22 فبراير 2017

أمانة التجارة في الإسلام



الحمد لله رب العالمين .. خلق السماوات والأرض بالحق والعدل ووضع الميزان في الأرض ليقوم الناس بالقسط بينهم ، وأمر بعدم الطغيان في الميزان فقال تعالي { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان(9)َ} . 
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... أمر بالتجارة الحلال فقال تعالي {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29)} النساء. 
 وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. حث علي الكسب الطيب فقال صلي الله عليه وسلم ..فعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ: أي الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". روى البزار والحاكم وصححه
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعـد ...
فيا أيها المؤمنون .. فإن التجارة من الكسب الطيب الذي حث عليه الإسلام وأمر به، فقد روى البزار والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ: أي الكسب أطيب؟ فقال:عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور".
قال العلماء: والبيع المبرور ما ليس فيه غش ولا خداع، ولا ما يخالف الشرع 
وقال تعالي { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ(275) } البقرة . 
وقال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)} النساء
فالتجارة من الكسب الحلال الذي أمرنا به ديننا الحنيف واعتبرها من الأمانات التي أوصي الإسلام بحفظها لذلك كان حديثنا عن أمانة التجارة في الإسلام . وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية .. 
 1ـ لماذا الحديث عن التجارة ؟. 
 2ـ فضل التجارة في الإسلام .
 3ـ الضوابط الشّرعية للتجارة .
4ـ أثر الالتزام بالضوابط الشرعية . 

العنصر الأول : لماذا الحديث عن التجارة ؟

الحديث عن التجارة لثلاثة أسباب:
السبب الأول:
لجهل كثير من الناس ببركتها، فأحببت أن أبين بركتها.
السبب الثاني:
اتجاه كثير من الشباب نحو التوظيف الحكومي، فإن لم يوجد فالمؤسسي، حتى صار عند بعضهم هماً لا ينفك عنه حتى يتوظف! مع أن الوظائف كما قال البعض تضعف التوكل على الله، وليس ذلك تزهيداً في الوظائف، ولكن أن لا تكون هدفاً وغاية، وكأن الدولة هي الرازقة والمعطية والمانعة، والله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، كما قال تعالى{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(6) } هود 
فلا بأس أن يبحث الإنسان عن الوظيفة ويفكّر في وسيلة للتكسب، كما قال أحد الحكماء: "اشتغل حمالاً ويكون هدفك أن تكون تاجراً".
السبب الثالث: 
تزايد عدد العاطلين: فالذي يقول: "لا يوجد عمل" هذا غير منطقي؛ فالأعمال موجودة، ولكنّ تحتاج إلى حركة وتفكير وتدبير، ولكن إذا قال: "لا أجد عملاً أنا أريده" فهذا معقول، وليس بالإمكان أن يجد الإنسان كل ما يريده، كما قال الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ
فلابد للإنسان أن يفكّر إلى ما يعود له بالكسب الحلال، وكما قيل: "الحاجة أم الاختراع" .. 

 العنصر الثاني : فضل التجارة في الإسلام :

تظهر أهمية التجارة في الإسلام أن القرآن الكريم يسمى أرباحها فضل الله، وقد قرن الله تعالى ذكر الضاربين في الأرض للتجارة بالمجاهدين في سبيل الله؛ قال تعالى { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (20)} المزمل.
وقال تعالى{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (198) } البقرة.
وقال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10)} الجمعة.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما من مكان أحب إلى أن يأتيني فيه أجلي بعد الجهاد في سبيل الله إلا أن أكون في تجارة أبيع وأشتري، وقد أخذ هذا المعنى من قول الله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (20) المزمل.
وتظهر أهمية التجارة من خلال ذكرها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله .
فقد ذكرت كلمة التجارة، وبمختلف اشتقاقاتها تسع مرات في سبع سور، مرة يراد بها التجارة المعنوية ومرة يراد بها تجارة البيع والشراء.
قال تعالي { أُولَئِكَ الذِينَ اشْتَرَوُا الضلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} (البقرة).
