فمن جهل قيمة وقته ندم بعد فوات الأوان .  
  العنصر الثاني : خصائص الوقت :ــ
المسلم يدرك أهمية الوقت ، و يتعامل معه في ضوء خصائصه و منها :
1- الوقت سريع الانقضاء :ــ
فمهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة فهو قصير، فهو يمر مر السحاب ويجري جري الريح سواء كان زمن مسرة وفرح ، أم كان زمن اكتئاب ، وإن كانت أيام سرور تمر أسرع ، وأيام الهموم تسير ببطئ وتثاقل لا في الحقيقة ولكن في شعور الإنسان ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا فهو قصير مادام الموت هو نهاية كل حي .
ورحم الله الشاعر الذي قال :ـ
وإذا كان آخر العمر مكوتا    فسواء قصيره والطويل .
وقال آخر :ــ
مرت سنين بالوصال و بالهنا        فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها       فكأنها من طولها أعوام 
ثم انقضت تلك السنون و أهلها       فكأنها وكأنهم أحلام
وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود التي عاشها الإنسان حتي لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف ، يحكي عن شيخ المرسلين نوح عليه السلام عندما جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده فسأله يا أطول الأنبياء عمرا ؟
كيف وجدت الدنيا ؟
فقال وجدت الدنيا كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر .
ويؤكد ذلك قول الله تعالي عند قيام الساعة حاكيا عن الإنسان {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}[النازعات] .
2- إن ما مضى من الوقت لا يعود و لا يعوض :ــ
فكل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي ، وكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها  ، وبالتالي لا يمكن تعويضها ، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ  " ما من يوم ينشق فيه فجر إلا و ينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة ".
3ـ  أنه أنفس وأغلي ما يملك الإنسان :ـــ
ولما كان الوقت سريع الإنقضاء وكان ما مضي منه لا يرجع ،ولا يعوض بشئ ، كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك ويرجع نفاسة الوقت إلي أنه وعاء لكل عمل ، وكل إنتاج فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فردا أو مجتمعا ، إن الوقت ليس من ذهب فقط كما يقولون ولكن الوقت أغلي من ذلك إنه هو الحياة ، فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلي ساعة الوفاه ، وفي هذا قال الحسن البصري " يا ابن آدم  إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل ،وأنت تعلم فاعمل ، فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل . 
 قال الوزير ابن هبيرة- رحمه الله :ـ
والوقت أنفس ماعُنيت بحفظه                 وأَراه أسهل ماعليك يضيع
العنصر الثالث : مضيعات الوقت وما يترتب عليها :ـ
من المؤسف أن كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل لا يبالون بإضاعة أوقاتهم ويضمون إلي هذه الجريمة السطو علي أوقات غيرهم لاراقتها علي التراب .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (): {نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ}[ رواه البُخاريُّ].
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالي ... (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ، إن طال الليل فبحديث لا ينفع ، أو بقراءة كتاب فيه غزاة و سمر ، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة  وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاهد ، والتأهب للرحيل ، إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة ، فالمتيقظون منهم يتطلعون ، إلى الأخبار بالنافق هناك ، فيستكثرون منه فيزيد ربحهم ، والغافلون منهم يحملون ما اتفق ، و ربما خرجوا لا مع خفير ، فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً) .
فا الله الله في مواسم العمر ، و البدار قبل الفوات ، واستشهدوا العلم ، واستدلوا الحكمة ، ونافسوا الزمان ،و ناقشوا النفوس ، و استظهروا بالزاد، فكأن قد حدا الحادي فلم يفهم صوته من وقع دمع الندم" .           
و يقول ابن القيم رحمه الله عز وجل : (من أعظم الاضاعات إضاعة القلب وإضاعة الوقت فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة وإضاعة الوقت من طول الأمل فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل ، والصلاح كله في إتباع الهدي والإستعداد للقاء الله المستعان ).
وكان بعض الحكماء يقول  "أعز الأشياء شيئان : قلبك ووقتك فإذا أهملت قلبك وضيعت وقتك فقد ذهبت منك الفوائد "
وكان بعض السلف يقول " من علامة المقت إضاعة الوقت "
وقال بعضهم " من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون"
وقال بعضهم " ما من يوم يمضي من غير حق يقضيه، أو فرض يؤديه، أو مجد، أو حمد يحصله، أو خير يأسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق ذلك اليوم، وظلم نفسه".
وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : "إني لأكره أن أري أحدكم سبهللا ( أي فارغا) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة ".