وقال تعالي { وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَار كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتقُوا اللهَ وَيُعَلمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)} (البقرة)
وقال تعالي {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29)} (النساء). 
وقال تعالي { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَب إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبصُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)} (التوبة).
وقال تعالي {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرازِقِينَ (11)} (الجمعة) .
و قد امتنَّ الله تعالي على قريش أن كانت لهم تجارة في الشتاء والصيف: يرتحلون من أجلها إلى الشام واليمن، فقال الله تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:1-4]، 
وقال سبحانه: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص:57].
وقال تعالي {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاءِ الزكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ(37)}(النور) . 
 وقال تعالي{إِن الذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصلاةَ وَأَنْفَقُوا مِما رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ(29)} (فاطر).
وقال تعالي{يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} (الصف). 
 وقال تعالي{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة
فقد لوحظ أن كلمة التجارة في القرآن الكريم قد استعملت في بابي الدنيا والآخرة في البيع والشراء المادي،وفي البيع والشراء المعنوي (الطاعة والثواب) ففي كل من سورة البقرة وفاطر والصف، قد استعملت في باب الطاعة والثواب، وفي السور الأخرى، قد استعملت في باب البيع والشراء الحياتي المادي.
فيكون استعمال لفظة التجارة واردة في باب ربح المادة والثواب، إلا أن الغالب عليها عند الإطلاق (البيع والشراء الحياتي المادي)
وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن بركة التجارة علي صاحبها فقال صلي الله عليه وسلم (أعظم الناس هما المؤمن الذي يهم بأمر دنياه وأمر آخرته). وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث رافع بن خديج قال: قيل يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ" 
 وقال صلي الله عليه وسلم ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء). وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا » 
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي (تفسير الألوسي).
وكانت التجارة عمل النبي صلي الله عليه وسلم، فحين بلغ مبلغ الرجال حيث كان صلى الله عليه وسلم يتاجر في مال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
في هذه النصوص وغيرها دلالة على مدى الاهتمام بالدنيا والتجارة فيها، والاهتمام بأمر الآخرة، وأن التجارة إذا كانت بحق والتزم صاحبها الصدق والحق هي سبب من أسباب التكريم والرفعة في الآخرة، حيث حشره مع صفوة الخلق يوم الحساب.
'وقد سئل بعض الصالحين: عن التاجر الصدوق، أهو أحب إليه أو المتفرغ للعبادة؟ قال التاجر الصدوق أحب إلي، لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده'.
ونسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: 'إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته'.

العنصر الثالث : الضوابط الشّرعية للتجارة :

1ـ حسن التوكل علي الله تعالي :
فإن الذي يتاجر في الغالب متوكل على الله تعالى، فهو لا يضمن ربحاً معيناً أو خسارة، بخلاف الذي يعمل بأجر يومي أو شهري، والله سبحانه وتعالى يقول{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)} الطلاق. 
 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم }لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً -جياعاً- وتروح بطاناً( أي: شباعاً){ رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فالله تعالى تكفّل بحفظه ورزقه للمتوكل، والواقع المعاش خير شاهد، فإن أصحاب رؤوس الأموال وهم التجار الكبار ما بلغوا ذلك إلا مروراً بالتجارة الصغيرة (البيع والشراء) حتى صاروا تجّاراً كباراً. فهذا الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه ، أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا ، حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْيَمْ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا سُقْتَ فِيهَا؛ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. . 
 استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن كان صداقه ربع دينار ، وتصدق بأربعين ألف دينار وترك تركة تعادل مائتا ألف وثلاثة ملايين دينار ،وهو الذي دخل المدينة معدما فقيرا،ولكنه كان سببا في الإنعاش الاقتصادي في المدينة ،فكل هذا من أثر توكله علي الله تعالي .
2ـ العلم بأصول التجارة والعلم بالضوابط الشرعية للتجارة:
ـ إن ما يحتاجه المرء في الحال ويلزمه هو: تعلم أحكامه الشرعية احترازاً من الوقوع في المخالفات وشأن طالب التجارة كطالب الحج لزوماً يفترض عليه تعلم ما يُؤدى به الحج.