هناك أناس وما أكثرهم، يقتلون الوقت، إنهم ينتحرون، ولكن انتحارهم هو انتحار بطيء".
كان أحد العلماء الصالحين، كان يمشي في الطريق مع أحد تلاميذه فرأى مقهى يعج برواده، فقال: آه لو أن الوقت يشترى من هؤلاء، لو أن الوقت يباع لاشتريته من هؤلاء.
الذي يجلس على مائدة النرد يقتل وقته، الذي يجلس مع صديقه على رقعة الشطرنج يقتل وقته، الذي يلعب الورق يقتل وقته، الذي يجلس وراء الملهيات ليتابع المسلسلات يقتل وقته، هذا الذي يقتل وقته ينتحر انتحاراً بطيئاً وهو لا يدري، لأنك وقت، لأنك بضعة أيام، ولك مهمة خطيرة، إن هذه المهمة يبنى عليها سعادة الآخرة، يبنى عليها سعادة الأبد وأنت في هذا الوقت الحرج.
مثلاً: طالب يجلس على طاولة الامتحان، وهناك وقت محدود، فإذا أمضى هذا الوقت في ألعاب، أو في حركات، أو في كتابات لا طائل منها، ونسي أن يكتب الإجابات، هذه الساعات الثلاث، ساعات الامتحان خطيرة جداً، يبنى عليها النجاح أو الرسوب، والله الذي لا إله إلا هو ما وقتنا بأقل خطورة من هذه الساعات الثلاث التي يمضيها الطالب وهو على طاولة الامتحان، نوع الإجابة، دقة الإجابة، صحة الإجابة، تنظيم الوقت، ربما يسهم في نجاحك.
أيها الإخوة الأكارم :
شيء آخر يتعلق بالوقت الآن هناك نعمة لا يعرفها معظم الناس نعمة الفراغ، أن يبقي لك عملك وقت فراغ، هناك أعمال تستغرق أوقات الإنسان كلها، هذا العمل لو در عليك مئات الألوف في كل شهر فهو خسارة، العمل الذي يستغرق الوقت كله خسارة محققة، لأن هذا العمل لن يبقي لك وقتاً تفكر فيه بمهمتك، هذا العمل، وهذا الدخل الكبير لم يبقِ لك وقتاً تعرف فيه نفسك، تعرف فيه ربك، تعرف فيه لماذا أنت في الدنيا هذا شيء خطير، لذلك من أبقى له عمله نعمة الفراغ فهذه نعمة لا تقدر بثمن.
وسأذكر لكم بعض مضيعات الوقت :ـ
1 ـ مضيعات ذاتية . 2 ـ مضيعات بيئية . 
المضيعات الذاتية :ـ
1ـ عدم الاحساس بقيمة الوقت مما يؤدي إلي إهدار الوقت وعدم استثماره الاستثمار الأمثل .
2ـ عدم وضوح الأهداف ومما يؤدي إلي عدم تحقيق الهدف المطلوب .
3 ـ التسويف .
4ـ الغفلة .
5ـ حب الجدل  .
6ـ الافتقار إلي التخطيط .
7ـ عدم تحديد الوقت اللازم للانتهاء من العمل . 
8 ـ ترك الأعمال قبل الانتهاء منها .
9 ـ عدم تحديد الأولويات .
المضيعات البيئية :ـ
1 ـ نظام الشلل الغير منظم .
2 ـ الزيارات المفاجئة والطويلة والدردشة والثرثرة .
3 ـ الانتظار سواء في الطوابير العامة أو عند الطبيب أو عند المحامي أو خلاف ذلك .
4- الهواتف.
5- الاجتماعات.
6 - التلفاز. 
7- الإنترنت.
العنصر الرابع : مواقف الندم على ضياع الوقت :ـ
بين الله عز و جل في كتابه الكريم موقفين يندم فيهما الإنسان على ضياع وقته ، حيث لا ينفع ندم و هما :
1- ساعة الاحتضار ، حيث يستدبر الإنسان الدنيا و يستقبل الآخرة ، فيتمنى لو منح مهلة أخرى من الزمن كي يعمل صالحاً ، قال تعالى يصف قول المقصر الذي أضاع وقته في الأعمال الفاسدة : قال تعالي {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ(10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}[المنافقون] .
2- يوم القيامة ، حيث تجزى كل نفس بما عملت ، و يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فيتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا ، ليعملوا صالحاً ، قال الله عز وجل واصفاً أمنيتهم : {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(37)}[فاطر].
العنصر الخامس :  كيفية التعامل مع الوقت :ــ
والفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس.. فتراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها ففراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وأنجرّ في قياد الشهوات، شوّش الله عليه وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه.