ولا بد لطالب التجارة أو أي حرفة حياتية من قدر من الضوابط ليتميز عنده المباح من المحظور وموضع الأشكال من المسألة التجارية.
فالمكتسب عن طريق التجارة يحتاج إلى معرفة أحكام كسب التجارة وبتعلمه يحصل على ضمان رأسماله الدنيوي والأخروي:
1ـ يقف على مفسدات المعاملات التجارية.
2ـ يقف على ما شذ من المفسدات فيدرك سبب إشكالها.
3ـ تجنب الوقوع في المعاصي والشبهات.
وليس من الصحة الانتظار حتى يقع فيها لأن يسأل عنها فكان لزامًا أن يفهم الأصول والضوابط الشرعية لتجارته
وفي هذا فقد ذكر أنّ أمير المؤمنين 'عمر بن الخطاب' رضي الله عنه كان يطوف في السوق ويقول ' {لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى}' 
بأن يتعرف على المحاذير الواضحة فيبتعد عنها وعن المحاذير المشبوهة فيتوقاها. فيكون بذلك التاجر الصادق الذي له الإحسان في الدنيا والإحسان في الآخرة.
3ـ عدم الإفراط في التجارة وكسب الأرباح والاشتغال بذلك عن ذكر الله وعن الواجبات نحو الدين والأمة:
أن لا تشغله تجارته عن واجباته نحو ربه عز وجل ،كأن تشغله عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الزكاة، وعن الحج، وعن بر الوالدين، وعن صلة الأرحام، وعن الإحسان إلى الناس، فهذه صفة التاجر الصدوق الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه }التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء{ (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)
أن مَثَل هؤلاء مَثَل من وصفهم الله تعالى بقوله{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:37-38]
ولقد حذر النبي من الغفلة وسوء الانحراف بالتعامل مع هذا الوجه من وجوه المعاش والكسب فقال (من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان، ومن غدا إلى السوق غدا براية إبليس) (حديث مرفوع). فالصحابة الكرامة كانوا أتجر الناس مثل سيدنا أبو بكر الصديق ، وعثمان ابن عفان وسعد ابن أبي وقاص ، وطلحة ابن عبيد الله ، والزبير ابن العوام رضي الله عنهم جميعا ،ومع ذلك لم تشغلهم تجارتهم عن واجبهم تجاه ربهم جل وعلا . ويحذرنا الإمام ابن القيم رحمه الله تعالي من الانشغال بالدنيا عن الواجب نحو الله تعالي فقال :ـ
"من شغلته أمواله عن الصلاة حشر مع صاحب المال ... مع قارون، ومن شغله ملكه عن الصلاة حشر مع فرعون، ومن شغلته وزارته عن الصلاة حشر مع هامان، ومن شغلته تجارته عن الصلاة حشر مع أمية ابن خلف في الدرك الأسفل من النار
4ـ التجارة في الحلال والمباح :
المسلم أن يتاجر في المباح ولا يتاجر فيما يحرم شرعاً: كالخمر أو ما فيه ضرر كالمخدرات، والتدخين ونحوه؛ لا يصح للتاجر المسلم أن يتاجر بشيء من ذلك ، حتى ولو باعها لغير مسلم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار(. رواه مالك والحاكم والبيهقي والدار قطني وابن ماجه وأحمد وغيرهم، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة )
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها .. فكل من شارك فيها بجهد ما فهو ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قربة مملوءة خمرًا ليهديها إلى النبي ، فقال له عليه الصلاة والسلام : ( إن الله قد حرم الخمر ) ، قال له : إذن أبيعها . قال: ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها ) . قال : إذن أكارم بها اليهود - أي يهديها لهم مجاملة فقال : ( إن الذي حرم بيعها وشربها حرم أن تكرم بها اليهود ) .