قال النبي ():{ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عزّ وجل فيها}.
والذكر هنا كلمة تعظّم اللهَ باللسان.. وإنتاجٌ يسعد الأمة ويرفع من شأنها.
أثمن شيء تملكه هو الوقت، إنه رأس مالك، حياة كل منا مجموعة أيام، كيف يستهلكها، إما أن يستهلكها، وإما أن يستثمرها، إن استهلكها في طلب الدنيا، وجاء الموت، ندم على ما فعل، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت، شعر بالنجاح، شعر بالتفوق، شعر بالفوز، شعر بالتوفيق، شعر بأنه إنسان عرف ربه وعرف مهمته وعرف نفسه.
إن الذي يمسك بالأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع ؟
اسمه سفيه، يعني أحمق، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً، والسفيه يحجر عليه.
نعلم جيدا أن بذل المال أهون من بذل النفس، أهون بكثير، إذاً الحياة أغلى من المال، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته، وهو أغلى من المال، إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله، الوقت ثمين، لا تنسَ هذه الكلمة، أنت وقت أنت بضعة أيام، بضعة سنين وأعوام، أنت بضعة دقائق وثوان، دقات قلب المرء قائلة له، القلب يدق، إذاً أنت حي، فإذا توقف القلب انتهت الحياة، وهذا القلب له أجل.
وصدق القائل :
دقات قلب المرء قائلة لـــه          إن الحياة دقائق و ثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها         فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
أيها الأخوة الأكارم ...
فرق دقيق بين الوقت والمال، المال إذا ضاع يعوض، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء. 
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها .
الوقت في نظر الإسلام.. هو كل ما في الحياة.. وأن المسلم سيحاسب يوم القيامة ليس عن عبادته وذكره فحسب، ولكنه سيحاسب عن عمره (والعمر ساعات محددة)
وهل استخدمه لمصلحته ومصلحة العباد والبلاد أم أضاعه فيما لا يفيد..؟
سيحاسب عن شبابه (رمز القوة والعطاء) كيف تصرف به.. هل استنفذه بالمتع الحسية أم استخدمه في بناء الأسرة والمجتمع الصالح..؟ 
سيحاسب عن ماله.. كيف حصل عليه.. وكيف أنفقه.. سيحاسب عن كل لحظة في حياته هل وضعت في إطارها الصحيح.. أم استهتربها.. هل استخدمها للبناء.. أم وضعها في خدمة الشيطان..؟
لذلك يقول الله تعالي {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)}[التكاثر].
قال بعض المفسرين: النعيم هو الصحة والفراغ، كلمة مغبون تستعمل في البيع والشراء، كلمة تجارية، كأن النبي () شبه هذا الإنسان الذي جاء إلى الدنيا بتاجر، وعد رأس ماله الوقت، فمن أطاع الله عز وجل ربحت تجارته، ومن أطاع الشيطان خسر تجارته فصار مغبوناً، فالوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.
وقال الرسول (): {اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك} [ أخرجه الحاكم في المستدرك والبيقهي في شعب الإيمان عن ابن عباس وأحمد في مسنده ].
يا أيها الأخ الكريم، أنت بين رجلين، أو أنت أحد رجلين، إما أنك تستهلك الوقت استهلاكًا رخصياً ، وإما أنك تستثمره.
ورحم الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم، أدركت أقواماً ".
ويقول سيدنا عمر بن عبد العزيز كلمةٌ رائعة، يقول: " إن الليل والنهار يعملان فيك  يعملان في الإنسان، يكبر الإنسان، يشيب شعره، يضعف بصره، يحتاج إلى نظارة، تضعف قوته، تضعف فاعلية أجهزته، يشعر بالوهن  إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما أنت ".
أي أعمل في الليل والنهار العمل الصالح، إن لم تعمل في الليل والنهار العمل الصالح، عمل الليل والنهار فيك، فهما يعملان فيك، فاعمل فيهما، هما يعملان فيك، هذه الخلايا تضعف، هذه الأجهزة تضعف فعاليتها، هذه المقاومة تضعف، هذه القوة تضعف، هذا البصر الحاد يضعف، هذا السمع المرهف يضعف، هذه الذاكرة تضعف، الأجهزة التي خلقها الله فيك لحكمة أرادها تضعف شيئاً فشيئاً، وكأن ضعف الأجهزة، إشارة لطيفة، تنبيه لطيف من المولى جل وعلا أن أيها الإنسان قد اقترب اللقاء، فهل أنت مستعد له، اقترب اللقاء.