قال : فماذا أصنع بها ؟ قال: ( اذهب فشنها على البطحاء ) (رواه الحميدي في مسنده ) أي صبها وأهرق ما فيها على الطريق .
ومن هنا نعلم بأن صناعة الخمر ، واستيرادها ، وتصديرها ، والتجارة فيها ، وكل ما يتعلق بها فهو حرام ، بل أكثر من ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حبس العنب أيام القطاف ليبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرًا فقد تقحم النار على بصيرة) (رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الحافظ في بلوغ المرام ) . وقياسا علي ذلك حرمة التجارة في ما فيه ضر للناس 
 5ـ عدم الغش والتدليس :
روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، فمن غشنا فليس منَّا) (رواه مسلم ). 
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برجل يبيع طعاما، فأدخل يده فإذا هو مبلول، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ليس منا من غش»(صحيح أبي داود)، وهذا غش قصد منه إيهام الناس بأن الطعام صالح للاستعمال الآدمي، إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك، وفيه إضرار بصحتهم وإضاعة لأموالهم، وقد نهى الإسلام عن ذلك . فعلي البائع إظهار ما في المبيع من عيوب وهذا واجب ومن حق المسلم علي أخيه المسلم ،إذ روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له»(صحيح ابن ماجه)، وعن أبي سباع رضي الله عنه قال: (اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال: اشتريت؟، قلت: نعم، قال: أبيّن لك ما فيها، قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟، قلت: أردت بها الحج، قال: فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد علي، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه» (صحيح الترغيب) كذلك حذر المولي سبحانه وتعالي من الغش في الكيل والميزان ،فجاءت آيات القرآن تذكر الناس بمراعاة القسط في المكاييل والموازين كما في قوله تعالى:{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} الرحمن. 
 وهدد الذين يتلاعبون بالمكاييل والموازين بعذاب أليم يوم القيامة فقال:{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(6)} المطففين. 
 وقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان« (زن وأرجح (رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح) التوجيه: فيه تنبيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه التاجر من السعة في الوزن، وأن وزنه محاسبٌ عليه أمام الله تعالى، كما أخبر المولي سبحانه وتعالي في سورة المطففين .
6ـ التزام الصدق والأمانة عند التعامل بيعا وشراء ونحوهما : 
يدل على هذا ما روي عن رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه : «أنه خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق»(رواه الترمذي)، مما يدل على طلب الإسلام الصدق من المتعاملين والبر في معاملاتهم مع غيرهم .
وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق عامة، فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»(رواه البخاري). 
 وقال صلى الله عليه وسلم:(التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) (رواه الترمذي وقال حديث حسن)، هو التاجر الذي يلتزم الأمانة والصدق في بيعه وشرائه وفي سائر معاملاته، 
 وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) » (رواه البخاري ومسلم). وكذلك نهي عن الحلف كاذباً: فإن الحلف كاذباً حرامٌ، وأشده حرمة من أجل الكسب؛ 
فعن أبي ذر رضي الله عنه ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنّان الذي لا يعطي شيئاً إلا منّة، والمنفق سعلته بالحلف الكاذب) (رواه مسلم )
ولقد أعطي السلف الصالح نموذجا رائعا للتاجر الصادق الأمين : 
هذا يونس ابن عبيد الله رحمه الله تعالي من التجار فكان عنده حلل مختلفة الأثمان، ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة، وضرب كل حلة قيمتها مائتان، فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها، فاشتراها فمضى بها وهي على يديه، فاستقبله يونس فعرف حلته، فقال للأعرابي: بكم اشتريت؟ فقال بأربعمائة، فقال: لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها، فقال: هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها، فقال له يونس: انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم، وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال: أما استحييت، أما اتقيت الله، تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين، فقال: والله ما أخذها إلا وهو راض بها، قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك.. 
7ـ الشعور الدائم بمراقبة الله تعالي :
وهذا من منهج الإسلام الذي وضعه لتربية الناس على خلق الأمانة خاصة في البيع والشراء فقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى، والإحساس بمعيته في جميع الأحوال في السفر والحضر، في الخلوة والجلوة، في الليل والنهار، في السرّ والعلانية، كما في قوله تعالى:( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)) المجادلة. 
 كما غرس فيهم عقيدة إحصاء الأعمال وتسجيلها على أصحابها بواسطة الملائكة كما في قوله تعالى: «وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون» الانفطار .. كما غرس فيهم عقيدة البعث والحساب على الأعمال يوم القيامة، كما في قوله تعالى:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) الزلزلة. 
 وهكذا ربط هذا المنهج التربوي الناس بربهم فراقبوه في أعمالهم حتى أينعت ثمرات هذا المنهج، فظهرت الأمانة في أبهى صورها عبر أحداث روتها لنا كتب الحديث الصحيحة ومن ذلك ما روى عن عبد الله بن دينار أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر بنا راعٍ من الجبل فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك فقال: قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي: فأين الله؟ 
فبكى عمر رضي الله عنه ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك الصدق في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن يعتقك في الآخرة. 
 8ـ عدم الاحتكار :
وهو حبس الشيء عن العرض وقت الرخص، وبيعه وقت الغلاء في السوق، وعند اشتداد الحاجة إليه.
لأن الاحتكار حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحتكر إلا خاطئ)» رواه مسلم وأبو داود)، ويتناول كل سلعة يحتاج إليها المسلمون، ووصفه أنه "خاطئ" ليس هيّناً، وقد وصف الله فرعون وهامان وجنودهما فقال{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} {القصص:8. ) . 
وقد وصف الله تعالي أهل النار بأنهم خاطئون فقال تعالي { وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ(37)} الحاقة . 
 وروي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس)(الترغيب والترهيب)، وروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى) (الترغيب والترهيب). 
 وذهب جمهور الفقهاء على أن ما يحرم احتكاره هو أقوات الآدميين والدواب، بينما يرى فريق من الفقهاء منهم المالكية حرمة احتكار كل ما يحتاجه الناس وإن لم يكن من قبيل الأقوات، فيدخل على هذا احتكار مواد البناء والأدوية والثياب والسلع الاستهلاكية ونحوها من كل ما يحتاجه الناس ويترتب على احتكاره ضيق لهم وعنت وأضرار بهم. إنَّ الاحتِكار جريمةٌ ضدَّ الإنسانيَّة تستوجِبُ الطَّرد من رحمة الله؛ ولذلك قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم:(الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)؛ لأنَّ المحتكرين كما يقول أحد أساتذة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية - تائِهون في مُطاردة المال الذي يَجب أن يكون الوسيلةَ إلى الحياة الطيِّبة، لا غاية في ذاته، حتى نسُوا الغاية وأمعنوا في التعلُّق بالوسيلة. فأين أولئك المحتكرون أصحاب رؤوس الأموال في الدول الكبري من موقفِ المسلمين في مشارِق الأرْض ومغاربِها عام الرَّمادة، يوم أن أصاب القحط الجزيرة العربية، فانْهمرت المؤن من مِصر وإفريقيا والعِراق، وكل أرْضٍ عَلَتْ فيها رايةُ الحقِّ - لتنقذ إخوةً في الإنسانية، حتَّى كانت قوافل عمرو بنِ العاص بالنَّجدة أوَّلها في المدينة المنوَّرة، وآخرها في الفسْطاط على النيل. 
 وأين هم من سيدنا عثمان ابن عفان رض الله عنه هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا و نزيدك الدرهم درهمين ؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا . فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة : فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين ..
الله أكبر!! … ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات … إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر.
9ـ الحذر من الربا : 
الحذر كل الحذر من الربا ،وذلك للنصوص الكثيرة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة الدالة على حرمة المعاملات الربوية، من مثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}(البقرة)، وقال تعالي له:{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ (275)}(البقرة).