وكان الصحابي الجليل بن مسعود رضي الله عنه كان يقول: {ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي}.  
أيها الإخوة الأكارم، بعض العلماء يرفعون إلى النبي () هذا الحديث، وبعضهم يوقفونه على أصحاب النبي: (لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً يقربني من الله عز وجل )
 ولكي نستفيد من أوقاتنا علينا الالتزام بالآتي :ــ  
1 ـ معرفة قيمة الوقت :ـ
من عرف قيمة الشيئ تمسك به ولم يضيعه مهما كانت الظروف .
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالي " فوا عجبا من مضيع لحظة يقع فيها فلتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها في السماء ".
2 ـ المسارعة  والمسابقة في الخيرات والأعمال الصالحة :
 قال تعالي {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}[آل عمران] .  
وقال تعالي : {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}[الحديد] . وقال تعالي :{وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)}[المطففين] .
وأمر النبي () بالمبادة بالأعمال قبل حلول العوائق والفتن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ () قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟) [أخرجه الترمذي في سننه] .
3 ـ المداومة علي العمل الصالح ولو بالقليل :ـ
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي () كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل فقال( يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل) رواه البخاري .
4ـ التبكير في الأعمال :ــ
حتي يبدأ الانسان في عمله نشيطا ولا يؤجل عمل اليوم إلي الغد وجاء في وصية سيدنا أبي بكر الصديق لعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما حين استخلفه قال إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وله  في الليل حق لا يقبله بالنهار ).
ولما نصح أحد إخوة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "يا أمير المؤمنين، لو ركبتَ وتروَّحْتَ، قال: فمَن يجزي عني عمل ذلك اليوم؟ قال: تجزيه من الغد، قال: فدحني عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين؟!".
ويقول ابن القيم " لله علي العبد في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلي ربه ، وإن شغله بهوي ،أو راحة أو بطالة تأخر "
5ـ الاعتبار بمرور الوقت والنظر في سير السابقين :ـ
قال تعالي { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} [النور] .
والنظر في سيرة السابقين الناجين الذين استفادوا بأوقاتهم وسير الهالكين الذين لم يستفيدوا بأوقاتهم فننظر إلي هؤلاء الشباب الذين صنعوا لأنفسهم اسما في وقت قليل وأنجزوا أعمالا كثيرة في وقت قليل ...فهذا محمد ابن القاسم :
قال الشاعر :ـ
إن السماحة والمروؤة والندي       لمحمد ابن القاسم ابن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة        ياقرب ذلك سؤدد من مولد
محمد ابن القاسم الذي فتح بلاد الهند عن طريق السند، انطلق من الجزيرة العربية إلي بلاد لا يعرفها ، يقود الجيوش المسلمة لتنشر الاسلام وتبلغ الأمم دعوة اسلام،  لولا طموح هذا الشاب وإقباله ما كانت باكستان وبنجلاديش ومسلموا الهند ،هذه البلاد مدينة لمحمد ابن القاسم ، ومن ذهب إلي مراكش وركب القطار متجها إلي داخل باكستان ، وجد هناك محطة مكتوب عليها محمد بن القاسم يا تري كم عمره المفاجأة عمرة 17 سنة .
6 ـ تنظيم الوقت :ــ
لقد ورد في صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام : "يتبغي للعاقل أن لا يغفل عن ساعات أربع :ـ ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر في صنع الله تعالي ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ".
لكل وقت عمله وتحري الأوقات الفاضلة أوقات النشاط والكسل "إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا "
وخطوات التنظيم تكون كالتالي :ـ
ـ تحديد الهدف المطلوب من العمل.
ـ تحديد الأولويات .
ـ التخطيط الجيد وعدم العشوائية والعفوية في العمل واعتماد مبدأ ." فكر ألف ساعة واعمل ساعة واحدة "
 ـ عدم ترك العمل قبل الانتهاء منه .
ـ الاستفادة من الأوقات البينية ( المواصلات ـ أوقات الانتظار ).
7 ـ الحذر من مضيعات الوقت وخاصة الغفلة والتسويف .
ولقد حذر القرآن الكريم من مرض الغفلة ، فهو يصيب عقل الانسان وقلبه حتي ليجعل أهل الغفلة حطب جهنم أضل سبيلا من الأنعام قال تعالي {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}[الأعراف] .
ومن هنا كان من دعاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه " اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا علي غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين " .
 وأما التسويف فهو داء خطير لأن الإنسان لا يضمن أنه يعيش إلي الغد ،وأنه إذا ضمن أن يعيش إلي الغد فلا يأمن المعوقات من مرض طارئ ، أو شغل عارض ، أو غير ذلك من الملهيات . 
ورحم الله الإمام الشافعي :ــ
تزود من التقوى فانك لا تدري                   اذا جن ليل هل تعيشُ الى الفجر
فكم من عروس زينوها لزوجها                     وقد قبضت ارواحهم لية القدر
وكم من صغار يُرتجى طولُ عُمرِهم               وقد أدخلت أرواحـــهم ظلمـــة القــبر 
وكم من صحيح مات من غير علة                وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى امسى واصبح ضاحكا                   وقد نسجت اكفانه وهو لا يدري
وكم ساكنٍ عند الصباح بقصره                وعند المساء قد كان من ساكن القبر
فداوم على تقوى الاله فانها                 أمان من الأهوال في موقف الحشر
تزود من التقوى فانك لا تدري               اذا جن ليل هل تعيش الى الفجر
العنصر السادس : نماذج من السلف في حفظ أوقاتهم :ـ
ـ كان يونس بن عبيد العبدي من صغار التابعين من شدة حفظه لوقته أنه يحدِّث تم يستغفر الله ثلاثا. )
- وكان معروف الكرخي وهو عند الحلاق ليحلق شنبه لايترك الذ كر، فكان الحلاق يقول له : كيف أقصِّ ؟ فيقول له : أنت تعمل وأنا أعمل .
- قال إبراهيم بن ا لجراح :أتيت أبا يوسف أعوده فوجدته مغمى عليه ،فلما أفاق قال لي : يا إبراهيم أيِّما أفضل في رمي الجمار ؛ أن يرميها الرجل راجلا أو راكبا ؟
فقلت راكبا .
فقال لي أخطأت . ثم قال : أمِّا ماكان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راجلا ، وأما ماكان لا يوقف عنده ؛ فالأفضل أن يرميه راكبا.
 ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه .
ـ  ويقول ابن عقيل الحنبلي عن نفسه :" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتِّى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطر فلا أنهض إلا وقد  خطر لي ما أسطره"
العنصر السابع : الخاتمة ..
وفي النهاية .. وقتك .. وقتك .. رأس مالك إما أن تكون رابحا ، أو خاسرا وقد أخبرنا القرآن الكريم بأن هناك أربعة أشياء من فعلها في يومه لم يخسر: ـ 
1 – جلسة إيمان: ﴿ وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾.  
2 – عملٌ صالح: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ .
3 –التواصي بالحق: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ .
4 – الدعوةُ التواصي بالصبر: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾. ( سورة العصر ).
إن فعلت هذه الأشياء أو بعضها في اليوم فأنت لست بخاسر، أما إذا غفلت عن هذه الأربع، وحصلت أكبر ثروة، فأنت خاسر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: { سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته: من علّم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته } [ أخرجه البزار عن أنس ] احرص على عمل يستمر بعد الوفاة.
أخي الكريم :ـ
- لا بد أن تعرف قيمة وشرف زمانك، وأنه هو حياتك، فلا تفرِّط  فيه.
- الناس متساوون في الوقت بساعاته ودقائقه وثوانيه ، لكنهم مختلفون في استغلاله ، والاستفادة منه .
- لا وقت عند المسلم للفرا غ، إلا إذا كان للاستجمام ، والراحة ، ثم معاودة النشاط مرة أخرى فهذا أمر مطلوب .
- المحاسبة الدائمة للنفس على فوات الأوقات ، وعدم استغلالها فيما .. يعود بالنفع في الدارين . واسأل نفسك ماذا قدمت لنفسي ؟ وماذا قدمت لديني ، وأمتي ؟ .
- الإلحاح على الله بالدعاء بأن يجعلك ممن يستفيد من وقته ،.. ويعمره بالخيرات ، والطاعات .
- استعذ بالله من العجز والكسل ، لأنهما قرينان ؛ فإذا اجتمعا على العبد أهلكاه ، وإن كان شابا صحيحا .
- ما أجمل أن تقرأ سير القوم ،وتنظر بعين البصيرة، كيف حافظوا على أوقاتهم ، وأصبحوا أحياء بيننا بإ ازاتهم ، وإبداعاتهم .
-ابتعد عن البطَالين ، وتجنب أهل اللهو والغفلة ،وفرِّ من المخذِّلين المثبِّطين .
- اقتصد في زياراتك إلا لصلة رحم لابد منها ، أو ما كان لدعوة خاصة لا فكاك عنها. والله يحفظك ويسددك ، ويجعلك مباركا أينما كنت .
انتهت بفضل الله

================
رابط doc
-----------
رابط pdf