وعند مسلم وغيره من حديث جابر : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقال : هم في الإثم سواء
10ـ البعد عن الإضرار بأهل السوق من التجار : 
إذا لا يجوز للتاجر أن يبيع علي بيع أخيه كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري ومسلم:"لا يبع بعضكم على بيع بعض".
كذلك لا يجوز له أن يبيع سلعته بأرخص مما يبيع أهل السوق، رغبة في الإضرار بهم، وإحداث الكساد لتجارتهم، وقد نهى سيدنا عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين التجار عن الإضرار بزملائهم في السوق، ببيع سلعهم بأرخص مما يبيع به سائرهم، فقد روي عن سعيد بن المسيب: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهو يبيع زبيبا له في السوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا»(سنن البيهقي)، 
وما روي عن عمرو بن شعيب قال: «وجد عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟، فقال: مُدّين، فقال له عمر: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا، وتقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعاً وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض واجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم»(مصنف عبدالرزاق)، وقول عمر رضي الله عنه ذلك لحاطب يدل على حرمة مخالفة بعض البائعين للسعر الذي تعارف عليه سائرهم لبيع سلعهم به في السوق، ولهذا طلب عمر من حاطب الالتزام بنظام السوق في البيع، حتى لا يضر بمن يبيعون نفس السلعة، أو يجلب سلعته ثم يبيعها في أي موضع آخر غير السوق، وفي هذا حماية للبائعين حتى من زملائهم الذين يبيعون نفس السلعة في السوق . 
 11ـ اليسر والسماحة في البيع والشراء :
كثيرًا ما يخسر الناس بعضهم البعض بسبب البيع والشراء؛ وذلك لأن كل طرف يُريد أن يحقِّق أكبر قدر من الربح؛ وحيث إن الكثير من البضائع ليس لها سعر محدَّد معروف يُصبح التفاوض حول الثمن أمرًا حتميًّا قد يقود إلى أزمات بين البائع والمشتري؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى دومًا إلى سلامة العلاقات الإنسانية في مجتمعه فإنه وَجَّه الجميع إلى التعامل بروح السماحة في العمليات التجارية المختلفة؛ فقد روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى".
وهذه السماحة تقتضي أن يتنازل كلُّ طرف عمَّا يراه مناسبًا، ولو بدرجة نسبية؛ بحيث يلتقي البائع والمشتري في منتصف الطريق؛ وذلك دون أن تضيع روح المودَّة والأدب بين الطرفين. وفي لفظ آخر للترمذي: غَفرَ الله لرجل كان قبلكم سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى ) أخرجه الترمذي عن جابر وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام أيضاً:أَلا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار ؟ على كل قريب هين سَهْل( [ الترمذي . 
 12ـ إعطاء حق الله فى المال :
مثل الزكاة والصدقات حتى تتحقق البركات والنماء والطهارة.
يقوّم بضاعته كل عام ويزكيها بنسبة ربع العشر، أي: 2,5%، في كل ما هو معد للبيع، ويصرفها كما أمر الله تعالى في الأصناف الثمانية، فلا يترك للشيطان مجالاً للوسوسة وللأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر، كما قال تعالى}الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(268){ البقرة وقوله تعالى }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) {سبأ. 
 العنصر الرابع : أثر الالتزام بالضوابط الشرعية في التجارة :
 هذه الضوابط الشرعية للتجارة تحقق المقاصد الآتية: 
 - تحقيق الخير والبركة والنماء في الأرزاق .
 - تجنب الوقوع في الحرام وبالتالي عدم ارتكاب الذنوب والمعاصي والرذائل . 
 - تجنب الشك والريبة بين المسلمين وتحقيق العدل بين الناس في المعاملات . 
 ـ التأكيد على شمولية الإسلام وأنه دين عبادات وأنه منهج حياة . 
 - الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم وربط الأقوال بالأفعال . 
 - تقديم نموذج متميز لرجل الأعمال المسلم في حلبة الحياة العملية . 
 ـ التمكين لشرع الله أن يطبق ويسود لإنقاذ البشرية مما هي فيه من بؤس وشقاء وضنك. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك لنا في أموالنا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا ، واللهم اغننا بحَلالِك عن حرامك وبفضلك عمَّن سواك ، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم . 
اللهم آمين

تمت بفضل الله ورحمته

21 فبراير 2017

سنة التغيير



قال الله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(11)[ [الرعد]
وقال تعالي} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(53){ [الأنفال:53].
إذاً التغيير من الأمن إلى الخوف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الوحدة إلى الشتات، ومن القوة إلى الضعف، ومن النصر إلى الهزيمة، ومن حال إلى حاله، هو بإذن الله تعالى، بسبب سنة حقت على هؤلاء القوم، فهم غيرَّوا فغيرَّ الله تعالى ما بهم، كما قال الشاعر:
لو أَنصفوا أُنصفوا؛ لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالأرزاء والنوب
وقد ذكر الله تعالى عدداً من القصص منها قصة سبأ مثلاً وذكر ما كانوا فيه: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ 
نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:15-17]. إذاً حقت عليهم سنة من سنن الله تعالى. كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى، وكيف تغيرت أحوالهم، من حسن إلى قبيح، ومن قبيح إلى حسن بسبب أعمالهم وهذه القصة باختصار وهي في الصحيحين: {أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر
أن ثلاثة من بني إسرائيل أو أراد الله تعالى كما في الرواية الأخرى في الصحيح أن يبتليهم، فجاء مَلَكٌ في صورة إنسان إلى الرجل الأول، وقال له: أي شيء أحب إليك؟
وكان أقرع، فقال: أن يذهب عني هذا الذي قدرني الناس به ويعود إليَّ شعر حسن، فقال: أي المال أحب إليك؟
قال: الإبل أو البقر، وأتى إلى الأبرص، وقال: يذهب عني هذا الذي قذرني الناس به، ويعود لي جلد حسن، وسأله أي المال احب إليك؟
قال: الإبل أو البقر، والثالث أعمى قال: أن يرد الله عليَّ بصري قال: أي المال أحب إليك؟
قال: الغنم فذهب عنهم ما فيهم من الآفات وأعطاهم الله تعالى من المال ما أعطاهم، إذاً هذا التغيير حكمة لله تعالى وبعد ذلك 
جاء هذا الملك في نفس الصورة إلى الأول، وذكَّره بحاله، وقال: أريد شيئا أتبلغ به، قال: إنما ورثت هذا كابراً عن كابر، والحقوق كثيرة، قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت! وجاء للثاني فرد عليه نفس الأول كذلك، وجاء للأعمى فقال: نعم! قد كنت أعمى فرد الله عليَّ
بصري، وقد كنت فقيراً فأغناني الله، فخذ ما شئت ودع ما شئت، والله لا أرزؤك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل، فقال: أمسك عليك مالك، فإنما أراد الله تعالى أن يبتليكم، وقد رضي الله تعالى عنك، وسخط على صاحبيك}.
جرائم خطيرة مؤذنة بفساد الأحوال 
إذاً: هذه أيضاً من السنن الإلهية، فالتغيير -مثلاً- من العدل إلى الظلم، سواء ظلم النفس أم ظلم الرعية، حتى أهل الذمة ممن لا يجوز ظلمهم، فكيف بالمسلمين الذين قد يُظلمون وتضرب أبشارهم وجلودهم؟! وتؤخذ أموالهم أو يمنعون من الجهر بكلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحال بينهم وبينها؟! هذا الظلم هو من التغيير الذي يعاقب الله تبارك وتعالى عليه، ولهذا قال الإمام أحمد في مسنده: عن أبي قذم قال: وجد رجل في زمن ابن أبي زياد صرة من حب -من البُر- أمثال النوى -أي كبيرة جداً مكتوب فيها، هذا نَبت في زمن كان يُعمل فيه بالعدل.
إذاً: حتى ما يجده الناس من النقص هو بسبب الظلم.
كذلك التغيير من الإيمان إلى الكفر، وواقع الدولة الإسلامية كله شاهد على ذلك، وقد ذكر الله تعالى في كتابه قصة هذه القرية: قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] (فكفرت) وهذا هو الشاهد بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].
والاتجاه المعاكس فالتغيير من الخير والسعة والسعادة والغنى والقوة إلى ضد ذلك هو بسبب أعمال الناس، كذلك العكس التغيير من الضعف إلى القوة، ومن الهزيمة إلى النصر هو بتوفيق الله تعالى بسبب عمل الناس.
مقومات التغيير :
أولها: العقيدة: فالإيمان بالله تعالى يُـعدّ شـرطاً أوّلياً لبسـط النعـمة، أوبالمـصطلـح المعاصـر: «الحضــارة» أو الرفاهية والرخاء. 
والعمل الصالح الذي يترجم هذا الإيمان إلى سلوك هو صِمَام الأمان للحفاظ على هذه النعمة أو الحضارة.
وثانيها: الإنسان: وهو محور التغيير؛ لأنه اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فلا بد من تزكيته وتربيته وتهييء إرادته للعمل والإبداع عن طريق شحذ قوته الداخلية: الروحية والعاطفية والنفسية والعقلية، ليمتلك رصيداً ضخماً في مجال المبادرات الحضارية.
وثالثها: الزمن: بكونه عاملاً رئيساً لإنضاج عملية التغيير، ذلك أن التغيير النوعي في المجتمع يتطلّب فترة زمنية كافية حتى يكتمل، ويؤتي ثمار يانعة سائغة.
وحتى يكون التغيير مثمراً ينبغي أن يبدأ في محتويات الأنفس بتربية المجتمع على
«مثل أعلى» يضحي من أجله، وبذا يكون المجتمع في أعلى درجات الصحة، حيث يكون الولاء لـ «المثل الأعلى»، وهو المحور الذي يتمركز حوله فكر وإرادة وسلوك الأفراد وعلاقاتهم وسياسات المجتمع، وفي هذه الحالة يتسلّم مركز القيادة الأذكياء المخلصون الذين يحسنون (فقه القيادة) واتخاذ القرارات المناسبة؛ لأن حالة القوة تولد حين يتزاوج عنصران هما: الإخلاص في الإرادة، والصواب في التفكير والعمل.
أما عندما تتشكل شبكة العلاقات في المجتمع طبقاً لمحاور الولاء الفردي والعشائري والمذهبي والحزبي، وطبقاً للدوران في فلك (الأشخاص) و (الأشياء)؛ فإن الإنسان يصبح أرخص شيء داخل المجتمع وخارجه، ويدور الصراع داخل المجتمع نفسه، ويمزقه إلى شيع وطوائف وأحزاب يذيق بعضها بأس بعض، ثم يكون من نتائج ذلك الفشلُ الذريع وذهاب الريح والسقوط الحضاري.
كيف يتم التغيير؟
يبدأ الاتجاه من النفس، وأول ما يبدأ التغيير نحو الأحسن من قناعتك أنت بفساد الحال، ولهذا يتساءل الكثيرون: لماذا الكلام عن فساد الواقع؟
فنقول: لأنه لا يمكن إصلاح الواقع- أي واقع كان- إلا بعد الاقتناع بأن الواقع فيه جوانب من الفساد لابد من إصلاحها، فأول خطوة:هي الاقتناع بفساد الحال.
وثاني خطوة: هي الاقتناع بإمكانية التغيير، أن يمكن تغيير هذا الواقع نحو الأحسن.
وثالث خطوة: هي القناعة بإمكانية أن تكون أنت، شخصياً، شريكاً في هذا التغيير، وليس غيرك، لا نريد إنساناً يقول: أنا لا حيلة لي، أو لا أستطيع، لا،نقول حاول جرب.
ورابع خطوة: هي أن تقتنع بأن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا وفق المنهج الشرعي.
وخامساً وأخيراً: أن تبدأ بالإصلاح ولو بخطوة واحدة، بإصلاح نفسك، وأهل بيتك أو من حولك